كتب

الإسلام بين الشرق والغرب.. الحل العالمي الإسلامي كما يراه بيجوفيتش

غلاف الطبعة السادسة للكتاب – مواقع التواصل
غلاف الطبعة السادسة للكتاب – مواقع التواصل

“الإسلام ليس دينًا وحسب، بل هو الإنسانية كلها”.. بهذا المفهوم الشمولي الواسع للإسلام، ينطلق كتاب “الإسلام بين الشرق والغرب” ليؤسس لما يمكن اعتباره بحق موسوعة فلسفية فكرية كاملة؛ فهو يتناول أهم القضايا الفلسفية والفكرية المعاصرة التي تشغل العالم حتى الآن، وليس مجرد قضية جزئية محدودة المكان والزمان، فهو يستحق أن يرقى إلى مصاف الكتب الفكرية العالمية، لا القُطرية الضيقة التي تخاطب شريحة محدودة دِينًا أو عِرقًا أو وطنًا.

يقع الكتاب في نحو 317 صفحة، طبعت نسخته السادسة، التي بين أيدينا، دار الشروق بالعاصمة المصرية القاهرة، عام 2015م، ترجمة: محمد يوسف عدس، وتقديم: عبد الوهاب المسيري.

تعريف بالمؤلف

إن مؤلفه المفكر الكبير علي عزت بيجوفيتش (1925 – 2003)، الرئيس السابق للبوسنة، ليس مفكرًا عاديًّا؛ فهو، كما وصفه عبدالوهاب المسيري في كتابه مقدمة لقراءة فكر علي عزت بيجوفيتش: “ليس مجتهدًا وحسب، وإنما هو مجاهد أيضًا؛ فهو مفكِّر ورئيس دولة، يحلل الحضارة الغربية ويبيِّن النموذج المعرفي المادي العدمي الكامن في علومها وفي نموذجها المهيمن، ثم يتصدى لها ويقاوم محاولتها إبادة شعبه”.

كما يتضح أنه قد درس الفلسفات الغربية دراسة معمقة، وألَمَّ بها بشكل غير عادي، “وهو ليس كإلمام أساتذة الفلسفة الذين يعرضون الأفكار الفلسفية المختلفة عرضًا محايدًا، بل هو إلمام المتفلسف الحقيقي الذي يقف على أرضية فلسفية راسخة، ويُطلُّ على الآخر فيدرك جوهر النموذج المعرفي الذي يهيمن عليه، فنراه يتحدث بطلاقة غير معتادة عن (نيتشه) و(ياسبرز) و(كيركجارد)، وذلك في سطور قليلة تبين مدى استيعابه لرُؤَاهم الفلسفية، وكذا مدى وصوله إلى أعماقها وبنيتها المادية العدمية المدمرة، أو بنيتها الإيمانية الكاملة”، بحسب وصف المسيري.

محتوى الكتاب

الكتاب يشتمل على مقدمة للمؤلف، وقسمين رئيسيين، وخاتمة، يقع القسم الأول في نحو 191 صفحة؛ حيث يشكِّل ما يقرب من ثلثي الكتاب، وقد جاء بعنوان: (مقدمات: نظرات حول الدين)، ويحتوي على ستة فصول، يناقش فيها المؤلف موقف كل من الدين والإلحاد من قضية أصل الإنسان والقضايا الأخرى المتصلة بها، كقضية التطور وقضية الخَلق.

وجاءت عناوين فصول القسم الأول كالتالي:

الفصل الأول: الخَلق والتطور.

الفصل الثاني: الثقافة والحضارة.

الفصل الثالث: ظاهرة الفن.

الفصل الرابع: الأخلاق.

الفصل الخامس: الثقافة والتاريخ.

الفصل السادس: الدراما والطوبيا.

ويقع القسم الثاني في نحو 111 صفحة، ويشكل ثلث الكتاب تقريبًا، وقد جاء بعنوان: (الإسلام: الوحدة ثنائية القطب)، ويحتوي على خمسة فصول، ويمكن أن نعتبر هذا القسم تطبيقًا للمقدمات النظرية التي تناولها القسم الأول، وجاءت عناوين فصوله كالآتي:

الفصل الأول: موسى وعيسى ومحمد.

الفصل الثاني: الإسلام والدين.

الفصل الثالث: الطبيعة الإسلامية للقانون.

الفصل الرابع: الأفكار والواقع.

الفصل الخامس: الطريق الثالث خارج الإسلام.

 مقتطفات من الكتاب

على طول الكتاب، يمكن أن تقتبس منه حِكما عظيمة وأقوال ملهمة يمكن أن تشّكل وحدها موضوعا بحثيا متكاملا، ولعل من الجيد الوقوف على بعضها في هذا العرض:

* “إذا كان الإنسان هو ابن الطبيعة كما يقولون، فكيف تسنى له أن يبدأ في معارضة الطبيعة؟ فكرة أن يُضحي الإنسان بنفسه في سبيل الآخرين، أو أن يرفض بعض رغباته، أو أن يقلِّل من حدة ملذاته الجسدية، كل هذا لا يأتي من ناحية عقله، إن مبدأ وجود الحيوان هو المنفعة والكفاءة، وليس هذا هو الحال بالنسبة للإنسان… على عكس ذلك، نجد أن المبادئ الأخلاقية في كل من المجتمع المتحضر والمجتمع البدائي تُضعف كفاءة الإنسان (الحيوانية)”.

* “الفرق الحاسم بين الإنسان والحيوان ليس شيئًا جسميًّا ولا عقليًّا، إنه فوق كل شيء أمر روحي يكشف عن نفسه في وجود ضمير ديني أو أخلاقي أو فني، إنَّ الإنسان لا يسلك في حياته كابن للطبيعة، بل كمُغترب عنها، شعوره الأساسي هو الخوف، إلا أنه ليس خوفًا بيولوجيًّا كذلك الذي يستشعره الحيوان، إنما هو خوف روحي كوني بدائي موصول بأسرار الوجود الإنساني وألغازه…”.

* “إذا وجدنا في اكتشاف أثريٍّ حجرين موضوعين في نظام معين، أو قُطِعا لغرض ما، فإننا جميعًا نَستنتِج بالتأكيد أن هذا من عمل إنسان في الزمان القديم، فإذا وجدنا بالقرب من الحجر جمجمةً بشرية أكثر كمالاً وأكثر تعقيدًا من الحجر بدرجة لا تُقارن، فإن بعضًا منا لن يفكر في أنها من صنع كائن واعٍ، بل ينظرون إلى هذه الجمجمة الكاملة أو الهيكل الكامل كأنهما قد نَشأا بذاتهما أو بالصدفة، هكذا بدون تدخُّل عقل أو وعي، أليس في إنكار الإنسان للهِ هوًى بَيِّن؟”.

* “إن قضية الخَلق هي في الحقيقة قضية الحرية الإنسانية، فإذا قبلنا فكرة أن الإنسان لا حرية له، وأن جميع أفعاله محددة مسبقًا – إما بقوة جوانية أو برانية – ففي هذه الحالة لا تكون الألوهية ضرورية لتفسير الكون وفهمه، ولكن إذا سلَّمنا بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله، فإننا بذلك نعترف بوجود الله، إما ضمنًا وإما صراحة؛ فالله وحده هو القادر على أن يخلق مخلوقًا حُرًّا، فالحرية لا يمكن أن توجد إلا بفعل الخَلق”.

* “الإنسان لا يُصلحه أن يحيا بحواسه فقط كما تزعم المادية… والحضارة أبعد مِن أن تمنَحَ لحياتنا معنى، إنما هي في الحقيقة جزء من الهراء في وجودنا.. هذا النقد للحضارة ليس دعوة لرفضها؛ فالحضارة لا يمكن رفضها حتى لو رغبنا في ذلك، إنما الشيء الوحيد الضروري والممكن هو أن نحطِّم الأسطورة التي تحيط بها؛ فإن تحطيم هذه الأسطورة سيؤدي إلى مزيد من أَنْسَنَة هذا العالم، وهي مهمَّة تنتمي بطبيعتها إلى الثقافة”.

* “ستظل أوروبا تفكر في إطار الاختيارات المسيحية: إما مملكة الرب وإما مملكة الأرض، ستظل أوروبا تُنكر بكل ما فيها من مرارة العلم أو الدين، ولكن يوجد جزء من العالم الغربي – بسبب موقعه الجغرافي وتاريخه – بقي مُتحررًا من التأثيرات المباشرة لمسيحية القرون الوسطى، متحررًا من العُقد المستعصية لهذا العصر، هذا الجزء من العالم الغربي كان دائم البحث عن طريق ثالث، وقد اهتدى إليه، وهو يحمل في ثناياه ملامح من الطريق الثالث للإسلام، والدولة التي أعنيها هي إنجلترا، وإلى حد ما أيضًا العالم الأنجلوسكسوني بصفة عامة”.

* “من وجهة نظر فلسفة التاريخ، يعتبر ظهور إنجلترا والروح الأنجلوسكسونية في تاريخ الغرب أشبه بظهور الإسلام في تاريخ الشرق، ولعل هذا هو ما عناه شبنجلر في مقارنته بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبين كرومويل… إن التوحيد بين الكنيسة الإنجليزية والدولة، وكذا ظهور الإنجليز كقوة عالمية، كل ذلك بدأ بكرومويل، وكذلك بدأت بمحمد وحدة الدين والدولة وظهور القوة العالمية للإسلام، وكان كلاهما مؤمنًا متطهرًا ومؤسسًا لإمبراطورية كبرى، ويبدو أن هذا أمر طبيعي جدًّا بالنسبة للعقل الإسلامي والعقل الأنجلوسكسوني، ولكنه شديد الغرابة عند العقل الأوروبي..”.

خلاصة الكتاب

يدور الكتاب حول تحليل الثنائيات الصارمة التي انقسم العالم المعاصر إليها (المادة / الروح، الإلحاد / الدين، التطور / الخَلق، الحضارة / الثقافة، العلم / الفن، الطوبيا / الأخلاق)، هذه الثنائيات تمثِّل طرفي نقيض لا يجتمعان عقلًا، فالشخص إما مؤمن أو مُلحد، مادي أو روحي.. إلخ، ولكن ما موقع الإسلام من هذه الثنائيات؟ والسؤال بالأحرى: ما موقع الإنسان من هذه الثنائيات؟

لقد فرَّق علي عزت بيجوفيتش بين ثلاثة مفاهيم: (المادية – الدين – الإسلام)، فالدين والمادية هما طرفا نقيض لا يجتمعان أبدًا، والإسلام هو حلقة الوصل بينهما؛ فقد تعامل بيجوفيتش مع مصطلح الدين بالمفهوم الأوروبي؛ من أنه علاقة روحية شخصية بين العبد وربه عن طريق شعائر وطقوس فردية، بخلاف الإسلام الذي يحتوي الحياة كلها، واستطاع بيجوفيتش أن يبرهن بأسلوبه الرائع على الخلل والإشكالية الحادثة في المنظومة المادية البحتة، أو الدينية البحتة، موضحًا ما انتهى إليه الأمر من اضطراب وخلل جسيم عَمَّ الإنسانية؛ لشعورها بعدم التحقُّق في أي مِن المنظومتين (الدين أو المادية)، لينتهي بنا المؤلف إلى أن الإسلام هو الإنسانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى