مبادرات الوعي

“المماليك”.. مبادرة للتعريف بـ”الآثار المنسية” في مصر القديمة

الباحث يوسف أسامة بإحدى حلقات مبادرته – مواقع التواصل
الباحث يوسف أسامة بإحدى حلقات مبادرته – مواقع التواصل

بكاميرا هاتف محمول وغزارة معرفية ملحوظة وكثير من التحدي، ينطلق الباحث التاريخي يوسف أسامة، في شوارع القاهرة القديمة بين الأزقة والحواري متجاوزا أسوارا وأبنية تراكمت حولها القمامة، ليمسح بيديه وكاميرته ولسانه المنطلق التراب عن لافتات تحمل أسماء أبطال مرحلة خالدة في تاريخ مصر القديمة، الدولة الفاطمية والأيوبية والمملوكية، ويكشف ما آلت إليه أحوالها من إهمال غير مسبوق، ويعيد من جديد كشف وجهها البهي الذي يضم بين جنباته عظمة القاهرة وريادتها الإسلامية.

مبادرة يوسف للتعريف بالآثار الإسلامية المنسية بمصر القديمة أطلق عليها اسم “المماليك”، ودشن لها صفحة على منصة التواصل الاجتماعي الزرقاء، فيسبوك، يبث من خلالها حلقاته الدورية، حيث يمسك هاتفه المحمول بطريقة “السيلفي” ليبدأ في شرح تاريخ المكان الذي يزوره، حاصدا بعدها آلاف الإعجابات والتعليقات والمشاركات وردود الأفعال.

 

فكرة المبادرة

يقول يوسف أسامة، في حوار صحفي، إن مجال دراسته هو الآثار الإسلامية كما أنه مجال عمله أيضا حيث يعمل باحثا في التاريخ الإسلامي، الأمر بدأ منذ عامين تقريبا حين طلب منه بعض أصدقائه أن يقوم بتعريفهم بتاريخ بعض الآثار الإسلامية فأخذ في اصطحابهم في جولات ليشرح لهم تاريخ هذه الآثار الإسلامية، وبمرور الوقت بدأ عدد من أصدقائه في دعوة أشخاص آخرين لا يعرفهم، بعد عام من تلك الجولات فكر “يوسف” أن يقوم بتصوير فيديوهات لهذه الجولات ونشرها على صفحته على موقع “فيس بوك” وهى الفيديوهات التي بدأت تلقى قبولا كبيرا من المشاهدين.

كان التفاعل في بدايته مقتصرا على المهتمين بالشأن التاريخي، حتى حقق واحد من فيديوهات يوسف أسامة انتشارا كبيرا، وهو فيديو عن “الجبخانة” أو مصنع السلاح الضخم الذي بناه محمد علي لتسليح الجيش المصري، والذي يقع في منطقة أسطبل عنتر ويلقى اليوم ظروفًا من الإهمال الكبير. الفيديو حقق على صفحة أسامة 200 ألف مشاهدة، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المشاهدات على صفحات أخرى قامت بنقل الفيديو عنه.

 

أهداف المبادرة

يؤكد أسامة، على أن لدى مصر العديد من الآثار المنسية والمجهولة، ويقول: “إذا نجحنا في تسويقها يمكننا أن نصنع ما يوازى 5 شوارع معز، قمت بـ36 جولة لم تتكرر منهم واحدة”، مضيفًا: “لدينا مثلا تراث يهودي عظيم في حارة اليهود التي بها ثلاث معابد يهودية يمكن مثلا أن نسوق لها في الخارج، لدينا أيضا طريق الدرب الأحمر، وطريق باب الوزير اللذان من الممكن أن يتحولا إلى شارع معز لكل منهما، وهناك أيضا في بولاق أبو العلا مساجد وتراث لا مثيل له في العالم”.

ويتابع أسامة قوله: “هناك اتجاه عالمي لاستكشاف آثار دولة المماليك، ففي الولايات المتحدة هناك معاهد متخصصة لدراسة آثار المماليك، تلك الدولة التي قامت على أرضنا وكانت القاهرة عاصمتها لـ 276 عاما، كما أن إصدارات الجامعة الأميركية حول التاريخ المصري هذا العام مثلا كان أغلبها حول دولة المماليك”.

 

معوقات تواجه المبادرة

يطالب يوسف، الدولة أن تساعده بمنحه التصاريح اللازمة للتصوير، مشددًا على أن صعوبة الأماكن وخطورتها لا تهمه كثيرا لكن الصعوبة التي قد يواجهها في عدم فهم ما يقوم به هي الأهم، خاصة من بعض الجهات الرسمية، قائلا: “في أحد المرات استوقفتني شرطة الآثار بالمعبد اليهودي في أحد الجولات، وطلبوا أن يروا الفيديوهات التي أقوم بتصويرها وأخذوا يتحدثون معي بشأنها، بعدها فضلت مثلا ألا أذهب مرة أخرى إلى منطقة مصر القديمة”.

واستطرد يوسف أسامة، حديثه: “عايز اللى بعمله يبقي بشكل رسمي، بحيث أقدم شغلي وأنا مش خايف إن كلامي يضايق حد أو يتفهم إني بهاجم الدولة أو حتى مفتشين الآثار لما بظهر الآثار المنسية، أنا مش عايز فلوس، اللي يهمني إن الناس تتعلم وتعرف تاريخها، نفسي المصريين يعرفوا الكنز اللي موجود وسطهم ومش حاسين بيه”.

 

توصيات المبادرة

يرى يوسف أسامة، أن هناك مشكلة تواجه الدولة حاليًا في الاهتمام بتلك الآثار، قائلا: “الدولة تعرضت لظروف صعبة بعد ثورة 25 يناير، كان لدينا 12 مليون سائح يدخلون إلى مصر ويحملون معهم العملة الصعبة، الدولة كانت تأخذ هذه الأموال وتعيد ضخها من جديد إلى عمليات ترميم أثرية ضخمة مثل ترميم شارع المعز، ولكن منذ العام 2011 انخفضت أعداد السائحين وتوقفت كل هذه المبادرات”.

ويرى يوسف أن هناك مشكلة في توعية المواطنين حول هذه الآثار المنسية بتاريخهم، متابعًا: “لابد أيضا أن نقوم بتوعية الناس حول أهمية هذه الآثار، وأنها ليست ملكية خاصة بهم أو مجرد حجارة مهملة، بل هي آثار هامة ويجب أن يتم تطويرها، وأن يدرك المواطن ما يحيط به من آثار قيمة، كما لابد أيضا من توفير حراسة على تلك الآثار”.

 

وقفة مع أحد حلقات المبادرة

ما يميز “أسامة” أنه يذهب إلى آثار غير معروفة ولم يسمع عنها الكثيرون أو يزوروها، وذلك في ظروف صعبة، يحكى أسامة عن رحلة الصعود إلى مسجد “شاهين الخلوتي”، فيقول: “أجّرنا سُلم من أحد التربية في المقابر الواقعة تحت جبل المقطم، ووضع لنا السلم على سطح أحد المدافن الضخمة ثم أخذت أنا و5 من أصدقائي في تسلق جبل المقطم حتى وصلنا إلى داخل مسجد شاهين الخلوتي، وبدأت التصوير.

بخلاف الصور المأخوذة لمسجد شاهين الخلوتي من بعيد، لا يوجد صور كثيرة للمسجد من الداخل، ويعتبر أسامة واحد من القلائل الذين نقلوا صورة لما في داخل المسجد، بل وصعد مأذنته المتهالكة ليشرح من فوقها عمارة المبنى، وأهم المعالم داخله مثل “خلوات الصوفيين” أو حُفرهم في قلب جبل المقطم، والأهمية الدينية لجبل المقطم في تصورات المسلمين الأوائل.

والآن، فإن الجولات التي بدأها يوسف بين أصدقائه قبل عامين، تطورت اليوم عبر صفحته، أوضح يوسف، أن آخر جولة شارك فيها 45 شخصا، كما أن هناك جهات رسمية عرضت عليه أن يتم عمل هذه الفيديوهات بشكل احترافي، وهناك حاليا طلب من إذاعة صوت العرب أن تمنحه نصف ساعة أسبوعيا للتعريف بآثارنا المنسية.

 

لمشاهدة كافة حلقات المبادرة عبر يوتيوب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى