تحليل إخباري

انتصار غزة 2018.. القصة الكاملة لسقوط حكومة اليمين

نتنياهو بعد عودته من باريس على خلفية الأحداث – الجزيرة
نتنياهو بعد عودته من باريس على خلفية الأحداث – الجزيرة

أثبتت أحداث غزة الأخيرة قدرة الشعب الفلسطيني على التحدي، على التصدي ومناجزة جيش الاحتلال، رغم تفاوت الإمكانيات العسكرية والبشرية واللوجستية، الذي أسفر في النهاية عن مقتل وإصابة العشرات من الجانبين.

لم يفتّ في عضد الفلسطينيين الاختراقات السياسية التي حققها الاحتلال في الجسم العربي، ولم ينتظروا عودة الدعم المجمد من الأشقاء العرب، ولم يعيروا اهتماماً للتهديدات المتصاعدة، واستمروا بالمواجهات المباشرة المفروضة عليهم حصارا وحربا، كما استمروا في التصدي للرصاص بصدورهم العارية وصواريخهم البدائية، أمام نظر العرب والعالم أجمع، حيث أغمض الجميع عينيه، وتجاهل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد الفلسطينيين، شيباً وشباباً، نساءً ورجالاً، بدماء باردة وبترسانة أسلحة هي الأشرس في العالم!

هذا الاختلال المتزايد في موازين القوى، لم يمنع الفلسطينيين من خوض المعركة الأخيرة ضد العدوان، الذي لم يغدر بأحد قياديي حركة «حماس» وحسب، بل غدر بالجهود التي كانت تُبذل على أكثر من صعيد للتهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، على الحدود بين غزة والمناطق المحتلة.

نستعرض معكم عبر السطور التالية القصة الكاملة للانتصار الغزاوي 2018:

الأحد صباحًا: بداية الأحداث

تسللت قوة احتلال خاصة إلى خانيونس جنوبي قطاع غزة مساء الأحد 11 نوفمبر، في تحرك قيل أنه يمثل عملية “إنقاذ” سرية ومهمة لجمع معلومات استخباراتية.

كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، سرعان ما كشفت العملية بقيادة القائد القسامي نور بركة، وأفشلتها عبر الاشتباك مع الوحدة المتسللة التي حاولت الفرار تحت غطاء كثيف من نيران طيران الاحتلال الحربي.

أسفر ذلك عن مقتل قائد الوحدة الإسرائيلية وهو ضابط رفيع المستوى، واستشهاد “بركة” و6 قسّاميين، لتنطلق صافرات إنذار الحرب بالمستوطنات المتاخمة ويصدر الأمر لجميع سكان المستوطنات بالبقاء في الملاجئ، ويقطع بنيامين نتنياهو زيارته لباريس ويعود إلى تل أبيب فورًا.

الاثنين صباحا: إعلان التفاصيل

في الصباح التالي، أعلنت “القسّام” تفاصيل الاشتباك مع منفذي العملية الفاشلة التي استشهد فيها بركة و6 مقاومين آخرين فضلًا عن سقوط جرحى، فيما توعدّت فصائل المقاومة الاحتلال برد قاس وأعلنت النفير العام لجميع مقاتليها ووحداتها الميدانية.

وقالت كتائب القسام إنها تمكنت من إفشال مخطط “صهيوني” عدواني كبير استهدف خلط الأوراق ومباغتة المقاومة وتسجيل إنجاز نوعي، مؤكدة أن العملية كانت تهدف إلى توجيه ضربة قاسية للمقاومة داخل القطاع.

الاحتلال بدوره اعترف بسقوط قتيل قيل إنه ضابط رفيع في جيش الاحتلال، وانتشرت صورته على مواقع التواصل، وإصابة آخر وأحدثت تأثيرا معنويا فارقا.

بعد ذلك، أقر محللون عسكريون بفشل عملية خانيونس وقالوا إن سلطات الاحتلال ستجد صعوبة بالغة في محاولة تبريرها أمام العالم، وخصوصا أنها جاءت بعد جهود حثيثة في الأشهر الأخيرة للتوصل لتسوية تؤدي إلى تهدئة في غزة، ما ينذر بحدوث تصعيد عسكري كبير.

ليل الاثنين: المقاومة ترد

ومع غروب شمس يوم الاثنين 12 نوفمبر، جاء رد المقاومة سريعًا بالصواريخ، حيث أمطرت مستوطنات مجاورة للقطاع أبرزها عسقلان، ما أسفر عن إصابة أكثر من 50 شخصا، فيما شنت قوات الاحتلال غارات مكثفة على قطاع غزة مما أودى بحياة 3 فلسطينيين وإصابة 9 آخرين بجروح.

فصائل المقاومة أطلقت أكثر من 300 صاروخ وقذيفة من غزة على مناطق عدة، كما استهدفت حافلة نقل جنود في مستوطنة متاخمة للقطاع شرقي جباليا، الأمر الذي دعا سلطات الاحتلال للتأكيد مجددا على المستوطنين البقاء في الملاجئ، بينما دوت صافرات الإنذار مجددًا في عسقلان والخليل ومنطقة البحر الميت والنقب الغربي وعين جدي.

وقصفت قوات الاحتلال مقر قناة فضائية الأقصى، ومقرًا للأمن الداخلي في القطاع وعددا من البنايات السكنية في غزة، لتزيد المقاومة إطلاق 100 صاروخ جديد خلال ساعتين، فضلا عن تهديد مباشر صدر من الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية بزيادة مدى وكثافة قصف الصواريخ، وتوسيع دائرة النار إذا واصل الاحتلال عدوانه، بينما اجتمع نتنياهو ووزير دفاعه لإجراء مشاورات عاجلة في مقر وزارة الدفاع بعد تطورات غزة.

فجر الثلاثاء: المقاومة تسيطر

ومع الساعات الأولى لصباح يوم الثلاثاء 13 نوفمبر، صدر بيان باسم كتائب القسام بأن الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة في حالة تشاور جدي لتوسيع دائرة النار، موضحًا أن عسقلان هي البداية وأن أسدود وبئر السبع هما الهدف التالي للمقاومة إذا تمادى الاحتلال في عدوانه على المدنيين في القطاع.

وهددت القسام بأن نحو مليون “إسرائيلي” سيكونون بانتظار الدخول في دائرة صواريخ المقاومة إذا استمر العدوان، وحملت قيادة الاحتلال ما حصل في عسقلان، لتعقبها سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بالقول في بيان إن استمرار العدوان بهذه الطريقة واستهداف العدو للبيوت والأماكن العامة والمقرات المدنية قد جعل المقاومة تتخذ قرارًا بتوسيع دائرة الرد، وقصف ما بعد مدينتي بئر السبع وأسدود، وحذرت عصابات الاحتلال المستوطنين من الخروج من الملاجئ، فيما أعلنت وسائل إعلام الاحتلال مقتل اثنين وإصابة آخرين من المستوطنين بجروح متفاوتة جراء سقوط صاروخ على بناية سكنية في عسقلان.

ظهر الثلاثاء: بداية الوساطة

ومع انتصاف يوم الثلاثاء، أعلنت السلطات في القاهرة تكثيف اتصالاتها مع الجانبين لوقف التصعيد المتبادل بين الطرفين في قطاع غزة، مؤكدة أنها تقف من الطرفين موقفًا سواء، فيما جاء الرد الأميركي كالعادة داعما للاحتلال، حيث صرح مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، بأن “إسرائيل” ضحية هجمات، وقال إنها مضطرة للرد العسكري دفاعًا عن نفسها.

أما السلطة الفلسطينية التي يقودها محمود عباس، فبعد أن حمّل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن الاعتداءات المستمرة على قطاع غزة، عاد ليطالب حماس بتسليم القطاع لسلطته، معتبرا أن ذلك هو السبيل الوحيد لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، ومنع تكرار المجازر بحقه.

مساء الثلاثاء: وقف إطلاق النار

وبنهاية يوم الثلاثاء، أعلنت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة التوصل لاتفاق لوقف إطلاق نار فوري ومنع التصعيد مع الاحتلال تحت رعاية من السلطات المصرية، لتشهد مدينة غزة احتفالات باتفاق وقف إطلاق النار مع الاحتلال، بينما قطع مستوطنون الطرق في مستوطنة سديروت احتجاجًا على الاتفاق.

أما عسكريا، فقد أعلنت سرايا القدس، عن إدخال صاروخ جديد للخدمة العسكرية خلال جولة التصعيد الأخيرة على قطاع غزة، مؤكدة أن الصاروخ ألحق أضرارًا جسيمة في عسقلان المحتلة.

تداعيات لاحقة: استقالة ليبرمان

جاءت نتائج هزيمة جيش الاحتلال مزلزلة في الداخل الإسرائيلي، حيث استقال وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، معتبرا أن هذا الاتفاق ما هو إلا تأكيد حاسم لفشل الهجوم المباغت على غزة، وبرهان آخر على انتصار حماس في المواجهة، وأكد أن حزب “إسرائيل بيتنا” سينسحب معه من الائتلاف الحكومي.

وهاجم ليبرمان النظام القطري معتبرا أنه سبب مباشر في تقوية ظهور المسلحين في غزة، مؤكدا في بيان استقالته: “نقطتا تحوّل حاسمتان دفعتا بي للاستقالة، هما إدخال الأموال إلى حماس عبر السفير القطري، واتفاق وقف إطلاق النار الأخير”، مضيفًا: “كان ردنا على 500 صاروخ هو مجرد انسحاب مهين”.

لنسحق غزة: العرب غير مهتمين

لكن أكثر ما يلفت الأنظار في تصريحات ليبرمان هو حديثه للجمهور في الداخل عن مبررات دعوته لسحق القطاع، حيث أكد أن العالم العربي لم يعد مشغولا بالقضية الفلسطينية، وأن هذه الفترة تعد فرصة مثالية ربما لا تتكرر لتصفية قوة الفلسطينيين وللأبد.

وقال ليبرمان في بيانه: “التقيت الكثير من ممثلي دول العالم العربي، ولم أشعر أنهم مهتمون بالقضية الفلسطينية، أعتقد أننا يمكننا أن نفعلها الآن وحسب، أو لنبقى نشتري الهدوء الجزئي ونتغافل عن الخطر المتصاعد كل يوم على الحدود”.

المقاومة تعلّق: انتصار مزلزل

استقالة ليبرمان اعتبرتها فصائل المقاومة الفلسطينية اعترافًا بالهزيمة وعجزًا في مواجهة المقاومة الفلسطينية وانتصارًا سياسيًا لغزة، حيث أكد القيادي في حركة حماس سامي أبو زهري أن استقالة ليبرمان “تعكس كيف أن غزة نجحت بصمودها في إحداث هزة سياسية في ساحة الاحتلال”، كما قال مسؤول المكتب الإعلامي في حركة الجهاد الإسلامي داوود شهاب، إن “هذه الاستقالة واحدة من التداعيات السريعة لفشل الاحتلال واعترافه بهزيمته”، وأضاف أن “ليبرمان كان أعجز من أن يقف في وجه المقاومة”.

أما الناطق العسكري باسم سرايا القدس أبو حمزة فأكد أن “المقاومة لم تكتفِ بردع العدو عسكرياً بل أربكت حساباته السياسية”، مضيفاً: “انظروا للمجزرة السياسية بين قادة الاحتلال التي أساسها العجز في مواجهة غزة”، ورأى أن “قَدر المقاومة الانتصار والتطور، وقدر العدو الفشل والتراجع”، معتبراً أن “استقالة ليبرمان عبرة لمن أراد أن يختبر المقاومة في غزة”.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اعتبرت من جهتها أنّ استقالة ليبرمان “نتاجٌ لقدرة المقاومة على الصمود في وجه العدوان وفي عدم تمكّن المؤسسة العسكرية والسياسية الصهيونيّة من هزيمة المقاومة أو فرض شروطها عليها”، واعتبر عضو المكتب السياسي للجبهة كايد الغول أن استقالة ليبرمان “تعكس هروباً من المسؤولية التي تحمّلها سواء في فشل العملية الأمنية المعقدة في خانيونس أو فشل العدوان على غزة”.

نتيجة الحرب: انهيار حكومة اليمين

على مدار 30 عاما، لم تستطع حكومة واحدة إكمال فترة ولايتها حتى النهاية، وبعد استقالة ليبرمان، قدمت وزيرة الهجرة والاندماج، العضو في حزب “إسرائيل بيتنا”، صوفا لاندفير استقالتها أيضا، فيما قالت رئيسة المعارضة تسيبي ليفني إن “حكومة الفشل في الأمن يجب أن تذهب”، أما رئيس حزب “هناك مستقبل” يئير لبيد فقد رأى من جهته أن “حكومة نتنياهو قد أنهت دورها”.

وكان الإعلام العبري ذكر نقلاً عن مقربين من نتنياهو قوله إنه “إذا استقال ليبرمان سنحل الكنيست وندعو لإجراء انتخابات مبكرة”، وفي وقت سابق، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر حكومي قوله إنه إذا استقال ليبرمان “تكون حماس قد أسقطت حكومة اليمين”.

درس التاريخ: الأرض لنا

بطولات غزة وشعبها الباسل في المواجهة الأخيرة أثبتت بوار منطق العدوان الذي لا يُقيم وزناً، إلا لمنطق القوة، وان القوة مهما كانت غاشمة فإنها تتكسر على صخرة الحق والصمود والمقاومة وأن الردع الغزاوي القليل مع الكثير من الحق والمصداقية والصمود، قد أثبت جدارته في ردع العدوان ولعل احتفالات أهل غزة بوقف العدوان دون شروط سياسية يضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية في نصرة الشعب الفلسطيني على استعادة أرضه والحفاظ على حقوقه المشروعة في الكرامة والعيش بحرية على أرضه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى