تحليل إخباري

كيف ألهمت روح خاشقجي العالم بعد مئة يوم من مقتله؟

صورة لخاشقجي في فعالية بالكونجرس الأميركي – رويترز
صورة لخاشقجي في فعالية بالكونجرس الأميركي – رويترز

بعض الناس، تواري الرمال أجسادهم لتختفي عن الأنظام، لكن أرواحهم تأبى المغادرة، وتظل حيّة حاضرة بميراث كبير وتداعيات متواصلة لا يزيدها مرور الأيام إلا احتداما واشتعالا.. هذا ما يمكن أن يوّصف به حال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بعد نحو مئة يومٍ من مقتله في قنصلية بلاده في إسطنبول.

خاشقجي لم يمت، على الرغم من أنها أهم جملة يتمنى النظام السعودي الآن سماعها، إلا أنها حقيقية فعلا على نحو خاص، فقد مثلت مئوية خاشقجي الأولى مناسبة عالمية لاستحضار الجريمة، وتسليط الضوء عليها، وتدشين المشاريع التي تخلد ذكرى “شهيد الصحافة” وأيقونة مناهضتها للأنظمة القمعية.

واشنطن بوست.. العربية!

أطلقت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية لأول مرة صفحة للرأي باللغة العربية بالتزامن مع مرور 100 يوم على مقتل الصحفي السعودي.

وقالت الصحيفة إنها تهدف عبر هذه الصفحة إلى إتاحة الفرصة أمام القراء باللغة العربية “للحصول على مقالات رأي وتعليقات حرة ومستقلة بشأن القضايا السياسية والثقافية التي تؤثر عليهم”.

وعزت الصحيفة إصدار تلك الصفحة إلى كونها كانت أمنية للصحفي الفقيد، وأنه سبق وصارح بها رئيس تحرير الصحيفة الذي وعده بالنظر في الموضوع، لكن وقوع الجريمة حال دون استلامه ردا بالموافقة.

وقفة للعفو الدولية

وطالبت منظمة العفو الدولية خلال وقفة لنشطائها بالقرب من القنصلية السعودية بإسطنبول، بمناسبة مئوية خاشقجي الأولى، بإجراء تحقيق دولي في القضية.

وشددت مسؤولة الحملات في فرع منظمة العفو الدولية بتركيا، غوكسو أوز أهسهالي، على ضرورة أن تخضع جريمة قتل الصحفي السعودي لتحقيق دولي.

وقالت أوز أهسهالي في بيان صادر عن فرع المنظمة “بصفتنا ناشطين في منظمة العفو الدولية ومدافعين عن الحقوق، نطالب بالعدالة من أجل خاشقجي”.

ولفتت إلى أنه: لم يتم العثور على جثة خاشقجي الذي قتل بوحشية، لهذا السبب وبمناسبة مرور 100 يوم على مقتله، غيرنا بشكل رمزي اسم الشارع الذي ظهر فيه خاشقجي آخر مرة وأطلقنا عليه اسم جمال خاشقجي.

وأضافت: “منظمة العفو الدولية تدعو مرة أخرى إلى فتح تحقيق مستقل من جانب الأمم المتحدة في مقتل خاشقجي”.

فعاليات بالكونجرس

نظّم أعضاء في الكونغرس الأميركي، الخميس، فعالية بمناسبة مرور 100 يوم على قتل خاشقجي، طالب خلالها المشرّعون الأميركيون إدارة ترمب باتخاذ إجراءات أكثر جدية حيال السعودية، وتحميل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مسؤولية مقتل خاشقجي.

كما نظّم أكثر من 12 عضواً في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، فعالية في مجمع الكونغرس للتأكيد على أهمية حرية الصحافة وتأبين الصحفي خاشقجي و50 صحفياً آخر من مختلف دول العالم قُتلوا العام الماضي.

وقالت الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب نانسي بيلوسي إن “اغتيال خاشقجي عمل بغيض وإهانة للبشرية، وإذا قررنا أن المصالح التجارية لها الأولوية على قيمنا، فعلينا أن نقر بأننا فقدنا كل سلطة أخلاقية لإدانة الفظائع في أي مكان في العالم”.

وطالب المشرّع الديمقراطي توم مالينوفسكي الكونغرس الأميركي بتحميل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المسؤولية الكاملة عن مقتل خاشقجي إن استمر البيت الأبيض في الامتناع عن القيام بذلك، واقترح مالينوفسكي أن تضغط واشنطن على السعودية كي لا يصبح محمد بن سلمان الملك القادم.

دعاوى قضائية

ورفعت منظمة المجتمع المفتوح الأمريكية، قضية ضد عدد من المؤسسات الحكومية الأمريكية مطالبة بالكشف عن التسجيلات التي تتمحور حول قضية خاشقجي.

وأظهرت وثائق المحكمة أن المنظمة رفعت القضية ضد كل من وكالة الاستخبارات الأمريكية “CIA” ووزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” ووكالة الأمن القومي ومكتب رئيس الاستخبارات الوطنية.

وقالت المنظمة في بيان إن القضية “تطالب وكالة الاستخبارات المركزية بالكشف عن كل التسجيلات بما فيها وليس بصورة حصرية ما توصلت إليه الوكالة أو قدرته فيما يتعلق بالظروف المحيطة بمقتله (خاشقجي) وهويات المسؤولين عن ذلك”.

السعودية مرتبكة

وخلال المائة يوم التي تلت مقتل خاشقجي، أنفقت السعودية ملايين الدولارات لتنمية مصالحها في الولايات المتحدة وتحسين صورتها وصورة ولي العهد بعد “الهزة” التي أصابتها في أعقاب هذه الجريمة.

ومع ذلك، صوّت الكونغرس الأمريكي في 13 ديسمبر 2018 على إنهاء الدعم الأمريكي لحرب اليمن بدافع “عقابي” على مقتل جمال خاشقجي مع استمرار الإدانة العالمية حتى مع اقتراب نهاية الشهر الأول للعام 2019 الذي ليس من المتوقع أن تشهد الأشهر القليلة القادمة بعده، نهاية لتداعيات الحادثة ما لم تتخذ السعودية ما يكفي من الإجراءات لمحاسبة المسؤولين مباشرة عن الجريمة، وإقناع العالم بسلامة الإجراءات التي يتخذها الجهاز القضائي في المملكة.

وأعلنت المملكة لاحقا توقيف 21 شخصا للاشتباه في تورّطهم بالعمليّة، لكنّها أبعدت الشبهات عن ولي العهد النافذ، لكن أثار إعلان النيابة العامة المطالبة بإعدام خمس متهمين من أصل 11 متهما ردود فعل أمريكية ودولية عبّرت عن عدم “ثقتها” بمثل هذا الإجراء، منها الولايات المتحدة التي طالبت السعودية بتقديم رواية “موثوقة”.

وكنتيجة للجريمة، سيؤدي أي تراجع محتمل الفترة المقبلة في علاقات المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى إلى تحجيم الدور الإقليمي والدولي الذي ظلت المملكة تلعبه من واقع الثقل الذي تشكله في سوق النفط العالمية ومكانتها الدينية لدى مسلمي العالم والشراكة مع الولايات المتحدة في الحرب على ما يسمى بالإرهاب ومواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة.

ترامب مرتبك أيضا

أدت جريمة قتل خاشقجي إلى تحول سريع في موقف الولايات المتحدة من الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، دفع وزيري الخارجية والدفاع نهاية أكتوبر 2018 للدعوة إلى إجراء مفاوضات بين جماعة الحوثي وممثلي الحكومة الشرعية التي استضافتها السويد بإشراف الأمم المتحدة وتمخضت عن توقيع اتفاق بين الطرفين لوقف القتال في مدينة الحديدة.

ووضعت حادثة مقتل خاشقجي الرئيس الأمريكي في دائرة الضوء أمام معارضيه من الحزب الديموقراطي نظرا للدعم “غير المحدود” الذي تمتع به ولي العهد منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واستمرار محاولاته بالدفاع عنه حتى بعد أن خلصت وكالة المخابرات المركزية إلى مسؤولية ولي العهد مباشرة عن مقتل خاشقجي في ما ينظر إليه على أنه ابتعاد من الرئيس الأمريكي عن القيم التقليدية للولايات المتحدة والتزامها بالدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى