تقارير ودراسات

نون النسوة في عالم الإجرام.. عرض دراسة “ظاهرة البلطجة النسائية في مصر”

من غلاف الدراسة – المعهد المصري للدراسات
من غلاف الدراسة – المعهد المصري للدراسات

يمثل دخول العنصر النسائي أبرز مستجدات ظاهرة البلطجة في مصر، وإذا كانت السينما تعكس الواقع، فإن أقرب مثال على تفشي ظاهرة البلطجة النسائية في المجتمع العربي عامة، والمصري خاصة، ما جسدته الممثلة نسرين أمين في الفيلم الصادر في الأول من أبريل 2015 بعنوان “زنقة ستات”، في شخصية “سميحه العو”، التي تجسد فيها حياة “بلطجية” يهابها الرجال، وتقود عصابتها في أعمال السطو والسرقة.

ظاهرة دخول النساء عالم البلطجة في مصر، كانت عنوان دراسة مميزة أجرتها الباحثة أميرة عبد العظيم، صادرة عن المعهد المصري للدراسات، بتاريخ 11 يناير الجاري، بعنوان (ظاهرة البلطجة النسائية في مصر، مقدمات أساسية).

وبحسب الدراسة، فقد انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل واسع وخطير جرائم العنف والبلطجة، وأصبحت ظاهرة البلطجة في المجتمع المصري حديث الناس مؤخراً، وتصاعدت حدتها ورتبت أخطاراً تحدق بالأفراد وتخل – في الوقت ذاته – بأمن وهيبة الدولة.

لكن اللافت للنظر، بحسب الدراسة، هو أن البلطجة أصبحت لا تقتصر على الرجال فقط، بل هناك بلطجيات يمارسن نفس المهنة، ويشتهرن بأسماء تثير الرعب، ويتم طلبهن لمهمات خاصة، ويتراوح سعر الواحدة منهن حسب الاسم الذي تحمله ويشير لقوتها وقدراتها البدنية والنفسية.

 بلطجة نسوية سياسية

تقول الدراسة إن منذ العام 2014، توسع وانتشار “البلطجة النسائية ” في المجال السياسي، كما كشفت أن المرأة اقتحمت هذا المجال بقوة لافتة للنظر، وجميعهن من المسجلات خطر في سجلات الشرطة، خاصةً في المناطق العشوائية.

ويزدهر سوق البلطجة النسوي في أوقات الانتخابات، للقيام بحماية لافتات ومؤتمرات المرشح وضرب المرشح المنافس والاعتداء على أنصاره وافتعال المشاجرات لمنع مؤتمراته وتقطيع صوره وإطلاق الشائعات بهدف إسقاطه، وأحياناً يقمن بتحصيل مستحقات أو ديون لأشخاص ضعفاء لا يقدرون على ذلك، وهناك بلطجة نسائية خاصة برجال الأعمال، وخاصة بأصحاب العقارات لطرد السكان، وأخرى خاصة بمشكلات الأزواج، ومشكلات الميراث، وأخيرة خاصة بالخصومات الشخصية.

كما أكدت الدراسة بأن ظاهرة البلطجة النسائية تطورت من العمل الفردي إلى تكوين جماعات إجرامية منظمة تتوافر فيها معايير التنظيم من تقسيم للعمل، وقيم ومعايير تمثل آليات الضبط التي تسير عليها عضوات الجماعة النسائية، وبذلك استطاعت المرأة أن تحقق المساواة مع الرجل في عالم البلطجة ليس فقط المساواة بل استطاعت أن تتفوق على الرجل عندما تمكنت من الحفاظ على بقاء جماعتها ودوام عملها الإجرامي، كما استطاعت أن تنشأ علاقات مع الجماعات الإجرامية الأخرى بشروطها الخاصة القائمة على مبدأ المنفعة، ونجحت في أن تحقق مكانة مرموقة بين الجماعات الإجرامية من خلال ممارستها لأعمال البلطجة لصالح فئات من قادة المجتمع من أصحاب السلطة، وهناك أماكن عشوائية في مصر مشهورة بإيواء هذه الجماعات النسائية الإجرامية المنظمة، ومنها على سبيل المثال منطقة ” الدويقة ” بحي منشأة ناصر غرب القاهرة.

مبررات الدراسة

تتناول هذه الدراسة ظاهرة البلطجة النسائية كجماعة تتميز بسلوك مهني منحرف تقوم به جماعة منحرفة من النساء، ومن ثم تسعى هذه الدراسة لمحاولة فهم هذه الجماعة المنحرفة التي تباشر أثراً أساسياً على أعضائها، ولأنها همزة الوصل بين المبتدئين في الإجرام وعتاة المجرمين، وهي التي تبطل أثر الضوابط الاجتماعية التي تباشرها الهيئات الاجتماعية السوية، وهي الوسط الذي يتم فيه تعلم أساليب الجريمة. كما تمثل الجماعة المنحرفة مجال تفاعل الأعضاء، وتحدد أنماط التفاعل بينها وبين غيرها من الجماعات. ويتم تحديد وتوزيع الواجبات والمسئوليات والحقوق لكل عضو في الجماعة، ويترتب على تقسيم العمل تحديد مجموعة من الأدوار المحدد مواصفاتها بدقة، ويعكس كل دور مكانة اجتماعية متميزة داخل الجماعة.

وترجع أهمية الدراسة إلى تطور ظاهرة البلطجة إلى عصابات، وتحولها – من جريمة ذات طابع ذكوري، وفردي، وتلقائي “غير منظم ” – إلى جريمة منظمة لديها من القدرات والإمكانيات ما قد يؤهلها لمواجهة الدولة، وربما للتغلب عليها، وهذا التطور قد ينقل الصراع بين البلطجية والدولة إلى مستوى أكثر تعقيداً. فهذه الجماعات لم تعد تسعى إلى فرض سطوتها على الشارع فقط، وإنما على الدولة ذاتها، كما قد يتحول البلطجية إلى فاعل رئيسي في المجتمع، وفي العملية السياسية، بصورة قد تصل معها لأن يكونوا خصماً للدولة ذاتها.

 منهجية الدراسة

تُعد هذه الدراسة من الدراسات الوصفية الاستطلاعية التي تهدف إلى التعرف على الثقافة الفرعية لجماعة البلطجة النسائية من حيث آليات الضبط الاجتماعي التي تحكم أفراد هذه الثقافة، وقواعد التعامل بين أفراد هذه الثقافة كجماعة وبين الجماعات الأخرى، وهي قبل ذلك – وبعده رؤية تحليلية تحاول تحليل ظهور ظاهرة البلطجة النسائية، واعتمدت هذه الدراسة على طريقة دراسة الحالة لتحليل جماعة نسوية تمارس البلطجة.

مجتمع الدراسة

تم تطبيق الدراسة داخل منطقة “مربع المسجلين” بقرية الدويقة، حي منشأة ناصر أحد الأحياء شديدة العشوائية في القاهرة، يبلغ عدد سكانها (296380) فرد بنسبة 3.3% من سكان القاهرة، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الصادر عام 2014.

وبحسب الدراسة، تشتهر الدويقة بأنها مجتمع منعزل يضم “الناس الوحشة ” من الهاربين من العدالة وتجار الممنوعات والمقاولين من الباطن، ومع ذلك فإن منطقة الدويقة تضم مجموعات مختلفة من السكان وتوجد على الطريق المؤدى إلى الدويقة مساكن الإيواء المعروفة باسم الوحايد والإتنينات والتلاتات وهي مساكن أنشأتها الحكومة لإيواء الأهالي عام 1984.

كما توجد منطقة أخرى تسمى سكن الأهالي وهي مساكن أقامها الأهالي على أرض بوضع اليد. وتعتبر أعلى منطقة في الدويقة من حيث الارتفاع هي مساكن الحرفيين التي أنشأتها الحكومة في الثمانينات لإسكان صغار الحرفيين والشباب، وتتميز هذه المساكن بأنها بلوكات سكنية كبيرة تتوفر بها المياه الجارية والكهرباء والصرف الصحي بخلاف منطقة الدويقة التي لا توجد بها مياه جارية ولا صرف صحي.

وتوجد أسفل البلوكات مجموعة من الورش والمحال التي أنشأتها الحكومة بكل بلوك من البلوكات، ومن اللافت للنظر أن هذه الورش والمحال غير مشغولة وهو الأمر الذي يدل على أن الحرفيين لم يستغلوا هذه الورش في القيام بأي أنشطة اقتصادية. كما تضم هذه المساكن بعض أسر الإيواء التي أضيرت في زلزال القاهرة بتاريخ 12/10/1992 في أحياء القاهرة القديمة مثل السيدة زينب والجمالية والدرب الأحمر والقلعة.

ولا يوجد بمنطقة الدويقة أي خدمات سوى سوقين عامين هما سعد المصري والحرفيين، ولا يوجد نظام لجمع القمامة ولذلك يتم إلقاؤها في الجبل، وتعتمد المساكن التي لا توجد بها مياه جارية على شراء المياه التي تباع في جراكن تحملها عربات الجيب وتمر بها باللحى مرة صباح كل يوم.

يشعر المهمشون عامةً وفي الدويقة كمنطقة عشوائية بالبؤس والإحباط والفاقة والإهمال؛ كوجه آخر للفقر في نوعية الحياة، إذن فهناك المجتمعات التي تعيش في غربة وتدنٍ ثقافي عن المناطق المحيطة مما يخلق عالماً مختلفاً عن جيرته، إضافة إلى الفجوة الطبقية بينه وبين الجار المتحضر غير المقدر لظروف المجتمع المجاور. ويعاني معظم النازحين للعشوائيات خاصةً الدويقة من البطالة، ويعيشون في بيئة غير محابية تحتفظ بالرواسب الريفية في محيط مختلف.

كل ذلك يخلق نسقاً اجتماعياً مختلفاً، وتخلفاً ثقافياً يؤثر على الثقافة الأصلية مما يمنع التكيف الاجتماعي، ورفض الآخر، بحسب تقرير للمجلس القومي للخدمات والتنمية الاجتماعية صادر عام 2013.

وضع المرأة بمنطقة الدويقة

ترتفع نسبة الأسر التي تعولها النساء لتصل إلى نحو 30 % وبصفة عامة فإن معاناة المرأة من الفقر يفوق معاناة الرجل نظراً لأنها الأقل حظاً من التعليم والإعداد والتأهيل والتدريب وفرص العمل. وتعمل المرأة بأعداد كبيرة في قطاع العمل غير المنظم وغير الرسمي، في أعمال لا تحتاج إلى مهارات وتقوم بها عادةً في منشآت صغيرة أو في داخل المنزل أو على الرصيف أو متجولة في الشوارع.

وتعيش المرأة في الدويقة في ظل أشكال متعددة من المعاناة التي تعبر عنها الظروف الاقتصادية والبيئية الصعبة، وعدم القدرة على السيطرة على الأبناء، كما تعانى نقصاً في معارفها الخاصة بالحقوق والواجبات، وما يمكن أن تحصل عليه أو تتمتع به من خدمات، فهي في الغالب لا تملك الأوراق الرسمية اللازمة للحصول على هذه الخدمات التي تصل أحياناً إلى مجرد وجود شهادة ميلاد فقط، وهذا ينعكس على أطفالهم فهم إما محجمين عن التعليم أو متسربين منه، ويقضون أوقاتهم في الشوارع أو في الأعمال الحرفية.

ونظراً لانتقال سكان المناطق العشوائية خاصةً منطقة ” الدويقة “، إلى بيئاتهم الجديدة بشكل مفاجئ وإجباري، وانتشار أعمال البلطجة، والعنف في البيئة الجديدة، وإحساس هؤلاء بالقصور الأمني، تولد لديهم شعور بالقهر، وتقبل الظلم الواقع عليهم من جيرانهم، وعدم الإبلاغ عن بعض الجرائم، وقبول التسوية السلمية، وتسامح المتضررين قسراً خوفاً من البطش الذي قد يقع عليهم في حالة قيامهم بالإبلاغ.

وبحسب الدراسة، فالبلطجة تعنى إشاعة الخوف والرعب بين الناس بقصد إكراههم واغتصاب حقوقهم وممتلكاتهم وفي بعض الأحيان أغراضهم. لا تعترف البلطجة بالقانون، فقانونها القوة واستخدام العنف والقوة والنفوذ والسلطة، بل استغلال ثغرات القانون وتعطيله لإدارة أهداف ممارسيها من أصحاب النفوذ والسلطة.

وتشمل البلطجة الأنشطة التي تمثل انتهاكاً للقانون مثل أعمال السرقة، والنهب، والاعتداء على الملكيات العامة والخاصة. كما تشمل الأعمال المصحوبة بالاستخدام المتعمد للعنف وبإلحاق الأذى الجسدي بالآخرين، والتي تهدف لتحقيق أغراض وأهداف خاصة بالبلطجي نفسه أو للآخرين، مقابل عائد مادي يدفع له.

ويختلف البلطجي عن القتلة واللصوص سواء كانوا منظمين أو غير منظمين، من حيث إن البلطجي يستخدم العنف كوسيلة وليس كغاية، فهو يقوم بتأجير نفسه لمن يدفع له للقيام بممارسة هذا العنف ضد الآخرين لتحقيق غايات محددة، أو يستغل هو نفسه هذا العنف كوسيلة لتحصيل المكاسب المادية، كما أن لجوء البلطجي للعنف أمر حتمي، وليس ظرفياً كما هو الحال مع اللصوص.

وتخلص الدراسة إلى أن اشتغال المرأة بمهنة البلطجة ونجاحها في تكوين الجماعات الإجرامية المنظمة واشتهار بعض المناطق بوجود هذه الجماعات ولجوء الكثيرين إليهن، هو أمر يترجم مدى ما أصاب المجتمع من انحراف، وإن هذه الفئة من النساء الأكثر خطورة على أمن المجتمع في الوقت الراهن لخطورة ما تلعبه من أدوار إجرامية في الخفاء.

 

رابط الدراسة

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى