أحداث

[:ar]نصر أكتوبر.. لحظة انقلاب ميزان الصراع العربي الصهيوني[:en]6Oct[:]

حرب أكتوبر 1973، واحدة من الحروب الفاصلة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، دارت بين مصر وسوريا من جهة وعصابات الاحتلال الصهيوني من جهة أخرى، في الفترة من 6-25 أكتوبر 1973، بدأت في يوم كيپور (عيد الغفران اليهودي) عندما اخترقت القوات المصرية الخط العسكري الأساسي (خط بارليف) في شبه جزيرة سيناء، فيما هاجمت القوات السورية تحصينات وقواعد القوات الصهيونية في مرتفعات الجولان، بهدف استرداد الأرض التي احتلتها عصابات الصهاينة بالقوة، بهجوم موحد مفاجئ.

تكمن أهمية تلك الحرب في النتائج التي ترتب عليها، والتي كان من أبرزها استرداد مصر السيادة على قناة السويس، واسترداد جزء من أراضي شبه جزيرة سيناء، وتحطم أسطورة أن جيش إسرائيل لا يقهر والتي كان يقول بها القادة العسكريون في إسرائيل، وتمهيدالطريق لاتفاق كامب ديفيد بين مصر والعدو الصهيوني الذي عقد بعد الحرب في سبتمبر 1978 على إثر مبادرة من الرئيس المصري أنور السادات في نوفمبر 1977 قبل زيارته للقدس. وأدت الحرب أيضا إلى عودة الملاحة في قناة السويس في يونيو 1975.

وعلى الجانب السوري، دمرت القوات السورية التحصينات الكبيرة التي أقامتها عصابات الاحتلال في هضبة الجولان، وحقق الجيش السوري تقدمًا كبيرًا في الأيام الأولى للقتال، مما أربك جيش الاحتلال ومهد الطريق لاستعادة جزء من مناطق مرتفعات الجولان ومدينة القنيطرة السورية.. وشهدت كذلك إسهام قوات من الدول العربية، أبرزها قوات مغربية وكويتية وسعودية وعراقية وأردنية، مؤكدة قومية المعركة المصيرية مع العدو الصهيوني.

وقد تعددت تسميات تلك الحرب بسبب تعدد الجهات المشاركة فيها، فهي من الناحية العسكرية، الحرب الرابعة المعلنة في سلسلة الحروب العربية الصهيونية (1948-1956-1967- 1973)، وسماها الإعلام السوري بحرب تشرين التحريرية، نسبة إلى شهر تشرين الأول سنة 1973 الذي دارت معاركها إبانه.. أما عربيًا، فسُميت بحرب رمضان، لأن وقائعها بدأت في العاشر من شهر رمضان سنة 1393هـ.. وأطلق عليها الصهاينة اسم «حرب الغفران» لأنها بدأت يوم عيد الغفران عند اليهود.

 

أسباب الحرب

كانت نتائج نكسة 1967 كارثية على البلاد العربية، ولحقت بالقوات المسلحة المصرية والقوات الأردنية وقسم مهم من القوات المسلحة السورية خسائر جسيمة، مقابل خسائر ضئيلة في القوات المسلحة الصهيونية، وأدى ذلك إلى اختلال الميزان العسكري الاستراتيجي العربي الصهيوني، فقد وصلت القوات الإسرائيلية إلى مناطق طبيعية يسهل الدفاع عنها، واحتلت مساحات واسعة من الأرض العربية، وزادت في تحسين دفاعاتها (قناة السويس وصحراء سيناء ووادي الأردن ومرتفعات الجولان السورية).

وقد منحت هذه المساحات الواسعة عصابات الاحتلال حرية المناورة على خطوطها الداخلية بكفاءة أكبر، كما صار في وسع الطيران الصهيوني العمل بحرية أكبر، ومكّنه ذلك من كشف أهدافه في العمق العربي على جميع الاتجاهات ومهاجمتها، كذلك غنمت عصابات الاحتلال أعتدة حربية كثيرة طورتها وأدخلتها في تسليح قواتها، وزودتها حقول النفط المصرية في سيناء بما تحتاجه من النفط.

وقد أتاح هذا الوضع الجديد للاحتلال إقامة دفاع استراتيجي عميق بإنشاء خط بارليف المحصن على امتداد قناة السويس، وخط آلون المحصن على جبهة الجولان، وضمن لها حرية الملاحة في مضائق تيران والبحر الأحمر.

ورغم صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 بتاريخ 22 نوفمبر 1967 القاضي بانسحاب القوات الصهيونية من الأراضي التي احتلتها وتجميد الوضع الراهن، إلا أن عصابات الاحتلال عمدت إلى التهرب من تطبيق ذلك القرار بالتسويف والمماطلة أطول مدة ممكنة، بهدف تهويد أكبر مساحة من الأرض العربية، وإقامة أكبر عدد من المستوطنات فيها لهضمها واستثمار ثرواتها، مستمرة بالمراوغة والتهرب من التزاماتها الدولية.

ونتيجة لهذا التعنت الصهيوني، أخذت مصر وسوريا تعدان العدة لاسترجاع أراضيهما المحتلة بالقوة، فعوضتا خسائرهما وركزتا جهودهما على إعادة القدرة القتالية لقواتهما وزيادة تسليحها، ودخلتا في صراع مسلح مكشوف ومحدود لإنهاك القوات الصهيونية وإجبارها على التخلي عن المناطق المحتلة في معارك محلية وقصف جوي ومدفعي على طول الجبهتين الشمالية والجنوبية فيما سمي «حرب الاستنزاف»، التي سرعان ما تطورت إلى حرب مفتوحة، كانت هي حرب أكتوبر.

 

خطة العبور

اعتمدت الخطة المصرية السورية لاستعادة سيناء والجولان على الخداع الاستراتيجى؛ حيث دخلت القيادة السياسية في مصر وسوريا قبل الحرب في مشروع للوحدة مع ليبيا والسودان رأى فيه العدو حالة استرخاء للقيادات السياسية في البلدين، بينما الواقع أن ليبيا والسودان بهذه الوحدة قد أصبحا هما العمق العسكريواللوجيستيلمصر، فقد تدرب الطيارون المصريون في القواعد الليبية على طائرات الميراج، ونُقلت الكلية الحربية المصرية إلى السودان بعيدا عن مدى الطيران الصهيوني.

وقد سمح مشروع الوحدة بجلوس القادة العسكريين في مصر وسوريا على مائدة المفاوضات أمام عيون الموساد للتنسيق فيما بينهما على موعد الحرب، كما تم تطوير مصلحة الدفاع المدني قبل الحرب بمعدات إطفاء قوية وحديثة ومنها طلمبات المياه التياستخدمت في تجريف الساتر الترابيبطول الجبهة، وذلك بعيدا عن عيون الموساد.

 

أحداث المعركة

افتتحت مصر حرب 1973 بضربة جوية تشكلت من نحو 222 طائرة مقاتلة عبرت قناة السويس وخط الكشف الراداري للجيش الصهيوني مجتمعة في وقت واحد في تمام الساعة الثانية بعد الظهر على ارتفاع منخفض للغاية. وقد استهدفت محطات الشوشرة والإعاقة في أم خشيب وأم مرجم ومطار المليز ومطارات أخرى ومحطات الرادار وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة.

ونظراً للنجاح الهائل للضربة الأولى والذي شهد استبسالا رهيبًا من الطيارينالمصريين الذين اختاروا أحيانًا أن يفجروا طائراتهم في الأهداف المهمة والمستعصية لضمان تدميرها، ومنهم على سبيل المثال محمد صبحي الشيخ وطلال سعد الله وعاطف السادات شقيق الرئيس الراحل أنور السادات وغيرهم.. فقدت القوات الصهيونية السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها، ومنحت القوات العربية نقطة تفوق مهمة، ساهمت في حسم السيطرة وتحرير الأراضي العربية المحتلة سريعًا.

ونجحت مصر وسورية في تحقيق نصر واضح لهما، إذ تم اختراق خط بارليف، خلال ست ساعات فقط من بداية المعركة وأوقعت القوات المصرية خسائر كبيرة في القوة الجوية الصهيونية، ومنعت القوات الصهيونية من استخدام أنابيب النابالم بخطة مدهشة، كما حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر في مرتفعات الجولان وسيناء، وأجبرت عصابات الاحتلال على التخلي عن العديد من أهدافها مع سورية ومصر، كما تم استرداد قناة السويس وجزء من سيناء في مصر، ومدينة القنيطرة في سورية.

 

الهجوم الصهيوني المضاد

منحت الولايات المتحدة قُبلة الحياة لعصابات الاحتلال، بعدما ساعدتهم طائرات الاستطلاع الأمريكية في اكتشاف ثغرة في صفوف الجيش المصري بسيناء، مما أدى لانكشاف ظهر القوات المصرية للعدو، وإنزال الجسر الجوي بالجبهة المصرية، فيما عُرف باسم أحداث الثغرة، التي حاولت فيها كتيبة الجنرال المصري، الفريق سعد الدين الشاذلي، الدخول للعمق والوصول للمرات، بهدفلفت الانتباه عن الجبهة السورية التي أخلت بالخطة المتفق عليها ولم تقم بضرب نقاط القوة لدى الاحتلال في جبهتها بالشكل المؤثر، وهو ما نبه الاحتلال في هذه الجبهة للحرب مبكرا، وساعد الصهاينة على القيام بهجوم معاكس ناجح في الجولان يوم 11 أكتوبر.

استمر الهجوم الصهيوني المعاكس بفضل الجسر الجوي الأمريكي الذي عوض عصابات الصهاينة عن خسائرها الكبيرة، وزودها بأسلحة جديدة متطورة، ونجحت القوات الصهيونية في الوصول إلى خط وقف إطلاق النار السابق، ومتابعة تقدمها، مستغلة فترة الهدوء النسبية التي كانت القيادة السورية تستعيد فيها توازن وحداتها وتعوضها عن الخسائر وتحشد وحدات جديدة، ومستفيدة من الهدوء على جبهة سيناء (10-14 أكتوبر).

وبعد معارك ضارية، تمكنت القوات الصهيونية من خرق الجبهة السورية باتجاه دمشق والسيطرة على جيب سعسع، إلا أن القوات السورية نجحت في إيقاف القوات الصهيونية عند خط تل الشمس – بيت جن، وكانت القيادة السورية في هذه الفترة قد عوضت قسماً كبيراً من خسائرها وأعادت تجميع قواتها الرئيسة استعداداً لمعاودة الهجوم، ونجح الفريق سعد الدين الشاذلي في اختراق الصحراء سرا مع كتبيته والعودة مجددا إلى الأراضي المصرية في عملية انسحاب عسكري مثالية.. واستعدت القوات العربية للهجوم مجددا، ولكن الهجوم لم ينفذ لصدور قرار دولي بوقف إطلاق النار اعتباراً من 23/10/1973، وبدأت بعدها عملية المفاوضات.

 

ما بعد المعركة

في اللحظة التي بدأ فيها تنفيذ وقف إطلاق النار،كانت العصابات الصهيونية قد فقدت سيطرتها على أراضي الضفة الشرقية لقناة السويس، لكنها سيطرت على أراضٍ جديدة بالضفة الغربية للقناة ومرتفعات الجولان فضلا عن حصار الجيش الثالث الميداني المصري.. وهو الوضع الذي أجبر الجميع على الجلوس على مائدة التفاوض، التي ولّدت فيما بعد اتفاقية كامب ديفيد.

 

نتائج الحرب

أحدثت حرب أكتوبر تبدلاً حقيقياً في مفهوم الصراع المسلح الدولي والمحلي، وتداعى الخبراء والمنظرون العسكريون والسياسيون من الشرق والغرب لدراستها واستخلاص الدروس المستفادة منها، وما أحدثته من تغيرات في مفاهيم الاستراتيجية والتكتيك والتسليح.. وأثبتت ما يتمتع به الجندي العربي من شجاعة وخبرة ومهارة في استخدام الأسلحة المعقدة واستعداد للتضحية في سبيل قضية عادلة، كما أسقطت الأسطورة التي روجها العدو عن جيشه الذي لايقهر.

اتصفت المعارك التي دارت على الجبهتين السورية والمصرية بضراوتها وسرعة تبدل المواقف واستمرارها ليلاً نهاراً من دون توقف، وقد استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة التقليدية والمتطورة. ومن أهم سمات تلك الحرب اقتحام المانع المائي في قناة السويس وخرق المنطقة المحصنة في الجولان، وكذلك انتقال زمام المبادأة إلى الجانب السوري المصري لأول مرة بعد حرب 1948.

وقد هزت الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بعصابات الاحتلال كيانها بعنف وأصابتها بصدمة مازالت آثارها حتى اليوم، رغم الدعم الأمريكي غير المحدود، وبرهنت عن أن هزيمة عصابات الاحتلال وإجبارها على التقيد التام بقرارات الأمم المتحدة والتخلي عن الأراضي التي تحتلها لا تتحقق إلا بحرب استنزاف طويلة الأمد تستنزف طاقتها البشرية والمادية والمعنوية، وأن الاحتلال لا يعرف إلا لغة واحدة.. هي لغة الرصاص.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى