شخصيات

[:ar]لويس برايل.. طفل أضاء العالم كله للمكفوفين [:en]Braille[:]

[:ar]
في ضاحية نائية بمدينة كوبفراي الصغيرة شرق باريس، استيقظ الطفل لويس برايل (13 عاما) في ساعة مبكرة عام 1922 ليلحق بعربة تجرها الخيول، إلى ورشة والده، حيث يقوم بعمله اليومي في تصنيع سروج الخيل واللحام.

كان يوما شاقا للغاية، والده منهمك بالعمل جدا، كان على لويس أن يعتمد على نفسه أكثر، فقد كان ماهرا ومتفوقا وسريع التعلم والحضور، ليأخذ إبرة كبيرة محاولاً إدخالها بالجلد، بضربها بمطرقة كبيرة، فتفلت من يده وتجرح عينه.

تنبه الوالد أخيرا لصوت بكاء لويس، إذ تسبب الجرح في التهاب العصب البصري وفقدان البصر بعينه اليسرى، قبل أن يمتد الالتهاب إلى عينه الأخرى ويجد نفسه قد أصبح “كفيفًا”.

تبدو تلك نهاية مناسبة للقصة، لكن لويس أبى إلا أن يستكمل مسيرة التفوق والنجاح، وألا يستسلم لذلك الوافد الجديد سيئ الصيت إلى حياته، لا سيما وأن الده كان يحاول بشتى الطرق أن يدعمه، فأرسله لأخذ دروس للعزف على «البيانو»، لإخراجه من حال الحزن التي تسيطر عليه.

وما هي إلا أعواماً قليلة حتى أضحى لويس مشهوراً في فرنسا، الطالب المميز بالمعهد القومي للمكفوفين في باريس، كان نابغا في الموسيقى والرياضيات والعلوم والجغرافيا.. وحين بلغ الـ20 من عمره تم تعيينه مدرسا في المعهد ليصبح من وقتها أكاديميا مرموقا.

لم تكن حياة برايل تخلو من المصاعب، وكان ملجأ الهدوء يكمن في زاوية مقهى المدينة، حين سمع شخصاً يقول إن ضابطاً بالجيش الفرنسي اكتشف طريقة للاتصال الصامت بالجنود التابعين لوحدته، وكان يستعمل جلداً مدبوغاً بأشكال ورموز اتفق عليها.

وفي غضون أسبوع كان برايل في مكتب الضابط الفرنسي يسأله عن الطريقة، فشرح له الضابط أنه يمكن عمل علامات معيّنة باستخدام الضغط على قطعة ورقة، فمثلاً نقطة واحدة تعني «تقدم»، ونقطتين تعني «تراجع»، وكان النظام الذي اتبعه هذا الضابط يشمل استخدام 12 نقطة.

وكانت نقطة الانطلاق، بدأ لويس بالعمل محاولا الوصول إلى أقل عدد من النقاط، بحيث تكون وسيلة سهلة للتعليم. وفي العام 1829 نجح في تكوين حروف الكتابة باستخدام 6 نقاط فقط، وبدأ بتجربتها واستخدامها في المعهد.

وتقوم فكرة كتابة برايل على الاعتماد على بعض الطرق والأساليب التي يستعملها الجيش الفرنسي في المراسلة كنوع من الشفرات غير المفهومة، ولكنه قام بتعديل هذه الطرق لكي ينتج لنا في النهاية طريقة كتابة برايل الشهيرة.

وفي العام 1839، نشر طريقته ليُطلع العالم على اكتشافه، وواجه مقاومة كبيرة من جميع من حوله، بما فيهم المعهد نفسه، فلم تستخدم هذه الطريقة البسيطة رسميا إلا بعد وفاة صاحبها “لويس برايل” بـ 14 عام في فرنسا.

وبالرغم من سهولة الطريقة التي اخترعها برايل إلا أن هناك العديد من الدول التي لم تقبل الطريقة إلا بعد مرور عدة سنوات من اختراعها مثل إنجلترا التي استخدمتها بعد مرور 30 عاما من ابتكارها، و أيضا لم تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية هذه الطريقة إلا بعد مرور 21 عام من الاكتشاف.

لكن عدم الاعتراف باختراعه ومقابلته بالرفض لم يثنه عن العمل والاستمرار في تعليم تلاميذه أو التأليف والكتاب، فألّف كتاباً يحوي ترجمة قصائد للشاعر الإنكليزي الأعمى جون ميلتون، وليتمكن من الكتابة، استعمل إبرة كبيرة مشابهة لتلك التي كانت سبباً في إصابته بالعمى.

وذات يوم، كانت إحدى تلميذاته تعزف «البيانو» بأحد مسارح باريس، ولما انتهت، صفق لها الحاضرون بإعجاب، فاقتربت من الجمهور وقالت: «لست أنا التي أستحق هذا التقدير، بل الرجل الذي علمني كيف أقرأ كتب المقامات والأوزان، وهو الآن يرقد في فراش المرض وحيداً».

بدأت الجرائد والمجلات حملة قوية تساند لويس برايل وتدعم تبنّي طريقته، حتى اعترفت الحكومة الفرنسية باكتشافه رسميا وتم تعميمه في المعاهد والجامعات التي يدرس فيها طلاب مكفوفين.

وحين علم برايل بالخبر قال: «بكيت في حياتي ثلاث مرات، أولاها حين فقدت بصري، والثانية عند اكتشافي طريقة حروف الكتابة، وهذه المرة الثالثة، حياتي لم تذهب هباء».

لم تطل فرحة برايل بإنجازه الكبير، فتوفي بمرض السرطان عام 1852 ولم يتعدَ عمره حينها 43 عاماً تاركا للعالم ذخرا كبيرا أضاء به حياة المكفوفين عبر الإبرة ذاتها التي فقأت له عينيه.

وبعد 100 عام من اختراعه المذهل، احتفلت فرنسا بذكراه وأقاموا له تمثالاً في قريته الأصلية، وعندما أزيح الستار عن التمثال رفع المئات من المكفوفين أياديهم ليتمكنوا من لمس وجه الرجل الذي أنار لهم الطريق.[:en]

Braille
[:]
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى