أماكن

[:ar]أم الرشراش.. أرض مصرية محتلة![:en]om elreshrash[:]

لحظة رفع علم الاحتلال الصهيوني على أم الرشراش

إذا كنتَ ممن لا يستوعبون كيف يمكن للإعلام أن يغيّر حقائق التاريخ ويشوه الحاضر، فهل سبق لك أن سمعت بمنطقة “إيلات”؟ على الأغلب نعم، فأحد أشهر الأفلام المصرية التي كانت تذاع سنويا في ذكرى الحروب مع الاحتلال الصهيوني حمل اسم “الطريق إلى إيلات”.

لكن الذي لا يعرفه كثير من المصريين أنه لا يوجد مكان اسمه إيلات، وإنما هي قرية مصرية لا تزال محتلة حتى يومنا هذا، قرية أم الرشراش.. هذه حقيقة لن تتغير أبدا، مهما تكرر على لسان أبطال الفليم لفظ “إيلات.. إيلات”.

 

تعريف المنطقة

أم الرشراش هي بلدة مصرية تبلغ مساحتها 84.79 كم²متر مربع، وهي منطقة حدودية لمصر مع فلسطين، تقع في الطرف الشرقي لشبه جزيرة سيناء وتطل على خليج العقبة. في عام 1949 قام الجيش الصهيوني باحتلالها في عملية “عوق دا” وتم تحويل اسمها إلى “إيلات”.

لاحقًا، أصبحت “إيلات” واحدًا من أكبر الموانئ على خليج العقبة، أحد ذراعي البحر الأحمر، وعدد سكانه 46600 نسمة(2008). يُعتبر هذا الميناء منفذ الأراضي الفلسطينية المحتلة البحري إلى آسيا وشرق إفريقيا. وقد ساعدها جمالها الطبيعي، وموقعها على البحر، لكي تكون منتجعًا سياحيًا طوال العام.

 

تاريخ وآثار

تعود تسمية أم الرشراش إلى قبيلة عربية استقرت قديما فيها وتحمل الاسم ذاته، حيث كانت طريقا بريا لمرور الحجيج من شمال أفريقيا إلى الأراضي المقدسة، ونقطة التقاء الحجاج المصريين والشوام، وسوقا تجارية يحمل رمزا دينيا في ذلك الزمان.

وكانت تحت السيادة المصرية فترة الدولة الطولونية ثم سقطت في يد الصليبيين مرتين نظراً لأهميتها الاستراتيجية، في المرة الأولى تحررت على يد صلاح الدين الأيوبي، وفي الثانية طردهم الظاهر بيبرس عام 1267 ميلادية وأقام السلطان الغوري فيها قلعة لحمايتها.

 

الاحتلال الصهيوني

في الوقت الذي كانت تستعد فيه الدول العربية للجلوس على طاولة مفاوضات مع الجانب الصهيوني برعاية الأمم المتحدة بعد حرب 1948.. قرر اليهود تنفيذ عملية “عوبداه” (ومعناها بالعبرية “فرض الأمر الواقع”)، بهدف الوصول إلى البحر الأحمر، ورفع العلم الصهيوني هنالك كدليل على سيادة الاحتلال.

وقد نجح اليهود في مفاجأة الضباط والجنود المصريين، الذين كانوا يتواجدون في قرية “أم الرشراش”، وكانوا يلتزمون بوقف إطلاق النار استعدادا للمفاوضات، فقتلوهم جميعهم بشكل متعمد ومرعب، بعد أن أنزلوا العلم المصري، ليرفعوا بعد ذلك علم إسرائيل فوق السارية، بتاريخ 10 مارس 1949.

 

النزاع المصري الصهيوني

تحاول عصابات الاحتلال إنشاء مطار يسمي مطار السلام في المنطقة المتاخمة لأم الرشراش والعقبة، وهو أمر سوف يسمح لإسرائيل مستقبلا بزعم وجود “إيلات” شرقية وأخري غربية، ومن ثم ستطالب بتوحيد المدينتين بحجة أنهما يشكلان الميناء الوحيد والأبدي لها علي البحر الأحمر.. مثلما زعمت من قبل بوجود قدس شرقية وأخري غربية ثم طالبت بضمهما لتكون عاصمة أبدية للكيان المحتل.

وقد دأبت عصابات الاحتلال علىالالتفاف حول قضية مثلث أم الرشراش المصري بهدف أن يكون هو آخر نقاط الاختلاف الصهيوني – المصري أثناء مفاوضات طابا، وحرصت على التأكيد علىأن النزاع علىطابا هو نزاع حدودي وليس نزاع علامات، وهو ما رفضه الجانب المصري الذي جعل إصراره في مفاوضات طابا الباب مفتوحًا أمام المطالبة بمثلث أم الرشراش في وقت لاحق.

لجأت مصر للتحكيم الدولي الذي صدر لصالح مصر في مثلثي أم الرشراش وطابا، لكن عصابات الاحتلال أهدرت تلك النصوص عبر الزعم بأن “بريطانيا العظمي” قد اعترفت صراحة في عام 1926 بأن الخط المحدد في اتفاق 1906 هو خط الحدود، بصفتها الدولة المنتدبة على فلسطين ومصر.

 

أهمية المدينة

تمثل المدينة موقعًا استراتيجيًا مهمًا، حيث إن أكثر من 40% من صادرات وواردات عصابات الاحتلال تأتي عبر ميناء إيلات. وزادت أهميتها بعد عام 1950م، عندما منع المصريون السفن الصهيونية من المرور في قناة السويس.

وبدون قناة السويس، يُصبح خليج العقبة مخرج الصهاينة الوحيد إلى البحر الأحمر. ولكن مصر قامت أيضًا بإغلاق مدخل الخليج، مما أفقد إيلات أهميتها. وقد فُتح الخليج مرة أخرى نتيجة الحرب الصهونية العربية في عام 1956، وحينئذ نمت إيلات بسرعة كبيرة وزاد حجمها وأهميتها، وقد كان إغلاق مصر للخليج في عام 1967م أحد الأسباب المعلنة لحرب يونيو.

 

شهادة الأردن

بحسب شهادة رئيس الوزراء الأردني توفيق باشا أبو الهدي التي أقر بها في مؤتمر رؤساء الحكومات العربية الذي عقد في يناير 1955، فإن الهدف الأساسي من احتلال أم الرشراش كان فصل مصر عن المشرق العربي.. فيقول إنه “عندما بدأت القوات الصهيونية تقدمها جنوبا باتجاه خليج العقبة في مارس 1949 لاحتلال أم الرشراش، جاءه الوزير المفوض البريطاني في عمان ليقول له إن حكومته تري ضرورة استمرار المواصلات البرية بين مصر وباقي الدول العربية، وتقترح لذلك إرسال كتيبة بريطانية إلىمدينة العقبة لمنع اليهود من الوصول إلي الخليج حيث كانت الحكومة البريطانية ترغب في الاحتفاظ بخطوط مواصلاتها بين قواتها في قناة السويس وقواعدها في الأردن والعراق والخليج”.

وتابع أبو الهدي قوله بأن الكتيبة وصلت فعلا إلىميناء العقبة الأردني علىأن تتحرك في الوقت المناسب لوقف التقدم الصهيوني، إلا أنها ظلت في ميناء العقبة دون أن تتحرك لتنفيذ المهمة المكلفة بها بينما استمرت القوات اليهودية في تقدمها لاحتلال أم الرشراش، لنكتشف بعد ذلك أن أمريكا ضغطت على الحكومة البريطانية لتغيير سياستها في الحرب الصهيونية والسماح للعصابات اليهودية باحتلال المدينة، وهو ما يؤكد التواطؤ الأمريكي في عدوان إسرائيل واستيلائها علىقطعة من أرض مصر بهدف الوصول إلىخليج العقبة”.

 

محاولات للتسوية

اقترحت الولايات المتحدة في الستينيات إقامة كوبري يمر فوق أم الرشراش ويربط بين المشرق والمغرب العربي مقابل سقوط مطالبة مصر بهذا المثلث الاستراتيجي وليبقى مغتصبا لدى إسرائيل، ورفض الرئيس جمال عبد الناصر العرض باعتبار أن تلك المنطقة هي همزة الوصل الوحيدة التي تربط المشرق بالمغرب العربي برياً.

وفي عهد السادات، رفضت مصر التنازل عن أم الرشراش، إلا أن استرداد طابا كان له الأولوية باعتبارها أهم وأكبر، ومع ذلك أدرجت أم الرشراش ضمن ملف التحكيم الدولي الذي رفعته مصر بشأن طابا.

أما مبارك، فلم يتطرق إلى قضية أم الرشراش كثيرا في عهده، نظرا لطبيعة العلاقات والمصالح مع أمريكا التي كانت تحاول وأد أي محاولات لفتح هذا الملف الشائك، ومع ذلك ذكر أم الرشراش في عدة مناسبات، أبرزها عندما أعلن في حوار مع جريدة العربي عام 1996 أن أم الرشراش مصرية، كما جاء على لسانه في برنامج “صباح الخير يا مصر” بمناسبة أعياد تحرير سيناء عام 1997 أن أم الرشراش أرض مصرية لا يجوز التنازل عنها.

ولم ينل الرئيس محمد مرسي، فرصة للكشف عن سياسته في إدارة الملف، ورغم ذلك فقد تحرك في عهده ملف أم الرشراش قضائيا، بعدما قبلت محكمة القضاء الإداري دعوى تقدم بها رئيس حزب الأمة علي أيوب ضد السفير الصهيوني متهما دولته باحتلال أرض مصرية، وتعددت في عهده فعاليات أول جبهة شعبية لتحرير أم الرشراش.. إلا أن كل شيءبهذا الموضوع توقف بعد الانقلاب، وباعتراف قادة الانقلاب أنفسهم.

وفور وصول الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري، تبددت آمال المصريين في أن يُفتح هذا الملف من جديد، أو أن يكون لقائد الانقلاب أي دور في استعادة أرض مصر، وهو الذي بدأ عهده بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافيرللسعودية، تمهيدًا لإخضاعها للاحتلال الصهيوني كما ذكر محللون!

وفي النهاية، تبقى الحقيقة أنه لولا استيلاء الكيان الصهيوني على أم الرشراش واحتلالها في عام 1949، وتنازل جنرالات العسكر عنها لاحقًا، لما كان هناك فاصل جغرافي بين مصر والأردن والسعودية، ولا بين الدول العربية الإسلامية في إفريقيا ونظيرتها في القارة الآسيوية، ولظل البحر الأحمر نقطة قوة عربية آمنة مؤمنة داعمة للأمن القومي العربي بعيدًا عن الاختراق الصهيوني.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى