شخصيات

[:ar]أحمد خالد توفيق.. الرواية التي لا تريد أن تنتهي[:en]AhmedKTawfiq[:]

[:ar]أحمد خالد توفيق.. الرواية التي لا تريد أن تنتهي

بعض الحكايات لا نتخيل أن تدركها مشاهد النهاية، نتعلق بها حتى تكون جزءا من هويتنا، ولا ترحل إلا بأجزاء من خاطرنا.. واحدة من تلك الحكايات كانت الروائي الكبير: أحمد خالد توفيق الذي وافته المنية في الثالث من أبريل الجاري، تاركا الملايين من قرائه ومتابعيه في صدمة وانكسار.

أجواء حزن عميق خيم على مواقع التواصل الاجتماعي مع رحيل توفيق، واحتفاء غير مسبوق دفع إعلاميين لإظهار غبطتهم لتصدره المشهد، وشبان يتحدون الفنانين والسياسيين أن يحظوا بمثل هذه الحالة الجمعية من الرثاء عند وفاتهم.

فمن هو أحمد خالد توفيق؟ وهل يستحق كل هذه الضجة والحزن؟ لماذا كل هذا التدافع لنعيه وإظهار هذا القدر من الرثاء الممزوج بالأسى والألم الحقيقي من تلك الشرائح العريضة مختلفة التوجهات، والتي تمتد لجيلين كاملين وربما أكثر؟ هل تمثل كتاباته وأدبه هذا الوزن المكافئ لرد الفعل على وفاته؟ وهل قلمه بهذا العمق حتى توازيها عمق الحالة المصاحبة للوفاة؟

تعريف:

وُلِدَ أحمد خالد توفيق-أو العرّاب كما يُطلق عليه-في 10 يونيو 1962 بمدينة طنطا وتخرج من كلية طب طنطا عام 1985، وحصل على الدكتوراه عام 1997، وانضم عام 1992 للمؤسسة العربية الحديثة وبدأ بكتابة أول سلاسله-ما وراء الطبيعة-في شهر يناير من العام التالي.

نجحت سلسلة “الرعب” نجاحًا كبيرًا رغم عدم انتشار هذا النوع من الأدب في الوطن العربي، وبدأ في كتابة سلاسل أخرى للمؤسسة نفسها مثل سلسلة سافاري، وسلسلة فانتازيا، وسلسلة روايات عالمية للجيب، غير بعض الأعداد الخاصة وبعض الروايات مثل يوتوبيا، والسنجة لدور نشر أخرى.

واشتهر توفيق كذلك بكتابة مقالاتٍ سياسية واجتماعية دورية في العديد من الصحف والمجلات العربية، كما أنه يحب الترجمة ومن أشهر أعماله الرواية العالمية “Fight Club” والتي ترجمها باسم “نادي القتال” عن دار ميريت للنشر، وأعادت دار ليلى نشرها بعدها بعام.

يعتبر أحمد خالد توفيق أديب الشباب الأول في الوطن العربي والذي حبّب الكثير في القراءة برواياته المشوقة وأسلوبه المتميز والساخر وشخصياته الفريدة-مثل رفعت إسماعيل-ولقربه من الشباب فكريًا وتواصله الدائم معهم، كما أن رواياته دائمًا ما تتناول الشعب المصري وما قد يحدث للبلاد في المستقبل.

عنوانه الصدق:

فات على الكثيرين من المندهشين بالرثاء المهيب له أن أصعب شيء أن تظل صادقًا فيما تعتقد أو تقول، وتكون صادقًا حينما تغير قناعتك أو تحول مسارك، لأن الموهبة الفنية والقدرة الأدبية يمكن أن تكون لدى الكثيرين، ويمكن أن يرفع التدريب وتراكب الخبرات مهاراتك فيها، لكن الصدق أو الإيمان بما ترى أو تتحول إليه أو تتراجع عنه، لابد أن يكون نابعًا من داخلك فقط.

كان خالد توفيق يتميز بالصدق فيما يعتقد أو يطرح، لم يكن يظهر في أي موضع متكلفًا أو متصنعًا أو مبالغًا، كان بسيطًا ومتواضعًا، يسعى للاقتراب من الآخرين وفهمهم، هذا على الرغم من كونه ذا حظ من شهرة ومعرفة في أوساط الشباب منذ فترات طويلة، لكن تواضعه الذي جعله دائمًا في موضع الرعاية لا الوصاية، ترك هذا الأثر البالغ، فالرجل ليس استعلائيًا بل دمث الخلق عف اللسان حتى مع مخالفيه في الرأي، لذا فلا ريب أن ينتزع احترام كل من تعاملوا معه، سواء إنسانيًا أو فكريًا.

جاء فقدان دكتور أحمد خالد توفيق بمثابة صدمة، ذلك أن الناس شعرت أنها فقدت جزءًا من الحقيقة والصدق المحيط بها في زمن يتزيف فيه كل شيء ويَسود القبح فيه، وتعتبر البراءة فيه جزءًا من البلاهة لدى الكثيرين، والبساطة ضعفًا.

كان الرجل بسيطًا، حتى في كتاباته يركن للسلاسة، وهو ما جعله رائدًا لمدرسة جذبت أجيالًا عديدة لطريقته، وفتحت لهم آفاقًا كبيرة في عالم القراءة والمعرفة.

رجل عادي:

لم يكن الرجل قريبًا للشباب لأنه كان متواضعًا وحسب، لكنه أيضًا كان يعيش حياة «عادية» ويرتبط بمكانه الأصلي طنطا، ويلبس ويتحدث بلغة عادية، ولم يشعر أحد أنه يمارس حياة مختلفة عن حياة آلاف أو ملايين من الشباب المتابعين له، حتى طريقة لبسه واجتماعاته كانت عادية، ومن ثم تشعر أنك قريب منه بلا تكلف أو تصنع، وتشعر أنه يمثلك وأنه ليس استثناء في نمط حياته.

فكرة «العادية» غير القائمة على التصنع والادعاء على طريقة تصوير الرؤساء مع الفقراء وقت شرب الشاي، هي فكرة مركزية برأيي في حب الناس لكثير من المبدعين، وأحمد خالد توفيق تحديدًا، ومن خلال المتابعة للصحف والمواقع التي كتب معها ولها؛ ستجد أن الشهادات تتحدث عن رجل موهوب أو رجل له شعبيته الكبيرة بين الشباب لكنه كان يتعامل بطريقة «عادية».

أما فضيلة “الاستغناء” فهي فضيلة كبرى، لأنها هي ما تجعلك «عاديًا» لا تخشى أن تفقد شيئًا ماديًا من أجل الحفاظ على هالة تحيط بك، أو منصبًا أو جاهًا أو مالًا حصلت عليه من شهرتك أو عملك، فالأصل لديك هو عدم وجود الأشياء واستغناؤك عنها، ومعرفتك أنك من تصنع المال والشهرة وليس هما ما يصنعانك، ومن ثم يستوي عندك الامتلاك والفقد، طالما تفعل ما تريد وتعتقده بصدق، وهذا هو جوهر ما جعل الشباب وكثير من الناس تشعر بفضيلتي الصدق والتواضع لدى الرجل.

يحبه الشباب:

لتلك الأسباب اقترب الشباب من توفيق، واتخذوه قدوة في عالم القراءة، معتبرين أنه أبوهم الروحي الذي فتح لهم آفاق القراءة العالمية، وربطهم بشخصيات تحمل قيمًا معنوية تميل للحق والعدل والخير دون تصنّع أو زيف، مبسطًا لهم الصعب في الفلسفة في الأدب العالمي، مقتربًا من حيواتهم الشخصية مختلطًا معهم ذاتيًا ومعنويًا، كان أبًا روحيًا وأخًا أكبر بلا وصاية لكثير منهم.

هي أمور كلها لا ترتبط مباشرة بعمل سياسي نضالي فاقع اللون أو صاخب الحركة، يخمد بعد فترة قصيرة، أو قدرات أدبية تقارن بشاعر أو بالأدب الروسي أو غيره، بل بقدرات إنسانية تحمل قدرًا غير يسير من السواء النفسي والإخلاص والصدق وعدم التلون والخداع، وهي أمور أشق وأصعب بكثير من النضال السياسي أو ادعاء العمق بالتكلف.

لهذا أحب الشباب خالد توفيق وصدقوه وافتقدوه، لأنه مثل لهم كل تلك القيم المعنوية التي لا يمكن أن تشترى، ويكفي أن غالبيتهم يؤمنون في داخلهم بأنه هو من جعلهم «يقرءون».

الاحتجاج بالصمت

رحل أحمد خالد توفيق عن سن يناهز الخامسة والخمسين، وهو أقل من متوسط أعمار المتوفين بمصر، وأقل من متوسط الأعمار للكتاب الراحلين، بل هو أصغر الكتاب سنا الذين رحلوا عن عالمنا مؤخرا… وبيد أن رحيله كان رسالة احتجاج صامتة كما اعتاد دومًا أن يحتج بالصمت.[:en]soon[:]

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى