تحليل إخباري

“إلا رسول الله”.. الهجوم الفرنسي على الإسلام ودلالات رد الفعل العربي

 

  • “خدعة سحرية لطيفة للغاية! في كل مرة تكون فيها فرنسا في أسوأ حالاتها اقتصادياً واجتماعياً.. تطل علينا قائلاً إن المشكلة في الإسلام”.. مدون فرنسي موجهاً كلامه لماكرون

إذا لم يكن تجرؤ فرنسا على الهجوم بصيغة رسمية على الرموز الإسلامية كافيا لإثارة الصدمة والغضب لدى الجماهير المسلمة، فإنه من المؤكد حتما أن رد الفعل الرسمي العربي، فضلا عن بعض تصريحات النخب المقربة من الأنظمة الحاكمة، كافيا لإثارة كافة مشاعر الاستهجان والاستغراب لدى المتظاهرين الذين خرجوا نصرة للإسلام من أسواق هرات الفقيرة في أفغانستان إلى الأحياء الراقية في عمان وجامعات إسلام أباد.

فعلى مدار الأسابيع الماضية، تشتعل منصات التواصل الاجتماعية بدعوات فاعلة لمقاطعة المنتجات الفرنسية، ردا على تصريحات متتالية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يهاجم فيها الإسلام بشكل مباشر، فضلا عن تبرير المؤسسة الحكومية الرسمية في فرنسا لرسوم مهينة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ونشرها على مؤسسات حكومية بصورة ضوئية لعدة ساعات.

البداية من باريس، حيث صرح ماكرون -دون مقدمات مفهومة- في خطاب له، الجمعة 2 أكتوبر 2020، بأن الإسلام بات يواجه أزمة عالمية، في أول مرة يوجّه فيها رئيس غربي اتهامات للإسلام كدين بشكل عام وصريح. ماكرون قال أيضا إن “على فرنسا التصدي للانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام موازٍ وإنكار الجمهورية الفرنسية”، مضيفاً خلال زيارة لضاحية لي ميرو الفقيرة في باريس: “ما نحتاج لمحاربته هو الانفصالية الإسلامية.. المشكلة في أيديولوجية تدعي أن قوانينها يجب أن تعلو على قوانين الجمهورية”.

تضييق ميداني

التحول الفرنسي لم يكن على مستوى التصريحات فقط، إذ إنه وبعد ساعات من خطاب ماكرون، سرعان ما بدأت الأوساط الإعلامية اليمينية، طرح تفاصيل مشروع قانون ضد “الانفصال الشعوري”، يهدف إلى “مواجهة التطرف الديني وحماية قيم الجمهورية الفرنسية”، ويؤكد مشروع القانون فرض رقابة أكثر صرامة على الجمعيات الإسلامية والمساجد، و”منع الممارسات التي تهدد المساواة بين الجنسين”، بما في ذلك “شهادات العذرية” التي تحرص بعض الأسر المسلمة على استخراجها قبل الزواج.

وفيما يبدو أنه تحرّك حكومي فرنسي منسق، جاءت دعوة ماكرون بعد أيام من تصريحات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بشأن الهجوم الذي استهدف المقر القديم لصحيفة شارلي إيبدو الساخرة، وأسفر الهجوم الذي نفذه، رجل من أصول باكستانية، عن إصابة شخصين بجروح خطيرة، حيث قال الوزير الفرنسي إن بلاده “في حرب ضد الإرهاب الإسلامي”.

وذكر الوزير أنه تم إحباط “32 هجوماً” في فرنسا على مدى السنوات الثلاث الماضية، موضحاً أن ذلك “يساوي تقريباً هجوماً كل شهر”، في وقت تشهد فيه الدول الغربية ومنها فرنسا هجمات إرهابية يشنها أنصار اليمين المتطرف دون أن تخرج تصريحات في فرنسا تحديداً تندد بحركات اليمين المتطرف أو تعتبرها “إرهاباً”، بحسب ردود الفعل التي أفرزتها تصريحات ماكرون ووزير الداخلية على منصات التواصل الاجتماعي.

تركيا.. هي المقصود

لا يمكن إغفال أن تصريحات ماكرون جاءت في وقت بلغت فيه علاقة تركيا بفرنسا أسوأ مراحل توترها منذ سنوات، فكثير من المحللين داخل فرنسا وخارجها ربطوا بين تصريحات ماكرون الأخيرة وبين عدائه لتركيا، في ظل الملفات السياسية المتعددة التي تتواجه فيها باريس وأنقرة سواء في ليبيا أو شرق المتوسط ومؤخراً في الصراع بين أذربيجان وأرمينيا.

ففي ليبيا تساند فرنسا ميليشيات شرق ليبيا بزعامة خليفة حفتر في مقابل دعم تركيا لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس المعترف بها دولياً وأوروبياً وأممياً، وتقف فرنسا في صف اليونان في نزاع الأخيرة مع تركيا بشأن حدودهما البحرية في شرق المتوسط.

ورأى كثيرون أن تصريحات ماكرون جاءت جزء من حملة تستهدف الإسلام بشكل عام والمسلمين كافة وليس فقط محاربة التطرف كما يردد المسؤولون الغربيون وحلفاوهم من بعض الأنظمة العربية في المنطقة، وهو ما يزيد من حدة الاضطراب وعدم الاستقرار حول العالم رغم وباء كورونا الذي يتطلب التعاون لمكافحته.

رفض مؤسسي

أبرز التصريحات الرافضة للهجوم الفرنسي جاء على لسان الأزهر الشريف، الذي أعلن رفضه تصريحات ماكرون عن الإسلام، مؤكداً السبت 3 أكتوبر 2020 أنها “عنصرية وتؤجج مشاعر ملياري مسلم”، وذلك في بيان لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، بعد يومين من رفض شيخ الأزهر، أحمد الطيب، تصريحات وزير الداخلية الفرنسي التي تحدث فيها عن “الإرهاب الإسلامي”.

بيان الأزهر أوضح أن “التصريحات الأخيرة الصادرة عن ماكرون اتهم فيها الإسلام باتهامات باطلة لا علاقة لها بصحيح هذا الدين”، وأضاف: “نرفض بشدة تلك التصريحات ونؤكد أنها تصريحات عنصرية من شأنها أن تؤجج مشاعر ملياري مسلم”. واستنكر “إصرار البعض على إلصاق التهم الزائفة بالإسلام أو غيره من الأديان كالانفصالية والانعزالية”، مؤكداً أن هذا الإصرار “خلط معيب بين حقيقة ما تدعو إليه الأديان من دعوة للتقارب بين البشر وعمارة الأرض وبين استغلال البعض لنصوص هذه الأديان وتوظيفها لتحقيق أغراض هابطة”.

ورد شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، على تصريحات ماكرون، بقوله إنه “في الوقت الذي نسعى فيه مع حكماء الغرب لتعزيز قيم المواطنة والتعايش، تصدرُ تصريحات غير مسؤولة، تتخذ من الهجوم على الإسلام غطاءً لتحقيق مكاسب سياسية واهية، هذا السلوك اللاحضاري ضد الأديان يؤسِّس لثقافة الكراهية والعنصرية ويولِّد الإرهاب”.

كما هاجم مفتي سلطنة عُمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي الرئيسَ الفرنسي بشدة منتقداً تصريحاته التي وصفها المفتي بأنها هجوم غير مسبوق على الدين الإسلامي من جانب رئيس فرنسا، الدولة التي تتفاخر بالحريات والديمقراطية والمساواة.

غضب شعبي

أما في فرنسا، فقد انتقد مدونون وسياسيون ماكرون بشكل خاص على اختياره مصطلحاً مثيراً للخلاف والفتنة داخل المجتمع، على حد قولهم، كما عبرت الهيئات والجمعيات الممثلة للمسلمين عن تخوفها من أن تسهم تصريحات ماكرون وخطته في انتشار خطاب الكراهية ودفع البعض إلى الخلط بين الدين الإسلامي وتصرفات المتطرفين.

وقرأ بعض المعلقين العرب وأبناء الجالية المسلمة في فرنسا في خطابات ماكرون “استهدافاً واضحاً لهم ولدينهم دون غيرهم من الأديان والجاليات”، فهم يرون أن خطته لا تهدف إلى محاربة الإرهاب بالأساس، ولكنها تمثل “عودة للسياسات الفرنسية التقليدية بمحاولة قطع أي علاقة ثقافية للأقليات المسلمة في فرنسا ببلدانهم الأصلية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى