مساء الخميس 14 فبراير/شباط 2019، استضافت مدينة سوتشي الروسية قمة جمعت زعماء تركيا وروسيا وإيران لتحديد ملامح مستقبل الساحة السورية بعد إعلان الولايات المتحدة سحب قواتها المتمركزة هناك.. وشهد ذلك اليوم توقيع اتفاقية سوتشي التي سيكون لها بالغ الأثر في المشهد السوري خلال عام.
البيان الختامي للقمة أشار إلى اتفاق الزعماء على تنسيق الجهود لإحلال الأمن والاستقرار في مناطق شمال شرق سوريا، وأضاف أن سحب الولايات المتحدة الأمريكية قواتها من سوريا، سيعزز الأمن والاستقرار في هذا البلد، وشدّد على تعزيز التنسيق الثلاثي والتأكيد على سيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، وضرورة عدم انتهاك أحد لهذه المبادئ.
أَملُ التوصّل لحلّ
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اعتبر أن الأمل بالتوصّل إلى حل للأزمة السورية بات “قريب المنال أكثر من أي وقت مضى”، وأكد أن بلاده التي تحارب الإرهاب منذ 34 عاماً، وفقدت عشرات الآلاف من مواطنيها ضحايا إرهاب منظمة “بي كا كا”، تشعر جيداً بآلام أشقائها الإيرانيين.
وأضاف: “لا نرغب برؤية مأساة إنسانية جديدة في سوريا”. وشدد على أن تركيا “بذلت جهوداً استثنائية من أجل المحافظة على الهدوء في إدلب شمالي سوريا رغم محاولة بعض الدول زعزعة الوضع فيها”، دون تفاصيل أخرى حول الجزئية الأخيرة.
وتابع: “سنواصل الالتزام بما يقع على عاتقنا في إطار تفاهم إدلب، ونقلنا لنظرائنا الروس والإيرانيين توقعاتنا بالتزام النظام السوري بوقف إطلاق النار بالمنطقة، والحفاظ على وضع خفض التوتر فيها”.
فهل التزم النظام السوري فعلا؟
جنّب الاتفاق محافظة إدلب السورية حمام دم لمدة عام كامل، لكنه لم يمنع قوات النظام من تصعيد عملياتها التي حصدت مئات المدنيين نهاية العام الماضي، ولم يمرّ عام على توقيع الاتفاقية إلا خرقتها قوات الأسد، وفشلت روسيا في الوفاء بضبط حليفها السوري.
وأرسى الاتفاق عند بدء تطبيقه هدوءاً نسبياً، إلا أن عدم استكمال تنفيذ بنوده الرئيسية أدخل المنطقة مجدداً في دوامة التصعيد منذ نهاية نيسان/أبريل، ما تسبب بفرار أكثر من 400 ألف مدني.
جاء إبرام هذا الاتفاق بعد أشهر من سيطرة قوات النظام بدعم روسي إثر هجوم واسع على الغوطة الشرقية، التي شكلت أبرز معاقل الفصائل المعارضة قرب دمشق، وتعرضت لحصار خانق على مدى سنوات.
وأبدت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية خشيتها من أن يؤدي أي هجوم لقوات النظام على إدلب، التي تؤوي مع أجزاء من محافظات مجاورة نحو ثلاثة ملايين نسمة، إلى “أسوأ كارثة إنسانية” في القرن الحالي.
بنود الاتفاق
ونصّ الاتفاق بشكل رئيس على إنشاء منطقة منزوعة السلاح يتراوح عرضها بين 15 و20 كيلومتراً تفصل بين مناطق سيطرة قوات النظام والفصائل، على أن تنسحب منها المجموعات الجهادية وتسحب الفصائل المعارضة سلاحها الثقيل منها.
وتضمن الاتفاق كذلك فتح طريقين سريعين استراتيجيين يمرّان في مناطق تحت سيطرة الفصائل في إدلب قبل نهاية العام 2018، يربط أحدهما مدينة حلب شمالاً بحماة وصولاً إلى دمشق، بينما يربط الثاني حلب بمحافظة اللاذقية الساحلية، وتتولّى دوريات من القوات التركية ووحدات من الشرطة الروسية، بموجب هذا الاتفاق، مراقبة المنطقة المنزوعة السلاح.
نهاية الاتفاق
وبعد التزام طرفي النزاع بوقف إطلاق النار إلى حدّ كبير حتى شباط/فبرايرأي فبراير؟ ، بدأت قوات النظام تكثف قصفها تدريجياً. وبلغ التصعيد أوجه منذ نهاية نيسان/أبريل أي ابريل؟ بدعم روسي. وتمكنت قوات النظام الشهر الماضي من التقدم ميدانياً في جنوب إدلب والسيطرة على جيب كان تحت سيطرة الفصائل الجهادية والمعارضة في شمال حماة المجاور.
وتسبّب التصعيد العسكري والغارات السورية والروسية بمقتل قرابة 1000 مدني، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فضلاً عن نزوح أكثر من 400 ألف شخص إلى مناطق لا يشملها القصف قرب الحدود التركية وفق الأمم المتحدة.