تحليل إخباري

اتفاق أوباما أصبح من الماضي.. الخيارات المُحتمَلة على طاولة التفاوض النووي الإيراني

رغم اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على خيار الدبلوماسية في التعاطي مع مِلف إيران النووي، وتعزيز ذلك الخيار مع تولي الرئيس الديموقراطي جو بايدن زمام السُلطة في البلاد، إلا أن طهران تجد نفسها بمواجهة مطالب أمريكية من جانب الإدارة الجديدة بشأن العودة للاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب، رُبّما لا تختلف في مضامينها عن مطالب وشروط ترامب الذي عززت الأزمة وضاعفت فرص الصدام.

وبدا واضحا أن إيران كانت تأمل في إعادة الحياة للاتفاق النووي نفسه دون تعديلات، من دون تحمُّل تكلفة حقيقية أو تقديم تنازُلات جوهرية، لكن تدور كافَّة تصريحات إدارة بايدن حول رغبةٍ أمريكية في جعل العودة للاتفاق النووي أرضيةً لتأمين مزيدٍ من الضمانات بشأن البرنامج النووي الإيراني، إضافةً إلى الحديث عن إدراج قضايا خلافية للمفاوضات النووية، أهمَّها مِلف السلوك الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية، ورُبّما مشاركة من أطراف أُخرى في المفاوضات.

لهذا أكَّدت الولايات المتحدة أنَّها لن ترفع العقوبات، ولن تعود للاتفاق، قبل البدء في محادثاتٍ شاملة مع إيران، في حين تصرّ إيران على رفع العقوبات أوّلًا قبل أيّ خطوة من جانبها، وهو ما يعني ضمنيا أن ملف الاتفاق النووي الأول بالنسبة للولايات المتحدة أصبح من الماضي، وأن الاختلاف بين الإدارتين الأمريكيتين في السلطة هو أنَّ ما كان يريده ترامب بالضغط يريده بايدن من خلال الدبلوماسية لا أكثر.

إشكالية معقدة

تبدو إذن الإشكالية الأكبر في هذا الملف المعقد هو وجود فجوة وتبايُن في المواقف بين الجانبين الأمريكي والإيراني، على الرغم من التوافُق حول أولوية الدبلوماسية، وبالتالي فإن الجانبين الآن يخوضان مرحلةً من عضّ الأصابع، يحاول بايدن توظيف إرث ترامب من أجل الوصول إلى اتفاقٍ شامل مع إيران، في المقابل، تحاول إيران أن تعزِّز من أوراق ضغطها المتمثلة في الحضور الفاعل في عدة عواصم عربي عبر الجماعات المسلحة وأحزاب الضغط السياسي لتسريع مسار المفاوضات، والخروج من الأزمة الخانقة التي تعاني منها جرّاء العقوبات وإستراتيجية الضغوط القصوى.

لا شكَّ أنَّ هناك فُرصًا مناسبة لإيران من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي، ورفع العقوبات، أبرزها استعدادات الأطراف للانخراط والتفاهم، حيث لعب تغيير القيادة في الولايات المتحدة دورًا أساسيًا في تحوُّل العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران من المواجهة إلى التهدئة، حيث يعطي بايدن أولويةً للمسار الدبلوماسي، وترى إدارته أنَّ المحادثات “ضرورية من أجل إقناع إيران باستئناف امتثالها للاتفاق النووي”.

على الجهة الأخرى، ترى إيران أن هناك فُرصة لدفع الدبلوماسية قُدُمًا، على الرغم من تباين المواقف والخلافات حول من يبدأ بالخضوع أولا، وسط ارتفاع أولوية معالجة مِلف إيران النووي بالنسبة للقُوى الدولية، والذي بدا واضحا أن هناك أولويةٌ دولية لإعادة إيران إلى التزاماتها النووية، وهذا ما أكَّده مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان في 29 يناير 2021، بقوله: إنَّ من الأولويات القُصوى والمبكِّرة لإدارة بايدن “التعامُل مع اقتراب إيران من الحصول على ما يكفي من المواد الانشطارية لامتلاك سلاحٍ نووي”.

والواقع أنَّ المِلف النووي أصبح مؤثِّرًا في العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة والغرب، وأصبح ورقةً شديدة الفاعلية في تأطير العلاقة، وتحقيق قدرٍ من التوازُن، وتوليد المكاسب على طاولة المفاوضات، وذلك بالنظر إلى أنَّ إدارة بايدن والقُوى الدولية تنظر إلى خطَّة العمل المشتركة على أنَّها أشمل اتفاقٍ تمّ التوصُّل إليه، ويحتوي على أكثر آليات الشفافية والتحقُّق في تاريخ معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، فضلًا عن الحدّ الأقصى من الالتزامات، ويغلق المسارات المُحتمَلة للوصول إلى قنبلةٍ نووية أو برنامج عسكري سرِّي.

وقد باتت إيران تدرك هذه الأهمِّية، ومِن ثم فإنها اتّجهت إلى تخفيض التزاماتها، وزيادة نسبة التخصيب، وعدد أجهزة الطرد المركزي، وغيرها من الإجراءات، واتّجهت للضغط بصورة أكبر بإعلان مفتِّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية في 11 فبراير 2021 عن وجود 3.6 غرام من مادة اليورانيوم في منشأة في أصفهان، وإعلان طهران عن خفض التعاون مع الوكالة الدولية بخصوص عمليّات التفتيش بحلول يوم 23 فبراير 2021، وهو ما كان له أثره في الدفع بمسار التفاهُم قدما.

استسلام أمريكي وشيك

وقد بدا واضحا منذ تولى بايدن السُلطة في الولايات المتحدة، تخفيف وطأة الضغوط القصوى ضد إيران، حيث توقفت إلى حد ما بعض بنود الحملة التي تبنتها الإدارة السابقة، ولم تفرض الولايات المتحدة أي عقوباتٍ جديدة على طهران، بل سحب مندوب الولايات المتحدة في 18 فبراير 2021 طلب تفعيل آلية «سناب باك» التي قدَّمتها إدارة ترامب؛ في خطوة لها دلالتها فيما يتعلَّق بتوجُّهات الإدارة الجديدة بشأن التأكيد على الدبلوماسية والتفاهُم.

كما سمحت الولايات المتحدة الأمريكية لبعض الدول بالإفراج عن الأُصول المالية وعائدات مبيعات النِّفط الإيرانية؛ في مقدمتها كوريا الجنوبية واليابان، في خطوات لها دلالتها على أن هذا الموقف الأمريكي جاء بناءً على قناعة بأنَّ حملة «الضغط الأقصى» لإدارة ترامب فشلت في كبح جماح طهران وإخضاعها.

وبشكل عام، فإن مسار الدبلوماسية هو خِيار الجانبين، لكن هناك فترة انتقالية سيتمّ فيها اختبار النوايا، وتعزيز الثقة في مسارات العمل، من خلال بعض التدابير المحدودة في البداية، ومن الواضح أن الحوار قد بدأ بالفعل، وإن أتى بصورة غير مباشرة حتى الآن، وعلى الأرجح فإنَّ خِيار “القليل مقابل القليل” وتقديم تنازُلات محدودة، هو المسار الذي سيكون محلّ اختبار على المدى القريب أو المتوسِّط، وذلك رغبةً من الجانبين للتهدئة ووقف التصعيد، لعدم جنوح الأزمة نحو المواجهة مرة أُخرى.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى