تحليل إخباري

الانتخابات الفلسطينية الوشيكة.. هل دفع التطبيع الخليجي الفرقاء الفلسطينيين لطي صفحة الخلاف الطويل؟

تقارب نحو المصالحة بين فتح وحماس بعيدا عن الوصاية والرعاية العربية أو الدولية، تستضيفه هذه المرة، مدينة اسطنبول التركية”، هكذا غزا الخبر مواقع الأخبار الفلسطينية والعالمية، معتبرين ذلك نتيجة حتمية للهرولة الخليجية نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، في ظل شعور محمود عباس بالتهديد إثر حديث إعلامي متكرر عن احتمال استبداله، والإتيان بمحمد دحلان، مستشار ولي عهد أبو ظبي، على رأس السلطة الفلسطينية.

لكن ورغم ذلك، فإن التاريخ بين فتح وحماس لا يجعل الاعتقاد بوقوع هذا التقارب سهلا، إذ إنه وبالرغم من الحديث عن إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال ستة أشهر، إلا أن ذلك يثير عدة أسئلة، أهمها: هل سيكون الطريق ممهدًا امام تلك الانتخابات؟ وما مدى نزاهتها؟ وماذا لو فازت حماس مرة أخرى بها كما حدث في انتخابات 2006؟

تقارب مفاجيء

القيادة الفلسطينية والفصائل تستعدان لعقد لقاء للأمناء العامين خلال الأيام المقبلة، من أجل إقرار جملة من التفاهمات التي جرت خلال لقاءات مطولة دامت على مدار يومين بين وفدين من “فتح” و”حماس” عقدت في القنصلية الفلسطينية في اسطنبول، وأطلعت عليها باقي الفصائل، من أجل طي سنوات الانقسام، تكون ركيزتها الأساسية إجراء الانتخابات العامة بشكل متتالي، وذلك بعد أن قرر الفلسطينيون، الخروج من عباءات الرعاية العربية للمصالحة.

ونظرا لثقة الشارع الفلسطيني في الرعاية التركية للتفاهمات، تسود أجواء إيجابية الشارع الفلسطيني بصورة لم تعهد من قبل، حيث يتطلع الفلسطينيون لأن تطوي سنوات من الخلافات، وتمهد لوحدة وطنية، ستكون المتغيرات الإقليمية وأولها تطبيع أنظمة عربية علاقاتها مع الاحتلال، وخطط التوسع الاستيطاني والضم، سببا رئيسيا فيها.

السبب: التطبيع

التقارب الحاصل حاليا بين فتح وحماس، كبرى التنظيمات الفلسطينية، جاء بعد جملة اتصالات تركية بين فريقين من قياديين، حيث نجم في بداية التوافقات ترتيب فعاليات وطنية جماهيرية منددة بـ “صفقة القرن” الأمريكية، وبخطط التطبيع العربية، حتى نضجت تلك الاتصالات، لتتلوها مشاركة حماس في اجتماع القيادة الفلسطينية، المعارض لاتفاقيات التطبيع، قبل أن يجري الاتفاق بعد غياب دام سبع سنوات، على ترتيب عقد لقاء للأمناء العامين للفصائل، برئاسة الرئيس محمود عباس ما بين رام الله وبيروت، وما تخلله من توافقات على تشكيل لجنة تقدم رؤية للمصالحة الشاملة.

وفي خضم الترتيب لتشكيل اللجنة، ومن أجل إنجاح عملها، عقدت حركتا فتح وحماس في مقر السفارة الفلسطينية في اسطنبول، وبعيدا عن أي رعاية سواء عربية أو إقليمية، جلسات حوار أساسها العمل الثنائي، وقد تمكنتا هذه المرة، ورغم عدم تضمن الجلسات للمرة الأولى وجود وسطاء، من تقريب وجهات النظر كثيرا حيال العديد من المسائل التي كانت تشكل سابقا “برميل بارود” كان الجميع يخشى الاقتراب منه خوفا من الانفجار، علاوة عن توافقهم على عقد اجتماع جديد وقريب للأمناء العامين، لإقرار التفاهمات لتخرج في شكل وطني موحد، ضمن رؤية المصالحة، التي تهدف إلى تسوية الخلافات، ودخول حماس في منظمة التحرير الفلسطينية.

تفاهمات واسعة

رئيس وفد حركة فتح في حوارات اسطنبول، جبريل الرجوب، قال وهو يتحدث عما حصل في تركيا، أنه تم التوافق مع قيادة حركة حماس على إجراء الانتخابات الفلسطينية متتابعة، مجلس تشريعي، تليها الانتخابات الرئاسية، ثم انتخابات المجلس الوطني، لافتا إلى أن الانتخابات ستكون على أساس التمثيل النسبي، ووفق تدرج مترابط لا يتجاوز الـ6 أشهر، وقال “توافقنا على أن الانتخابات بالتمثيل النسبي هي الطريق لبناء النظام السياسي وتحقيق الشراكة السياسية”.

وأشار إلى أنه جرى حوار وطني استراتيجي مكثف، وتم التوصل لرؤية واضحة لآليات بناء الشراكة الوطنية من خلال انتخابات وفق التمثيل النسبي، لافتا إلى أنه سيصار خلال الأيام المقبلة تطوير آليات لبناء الشراكة من خلال انتخابات عامة. وحول نتائج الانتخابات، حال أجريت، أوضح الرجوب أن فتح متمسكة بمخرجات الانتخابات التشريعية التي قال إنه يتوجب أن “تُشكل حكومة ائتلاف وطني”.

وتشابهت تصريحات ومواقف قادة حماس تماما مع تصريحات قيادة حركة فتح حيال  المصالحة، في مشهد يعكس مدى التقارب الحاصل حاليا بينهم، وقال عضو المكتب السياسي لحركة حماس حسام بدران، الذي شارك في الحوارات الأخيرة، إنها ركزت على مناقشة كيفية تطبيق مخرجات اجتماع الأمناء العامين، و”استكمال هيكلية القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية التي اتفقنا على تشكيلها، والوصول إلى شراكة وطنية كاملة في جميع الملفات”.

 وأكد أن الحوار في اسطنبول هو “استكمال لما اتفقنا عليه في اجتماع الأمناء وأنه جرى خلاله التوافق على ضرورة العودة للشعب الفلسطيني صاحب الحق الأصلي والوحيد في اختيار قيادته، وتمثيلها في المؤسسات من خلال الانتخابات”. وأضاف “نريد الذهاب إلى الانتخابات بقدر كبير من التوافق، يتبعها تشكيل وحدة وطنية فلسطينية يشارك فيها كل أطياف الشعب الفلسطيني، الذين فازوا في الانتخابات وغيرهم” وأكد أن الحركتين توافقتا على تنفيذ خطوات لتهيئة الأجواء، وألا تنظم هذه الانتخابات إلا بعدما يشعر شعبنا بالثقة في نجاح هذه الخطوة.

جولة حاسمة

لكن الأسئلة حول نزاهة تلك الانتخابات والالتزام بنتائجها، هو محور المرحلة المقبلة، التي يبدو أنها ستجيء امتدادا لتلك التفاهمات التي جرى التوصل إليها في نوفمبر من العام الماضي، عقب جولة محادثات قادها وقتها رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر، بتكليف من الرئيس عباس، وحصلت على موافقة من الفصائل بما فيها حماس على انتخابات بالنسبية الكاملة، تكون البداية للتشريعية منها، ثم الرئاسية، بمدة ثلاثة أشهر، حيث تعثرت بعد ذلك الاتصالات حول الأمر، بسبب وجود خلافات فنية بين الطرفين، ولعدم حصول القيادة الفلسطينية على ضمانات لعقدها في القدس المحتلة.

وينتظر حاليا لأن يصار إلى عقد اجتماع قريب للأمناء العامين للفصائل، يخطط لأن يكون في بدايات نوفمبر الجاري، ليعقد عبر تقنية الربط التلفزيوني ما بين رام الله وعاصمة خارجية، ربما تكون بيروت، أو من خلال مشاركة الأمناء العامين كل حسب مكان إقامته الحالية، ليجري خلاله طرح ما جرى التوافق عليه مؤخرا بين فتح وحماس، بعد أن عقدت الحركتان اجتماعات ومشاورات داخلية ناقشت بدقة تفاهمات اسطنبول، حيث أعلنت قيادة حركة فتح مصادقتها على تلك التفاهمات، لكن الأيام القادمة ستكشف مدى جدية تلك التصريحات الإيجابية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى