تحليل إخباري

السخرية في مواجهة كورونا.. لماذا تلجأ الشعوب العربية إلى “النكتة” في هذه الأوقات؟

فيما يواجه العالم جائحة وبائية هي الأشد منذ عقود طويلة، تتحصن الشعوب العربية بحالة من السخرية وإطلاق النكات على فيروس كورونا المستجد، في ظل الظروف المتواضعة التي تواجه بها حكوماتهم الوباء، وتعرّض اقتصادات بلدانهم المرهقة أصلاً لحالة من الركود التام، مع فرض معظم الدول هذه لحظر التجول خشية تفشِّي العدوى.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، ما سبب لجوء الشعوب العربية لهذا الأسلوب في مواجهة وباء قاتل؟ وكيف كانت تجارب بعض الشعوب في السخرية والتندر على الوباء وعلى الظروف الراهنة الصعبة التي تمر بها أوطانهم؟ وإذا كانت محاولة لتبديد المخاوف منه، فهل يمكن أن تنجح؟

سلاح يجمعنا

ببساطة، نحن كشعوب عربية، غير قادرين على إيقاف العدوى التي تنتشر بيننا، ومضطرون لتحمُّل هذا الواقع ونحن عاجزون ومعزولون في منازلنا. لذا نجد أن النكتة الآن هي درعنا الواقي الأكثر فاعلية، وبالتالي، نحن بالضحك نستطيع استعادة بعض السيطرة والتواصل، لأن الضحك هو في الأساس صوت اجتماعي يربط الناس معاً.

وفي عالمنا العربي، الذي يعيش منذ نحو 100 عام حالة من عدم استقرار، بسبب الاستعمار وتتابع الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية التي لا تنتهي وغياب حالة الديمقراطية، كما تقول مجلة ذي أتلانتك الأمريكية، فإن الكثير من الشعوب العربية يرى أن الأصعب من هذه الأيام قد مرّ عليهم، وهذا الفيروس الذي بات يرعب العالم هو مجرد “سبب من أسباب الوفاة الكثيرة” في عالمنا العربي.

“اضحك في وجه الفيروس”

مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي حظيت بتدفق هائل من النكات حول فيروس كورونا، رآها كثيرون أنها أحد سبل مواجهة المرض، وأن الناس يجتمعون عليها ضد الوباء، ويستعيدون تواصلهم البشري الذي أجبروا على فقدانه بسبب الحجر المنزلي. في حين حذر البعض الآخر من التمادي بموجات السخرية والنكات، لأنها قد تؤذي مشاعر المصابين، وأنه علينا أن نكون حذرين أيضاً من تحول الفكاهة ضد الضعفاء أو المرضى، أو الأقليات الذين قد يتم اتهامهم بالتسبب في الأزمة.

نرصد لكم في هذا التقرير بعض النماذج من دول عربية تعاملت بسخرية مع انتشار فيروس كورونا لديها:

مصر.. “تهزيق” الفيروس

في مصر، البلد الذي يتعامل أهله بكثير من السخرية والفكاهة مع الأزمات على الدوام، دشَّن ناشطون عدةَ وسومٍ ساخرة تتناول الأخبار المتلاحقة ببعض من الكوميديا السوداء، منتقدين ما وصفوه بالتعتيم الحكومي والتعامل الرسمي مع الأزمة، وتكميم أفواه الصحفيين المنتقدين للأرقام الرسمية.

واعتبر مغرِّدون أن اتساع نطاق السخرية والتشكيك في البيانات الحكومية حول محدودية انتشار الفيروس في مصر في بادئ الأمر؛ هو ما دفع دولاً عديدة إلى تصنيف مصر كبؤرة خطر وبلد مصدر للإصابات رغم عدم إعلان مصر تسجيل إصابات بعد؛ مما أدى إلى حظر دخول المصريين في كثير من الدول.

كما علَّق مغرِّدون بسخرية على قرار الحكومة المصرية تقديم مساعدات طبية لدول أخرى كإيطاليا، في حين أن الشعب المصري هو بأمسّ الحاجة لهذه الأدوات، معتبرين أن الكثير من المستشفيات في مصر أماكن غير صالحة للعلاج أصلاً، وهناك نقص حاد في معدات الكشف عن الإصابات في البلاد، وأن الأرقام ستكون أضعافاً مضاعفة عما هو معلن لو تم إجراء الفحوصات بشكل أوسع.

وأطلق المصريون مبكراً سيلاً من النكات على تصرفات وزيرة الصحة هالة زايد، عندما توجهت الوزيرة إلى المستشفى المخصص للعزل الصحي مرتدية الكمامة بطريقة خاطئة، ورغم تأكيدها أن الأمر كان مجرد تجربة، فإن ذلك لم يشفع لها، وتعرضت لسيل من التغريدات والرسوم الساخرة. كما غردوا بسخرية من إيفاد الوزيرة للصين، في تصرف لم يقُم به مسؤول في أي دولة؛ خشية تفشِّي الفيروس.

في حين تندَّر نشطاء مواقع التواصل على مظاهرة خرجت في الإسكندرية ضد فيروس كورونا، منتقدين التجمع في الشارع في الوقت الذي ينادي فيه الجميع بضرورة التزام المنازل لمكافحة انتشار الفيروس، حيث اعتبروا هذا التجمع بؤرة للعدوى وانتقال الفيروس.

الجزائر.. نكات صحراوية

تنوعت ردود الفعل تجاه حالة الفزع التي صاحبت المجتمع الجزائري، عقب تفشي وباء كورونا في البلاد، منها ما كان طريفاً وساخراً، وآخر غريباً. ورغم حالة الفزع التي أصابت المجتمع، عقب ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس، فإن البعض وجدها فرصة لإيجاد روح الدعابة والطرافة.

ومن ضمن اللقطات الطريفة التي تداولها ناشطون، صورة لرجل ارتدى قناعاً من البصل عوضاً عن القناع الطبي. كما تغيرت بعض العادات خلال أيام الحجر المنزلي، فانتشرت صور لرجال يطبخون بدل زوجاتهم، أُرفقت بتعليق ساخر: “قشر الجلبانة خير ما تروح للجبانة” أي: “قم بتقشير البازلاء بدل أن تذهب إلى المقبرة”.

وفي تعبير احتجاجي على رفع أسعار مواد الوقاية الطبية، مثل الكمامات والقفازات، تداول ناشطون جزائريون فيديو لشاب تجوَّل في العاصمة الجزائر، مرتدياً كيساً بلاستيكياً أخضر اللون، وذا حجم كبير، عوضاً عن ارتدائه الأدوات الوقائية المعروفة (القفازات والكمامات).

وفي حين تفاعل ناشطون مع الأوضاع التي آلت إليها بلادهم في أيام كورونا بنوع من السخرية والتهكم، رفض البعض التعاطي مع ذلك، كما وجهت انتقادات لقناة خاصة، مؤخراً، انتحل صحفيوها صفة أطباء، ونزلوا إلى شوارع مدينة وهران (غربي البلاد)، لتصوير برنامج كاميرا خفية حول كورونا، تحضيراً لبثه في شهر رمضان. وعمد أصحاب البرنامج إلى فحص المارة والادعاء بأنهم مصابون بكورونا، ما خلَّف غضباً واستياء في أوساط الجزائريين.

لبنان.. “كورونا السلطة”

تعاني لبنان من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية وربما كارثية، وقد جاء وباء كورونا ليزيد الطين بله من أوضاع اللبنانيين، حيث أعلنت الحكومة اللبنانية في مطلع مارس/ آذار، عن تخلّفها عن دفع الديون للمرّة الأولى في تاريخ البلد، ما يُعدّ شبه إعلان إفلاس. إلى جانب ذلك كله، تفتقر البلاد إلى بنى تحتيّة، ويعاني القطاع الصحي من مشاكل متراكمة، ونقص في الإمدادات والأجهزة والمعدات.

وسط هذا كله، واجه اللبنانيون وصول الفيروس لبلادهم بحالة من الكوميديا السوداء، إذ رأى البعض أن هذه “نهاية العالم” و “بدء القيامة” بالنسبة لهم، في حين اعتبر آخرون أن فيروس كورونا غير مرغوب فيه في لبنان، لأن البلاد تعاني بالأصل من “كورونا السلطة”.

وتأثر التفاعل مع الفيروس أيضاً بالحراك السياسي الذي ظل يشهده لبنان لعدة أشهر قبل وصول فيروس كورونا إليه، منتقدين أيضاً الحضور البارز لإيران في المشهد السياسي اللبناني حتى في ظل كورونا. ففي البلد الذي عرفت أول إصابة الطريق إليه عن طريق شخص قادم من إيران قبل أن تتوالى الحالات، ركز بعض رواد مواقع التواصل على هذه النقطة وتعاملوا أيضاً معها بسخرية. فقد كتب أحدهم على فيسبوك معلقاً: “حتى إنت يا كورونا؟ كل العالم إجاهم كورونا من الصين إلا نحنا إجانا من إيران!”.

في النهاية، قد ترسم لنا حالة الفكاهة والسخرية في التعامل مع هذا الوباء في العالم العربي أنه ما تزال النكتة تجمع شعوبنا وتقرب فيما بينها على اختلاف المنابع والأصول والمعتقدات واللهجات، لتشكل النكتة الجماعية سلاحاً في وجه الخوف والهلع من المرض، ولتؤكد لنا أننا جميعاً متشابهون في الألم والمحنة، ومواجهة البلاء والوباء الذي لم يفرق بين أحد، وعمّ البلاد من أقصاها لأدناها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى