في مفاجأة لم تكن متوقعة من البلد الأفريقي المعروف بمناصرته للقضية الفلسطينية، أعلن متحدث البيت الأبيض جود ديري، يوم الجمعة 23 أكتوبر 2020 أنّ إسرائيل والسودان أعلنتا تطبيع علاقاتهما الدبلوماسية بإشراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أتم هذا الاتفاق عبر اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره السوداني عبدالله حمدوك، ليصبح السودان ثالث بلد عربي يقيم علاقات مع إسرائيل خلال شهرين، بعد الإمارات والبحرين.
وكما هو متوقع، سرعان ما رحب نتانياهو بالاتفاق، وقال متوجها إلى ترامب: “نوسّع دائرة السلام بهذه السرعة بفضل قيادتك”. وأضاف نتنياهو أن حكومته تتخذ خطوات صوب تطبيع العلاقات مع السودان، قائلا إن هذا يمثل “عهدا جديدا” في المنطقة. وتابع أن وفودا إسرائيلية وسودانية ستلتقي قريبا لمناقشة التعاون التجاري والزراعي.
أما الخرطوم، فأكدت تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وفق ما جاء في بيان ثلاثي صادر عن السودان والولايات المتحدة وإسرائيل نقله التلفزيون الرسمي السوداني، وأكده وزير الخارجية السوداني عمر قمر الدين الذي قال إن “ما تم اليوم هو اتفاق على خطوات التطبيع والقرار النهائي حول هذا الامر ستتخذه المؤسسات التشريعية عقب اكتمال تكوينها، هي صاحبة الحق في ذلك”.
البداية مبكرة
إرهاصات هذا الاتفاق جاءت مبكرة، وتحديدًا في فبراير الماضي، حين عقد رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا. بعدها، كشف مصدر حكومي سوداني أن وفدا مشتركا أميركيا إسرائيليا زار الخرطوم والتقى البرهان وتباحث معه حول تطبيع العلاقات السودانية الإسرائيلية.
وقبيل التصريح حول تطبيع العلاقات، كشفت الإدارة الأمريكية نيّة ترامب رفع الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وقال البيت الأبيض إن ترامب أخطر الكونجرس “بعزمه إلغاء تصنيف السودان رسميا كدولة راعية للإرهاب”.
ووصف البيت الأبيض الخطوة بأنها “نقطة تحول محورية” للخرطوم الساعية للخروج من عقود من العزلة. ولم يعرقل الكونغرس قرار ترامب، لكن يجب أن يصادق أيضا على تشريع يمنح السودان حصانة من مطالبات أخرى، من بينها ما أكده البيت الأبيض بتحويل السودان 335 مليون دولار في حساب لمساعدة ضحايا الإرهاب وعائلاتهم.
ويسعى السودان منذ سنوات لازالة تصنيفه كدولة راعية للارهاب، الأمر الذي أعاق جذبه للاستثمارات الأجنبية كون الشركات التي قد تخاطر بإغضاب واشنطن أو تعريض نفسها للملاحقة محدودة.. ويبدو أن السودان قد اكتشف أن الطريق لقلب واشنطن يبدأ من تل أبيب، وقد فعل!
طعنة للفلسطينيين
بدورهم، ندد الفلسطينيون بالاتفاق، وأكدت رئاسة السلطة الفلسطينية في بيان صحفي إنه “لا يحق لأحد التكلم باسم الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وأن القيادة الفلسطينية ستتخذ القرارات اللازمة لحماية مصالح وحقوق شعبنا الفلسطيني المشروعة”.
وقال واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن انضمام السودان إلى “المطبعين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي يشكل طعنة جديدة في ظهر الشعب الفلسطيني، وخيانة لقضيته العادلة وخروجا عن مبادرة السلام العربية”.
وتابع قائلا من رام الله بالضفة الغربية المحتلة: “هذه الخطوة وما سبقها من خطوات من الإمارات والبحرين لن تزعزع إيمان الشعب الفلسطيني بقضيته واستمرار نضاله حتى إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس”.
من جانبه اعتبر المتحدث الرسمي باسم حركة حماس حازم قاسم في بيان تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل “خطيئة سياسية وتضر بشعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة وتضر بالمصالح السودانية والعربية”.
السودانيون غاضبون
وبدلاً من أن يفتح الباب أمام تحسُّن وضع البلاد الاقتصادي والسياسي، تحول التطبيع السوداني مع إسرائيل إلى أزمة للمجلس العسكري الحاكم، حيث تظهر مؤشرات إلى أن التطبيع قد يتحول إلى أداة في يد العسكريين لتعزيز سيطرتهم على السلطة والنكوص بالاتفاقات مع القوى الثورية التي أُبرمت بعد الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير.
رفض السودانيين للتطبيع بدأ مبكرا، حيث أحرق متظاهرون سودانيون علم إسرائيل خلال مشاركتهم في مسيرة “تصحيح مسار الثورة”، بالعاصمة الخرطوم، 21 أكتوبر 2020، بعد تداول أنباء عن نية الخرطوم التطبيع مع إسرائيل التي ردد المتظاهرون شعارات تندد بها، مطالبين الجهات المطالبة بالتطبيع بالتراجع عن الخطوة.
ونشرت الصحف السودانية صوراً لإحراق مجموعة من المتظاهرين بالخرطوم العلم الإسرائيلي، كما تداول ناشطون صوراً وفيديوهات لإحراق العلم الإسرائيلي خلال مسيرات تصحيح المسار بالعاصمة. لتبدأ بعدها عدة مسيرات في الخرطوم تطالب بإصلاح مسار الثورة، دعا إليها “تجمُّع المهنيين السودانيين”، و”الحزب الشيوعي”، أحد أبرز مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير.
فلماذا يعد تطبيع السودان مختلفا عن نظيره الخليجي؟
تكمن الإجابة على ذلك التساؤل في أن التطبيع السوداني يمثل إحراجاً كبيراً للقوى الثورية السودانية، خاصةً اليسار السوداني والقوميين الذي يعتبرون أنفسهم جزءاً أو مقربين من القوى المدنية الشريكة في الحكم مع المجلس العسكري، كما يُظهر إصرار العسكريين السودانيين على التقدم صوب التطبيع تجاهلاً واضحاً لشركائهم من القوى المدنية.
وسبق أن انتقد تجمُّع المهنيين السودانيين لقاء رئيس المجلس العسكري عبدالفتاح البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معتبراً أن مثل هذه القرارات من سلطة الحكومة المنتخبة وليس من السلطة الانتقالية، وعلَّق تجمُّع المهنيين السودانيين، على لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان مع نتنياهو قبل عدة أشهر، معتبراً إياه “تجاوزاً خطيراً” للسلطة الانتقالية والوثيقة الدستورية.
وأصدر التجمع بياناً، في 5 فبراير 2020، شجب فيه هذه الممارسات، وأي مخرجات تمخَّض عنها اللقاء، مؤكداً أن السياسات والعلاقات الخارجية للدولة السودانية من اختصاص السلطة التنفيذية ممثلةً بمجلس الوزراء. واعتبر أن اللقاء يمثل خرقاً للوثيقة الدستورية، وأضاف البيان أن “اختطاف القرار تحت أي ذريعة واهية يمثل خرقاً للوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية ويهدد عملية الانتقال الديمقراطي وتماسكها”.
ولكنَّ هذه أول مرة يتحول فيها رفض التطبيع إلى تحرك على الأرض، في وقت بدا واضحاً محدودية سلطة رئيس الحكومة عبدالله حمدوك والقوى المدنية الشريكة للعسكر على القرار السوداني بالتوجه للتطبيع، وهو ما حدا برئيس الحكومة السودانية الانتقالية عبدالله حمدوك، للقول في 26 سبتمبر الماضي إن بلاده ترفض ربط حذف اسمها من قائمة الإرهاب، بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.. ولكن يبدو أنه نكص على عقبيه سريعًا.