ربما لا تحفظ ذاكرة النمسا معركة أكثر مفاصلة في مسألة هويتها أبرز من حصارها الذي وقع سنة 935 للهجرة 1529 ميلادية في المرة الأولى، وعام 1532 في المرة الثانية، عندما أعد الخليفة سليمان القانوني جيشا إسلاميا بلغ زهاء 120 ألف مقاتل مدعمين بثلاثمئة مدفع لفتح النمسا، إذ كادت النمسا أن تصبح ولاية عثمانية!
مثّل حصار فيينا أعظم دليل على قوة الدولة العثمانية وأقصى توسع لها في وسط أوروبا في أوج مجد الإمبراطورية تحت حكم السلطان سليمان القانونى. أيضا مثل هذا الحصار بداية مرحلة استمرت لمائة وخمسين عاما من الصراع بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الرومانية المقدسة تخللتها العديد من الهجمات والمعارك والتي بلغت ذروتها في معركة فيينا سنة 1683 والتي بدأت الحرب التركية العظمى التي استمرت لخمسة عشر عاما.
تداعيات الحصار
سنة 932هـ، وقعت معركة موهاج في المجر بين 60 ألف من مقاتلي الدولة العثمانية بقيادة الخليفة سليمان القانوني وبين 25000 من مقاتلي مملكة المجر تحت قيادة الملك لايوش الثاني وانتصر المسلمون انتصارا ساحقا في تلك المعركة التي دامت ساعتين وسقطت على إثرها المملكة التي كانت تشكل حصنا لأوروبا المسيحية ورفعت أعلام العثمانين في العاصمة بودابست التي كانت تسمى بودا حينها وعين الخليفة الملك جان زابوليا ملكاً للمجر.
وأرسل الملك زابوليا إلى الخليفة سليمان رسائل بأن أرشيدوق النمسا فرديناند يخطط لغزو المجر بعد اتفاقات عقدها سرا مع عدد من أمراء المجر يتولى بموجبها هو عرش المجر، قام فرديناند بمباشرة خطته واستولى على مقاطعة “بودين” وانتزعها من يد الملك جان زابوليا المعين من قبل العثمانيين، فهبت على الفور الجيوش العثمانية من القسطنطينية والتي بلغ تعدادها 100 ألف مقاتل بالتقدم نحو المجر لاستعادة بودين فتم لها ذلك وأعادوا زابوليا ملكا عليها.
وبعد المعركة فرّ الملك فرديناند إلى فيينا التي كانت تحرسها حامية تتكون من 20 ألف جندي، أصر الخليفة سليمان القانوني على معاقبة فرديناند واتجه العثمانيون إلى فيينا وقاموا بتطويقها بـ 120 ألف جندي و300 مدفع لكنهم عجزوا عن فتحها، بيد أنهم ألحقوا خسائر كبيرة بضواحيها والمزارع المحيطة، طلب فرديناند من شقيقه الإمبراطور تشارلز المساعدة لكنه لم يجب الاستغاثة وبعد 25 يوم انتهى الحصار وتوجهت بعض من قوات الجيش العثماني نحو ألمانيا ومهاجمة ملكها شارلكان بينما عاد معظم الجنود من أسوار فيينا بسبب قيام الصفويين بالاستيلاء على بغداد والسيطرة عليها فلزم الجيش العودة من فيينا لتحريرها.
بداية الحملة
كان سليمان القانوني قائداً أعلى للقوات المسلحة (بالإضافة إلى قيادته شخصياً للجيش)، وفي أبريل عين الصدر الأعظم إبراهيم باشا، بمنصب سرعسكر ، وهو قائد يمتلك سلطات إعطاء أوامر باسم السلطان. وأطلق حملته في 10 مايو 1529 وواجه العديد من العقبات منذ البداية.
وصل السلطان سليمان إلى أوسييك في 6 أغسطس. 1529 وفي الثامن عشر وصل إلى سهل موهاكس ، حيث استقبلته قوة فرسان كبيرة قادها يانوش زابوليا (الذي سيرافق سليمان لاحقا إلى فيينا) ، وقد ساعده السلطان سليمان في استعادة العديد من الحصون المفقودة منذ معركة موهاج إلى النمساويين. ، بما في ذلك بودا، التي وقعت في 8 سبتمبر وجاءت المقاومة الوحيدة في براتيسلافا، حيث تم قصف الأسطول التركي أثناء صعوده إلى نهر الدانوب.
كان المدافعون مدعومين من قبل مجموعة متنوعة من المرتزقة الأوروبيين، وهم الألمان لاندسكنيشت والفرسان الإسبان الذين أرسلهم تشارلز الخامس حاكم إسبانيا، واكتشفت قوات الدفاع بعض الألغام العثمانية ونجحت في تفجير عدة ألغام تهدف إلى إسقاط أسوار المدينة، ثم أرسلت 8000 رجل في 6 أكتوبر لمهاجمة عمليات التعدين العثمانية، ودمرت بعض الأنفاق، لكنها تكبدت خسائر فادحة عندما حاولت الانسحاب إلى المدينة.
وبعد أسبوعين من بدء الحصار عقد السلطان سليمان مجلسًا رسميًا في 12 أكتوبر لبحث الموضوع. تقرر محاولة واحدة نهائية، هجوم كبير على فيينا، ينتهي بدخول المدينة أو فك الحصار عنها. حيث يقول بعض المؤرخين إن الهجوم النهائي لسليمان لم يكن يريد منه أن يأخذ المدينة ولكن لإحداث أكبر قدر ممكن من الضرر وإضعافها لهجوم لاحق، وهو تكتيك كان قد وظفه في بودا عام 1526.
نتائج الحملة
لقد أوضحت الحملة في فيينا القدرة اللوجستية للدولة العثمانية على إدخال جيوش كبيرة في عمق وسط أوروبا في ذلك الوقت. وهو ما مهد لتوقيع معاهدة صلح واتفاق سلام بين الخصوم سنة 1553 بعد أن كان العثمانيون قد رفضوا التسوية من جانبهم في بادئ الأمر، فما الذي دفع العثمانيون لذلك؟
تكمن الإجابة في التطورات التي حصلت في الشرق من قبل الصفويين لمهاجمتهم بغداد وقتلهم والي بدليس حيث أجبرت تلك التطورات سليمان القانوني على سحب القوات إلى العاصمة وإعادة تجهيزها لمواجهة اى غزو محتمل للأناضول من قبل الصفويين الشيعة، والذين تسببت تحركاتهم في التفويت على المسلمين فتح شمال شرق أوروبا أو يكادون!