غير مصنف

المصابون في “الحرس الجمهوري”.. صدور عارية في مواجهة آلة القتل العسكرية

“مأساة المصابين في الحرس كانت مروعة حقا…” بهذه العبارة يُستهل الباب الثالث من الموسوعة التوثيقية لمذبحة الحرس الجمهوري الصادرة عن مؤسسة وعي للبحث والتنمية ومقرها العاصمة البريطانية لندن، لتلخص ما وثَّقته الموسوعة عن مصابي المذبحة؛ أعدادهم، أعمارهم، مهنم، محافظاتهم، وكيف وقع ذلك لهم. وهو الباب الذي نفرد له العرض التالي:

مأساة المصابين في الحرس كانت مروعة حقا؛ فقد أُطلِقت عليهم النيران بكثافة ورأوا الموت بأعينهم، ورأوه ماثلا في أصدقائهم ورفاقهم. ولما أصيبوا وقع فريق منهم في قبضة الشرطة والجيش فزادوا في جروحهم البدنية بالضرب والركل بلا رحمة، وزادوا في جروحهم المعنوية بسوء المعاملة والشتم والسخرية منهم، ومن الرئيس المنتخب الذي قدموا يدافعون عنه، ومن سلميتهم التي اتخذوها منهجًا، وردَّدوا ألفاظًا تحطُّ من قيمتهم الإنسانية (قناة نبض رابعة، 2013)؛ مما يعني أنهم ليست لهم أية حقوق، فقد كان بعض الجنود والضباط يحفظون هذه العبارات المسيئة ويرددونها عن ظهر قلب، وهي العبارات النمطية التي كان يرددها الإعلام المصري ليل نهار، وتظهر تلك العبارات مع كل اعتداء وإساءة تقع على من وقع بأيديهم الباطشة – كما جاء في شهادات المصابين التي دوَّنها المحرِّرون من أفواههم – وهناك قسم من المصابين ممن ذهب إلى المستشفيات تعرّضوا للاعتقال، وبعضهم شهد بأن الأطباء كانوا ينصحونهم بسرعة المغادرة مخافة تعرضهم للاعتقال! وحتى من ذهب للمستشفيات والعيادات الخاصة وجد حوله بيئة من الحذر والتربص والخوف!.. هذا هو المناخ العام الذي عاشه المصابون بكل تفاصيله.

وفي الباب الخاص بالمصابين في الموسوعة التوثيقية لمذبحة الحرس الجمهوري 5 و8 يوليو 2013؛ جمع المحررون كل ما تمكنوا من جمعه عن أعداد المصابين ونوعية الإصابة وقوائم توزيعهم على المستشفيات والتقارير الطبية وخريطة المشافي التي قصدها المصابون ودور هيئة الإسعاف، وقد استبان للمحررين تفاوت المشافي في بيان نوعية الإصابات؛ فهناك تقارير نمطية مقولبة ذكرت صيغة ثابتة لكل حالات الإصابة!، وهناك تقارير فيها بعض التفاوت في وصف الإصابات، وهناك تقارير كانت أكثر مهنية.

وقد أنجزت الموسوعة قائمة موحدة للجرحى والمصابين مرتبة هجائيا تبين الآتي: معلومات الإصابة، والسن، ومحل الإقامة، ومدة العلاج، وقوائم المصابين أصحاب الحالات الحرجة، ومن تُوُفِّيَ منهم بسبب الإصابة، وغير ذلك من البيانات.

وقام المحررون بوصف القوائم الاستنادية للمصابين وصفا موضوعيًا من حيث الشكل والمحتوى، والمقارنة فيما بينها حسب المصدر والمعلومات الواردة فيها، واستخراج ما فيها من دلالات، فضلا عن ترميزها وتصنيفها ووضع رمز مناسب لكل وثيقة طبية سواء أكانت صادرة من مستشفى حكومي عام أم كانت من مستشفى خاص، وكتابة أهم الملحوظات والأسماء المكررة بين قوائم المستشفيات والأسماء المشتركة مع قوائم الشهداء ومع قوائم الاعتقال، وتحرير ذلك واستخراج دلالات إحصائية في الموضوعات المتعلقة بهم من محافظات وأعمار وشرائح اجتماعية.

وزود المحررون ملف المصابين بصور توضيحية وقراءة مضمونية للعبارات التي وردت على لسان المصابين ومطابقتها بما جاء في وصف الوثائق التي تتعلق بكل هذا الحقل التوثيقي الهام.

 

منهجية توثيق المصابين في الموسوعة

حقق فريق البحث حالات المصابين ووثقها في المذبحتين (5 و8 يوليو)، ومن ثم تولى إعداد قائمة موحَّدة تضمنت 811 مصابًا، وتعد هي القائمة الأكبر والأشمل بين قوائم المصابين التي توفرت من المصادر المختلفة، وكان هذا التوثيق عبر الخطوات الإجرائية الآتية:

أولاً: جمع كل ما أمكن من وثائق وبيانات مَن أصيبوا في مذبحة نادي الحرس الجمهوري يومي 5 و8 يوليو 2013 في المصادر المختلفة، والتي بلغت 62 قائمة استنادية للمصابين.

ثانيًا: ترميز القوائم الاستنادية وترتيبها زمنيًا وفقًا لتاريخ نشرها.

ثالثًا: كتابة وصف لكل وثيقة على حدة يوضح تاريخ إصدارها، وجهة الإصدار، ونوعية البيانات المتوفرة، وأهم الملاحظات.

رابعًا: مطابقة وتنقية الوثائق الاثنتين وستين (62)، التي توفرت لفريق البحث، حيث تم استبعاد المكرر، وفي الوقت ذاته تم الأخذ بعين الاعتبار التواتر ومعدَّل تكرار الاسم في أكثر من وثيقة.

خامسًا: إصدار القائمة الموحَّدة للمصابين، وذلك من خلاصة ما تم الرجوع إليه من وثائق وبيانات، ولا تتوفر أي من الوثائق الاستنادية الاثنتين وستين على بيانات كمثل ما توفرت عليه هذه القائمة التي جمعت شتات البيانات من كل الوثائق مجتمعة.

 

نتائج صادمة

وثَّقت القائمة 811 مصابًا من مذبحتي نادي دار الحرس الأولى والثانية، وتضمنت بيانات الرقم القومي لعدد 16 مصابًا والمهنة لعدد 17 مصابًا وشهادات من المصابين حول ملابسات وقوع الإصابة لعدد 18 مصابًا، ووثائق تقارير طبية لعدد 21 مصابًا، والانتماء السياسي لعدد 12 مصابًا، ووقت دخول المستشفى لعدد 8 مصابين، ووقت حدوث الإصابة لمصاب واحد، ومكان وقوع الإصابة على نحو دقيق لعدد 92 مصابًا مثل: (أمام نادي الحرس الجمهوري، أمام بوابة وزارة الدفاع بشارع الطيران، أمام فندق سونستا، أمام مصنع قادر، أمام معهد التخطيط القومي، أول شارع الطيران، عند مسجد المصطفى، عند نفق شارع الطيران…)، والتشخيص لعدد 756 مصابًا، والحالة الاجتماعية لعدد 5 مصابين، والسن لعدد 447 مصابًا، والعنوان لعدد 519 مصابًا، ومعلومات الاتصال لعدد 215 مصابًا.

واستنتج فريق البحث أن إجمالي عدد المصابين في مذبحتي نادي دار الحرس الأولى والثانية لا يقل في حدِّه الأدنى عن 1064 مصابًا، منهم 811 مصابًا وثّقتهم القائمة الموحَّدة، و110 مصابًا ورد بهم بيان عددي في وثيقة (ص.و.ب18) الصادرة من وزارة الصحة والسكَّان من دون أن تتوفر بياناتهم من المستشفيات وعددها 14 مستشفى تابعة للوزارة، و143 من مذبحة الخامس من يوليو أشارت مصادر إلى توثيقهم عبر المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا.

 

دلالات إحصائية

يمكن قراءة الدلالات الإحصائية المختلفة من خلال قائمة المصابين الموحَّدة على النحو التالي:

أ. حسب تاريخ الإصابة:

اشتملت القائمة على 7 مصابين بتاريخ 5 يوليو، و804 مصابين بتاريخ 8 يوليو، ويلاحظ في هذا الإحصاء أن عدد المصابين الذين وثَّقتهم القائمة الموحَّدة في مذبحة الخامس من يوليو قليل جدًا قياسًا بما وثقته جهات أخرى مثل المنظمة العربية لحقوق الإنسان ببريطانيا التي وثقت 150 مصابًا في هذا اليوم.

ب. حسب النوع:

اشتملت القائمة على 16 من الإناث و795 من الذكور، وهي نسبة تمثل فارقًا معنويًا بين عدد المصابين من حيث النوع.

ج. حسب المراحل العمرية:

صُنِّفَ المصابون وفقًا للقائمة حسب السن إلى 6 فئات، بيّنت أن عدد المصابين المعلومة أعمارهم (447) مصابًا بنسبة (55%) من الإجمالي، وعدد غير المعلومة أعمارهم (364) مصابًا بنسبة (45%)، من الإجمالي.

ويستنتج دلالة إحصائية من بيانات العدد معلوم السن (447) – بعد استبعاد العدد غير المعلوم (364) من إجمالي مصابي المذبحة (811) مصابًا – مؤداها أن الفئة العمرية من سن 18- 30 (الشباب)، هي الأعلى على الإطلاق بنسبة 40.9%، تليها الفئة العمرية من 31 – 40 (قريبة من الشباب) بنسبة 31.5%، تلي ذلك الفئة العمرية من 41 – 60 (الكهولة) بنسبة 22.6%، ثم الفئة العمرية أقل من 18 سنة (أطفال) بنسبة 3.8%، وفي الأخير الفئة العمرية فوق الستين (كبار السن)  بنسبة 1.1%.

د. حسب المحافظة:

صُنِّفَ المصابون حسب المحافظات، واتضح أن المصابين توزعوا على 23 محافظة من محافظات مصر البالغ عددها 27 محافظة، بما نسبته 85.2%، وأن عدد المعلوم محافظاتهم (519) مصابًا، أي ما يعادل (64%) من إجمالي المصابين، وعدد غير المعلوم محافظاتهم (292)، أي ما يعادل (36%) من إجمالي المصابين.

كما اتضح وجود نسبة ذات دلالة إحصائية، حيث تُظهِر حجم المشاركة والتمثيل الجغرافي الكبير في توزيع نسبة المصابين على عموم القُطر المصري. ويمثل توزيع البيانات الخاصة بانتماء المصابين للمحافظات المصرية دلالة معنوية في العدد المعلوم (519 مصاباً) بعد استبعاد العدد غير المعلوم (292 مصاباً) من إجمالي مصابي المذبحة (811) مصاباً.

وجاء ترتيب المحافظات من حيث تمثيل المصابين على النحو التالي: القاهرة في المرتبة الأولى بعدد (100) مصاب بنسبة 19.2%، والشرقية في المرتبة الثانية بعدد (87) مصاباً بنسبة 16.7%، وجاءت القليوبية في المرتبة الثالثة بعدد (56) مصاباً بنسبة 10.8%، ثم البحيرة في المرتبة الرابعة بعدد (31) مصاباً بنسبة 6%، ثم بني سويف والغربية في المرتبة الخامسة بعدد (29) مصاباً لكل منهما بنسبة 5.9%، ثم الدقهلية في المرتبة السادسة بعدد (26) مصاباً بنسبة 5%، ثم الجيزة في المرتبة السابعة بعدد (22) مصابا بنسبة 4.2%، ثم المنوفية والأسكندرية في المرتبة الثامنة بعدد (21) مصابًا لكل منهما بنسبة 4%، ثم الفيوم في المرتبة التاسعة بعدد (20) مصاباً بنسبة 3.8%، ثم كفر الشيخ في المرتبة العاشرة بعدد (18) مصابًا بنسبة 3.5%، ثم المنيا في المرتبة الحادية عشرة بعدد (17) مصابًا بنسبة 3.3%، ثم محافظات دمياط وأسوان والسويس وسوهاج وأسيوط بمتوسط 1.5% لكل منها، وأخيرًا محافظات الإسماعيلية والأقصر وشمال سيناء والبحر الأحمر وبورسعيد بنسبة أقل من 1% لكل منها.

ه. حسب المهنة:

تم تصنيف المصابين حسب المهن، واتضح أن القائمة النهائية للمصابين توفرت على عدد (17) مصابًا فقط ممن تتوفر مهنتهم، وهو عدد متواضع جدًا، حيث لا يجاوز نسبة 2% من إجمالي عدد المصابين في القائمة، ويعكس هذا عدم اهتمام أي من القوائم المرجعية بتسجيل واف لهذا الحقل المعرفي، مما يستوجب استكمال هذه المعلومات من أصحابها لاحقًا، بحيث يتاح للمطلع التعرف أكثر على الهوية المهنية للمصابين التي تعدُّ حقلاً معرفيًا مهمًا في توثيق الثورة المصرية.

 

أهمية الواقعة

تكمن أهمية الوقوف العلمي والتكثيف السردي التوثيقي لهذه المذبحة، نظرًا لكثرة ما ترتَّب عليها من آثار، سواء أكان ذلك في عدد الشهداء والمصابين والمعتقلين أم كان في ردود أفعال المجتمع المحلي والدولي؛ ولكونها مثَّلت متغيرا سياسيا واضحا في مسار تعامل قادة الانقلاب مع الخطوط الحمراء لثورة 25 يناير 2011، وتجاوز كل محرمات الثورة، والتجرؤ على هدم أهم مكتسباتها وهي حرية التجمع والتظاهر والاعتصام.

 

تعريف بالمؤسسة

“مؤسسة وعي للبحث والتنمية” هي هيئة علمية مستقلة تقوم على العناية بكافة أنواع المعارف التي تتعلق ببناء الوعي الفردي والجمعي. ولا تقتصر على التحليل والاستشراف للمستقبل في القضايا العلمية والسياسية والاقتصادية وغيرها، بل تجعل من التأريخ والتوثيق والرصد ومنصات التدوين محوراً بارزاً من محاور انطلاقها. والوازع المحرك لإيجاد هذا المشروع الطموح هو رؤية مؤسسية حضارية متكاملة للإنسان في القرن الحادي والعشرين، رؤية تنشد الحياة على أفضل الوجوه الممكنة وتعلي من شأن القيم والمبادئ الأساسية المشتركة بين البشر.

وتلتزم المؤسسة بنشر الحقائق ورصد الوقائع وهي في ذلك تحترم التخصص وتعالج القضايا بموضوعية وتراعي التعدد الفكري والاختلاف الطبيعي وتدرك قيمة الإنسان الذي كرمه خالقه واستخلفه في الأرض. وهي بذلك تسعى إلى تلبية حاجة المجتمع بمختلف شرائحه إلى نشر الثقافة والوعي والإدراك لدى العموم وليس بين النخبة وحدها.

[simpay id = “22435”]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى