في أواخر فبراير 2020، كانت منطقة حوض النيل تتجهز لاستقبال نبأ توقيع اتفاقية تاريخية بين مصر وإثيوبيا والسودان بعد تذليل أكثر من 90% من نقاط الخلاف بينهم، وإعلان قرب توقيع الاتفاق النهائي بشأن سد النهضة برعاية واشنطن.. لكن ودون سابق إنذار، اعتذرت إثيوبيا عن المشاركة في جولة التوقيع، تاركة أسئلة عن الأسباب والنتائج، والأهم: كيف يمكن أن يكون رد الفعل المصري الآن؟
خطوة مفاجئة
إثيوبيا أعلنت بشكل مفاجئ يوم 26 فبراير 2020، أنها طلبت من الولايات المتحدة تأجيل ما كان يُتوقع أن تكون الجولة الأخيرة من المحادثات المتعلقة بسد النهضة، دون أن تقدم تفاصيل حول أسباب هذا التحول غير المتوقع.
الخطوة الإثيوبية مفاجئة بالطبع، لأن وفدي مصر والسودان كانا قد وصلا بالفعل إلى العاصمة الأمريكية، حيث كان من المقرر أن تُعقد الجولة الأخيرة من المحادثات بين الدول الثلاث في واشنطن.
لكن الواضح أن الحسابات الداخلية لرئيس الوزراء الإثيوبي -الذي يواجه تحدياً انتخابياً صعباً الصيف المقبل- جعلته يتراجع عن التوقيع على الاتفاق الذي اقترحته الإدارة الأمريكية.
موقف مصري حرج
لا شك أن النظام المصري يواجه الآن موقفاً حرجاً، في ظل قلة أو انعدام البدائل المتاحة للتحرك، وتفريطه في عناصر القوة التي كانت لديه بتوقيعه اتفاق السودان عام 2015 والتنازل عن الحقوق المصرية في مياه النيل وعلى الأرجح أن هذا ما شجع الجانب الإثيوبي على عدم تقديم أي تنازلات غير مضطر لتقديمها.
من الناحية القانونية تبني أديس أبابا موقفها على إعلان المبادئ الذي تم توقيعه في الخرطوم بين البشير والسيسي وأبي أحمد في مارس/آذار 2015، وهو الورقة القانونية الوحيدة التي وقعت عليها مصر وإثيوبيا والسودان، وتعطي أديس أبابا حقوقاً لم تكن تحلم بالحصول عليها قبل توقيعها.
الوقت الآن أيضاً في صالح آبي أحمد إلى حد كبير، حيث من المتوقع أن يكتمل بناء السد والبدء فعلياً في مرحلة ملء الخزان، في يوليو المقبل، ما يضع مزيداً من الضغوط على الجانب المصري، الذي ربما يجد نفسه مضطراً لمصارحة الشعب بحقيقة الموقف، بعد أن أصبح واضحاً أن الوساطة الأمريكية لم تحقق أية نتائج كما كان يروج النظام المصري من خلال وسائل الإعلام المحلية التي يسيطر عليها.
مصر تخسر السودان أيضا..
لجأت مصر في الرابع من مارس 2020 إلى جامعة الدول العربية بحثاً عن دعم عربي في مواجهة التعنت الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة وأصدرت الجامعة بالفعل قراراً داعماً، لكن السودان تحفظ رسمياً على القرار.
أقرت جامعة الدول العربية قراراً “يرفض أي مساس بالحقوق التاريخية لمصر، ويرفض أي إجراءات أحادية تمضي فيها إثيوبيا، ويؤكد على ضرورة التزام إثيوبيا بمبادئ القانون الدولي”، بحسب توصيف الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط، وذلك في ختام الدورة الـ153 لمجلس الجامعة.
لكن الجانب السوداني لم يبدِ أي تحمس للقرار أثناء المناقشات، على الرغم من بروز زخم وتأييد عربي موسع من مجمل الأطراف العربية، بل وطلب عدم إدراج اسم السودان في القرار، وأن الجانب السوداني قال إن القرار ليس في مصلحته ولا يجب إقحام الجامعة العربية في هذا الملف، وأبدى تخوفه مما قد ينتج عن هذا القرار من مواجهة عربية إثيوبية.
الموقف السوداني من أزمة سد النهضة ليس غامضاً، وهو ينطلق من منظور أن سد النهضة لا يمثل ضرراً على السودان، بل العكس هو الصحيح، وهذا ما كان الدكتور علاء ياسين، مستشار وزير الري للسدود ومياه النيل والمتحدث الرسمي لملف سد النهضة، قد أكد عليه مؤخراً بأن “هناك العديد من المزايا التي تعود على السودان من السد، أولاها أن مصر هي دولة المصب الفعلية وليست السودان التي يمر بها النهر، ومن ثم فهي تحصل على نصيبها كاملاً من المياه، وثاني هذه المزايا أن السد يحقق فائدة للسودان مماثلة لما يحققه السد العالي لمصر، حيث إنه يبعد 15 كيلو من الحدود السودانية.
“أما الميزة الثالثة فهي أن الزمام الذي تتم زراعته على النيل الأزرق، والذي كان يزرع عليه محصول واحد سنوياً لعجز تدفق المياه، سيتم زراعته بمحصولين بعد بناء السد، لأن المياه ستتدفق في النيل الأزرق طول العام”، وأضاف ياسين أن “الميزة الرابعة تتعلق بالطمي الذي يتراكم أمام السدود السودانية والذي سينخفض كثيراً، دون أن تكلفهم أي أعباء مادية، حيث تتكبد السودان 12 مليون دولار سنوياً لعملية التطهير أمام السدود، ومن ثم سيتم توفير هذا المبلغ”.
ماذا تملك مصر الآن؟
الحقيقة أنه يمكننا الإجابة بأنه: “لا تملك الكثير”، فبعيداً عن المصارحة وكشف الحقائق، تظل الخيارات أمام الحكومة المصرية شبه منعدمة، اللهم إلا التلويح بالخيار العسكري، وهو ما كان آبي أحمد قد استبقه عندما صرح بأنه مستعد لخيار كهذا، على الرغم من عدم صدور تصريحات مصرية رسمية بشأن الخيار العسكري.