أماكن

بير طويل.. أرض “تائهة” بين مصر والسودان

إذا كنت تبحث في خريطة العالم عمّا يُعرف بـ”المناطق المُباحة”، فستجد من بينها اسم مثلث بارتازوجا، وهي منطقة صغيرة المساحة تقع بين مصر والسودان وترفض الدولتين المطالبة بالمنطقة بسبب النزاع حول مثلث حلايب، حيث تعتبر مصر أن الخط العرضي 22° هو الفاصل الحدودي بين مصر مع ضم مثلث حلايب فعلياً بحكم الأمر الواقع، بينما تعتبر السودان مثلث حلايب ضمن السودان وتطالب به.

المنطقة تمثل شبه منحرف ضلعه الطويل حدُّها الشمالي الذي يتماس مع خط عرض 22° شمالا بطول 95 كم، وضلعها الجنوبي طوله 46 كم، ويتراوح طولها من الشمال إلى الجنوب ما بين 31 كم و 26 كم ومساحتها 2060 كم2؛ وهي المنطقة الوحيدة التي يمرّ فيها الخط الإداري لعام 1902 جنوب الحدود السياسية لسنة 1899 المتماسّة مع خط عرض 22° شمالا.

وقد وُضعت المنطقة تحت الإدارة المصرية لأنها كانت في ذلك الوقت مرعى لجماعة من العبابدة يتمركزون قرب أسوان، بينما يقع مثلث حلايب شمال خط عرض 22° شمالا وقد وضع تحت الإدارة السودانية لأن سكان تلك المنطقة في ذلك الوقت كانوا امتداداً لجماعات يتمركز أغلبها في السودان. تبلغ مساحة بئر طويل عُشرَ مساحة مثلث حلايب وهي أرض داخلية، والمنطقتان تتماسان في نقطة واحدة.

يقع إلى شمال المنطقة جبل طويل الذي يبلغ ارتفاعه 459 مترا، وإلى شرقها جبل حجر الزرقا وارتفاعه 662 مترا، وإلى جنوبها وادي طويل (يعرف كذلك باسم خور أبو بَرْد)، وتشير المصادر المحلية في المنطقة إلى تواجد عسكري دائم في المنطقة ويروي البدو في المنطقة عن تجهيزات تحت أرضية ترجع إلى سنة 1987.

سبب التيه بين البلدين

تطالب مصر بحدود عام 1899 السياسية المتماسة مع خط عرض 22° شمالا وهو ما يضع مثلث حلايب داخل الحدود المصرية ويضع بئر طويل داخل الحدود السودانية، بينما تطالب السودان باتفاقية الحدود الإدارية لعام 1902 وهو ما يضع مثلث حلايب داخل الحدود السودانية ويضع بئر طويل داخل الحدود المصرية.

نتيجة لذلك، فإن كلا البلدين تطالبان بحلايب بينما لا تطالب أي منهما ببئر طويل، ولا يوجد في القانون الدولي أي أساس يمكنُ بناءً عليه لأي من الدولتين أن تطالب بكلا المنطقتين في الحين ذاته، مما يجعل هذه المنطقة هي الوحيدة التي لا تطالب بها أي دولة في العالم، أي ما يُعرف اصطلاحاً بالأرض المباحة، ومن العسير -إن لم يكن مستحيلاً- على أي دولة غيرهما أن تطالب بالسيادة على المنطقة لأنها محصورة بين مصر والسودان.

مملكة الجبل الأصفر

لم تنتظر تلك الأرض المباحة طويلا قبل أن تجد من يدعي أحقيته بها، فقد أثارت سيدة أمريكية من أصل لبناني، جدلاً واسعًا بعد أن أعلنت، قيام ما أسمته “مملكة الجبل الأصفر” بالمنطقة، وسط صمت رسمي من مصر والسودان.

ونصَّبت السيدة نادرة عواد ناصيف، نفسها رئيسة وزراء تلك المملكة، من مدينة أوديسا في أوكرانيا، بعد “قمة” قالت إنها عقدت هناك لإعلان المملكة، وقالت بالعربية، إن: “مملكة الجبل الأصفر ستكون دولة نموذجية.. لأن قضيتنا وضع حل لأزمة النازحين والمهجرين، سنحقق حلم كل عربي يفكر عن سبيل لمساعدة المهجرين”.

سبق أن زعم أشخاص تأسيسهم لدول بتلك المنطقة، التي أعلنت الخميس باسم مملكة الجبل الأصفر، كان أبرزها ادعاء رجل أمريكي يدعى جيرمي هيتون في يوليو/ تموز 2014 ملكيته لها وأطلق عليها اسم “مملكة شمال السودان”، وفق حديث أجرته معه هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي وقتها.

أسباب صمت البلدين

بحسابات المنطق، فإن كل بلد يدعي أن هذه الأرض لا تخصه، وبالتالي فإن اعتراض أي منهما على إطلاق مملكة الجبل الأصفر سيعتبر اعترافا ضميا بتبعية تلك الأرض إليها، وهو ما تحاول أن تظهره كلا الدولتان وكأن التغييرات الجديدة تحدث في أرض لا تخصها بسبب تمسك كليهما بالحق التاريخي لمثلث حلايب وشلاتين الذي يتماس في نقطة واحدة مع مثلث بارتازوجا.

وبحكم “اتفاقية السودان”، الموقعة عام 1899 بين مصر وبريطانيا (باعتبارهما قائمتين على الحكم الثنائي في السودان آنذاك)، أُطلق لفظ السودان على جميع الأراضي الواقعة جنوبي دائرة عرض 22 شمالا، وتسند مصر لتلك الاتفاقية في إقرار سيادتها، وهو ما يضع مثلث حلايب داخل الحدود المصرية ويضع منطقة بارتازوجا داخل الحدود السودانية.

بينما السودان يسند لقرار إداري، في عام 1902، بأحقيته في حلايب وشلاتين، حيث أصدر ناظر الداخلية المصري آنذاك، هذا القرار، مستندا لوجود بعض من قبائل لها بعد سوداني بالمنطقة، ولم تعترض مصر على هذا القرار مع استقلال السودان ولم تتحفظ على الحدود، وهو القرار الذي يضع مثلث حلايب داخل الحدود السودانية ويضع بئر طويل داخل الحدود المصرية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى