بعد مرور ثمانية أعوام على الأحداث والتي وقع فيها اعتداء مسلح على قسم شرطة قرية كرداسة إبان قيام قوات الأمن المصرية بالفض الدموي لاعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس 2013، وحيث نفذت مصلحة السجون، التابعة لوزارة الداخلية المصرية في ساعة مبكرة من صباح أمس الاثنين 14 رمضان 1442هـ الموافق 26 أبريل 2021م حكم الإعدام بحق مجموعة من المتهمين (9 أو 17 كما ذكرت مصادر متنوعة) في القضية رقم 12749 لسنة 2013 جنايات والمعروفة بـ “اقتحام قسم كرداسة”.
فإن مؤسسة “وعي للبحث والتنمية” قد تناولت في دراستها التوثيقية الجارية لأحداث يوم الرابع عشر من أغسطس 2013 مبحثًا حول أحداث كرداسة ذلك اليوم، والذي تستعرض فيه مسارات الأحداث ونتائجها لدى الرواية الرسمية للسلطة من جانب، ورواية الأهالي وشهود العيان من جانب آخر، وذلك خلال سعيها للإجابة عن التساؤلات المهمة الآتية:
لماذا تجمهر الأهالي في القرية يوم 14 أغسطس 2013؟
كيف كان الحديث الذي دار بين الأهالي المتجمهرين ورجال الشرطة أمام قسم كرداسة؟
من نفَّذ الهجوم والقتل الهمجي بحق رجال الشرطة بقسم كرداسة؟
من هم المتهمون بالأحداث وكيف تم توقيفهم؟
هل خضعت المحاكمة لمعايير عادلة؟ وهل كان المحكومون الذين نفذ بهم الإعدام حقًا مذنبون؟
ونستعرض فيما يأتي خلاصة المبحث الخاص بقضية اقتحام كرداسة وأبرز نتائجه.
مكان الحدث
مركز شرطة كرداسة ومحيطه بمدينة كرداسة التي تقع فى الشمال الغربى لمدينة الجيزة.
توقيت الحدث
حوالي الساعة العاشرة صباحا يوم الاربعاء 14 أغسطس 2013 (مصطفى،24 سبتمبر 2018). واستمرت حتى مساء نفس اليوم.
وصف الحدث
فور بدء العمليات الدموية لفض اعتصامي رابعة والنهضة اندلعت اعمال احتجاجية رافضة لعملية الفض في أنحاء الجمهورية وكان من أشدها حدة ما وقع في منطقة كرداسة بالجيزة وتحديدا في اقتحام قسم شرطة كرداسة وما نتج عنه من مقتل مأمور قسم كرداسة ونائبه ورئيس مباحث كرداسة وعدد آخر من ضباط وأفراد الشرطة، كما أسفرت الأحداث عن مقتل ثلاثة مواطنين مدنيين على الأقل.
الرواية الرسمية للأحداث
الرواية الرسمية كما برزت في وسائل الاعلام الرسمية وفي تحقيقات النيابة وفي المحاكمة تؤكد أن أكثر من خمسة آلاف متظاهر من سكان كرداسة هاجموا مركز شرطة كرداسة وقتلوا 13 من رجال الشرطة من قوة المركز بما فيهم مأمور القسم ونائبه وقاموا بسحلهم وتعذيبهم قبل القتل ومثلوا بجثثهم بعد قتلهم ثم أضرموا النار في المركز وجاءوا بلودر وهدموا سور مركز الشرطة واحرقوا عددا من سيارات ومدرعات الشرطة.
ولا تتوقف الرواية الرسمية عند هذا الحد وإنما تؤكد أن الجناة -الذين تصر على أنهم من أهالي كرداسة- أعدوا العدة لهذه المذبحة بأن اجتمعوا وخططوا وجهزوا الأسلحة بما فيها الأسلحة الخاصة بالحروب مثل الأر بى جي (الفص،24 سبتمبر 2018).
وبحسب أمر الإحالة لقضية مذبحة كرداسة قالت النيابة، إن المتهمين قاموا يوم 14 أغسطس 2013، حال كون المتهم رقم 90 “حدث”، إذ اشترك مع المتهمين من الأول حتى الـ185 وآخرين مجهولين، في تجمهر مؤلف من أكثر من 5 آلاف شخص، من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر، وكان الغرض منه ارتكاب جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والشروع فيه، والتخريب والسرقة والتأثير على رجال السلطة العامة في أداء عملهم “ضباط وجنود قسم شرطة كرداسة”، باستعمال القوة حال حملهم أسلحة نارية وبيضاء وأدوات تُستخدم في الاعتداء على الأشخاص، وقد وقعت تنفيذا للغرض المقصود من التجمهر مع علمهم به في الجرائم الآتية:
“وفى أحداث منطقة كرداسة وانتقاما لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، أعدوا أسلحة نارية وبيضاء وقاذفات صاروخية وأدوات مما تُستخدم في الاعتداء على الأشخاص، وتوجهوا لمقر المركز وحاصروهم بداخله، وما إن ظفروا بهم حتى أطلق المتهم السادس عيارين ناريين صوب أحد المجني عليهم، وتعدى عليه آخرون من بينهم بأسلحة بيضاء قاصدين إزهاق روحه، ما أودى بحياته، وكان ذلك تنفيذا لغرض إرهابي”. (مصطفى،24 سبتمبر 2018)
وأكد أمر الإحالة أن المتهمين أعدوا لذلك الغرض الأسلحة والأدوات وتوجهوا لمقر المركز وقاذفوهم بالحجارة وزجاجات المولوتوف، وأشعلوا إطارات السيارات أمام القسم وحاصروهم، وما إن ظفروا بهم حتى أطلقوا صوبهم وابلا من الأعيرة النارية وقذائف المدفعية، قاصدين من ذلك إزهاق أرواحهم، ما أودى بحياة اثنين منهم، واقتادوا الباقين إلى خارج مركز الشرطة وانهالوا عليهم طعنا بالأسلحة البيضاء، وما إن خارت قواهم وسقطوا مضرجين في دمائهم حتى عاجلوهم بإطلاق عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتلهم، وأودت بحياتهم، وكان ذلك تنفيذا لغرض إرهابي، كما شرعوا وآخرون مجهولون في قتل المجنى عليهم بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتلهم، وأعدوا لذلك الغرض الأسلحة والقذائف، وما إن ظفروا بهم حتى أطلقوا وابلا من الأعيرة النارية والقذائف المدفعية واقتادوهم خارج مركز قسم الشرطة، وانهالوا عليهم طعنا بالأسلحة البيضاء، قاصدين إزهاق أرواحهم، وتم علاجهم، وذلك تنفيذا لغرض إرهابي حال كون أحد المجنى عليهم طفلا. (مصطفى،24 سبتمبر 2018).
هذه هي الرواية الرسمية التي سارت عليها جلسات المحاكمة في جميع مراحلها وسارت عليها وسائل الإعلام الرسمية مع تنويعات في تفاصيل الأحداث وأداء الشخصيات سواء من الجناة أو المجني عليهم.
رواية الأهالي للأحداث
إلا أن هناك رواية أخرى سواء من الأهالي أو حتى من المتهمين في القضية تؤكد أن من قام بالهجوم على مركز الشرطة وإحراقه وقتل رجال الشرطة به وإطلاق قذائف الأر بي جي عليه هم عناصر ملثمة مجهولة جاءت من خارج كرداسة ولا يعرفها أحد من أهالي كرداسة.
شهادة محمد محمود زكي صاحب أحد المحلات التجارية
فهذا محمد محمود زكي صاحب أحد المحلات التجارية بكرداسة ومن أهالي كرداسة يؤكد في مقطع مصور سجلته معه مراسلة موقع فيتو يوم 25 أغسطس 2013 أي بعد الحادث بعشرة أيام يؤكد فيه أن كرداسة ليس بها أي إرهاب والأمور هادئة وقال إنه وغيره من الأهالي استضافوا 28 مجندا من قوة مركز الشرطة وأنهم وقت الضرب جاءوا ومكثوا في البيت عندنا وأطعموهم وأعطوهم ملابس ونقود وقال إن المجندين أخبروه أن هناك ضابط داخل القسم ضرب مجندين رفضوا أن يطلقوا نار وأن الضابط قطع لأحد المجندين أصابعه لأنه رفض إطلاق النار.
وقال إنه يتحدى أن يشير أحد من أهالي كرداسة إلى صورة أي شخص من الذين ظهروا في الفيديوهات ونفذوا المذبحة أن يقول ما اسمه وأنه يعرف أي أحد من هؤلاء.
وقال إن أقصى ما يمكن أن يفعله أهل كرداسة أن يقذفوا حجارة على القسم وهذا ما حدث بالفعل. (بوابة فيتو،25 أغسطس 2013)
وأجمع الأهالي الذين ظهروا في هذا المقطع والذي أجرت الحوار فيه محررة من موقع “فيتو” أن الملثمين الذين ارتكبوا المذبحة ليسوا من أهل كرداسة ولا يعرفهم أحد وظهروا فجأة واعترضهم البعض ولكنهم اعتدوا على الأهالي الذين اعترضوهم بالضرب. (بوابة فيتو،25 أغسطس 2013)
وقال محمد محمود زكي إن ما حدث هو أنه فور علم الأهالي بفض اعتصام رابعة والنهضة وجميع من في كرداسة عائلات يعرف بعضنا بعضا وجاءت الأخبار أن هناك عدد كبير من كرداسة قد قتل في النهضة ورابعة فخرجوا في اتجاه القسم دون أي أسلحة أو حتى عصي للسؤال عن أبنائهم المعتصمين ولكن نائب المأمور قال امشوا من هنا وضرب نار في الهوا فبدأ الأهالي يقذفوا بالحجارة وأثناء ذلك ظهر هؤلاء الملثمون، مضيفا “أتحدى أي حد من كرداسة يقول أنه يعرف هؤلاء الملثمين الذين ظهروا وارتكبوا المذبحة وظهروا في مقاطع فيديو بثته فضائية “دريم “. (بوابة فيتو،25 أغسطس 2013)
شاهد آخر من الأهالي
وأضاف آخر من الأهالي – لم يسمِّه المصدر- أن هؤلاء الملثمون ظهروا فجأة وهاجموا قسم الشرطة وغادروا سريعا ومن كان يقول لهم هذا حرام ما تفعلوه كانوا يضربوه مشيرا إلى أنه هو نفسه ضُرِبَ من أحدهم. (بوابة فيتو،25 أغسطس 2013)
شهادة صاحب محل آخر
وأضاف صاحب محل آخر –لم يسمِّه المصدر- أن كل الفيديوهات التي بثت على قناة “دريم ” ليست لأهالي من كرداسة، مضيفا: نعم المدرسة بكرداسة لكن الأشخاص ليسوا من كرداسة مضيفا كيف يمكن لشخص أن يحمل أر بي جي ويرتدي بالطوا في الصيف كما ظهر في الفيديو واصفا هذا الفيديو بأنه يتناقض مع أبسط تفكير عقلاني. (بوابة فيتو،25 أغسطس 2013)
هذه الرواية يشير إليها الباحث إسماعيل الإسكندراني في تقرير أجراه من داخل كرداسة ونشر بتاريخ 25 سبتمبر 2013 كشف فيه عن المسافة الشاسعة بين الرواية الرسمية للحادث ورواية الأهالي؛ حتى المؤيدين منهم للجيش، فيقول في أول التقرير: “بدا ظاهراً لأي زائر اختلاف الرواية الرسمية الشائعة إعلامياً عن الرواية الشعبية السائدة في كرداسة، حتى بين مؤيدي الجيش وقائده العام”. (الإسكندراني،25 سبتمبر 2013).
كيف كان حديث الأهالي المتجمهرين مع رجال الشرطة أمام قسم كرداسة؟
وكيف تصرف الأهالي حين وقع الهجوم على القوات؟
ويلخص الإسكندراني ما سمعه من الأهالي حول الحادثة فيقول: “أما عن مذبحة قسم كرداسة التي راح ضحيتها 11 من ضباط الشرطة وجنودها يوم فض اعتصام رابعة في 14 آب”أغسطس” المنصرم، فإن روايات الأهالي تقدّم صورة مختلفة عمّا تناقلتها وسائل الإعلام عن أنها مذبحة نفذها أنصار «الإخوان المسلمين» في ضباط القسم. يقول الشهود إن قوة قسم الشرطة كانت قد قتلت منذ يوم 3 تموز “يوليو” الماضي حتى صباح يوم فضّ الاعتصام 12 شاباً متظاهراً من كرداسة والقرى المحيطة بها، أحدهم من قرية «أبو رواش» المعروفة بشدّة بأس قاطنيها من القبائل العربية. وحين تجمهر مَن لم ينضم إلى مسيرة «الميكروباصات» لدعم اعتصام «رابعة العدوية» أثناء الفضّ أمام القسم في 14 أغسطس 2013، توسط أحد وجهاء كرداسة للتفاوض مع القائد الموجود على الانسحاب السلمي من القسم الذي أعادت بناءه اللجنة الشعبية بالجهود الذاتية بعد إحراقه في كانون الثاني”يناير” 2011. كان رد القائد عنيفاً ومهيناً، بحسب الروايات، وبادر بإطلاق وابل من الرصاص في الهواء، فانسحبت الجموع بعد سقوط خمسة منها. (الإسكندراني،25 سبتمبر 2013).
وأكد أن الأهالي يرجّحون أن السيارات التي حملت غرباء ملثمين مسلّحين بقذائف الـ«آر بي جي» قد أتت من إحدى القرى، التي أراد أهلها الثأر من قاتلي أحدهم. مشيرا إلى رواية الأهالي أن السيارات دخلت القرية بالتزامن مع تراقص الجنود بالسلاح احتفالاً بفض التظاهر بإطلاق النار العشوائي واستخدام قنابل الغاز غير المرئي. لم يلبث المشهد إلا أن انقلب بعد قصف القسم بأربع قذائف وفتح النيران عليه، فهرب عشرات الجنود وتعاطف معهم أهل القرية الذين لم يستطيعوا تخليص الضباط من أيدي المعتدين. كشف أحدهم لثامه مخاطباً نائب مأمور القسم سائلاً إياه «فاكرني؟»، ثم أطلق النار عليه وعلى ضباط القسم في الشارع. (الإسكندراني،25 سبتمبر 2013).
كرداسة: سياسات الدولة تجاه الريف المصريّ وإعادة إنتاج المظلوميّة المحليّة
هاني عواد الباحث بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نشر على موقع المركز بتاريخ 14 نوفمبر 2013 تقريرا بعنوان (كرداسة: سياسات الدولة تجاه الريف المصريّ وإعادة إنتاج المظلوميّة المحليّة) أكد فيه رواية أن منفذي الهجوم من منطقة أبو رواش ويشير إلى ما سبق الواقعة من أحداث عندما أُعلن في 3 يوليو 2013 بيان الانقلاب وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي؛ فخرجت مظاهرات حاشدة اتجهت إلى قسم الشرطة وسط كرداسة. وعلى الرغم من محاولات الشخصيّات المحليّة مثل عبد السلام بشندي القيادي في حزب الحريّة والعدالة (حكمت المحكمة لاحقا عليه بالإعدام) الوساطة بالطلب من عناصر الشرطة مغادرة مقرّ المركز بأسلحتهم، فإنّ تلك المحاولات باءت بالفشل. واستمرّ التظاهر في اليوم التالي، واندلعت اشتباكات بعد أن أرسلت وزارة الداخلية 27 مركبة أمن مركزيّ، وأربع مدرّعات. وقد تعمّدت قوّات الأمن بحسب شهود عيان إهانة أهالي المدينة، وكانت تذيع عبر مكبرات الصوت عبارات مثل: “يا بلد مفيهاش رجّالة”. وبانتهاء هذا اليوم (4 يوليو 2013) كان سبعة من متظاهري كرداسة قد قتلوا برصاص الأمن؛ اثنان منهم من كرداسة واثنان من بني مجدول وثلاثة من ناهيا.
ويتابع “استيقظ أهالي كرداسة في يوم فضِّ الاعتصامين على أصوات صراخ واستغاثة، فكلّ شارع وحارة تقريبًا كان شخص منها يعتصم في ميدان النهضة الذي لا يبتعد سوى خمس عشرة دقيقة بواسطة السيّارة. ويصف شاهد عيّان ذُعر النّاس وتحرّكهم بشكلٍ عشوائيّ: لقد التحق جزء من أهالي المدينة بالاعتصام البديل في ميدان مصطفى محمود الذي كانت جماعة الإخوان المسلمين قد حاولت تنفيذه بعد فضّ الاعتصامين. ولكن الأغلبيّة قررت أن تتظاهر وتشتبك مع قوّات الشرطة أمام مقرّها، حيث سقط خمسة مدنيين خلال خمس ساعات، صاحبها حالة من التشفي والاحتفال من قبل عناصر الشرطة”.
ويوضح أنه خلال الساعات التالية نشبت معركة؛ إذ هاجم عشرات الملثمون مدججين بالأسلحة الناريّة والقذائف الصاروخية” الآر بي جي” مركز قسم كرداسة. وفي نهاية اليوم، كان أغلب عناصر الشرطة قد لقوا حتفهم بطريقةٍ دمويّة، ونقلت وسائل الإعلام صور آليات الأمن المركزي ومدّرعاته مدمّرة ومحترقة. وبينما اتهمت وسائل الإعلام المصريّة قيادات من جماعة الإخوان المسلمين بالتخطيط لها، دلّت الشهادات التي قمنا بإجرائها في شكل مقابلات هاتفية مدققة أو تلك التي كتبها موثقون على مدوّناتهم الشخصيّة على الإنترنت بأنّ الأهالي حاولوا مساعدة عناصر الشرطة، وبأنّ من قام بالقتل هم ملثمون مجهولو الهويّة، بينما أشارت بعض الشهادات إلى أهالي منطقة أبو رواش شبه الصحراويّة “المعروفين بالأخذ بالثأر والقصاص باليد”.
من نفَّذ الهجوم والقتل الهمجي بحق رجال الشرطة بقسم كرداسة؟
وهل كانت كرداسة حقًا “مجرمة”؟
ويلخص عواد الرواية بقوله “هذه قصّة المجزرة التي تبرأ أهالي كرداسة منها بعد أن تحوّلت إلى قضيّة رأيٍ عام. ويمكن تلخيص عناصر القصة كما أوردناها من شهاداتٍ أجريناها بأنفسنا أو قرأناها من مدوّنات: 1 سقوط عشرات الضحايا في اشتباكاتٍ داخل المدينة وفي اعتصام ميدان النهضة في الجيزة، 2 تبعها ردّة فعل عنيفة تجاه قوّات الأمن في مقرّ شرطة المدينة، 3 وانتهت بتبرؤ الأهالي من القصة واتهام عناصر إما “مجهولة” أو من “قرية ما “تربطها علاقة سلبيّة بأهالي مدينة كرداسة، أو حتى اتهام وزارة الداخليّة في بعض الأحيان بأنّها هي من كانت وراء تصفية عناصرها”. (عواد،14 نوفمبر 2013، ص.13-14).
وفي مقطع فيديو لموقع البوابة نيوز نشر بتاريخ 10 سبتمبر 2013 أكد أحد أهالي كرداسة أنهم ذهبوا إلى مأمور القسم عندما رأوا غضب الأهالي لمقتل أبنائهم في رابعة والنهضة وطلبوا منه إغلاق قسم الشرطة وأنهم سيقومون بحمايته بإقامة دروع بشرية كما فعلنا سابقا تجنبا لغضب الأهالي إلا أن المأمور ونائبه رفضا وتعاملوا بشدة مع الأهالي مؤكدا أن المأمور أهان كرداسة وأهلها وسبهم. (Albawabh televsion، 10 سبتمبر 2013).
لكن الرواية الرسمية التي تجرم الأهالي المتجمهرين تم تدعيمها عبر شهود عيان ومقاطع فيديو، وشهود العيان والإثبات هم مجندون وأمين شرطة نجوا من الحادث واستطاعوا الإفلات من القتل عبر الهرب أو بمساعدة بعض الأهالي ولكننا عندما نفحص تلك الشهادات نجد التناقض الشديد ورواية أحداث ووقائع لم يشهدها الشاهد، فقد غادر مسرح الأحداث هارباً أو كان في شبه غيبوبة لا يدري شيئاً عما يحدث.
بينما مقاطع الفيديو لم يكن فيها مقطعاً واحداً لسحل أو تعذيب أياً من ضباط وأفراد الشرطة، على العكس من ذلك نجد الأهالي في المقاطع بعضهم يحاول إنقاذ ومساعدة ضباط وأفراد الشرطة، ومفاجأة الأهالي بما حدث للضباط كان واضحا في مقاطع الفيديو، ويظهر بطبيعة الحال بعض الأهالي في مقاطع الفيديو في حالة غضب على الضباط والجنود ولكنهم لم يفعلوا أكثر من التفوه ببعض عبارات الغضب.
مقاطع الفيديو التي بثتها فضائية “دريم” ويظهر فيها المسلحون يخرجون من إحدى مدارس كرداسة التي تبعد عن مركز الشرطة بمائتي متر ويحمل أحدهم ما يشبه الأر بي جي، ويرتدي كمامة وبالطو ويحمل آخرون أسلحة آلية لا يظهر فيها إلا الملثمون ولم يظهر فيها أي أحد من المتهمين إلا متهما واحدا كان يقود دراجته البخارية ويركب خلفه أحدهم حاملا بندقية آلية، والسؤال الأهم لوائل الإبراشي الذي بث تلك الفيديوهات: من الذي قام بتصوير تلك الفيديوهات؟ ومن أين حصلتَ عليها؟ ألم يخبرك من قام بالتصوير أو من أمدك بتلك الفيديوهات عن هوية هؤلاء الأشخاص المسلحين؟ إذا كان المسلحون من أهالي كرداسة وإذا كان من قام بالتصوير هو من أهالي كرداسة فحتماً هو يعرفهم، والحقيقة أن وائل الإبراشي لم يستطع أن يشير إلى صورة أي من المسلحين الذين ظهروا في مقاطع الفيديو التي بثها ويخبر عن اسمه ووظيفته ودوره في المذبحة، فضلاً عن استنكار أهالي كرداسة لتلك المقاطع. (أحمد المهدى،17/8/2013).
اقتحام كرداسة والقبض على المتهمين
مواقف اتهاميّة جاهزة ونزعة تأديبيّة انتقاميّة من نخبة القرية
في 19 سبتمبر 2013 اقتحمت حملة كبرى من قوات الداخلية مدعومة بقوات من الجيش مدينة كرداسة لاعتقال المتهمين بارتكاب مذبحة كرداسة يوم 14 أغسطس 2013. وأسفرت العملية عن مقتل اللواء نبيل فرج مساعد مدير أمن الجيزة واعتقال العشرات حسبما ذكر بيان وزارة الداخلية (سكاي نيوز عربية،19 سبتمبر 2013).
زعمت وزارة الداخلية في بيانها أن مقتل اللواء نبيل فرج جاء نتيجة تبادل إطلاق نار بين القوات وبعض المتهمين إلا أن تقرير الطب الشرعي المبدئي قد أوضح أن سبب وفاته رصاصة 9 ميلليمتر أُطلقت من مكان قريب واخترقت جانبه الأيمن واستقرت في جدار الصدر. وبمشاهدة بسيطة يتضح أن أقرب مسافة يمكن أن يطلق منها النار من قبل مسلّحين بالقرية على أحد الضباط في قلب التشكيلات لا تقل عن 80 متراً، وهو ما يطرح احتمال مقتله بـ«نيران صديقة» في الاعتبار. (الإسكندراني،25 سبتمبر 2013).
ويصف الباحث هاني عواد عملية الاقتحام، يقول: “حاصرت الدبابات والسيارات المصفحة مداخل مدينتَي كرداسة وناهيا، وخلال عدة ساعات أُغرقت المدينة بآلاف الأعيرة الناريّة الحيّة والقنابل المسيلة للدموع، وخلال النهار كلّه وحتى ساعات الليل تمّ اقتحام عشرات البيوت وتحطيم محتوياتها واعتقال قاطنيها سواء أكانوا رجالًا أم نساءً أم أطفالًا، بطريقةٍ مهينة. خرج الأهالي بعد صلاة الجمعة في اليوم التالي في كلٍّ من كرداسة وناهيا للتنديد بالاقتحام، وردّت قوات الشرطة والجيش المتمركزة في المدينتين بإطلاق الأعيرة النارية وقنابل الغاز؛ مما أدى إلى العديد من حالات الاختناق بين الأطفال.
انتشرت لاحقا صور المنازل المحترقة وآثار اقتحام قوّات الأمن منازل الشخصيات المحليّة المحترمة بين النّاس بعد أن تمت سرقة ما يمكن سرقته وبعد تحطيم محتوياتها؛ فخلال أسبوعٍ واحدٍ جرى اقتحام منازل كلّ من حسن عدس، ومحمد السيد الغزلاني، ومحمد بشندي، وعبد السلام بشندي (عضو مجلس الشعب المنحلّ عن حزب الحريّة والعدالة)، ووليد سعد أبو عميرة، وأحمد مقلد (المأذون الشرعي للمدينة)، ومحمد نصر الغزلاني، وأحمد أبو السعود، وتم اعتقالهم جميعًا مع بعضٍ من أفراد عائلاتهم. وقُدّرت الأموال وقيمة المصاغ المسروق من بيوت المقبوض عليهم بمئات الآلاف من الجنيهات المصريّة، بالإضافة إلى مئات المعتقلين من أبناء القرية على اختلاف توجهاتهم السياسية.
صورة لمعتقلين بعد اقتحام القوات قرية كرداسة في 19 سبتمبر 2013
ويستخلص عواد لعملية الاقتحام التي تعرضت لها قرية كرداسة، بقوله: ومن خلال متابعة ما بثته وسائل الإعلام المصريّة ومقارنتها بشهادات أهالي المدينة، لوحظ ما يلي:
أولاً: لم تكتف أجهزة الأمن باقتحام منازل جميع الشخصيّات المعروفة بانتمائها لجماعة الإخوان المسلمين، بل وصل الأمر أيضًا إلى اقتحام منازل أغلب الشخصيّات الاجتماعية المحلية وتحطيمها وسرقتها واعتقال بعض أفراد عائلاتهم، في عمليّةٍ لا يُفهم منها إلا إذلال نخبة المدينة التي أدارتها في أعقاب ثورة 25 يناير.
ثانيًا: صُوّر اقتحام المدينة على أنّه “تحرير”، على الرغم من أن الشهادات المتواترة تنفي وجود أي عنصر مسلح على أبواب المدينة أو في داخلها وقت الاقتحام، وحتى اللواء الذي قتل أثناء الاقتحام، بيّن تقرير الطب الشرعي أن سبب وفاته هي رصاصة 9 ميلليمتر أُطلقت من مكان قريب واخترقت جانبه الأيمن واستقرت في جدار الصدر، وهو ما رجّح احتمال مقتله بـ “نيران صديقة”، كما كشف عن ذلك أحد الناشطين الحقوقيين.
ثالثا: على مدار أكثر من شهر من عمليّة الاقتحام، استمرّت عمليّات المداهمة التي أخذت شكلًا اتسع ارضيًا، واستمرّت الفضائيات المصريّة والصحف الخاصة بشكلٍ موازٍ في اختلاق معارك “تطهير” تقوم بها قوّات الأمن لضرب “معاقل الإرهاب”، لا أساس لها من الصحّة. كما تم اختلاق قصصٍ على ألسنة أهالي المدينة تهلل للنظام الجديد وتدين قيادات جماعة الإخوان المسلمين في المدينة.
رابعًا: تدلّ طريقة الاعتقالات التي قامت بها قوّات الأمن المصريّة بأنّها ليست قائمة لا على المعلومات ولا حتى على “الحدس”، بل على مواقف اتهاميّة جاهزة ونزعة تأديبيّة انتقاميّة؛ فقد داهمت القوّات الأمنية منزل الشيخ مهدي الغزلاني لاعتقاله، وهو قيادي سابق في تنظيم الجهاد الإسلاميّ، فأخبرهم الجيران أنّه مات منذ سبعة أشهر. وعلى هذا النمط كان الاعتقال عشوائيًا وكان المطلوبون هم أنفسهم في أيّ سياق (إسلامي، عضو لجنة شعبيّة… إلخ). (عواد، 14 نوفمبر 2013، ص.18-20).
ويكشف إسماعيل الإسكندراني عن مدى العشوائية في اعتقال الأهالي، يقول: “يبدو التخبط والعشوائية في الاعتقال واضحين في مطاردة مطلوبين ماتوا قبل الأحداث بشهور، كذلك محاولة اعتقال مدير المدرسة التي استغلها مهاجمو القسم في الهجوم، فلما وجدوه قد توفي (وفاة طبيعية) اعتقلوا ابنه، بل حتى مؤيدو وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي والمتظاهرون لدعم الجيش، وهم قلة قليلة في كرداسة، اعتُقل اثنان منهم لتصادف وجودهما بالقرب من إحدى عمليات الدهم. أجواء مشوبة بالحذر البالغ قضتها «الأخبار» في مشاهد من كرداسة غير مرحب بنقلها إعلامياً، حيث عمّ الرعب المصادر والأدلة الميدانيين الذين قادوا الجولة، مع تأكيد عدم ذكر أسمائهم أو أسماء أي من أبطال الحوادث والوقائع خشية بطش الشرطة والجيش!”. (الإسكندراني،25 سبتمبر 2013).
إجراءات التقاضي، وسير القضية
إحالة المتهمين في القضية الى محكمة الجنايات
في 12 فبراير 2014 أمر المستشار هشام بركات، النائب العام، بإحالة 188 متهما إلى المحاكمة الجنائية أمام محكمة جنايات الجيزة، وذلك في ختام التحقيقات، التي باشرتها النيابة العامة، والتي انتهت إلى ارتكابهم جريمة اقتحام مركز شرطة كرداسة، وقتل مأمور المركز ونائبه، و12 ضابطا وفرد شرطة، عقب فض اعتصامي «رابعة والنهضة».
وتضمن أمر الإحالة 143 متهما محبوسين احتياطيا على ذمة القضية، والأمر بضبط وإحضار45 متهما آخرين هاربين وتقديمهم للمحاكمة وهم محبوسون احتياطيا.
حملت القضية رقم 12749 لـسنة 2013 جنايات مركز كرداسة، وقيدت برقم 4804 لـسنة 2013 كلى شمال الجيزة. (شلبي،12 فبراير 2014).
عقد أولى جلسات المحاكمة
في27 مارس 2014 عقدت الدائرة الخامسة بمحكمة جنايات الجيزة بمعهد أمناء الشرطة أولى جلسات محاكمة 188 متهما في قضية ”مذبحة كرداسة” برئاسة المستشار محمد ناجي شحاته. (أبو النجا،27 مارس 2014).
خط سير المحاكمة الأولى
عقدت جلسات عديدة للنظر في القضية، وشهدت تلك الجلسات دفاعات عن المتهمين منها في جلسة 3 نوفمبر 2014 حيث دفع فريق الدفاع ببطلان إجراءات الضبط والتفتيش لعدم وجود المتهمين في أي حالة من حالات التلبس.
كما دفع د.محمود السقا رئيس فريق الدفاع عن المتهمين بانتفاء الأدلة المسندة إلى المتهمين وخلو الأوراق من ثمة دليل مُعتَبر يدين المتهمين، ومؤكدا أن الأدلة عبارة عن كلمات مبعثرة من الشهود، وهذه ليست دليلا ولا قرينة ولا شبهة دليل تدين المتهمين.
واستشهد «السقا» بشهادة بعض مجندي الأمن المنوطين بحراسة القسم إبان الأحداث، وهم رزق محمد، ومحمود عبدالله، وإبراهيم محمد، بأن المتهم مصطفى حامد قام بحمايتهم واستقبالهم في منزله وقدم لهم ملابس ملكية وأموال إلى أن وصلوا إلى معسكر الأمن، موضحا أن شهادتهم جاءت في مقررات رسمية بالشهر العقاري لمحل مسكن المتهمين بعد تجاهل سماع شهادتهم.
وأضاف أن المتهم على السيد طاعن في السن ولا يقدر على الحركة، وأن ابنه «محمود» كان بالمنزل وقت الأحداث بشهادة الشهود، وقدم 4 حوافظ مستندات. (مجدي، 3 نوفمبر 2014).
وفي 2 ديسمبر 2014 قررت محكمة جنايات الجيزة في جلستها المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة برئاسة المستشار محمد ناجى شحاته إحالة أوراق 185 متهما إلى فضيلة مفتي الديار المصرية لاستطلاع الرأي الشرعي في شأن إصدار حكم بإعدامهم.
وحددت المحكمة جلسة 24 يناير 2015 للنطق بالحكم عقب ورود تقرير فضيلة المفتي بالرأي الشرعي. (بوابة الحركات الإسلامية، 3 ديسمبر 2014).
ولكن في جلسة 24 يناير 2015 قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم في القضية، إلى جلسة 2 فبراير 2015، لتعذر إحضار المتهمين إلى مقر المحكمة، لدواعي أمنية.
وجاء ذلك بعدما أعلن رئيس هيئة المحكمة المستشار محمد ناجي شحاتة ورود خطاب من مديرية أمن الجيزة يفيد تعذر إحضار المتهمين، نظراً لما جاء إليهم من معلومات، بشأن نية جماعة الإخوان والمؤيدين لها التصعيد خلال الأيام المقبلة، تزامناً مع الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير. (الموقع نيوز، 24 يناير 2015).
وفي 2 فبراير 2015، قضت المحكمة بإعدام ١٨٣ متهما، وانقضاء الدعوى الجنائية لاثنين من المتهمين، وهما «محمد مصطفى» و«محمود عبد الرازق» لوفاتهما، وحبس متهم «حدث» يدعى «علي محمد فرحات» بالسجن ١٠ سنوات، إلى جانب براءة اثنين آخرين. (عبد الفتاح،24 سبتمبر 2018).
ومما كان موضع نظر من كل المراقبين الحقوقيين ما قام به القاضي الذي أصدر أحكام الإعدام المستشار محمد ناجي شحاته في نفس يوم صدور الحكم من مداخلة مع برنامج العاشرة مساءا بتاريخ 2 فبراير 2015 تحدث فيها عن تقرير الطب الشرعي وتفاصيل أخرى في القضية وذكر أن منظمة حقوقية أمريكية أرسلت مكاتبات تستفهم فيها عن سبب إدراج سيدة في القضية (سامية شنن وكانت ممن حكم عليهم بالإعدام) وهل تعاني داخل حبسها؟ وتحدث بانحياز شديد متسائلا أين حقوق المجني عليهم؟ مضيفا: الحمد لله أن لدينا قضاء نزيه. وفي البرنامج ذاته تحدث المذيع (وائل الإبراشي) عن مشهد الأر بي جي وقال هل نحن أمام صوملة لمصر فيقره القاضي ويقول نعم في إبداء رأي سياسي في القضية وتساءل القاضي أين حقوق الانسان التي يتحدثون عنها؟؟ وتساءل القاضي كيف يتحدثون عن أحكام إعدام بالجملة وكان هناك قتل بالجملة؟ ثم تحدث المذيع (وائل الإبراشي) ورغم أنه قال إنه لا يجب أن يمدح القاضي أو يذم مؤكدا أن مدح القاضي أو ذمه يخالف أبسط القواعد والأعراف إلا أنه خالف ذلك وقال إنه لابد أن يشيد بالقاضي في هذه القضية ويدافع عنه. (Dream TV Egypt، 2 فبراير 2015).
قبول الطعن على أحكام الإعدام وإعادة المحاكمة أمام دائرة جديدة
وفي جلسة 3 فبراير 2016 قررت محكمة النقض برئاسة المستشار أنس علي عبد الله عمارة قبول الطعون المقدمة من المتهمين في قضية «أحداث كرداسة»، والصادر ضدهم حكم بالإعدام، من بينهم سيدة (سامية شنن) وإعادة محاكمتهم من جديد. وقبل الطعن للمحكوم عليهم حضوريا وعددهم 149 (أبو بكر،3 فبراير 2016).
أولى جلسات إعادة المحاكمة
وفي 27 مارس 2016 حددت محكمة استئناف القاهرة برئاسة المستشار أيمن عباس جلسة 3 مايو 2016؛ لبدء أولى جلسات إعادة محاكمة 150 أمام محكمة الجنايات، في قضية اتهامهم باقتحام قسم شرطة كرداسة وقتل مأمور القسم ونائبه و12 ضابطا وفرد شرطة.
وجاءت إعادة محاكمة المتهمين، أمام الدائرة 11 بمحكمة جنايات جنوب القاهرة برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي. (موقع الدستور،27 مارس 2016).
وفي 3 مايو 2016 بدأت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، أولى جلسات إعادة محاكمة المتهمين في ثاني درجات المحاكمة بالقضية (علام والعزيزي،9 يوليو 2018).
خط سير المحاكمة الثانية
شهدت إعادة المحاكمة جلسات عدة تخللتها وقائع ذات دلالة منها ما حدث في جلسة 18 أغسطس 2016 عند الاستماع إلى أقوال الشاهد أشرف السيد، والذي قال بعد حلف اليمين، إنه عامل في مسجد سلامة الشاعر بكرداسة، والمسجد يبعد عن مركز الشرطة حوالي 2 كيلو.
وسأله القاضي عدة أسئلة حول وقائع الأحداث وأجاب الشاهد بما يعلم إلا أنه في نهاية الجلسة أمر القاضي الأمن بالتحفظ على الشاهد وإيداعه السجن وتوجيه تهمة الشهادة الزور له بدعوى تناقض أقواله أمام المحكمة عما قاله في تحقيقات النيابة. (المهندس، 18 أغسطس 2020).
وما حدث في جلسة 6 سبتمبر 2016 عندما طلب المتهم أحمد محمد عبد الحميد الفقي، الحديث للمحكمة قبل سماع شاهد الإثبات وهو مجند ضمن قوة مركز كرداسة، قائلا: «إنه كان في السوبر ماركت ملكه، يبعد عن المركز 500 متر، ووقت الأحداث أغلق المحل بسبب إطلاق النيران».
وأضاف المتهم أنه تم ضرب قذيفة الساعة 2 ظهرا، وشاهد العساكر وهم يجرون في الشوارع، وبعض المتظاهرين يعتدون عليهم، وقام بحماية العسكري “شاهد الإثبات”، وذهب به إلى المنزل وأسعفه من إصابته ثم نقله إلى ميدان الرماية.
وسألت المحكمة الشاهد عن صحة رواية المتهم، فأكد صدق روايته لكنه لا يذكر إذا كان المتهم هو الذي أنقذه أم غيره، لأنه كان يعاني تشوشا واضطرابا بسبب ضرب المتظاهرين له. (العربي اليوم، 6 سبتمبر 2016)
إحالة أوراق 20 متهما في القضية إلى المفتي
وفي جلسة 24 أبريل 2017 قررت الدائرة 11 إرهاب، بمحكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة في طرة، برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، إحالة 20 متهما في قضية أحداث مذبحة كرداسة لفضيلة المفتي لإبداء الرأي الشرعي في إعدامهم، وحددت المحكمة جلسة 2 يوليو 2017 للنطق بالحكم. (محمد، 24 أبريل 2017)
الحكم في القضية
وفي جلسة 2يوليو 2017 قضت محكمة جنايات القاهرة المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، بالإعدام شنقًا لـ 20 متهمًا في إعادة محاكمتهم في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«مذبحة كرداسة».
كما قررت المحكمة معاقبة 80 شخصًا، من بينهم سامية شنن، بالسجن المؤبد، ومعاقبة 35 آخرين بالسجن المشدد 15 عام، والحدث علي فرحات بالسجن 10 أعوام، وبراءة باقي المتهمين في القضية.
والمحكوم عليهم بالإعدام هم: سعيد يوسف صالح، وعبدالرحيم عبدالله، وأحمد محمد الشاهد، ووليد سعد أبوعميرة، وشحات مصطفى علي، ومحمد رزقه أبوالسعود نعامة، وأشرف السيد العقباوي، وحمد عويس حسين حمودة، وعصام عبدالمعطي أبوعميرة، وأحمد عبدالنبي سلامة فضل، وبدر عبدالنبي محمود جمعة زقزوق، وقطب سيد قطب أحمد الضبع، وعمرو محمد السيد عمر سلمان، وعزت سعيد محمد العطار، وعلي السيد علي القناوي، وعبدالله سعيد على عبدالقوي، ومحمد عامر يوسف الصعيدي، وأحمد عبدالسلام أحمد عبدالمعطي عياط، وعرفات عبداللطيف إبراهيم أحمد، ومصطفى السيد محمد يوسف الخرفش. (بدر،2 يوليو2017).
ومما كان لافتا للنظر في بيان القاضي الذي أصدر الأحكام الأخيرة أنه كانت عباراته في بيانه الذي قدم به للحكم تنطق بالتحيز الشديد ضد المتهمين في القضية ووصفه ما حدث بأنه كان استجابة لفتن بأن الشرطة قتلت عددا كبيرا وكان يقصد في فض رابعة والنهضة حيث قال: “ففي صباح يوم الأربعاء 14 أغسطس 2013 أثيرت بعض الفتن بأن الشرطة قتلت الكثير” وتحدث عن أن إرادة المتجمهرين كانت الثأر من رجال الشرطة ثم ختم بقول دال على عدائه للمتهمين حيث قال: “المتهمون يدعون الرحمة وهم فاقدوها”. (المهندس، 2 يوليو 2020).
محكمة النقض تنهي القضية
تقدم المحكوم عليهم بطعن في الأحكام الصادرة ضدهم إلى محكمة النقض وهي آخر درجات التقاضي وأسدلت محكمة النقض الستار على القضية في جلسة 24 سبتمبر 2018 عندما رفضت طعن المحكوم عليهم وأيدت الأحكام الصادرة ضدهم سواء كانت بالإعدام أو المؤبد.
وحكمت المحكمة، بعدم قبول الطعن المقدم من الطاعنِين؛ السادس أحمد محمد محمد الشاهد، والخامس شحات مصطفي محمد علي، والأربعين محمد سعيد فرج سعد شكلا.
كما قضت بقبول طعن باقي الطاعنِين شكلا وفي الموضوع بتصحيح الحكم المطعون فيه بإلغاء ما قضي به من عقوبات إلزام الطاعنِين بما فيه ما لم يقبل طعنه شكلا بدفع قيمة ما خربوه ووضعهم تحت مراقبة الشرطة وما قضي به من إلزام الطاعن ١٣٥ والطفل علي محمد صالح بالمصاريف الجنائية فيما عدا ذلك.
وقضت المحكمة بقبول عرض النيابة العامة بالقضية وفي الموضوع بإقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليهم العشرين. (عبد الفتاح، 24 سبتمبر 2018).
إعادة محاكمة بعض المتهمين الهاربين
أعيدت محاكمة بعض المتهمين الذين كانوا هاربين بعد تسليم أنفسهم أو القاء القبض عليهم، وأعيدت محاكمتهم بتسلسل درجات التقاضي؛ أي أمام محكمة جنايات الجيزة برئاسة المستشار محمد ناجي شحاته ثم بعد ذلك أمام محكمة جنايات القاهرة أمام المستشار محمد شيرين فهمي أو دوائر أخرى.
من هؤلاء الذين أعيدت محاكمتهم عمرو صلاح الذي حصل على حكم بالبراءة بتاريخ 5 يوليو 2020 حيث قضت محكمة جنايات القاهرة ببراءته. (أبو شنب، 5 يوليو 2020).
تنفيذ أحكام الإعدام بحق المحكومين
في الثالث من أكتوبر 2020 نفذت السلطات المصرية حكم الإعدام في 15 معتقلا كان منهم ثلاثة من المحكوم عليهم بالإعدام في قضية اقتحام قسم شرطة كرداسة، والثلاثة الذين تم تنفيذ حكم الإعدام بهم هم: شحات مصطفى محمد علي الغزلاني عمار، وسعيد يوسف عبد السلام صالح عمار، وأحمد محمد محمد الشاهد.
من اليمين: سعيد عمار، شحات عمار، أحمد الشاهد
وكشفت منظمة «نحن نسجل» الحقوقية عن قيام وزارة الداخلية المصرية بإصدار «أوامر لأهالي من تم تنفيذ الإعدام بحقهم بمنع صلاة الجنازة إلا من خلال الأسرة فقط، ومنع العزاء، ومن يتواجد أثناء الدفن هم أقرباء الدرجة الأولى فقط». كما وضعت قوات الأمن «كاميرات تصوير في محيط بعض منازل من تم إعدامهم»، حسب نفس المنظمة. (رصد،4 أكتوبر 2020).
وفي السادس والعشرين من أبريل 2021 نفذت السلطات المصرية حكم الإعدام بحق متهمين (9 أو 17 كما ذكرت مصادر متنوعة)، وهؤلاء هم: عبدالرحيم عبدالحليم عبدالله جبريل ٨٠ عاما، وليد سعد أبو عميرة أبو غرارة، محمد رزق أبو السعود نعامة، أشرف السيد رزق العقباوي، أحمد عويس حسين حمودة، عصام عبدالمعطي أبو عميرة، أحمد عبدالنبي سلامة فضل، فتحي عبدالنبي محمود جمعة زقزوق، قطب السيد قطب أحمد الضبع، عمرو محمد السيد عمر سلمان، عزت سعيد محمد العطار، الحاج علي السيد علي القناوي ٧٥ عاما ” قعيد”، عبدالله سعيد علي عبدالقوي، محمد عامر يوسف الصعيدي، أحمد عبدالسلام أحمد عبدالمعطي العياط، عرفات عبداللطيف أحمد محمودة، مصطفى السيد محمد يوسف القرفش.
وعبرت منظمة العفو الدولية عن قلقها البالغ إزاء إقدام السلطات المصرية على تنفيذ الإعدام بحق الأشخاص المتهمين في قضية الهجوم على مركز شرطة كرداسة بعد محاكمات غير عادلة، حيث تعتمد المحاكم على الاعترافات المُنتزعة تحت التعذيب، بحسب المنظمة.
وصية مكتوبة وموقعة من 10 من المنفذ بحقهم حكم الإعدام (المصدر: موقع نافذة دمياط)
المصادر:
-
-
- مصطفى،عامر.(2018، 24 سبتمبر). صور.. مشاهد قتل ودماء وسحل شهداء الواجب.. محطات محاكمة مجرمى “مذبحة كرداسة” فى 5 سنوات.. تأييد الإعدام لـ20 متهماً والمؤبد لـ80 آخرين نهائياً..مرتان بالنقض ودائرتين لنظر القضية.تم استرجاعها في تاريخ 5 ديسمبر 2020 من https://2u.pw/iuHCU
- الفص، أحمد.(2018،24 سبتمبر). بالتفاصيل.. “مذبحة كرداسة” من بداية الأحداث وحتى “يوم القصاص”. تم استرجاعها في تاريخ 5 ديسمبر 2020 من http://gate.ahram.org.eg/News/2015294.aspx
- VetogateOfficial – بوابة فيتو.(2013، 25 أغسطس). سكان كرداسة يروون تفاصيل مذبحة ضباط الشرطة. تم استرجاعها في تاريخ 5 ديسمبر 2020 من https://www.youtube.com/watch?v=-hP1c4A3DiE
- الإسكندراني، إسماعيل.(2013، 25 سبتمبر). حكايات أهالي كرداسة عن انتقام جماعي. تم استرجاعها في تاريخ 5 ديسمبر 2020 من https://al-akhbar.com/Arab/57998
- عواد، هاني.(2013،14 نوفمبر). كرداسة: سياسات الدولة تجاه الريف المصريّ وإعادة إنتاج المظلوميّة المحليّة،18-20. تم استرجاعها في تاريخ 5 ديسمبر 2020 من https://cutt.ly/tjSyex7
- Albawabh television.(2013، 10 سبتمبر). أحد متهمي أحداث كرداسة ” ظباط الشرطه يهينونا ومنصور غير شرعي وما حدث انقلاب”. تم استرجاعها في تاريخ 5 ديسمبر 2020 من https://www.youtube.com/watch?v=COdiAt1wEVg
-
-
-
- احمد المهدى.(2013،17 أغسطس). وائل الإبراشى يعرض فيديو للأرهابيين قبل ارتكابهم لمذبحة قسم كرداسة. تم استرجاعها في تاريخ 5 ديسمبر 2020 من https://www.youtube.com/watch?v=toTOCbHHYIE&t=303s
- شلبي،أحمد.(2014،12 فبراير). إحالة 188 متهمًا لمحكمة الجنايات في «اقتحام قسم كرداسة». تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://www.almasryalyoum.com/news/details/392760
- أبو النجا، أحمد.(2014، 27 مارس). اليوم.. أولى جلسات محاكمة 188 متهما في قضية ”مذبحة كرداسة”. تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://2u.pw/uBFGz
- مجدي، محمد.(2014، 3 نوفمبر). دفاع متهمي «مذبحة كرداسة»: إجراءات الضبط والتفتيش «باطلة». تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://2u.pw/6Hs5c
- بوابة الحركات الإسلامية.(2014، 3ديسمبر 2014). إحالة أوراق 188 متهما في مذبحة كرداسة للمفتى.. والحكم 24 يناير. تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://www.islamist-movements.com/12149
- الموقع نيوز.(2015، 24 يناير). جنايات الجيزة تؤجل الحكم على متهمى “مذبحة كرداسة” ل2 فبراير القادم. تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://2u.pw/QNd21
- عبد الفتاح، أحمد.(2018، 24 سبتمبر). ننشر أبرز المحطات الرئيسية في قضية «مذبحة كرداسة». تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://2u.pw/mQBO9
- Dream TV Egypt.(2015، 2فبراير). برنامج العاشرة مساء| المستشار محمد ناجى نائب مأمور كرداسة مثلت بجثته وقطعت يده لسرقة ساعته.. تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://www.youtube.com/watch?v=Y3KkzI3GXNw
- أبو بكر، أسماء.(2016، 3فبراير). النقض تلغي إعدامات المتهمين في “أحداث كرداسة”. تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://2u.pw/IFdl2
- موقع الدستور.(2016، 27 مارس). 3 مايو.. إعادة محاكمة 150 إرهابيًا في “مذبحة كرداسة”. تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://www.dostor.org/1016599
- علام،محمد والعزيزي،دعاء.(2018، 9يوليو). بعد التأجيل.. أهم المحطات التى مر بها قطار متهمي”مذبحة كرداسة”. تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://2u.pw/S5crO
- محمد،حامد.(2017، 24 أبريل). إحالة أوراق 20 متهمًا فى مذبحة كرداسة للمفتي. تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://www.elzmannews.com/67913
- المهندس، ايهاب.(2020، 18 أغسطس). زى النهارده.. قاضى “مذبحة كرداسة” يوجه لشاهد تهمة الشهادة الزور. تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://2u.pw/ouLjE
- سكاي نيوز عربية.(2013، 19 سبتمبر). مصر.. مقتل لواء شرطة خلال اقتحام كرداسة. تم استرجاعها في تاريخ 5 ديسمبر 2020 من https://2u.pw/TMyvv
- موقع العربي اليوم.(2016، 6 سبتمبر). متهم بـ«مذبحة كرداسة»: أنا أنقذت العسكري شاهد الإثبات من عنف المتظاهرين. تم استرجاعها في تاريخ 6 ديسمبر 2020 من https://elarabielyoum.com/show40088
- بدر،عاطف.(2017، 2 يوليو). تأييد إعدام 20 متهمًا في «مذبحة كرداسة». تم استرجاعها في تاريخ 7 ديسمبر 2020 من https://www.almasryalyoum.com/news/details/1156557
- المهندس، ايهاب.(2020، 2يوليو). زى النهارده… قاضى مذبحة كرداسة للمتهمين: تدعون الرحمة وانتم فاقدوها. تم استرجاعها في تاريخ 7 ديسمبر 2020 من https://2u.pw/OQnw4
- عبد الفتاح، أحمد.(2018، 24 سبتمبر). ننشر أبرز المحطات الرئيسية في قضية «مذبحة كرداسة». تم استرجاعها في تاريخ 7 ديسمبر 2020 من https://2u.pw/QESbi
- شبكة رصد.(2020، 4 اكتوبر). تنفيذ الإعدام بحق 3 معتقلين في قضية «كرداسة» ليرتفع العدد إلى 15 شخصا خلال 24 ساعة. تم استرجاعها في تاريخ 7 ديسمبر 2020 من https://rassd.com/489391.htm
- أبو شنب، فاطمة.(2020، 5 يوليو). براءة متهم في إعادة محاكمته بـ«مذبحة كرداسة». تم استرجاعها في تاريخ 7 ديسمبر 2020 من https://www.almasryalyoum.com/news/details/1994743
- عواد، هاني.(2013،14 نوفمبر). كرداسة: سياسات الدولة تجاه الريف المصريّ وإعادة إنتاج المظلوميّة المحليّة، 13-14. تم استرجاعها في تاريخ 5 ديسمبر 2020 من https://cutt.ly/tjSyex7
- موقع نافذة دمياط (27 أبريل 2021). وصية مؤثرة ومبكية كتبها رجال كرداسة قبل تنفيذ حكم الاعدام بهم في القضية المظلومين فيها والمعروفة باسم اقتحام مركز او قسم شرطة كرداسة. تم استرجاعها في تاريخ 27 أبريل 2021 من https://domiatwindow.net/%D9%88%D8%B5%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%A4%D8%AB%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%A8%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D8%AA%D8%A8%D9%87%D8%A7-%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%84-%D9%83%D8%B1%D8%AF%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%82%D8%A8/
-