منذ سيطرة الجيش على أجواء الحياة السياسية بالقوة في مصر صيف عام 2013، حرص النظام الانقلابي الجديد على فرض سردية توهم الشعب المصري باصطفاف قادة الجيش خلف التحرك الجديد، لا سيما تلك الرموز العسكرية التي يجلها الشعب المصري، والتي كانت ضمن قيادات حرب أكتوبر المجيدة 1973.
لكن موقفا واحدا كان كافيا لكسر تلك السردية الوهمية، ومثّل ظهوره على الشاشات رافضًا للانقلاب العسكري ذاكرة حية للشعب المصري، حتى رحيله نهاية الشهر الماضي، 26 ديسمبر 2020، بعد 7 سنوات قضاها مغتربا خارج بلده ودافعا ثمن مواقفه النبيلة.
الخبير العسكري والاستراتيجي، المصري، اللواء عبد الحميد عمران، توفي، في لندن، بعد معاناة مع المرض، عن عمر ناهز الثمانين عاماً، وهو أحد العسكريين المصريين الذين عارضوا الانقلاب العسكري في مصر، منذ بدايته في يوليو 2013، حيث اضطر للخروج من البلاد.
تاريخ طويل
شارك اللواء عمران، في كل الحروب المصرية الحديثة بداية من العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي عام 1956، ثم حربي 1967، و1973، ضد الاحتلال الإسرائيلي لسيناء. وعمل بعد تخرجه في الكلية الحربية، في سلاح الدفاع الجوي، كما عمل في جهاز الأمن القومي في مكافحة التجسس.
اللواء عمران من زملاء دفعة المشير محمد حسين طنطاوي، الرئيس السابق للمجلس العسكري، الذي حكم مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، كما قام بالتدريس في الكلية الحربية، وممن تتلمذ على يده هناك الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش الأسبق.
مع الثورة
ومع ثورة يناير، عرف المصريون عمران بمواقفه المنحازة للثورة، حيث بعث برسائل عدة لقادة الجيش أبرزها رسالته يوم 4 فبراير 2011 قبل تنحي مبارك، عندما دعاهم لإنقاذ الوطن من “سفاهة الحكم الحالي، الذي فقد رشده”، كما دعاهم لحماية الشعب والمعتصمين في ميدان التحرير حينئذ، وإنقاذهم من بلطجية الحزب الوطني.
وأثناء اشتعال الصراع بين الثوار والمجلس العسكري، كتب عمران للمجلس العسكري رسالة يقول فيها “أرجوكم باسم رفقة حرب أكتوبر/تشرين الأول ألا تحاولوا قهر الشعب وهزيمته، فليبق الجيش المصري حاميا للثورة المصرية، وليس عدوا لها، لا تنزلقوا إلى النموذج السوري، فالأحداث يجر بعضها البعض، أرجوكم عيشوا أبطالا، وغادروا كراما، فأنتم الأعز على قلوبنا”.
ضد الانقلاب
وعارض اللواء الراحل الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي، كما أدان بشدة مذبحة فض اعتصام رابعة، التي راح ضحيتها المئات من أنصار الرئيس الراحل، وقال إن الفض بهذه الطريقة يرجع في الأساس إلى نية السيسي التخلص من الفصيل السياسي الأوحد المنافس له في الأيام القادمة وإزاحته من المشهد.
وحمّل عمران السيسي مسؤولية الإدانات الدولية لقيادة الجيش، بقوله إن السيسي “أساء إلى مؤسسة القوات المسلحة وإلى قيادتها على الصعيد العالمي، حيث إنه لم يسبق لأي قيادة عسكرية مصرية إدانتها من منظمة دولية”، وذلك في إشارة إلى تقارير المنظمات الدولية حول المذبحة.
حزن عميق
ونعى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي اللواء عمران، مؤكدين أنه كان النموذج لقائد الجيش، الذي يحبه ويحترمه المصريون. وعدّد بعضهم مناقب اللواء الراحل الفكرية والسياسية، خاصة تحمله الغربة في سبيل كلمة الحق، التي كان يؤمن بها.
ودعا آخرون قادة الجيش إلى السير على نهج الراحل في احترام إرادة المصريين والابتعاد بالجيش عن السياسية والاقتصاد، مؤكدين أن هذا هو النهج، الذي يجعل من الجيش المصري جيشا قويا محترفا مدافعا عن مصر وشعبها وداعما للأمتين العربية والإسلامية.
كما قارن المغردون بين عمران الذي حارب في كل الحروب التي خاضها الجيش المصري، ضد الكيان الصهيوني، وبين عبد الفتاح السيسي الذي لم يخض حربا واحدة، ورغم ذلك منح نفسه أعلى رتبة عسكرية “مشير”، وذكّروا بموقف عمران من مذبحة فض رابعة، حين هاجم السيسي وحمله مسؤولية الدماء التي سالت.
ونعى حساب “المجلس الثوري المصري الراحل الكريم: “فقدت مصر اليوم في لندن أحد فرسانها الذي لم يفقد بوصلة حب الوطن ولم تغره المكاسب والمناصب، ولم يخن العهد. توفى إلى رحمة الله اللواء عبد الحميد عمران المؤيد للثورة والذي فضل اللجوء السياسي على المشاركة في العمالة للصهاينة وخيانة الشرف والتفريط في الأرض.. وإنا لله وإنا إليه راجعون”.
وأعربت المغردة أميرة أبو الفتوح عن صدمتها: “كم هي صدمتي برحيل الفارس الشجاع اللواء الركن الدكتور عبد الحميد عمران، منذ يومين فقط، دعا لي أن يحفظني الله ويحفظ شرفاء الوطن، وأنا اليوم أدعو الله أن يرحمك ويسكنك الفردوس الأعلى”.
وغرد المغرد أحمد عبده: “إنا لله وإنا إليه راجعون.. وفاة اللواء الدكتور عبد الحميد عمران أحد القيادات الوطنية للجيش المصري والخبير العسكري والاستراتيجي في لندن. كان رجلا حرا شريفا، رفض الانقلاب العسكري، وتعرض لمضايقات كثيرة ، فاختار لندن منفى اختياريا له”.
وعلق محمود جمال: “فقدت مصر اليوم رجلا من أنبل وأشرف رجالها، رجل كان يمتلئ بحب مصر.. رجل وطني من الطراز الفريد، عندما كنت ألتقي به كنت أتعلم منه ما معنى حب الوطن، رحل عن عالمنا اليوم اللواء الحر الشريف عبد الحميد عمران .. فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ارحمه”.
وأكد أحمد همام: “اللواء عبد الحميد عمران العسكري الوحيد الذي إن حكم أيدته من كل قلبي لأنه صاحب فكر ومثقف لأبعد الحدود ورجل دولة”. وتساءلت نونة محمد: “هل يوافق من يجثمون على صدورنا ويكسرون رقابنا على شحن جثمان المرحوم اللواء عبد الحميد عمران من بريطانيا إلى مصر ليدفن في البلد الذي عاش عمره مدافعا عنه ومات في شيبته بالغربة من أجله”.
وقارن علاء عرفان بين جيل اللواء الراحل والجيل الحالي: “ترفض 2020 أن ترحل قبل أن تُجردنا من كل الشرفاء من جيل العسكريين المصريين الحقة التي لم تلوث بفساد ولا شوفينية ولا تعصب .. جيل عرف عدوه وحاربه ولم يحد عنه أو يهادنه .. جيل من القادة تعلمنا منه الكثير والكثير .. لحق اللواء عبد الحميد عمران باللواء عادل سليمان في ذمة الله”.