أحداث

سقوط بغداد.. لحظة التحول الكبرى في تاريخ الشرق الأوسط الحديث

غزو العراق - ويكيبيديا

إذا كنت تبحث عن تاريخ يمكن أن تبدأ منه سرد المرحلة الحالية التي تعيشها المنطقة العربية، فلن يكون أنسب من مطلع أبريل عام 2003، وهي اللحظات التي شهدت سقوط عاصمة العراق (بغداد) بأيدي الجيش الأمريكي المُحتل بعد هزيمة مفاجئة للجيش العراقي، عندما كان جورج بوش (الابن) رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية.

قبل تلك الواقعة، كانت ملامح هوية جديدة ترتسم للمنطقة، في ظل أنظمة عجوزة شائخة يحكم أغلبها منذ رحيل الاحتلال الاوروبي عن المنطقة، وجيل جديد من الشباب يحمل طموحا أكبر في الحرية والديموقراطية، وطفرة اتصالات تكنولوجية كبيرة سمحت للعالم العربي بالاطلاع على تجارب الشعوب الأخرى في انتزاع استقلالها الكامل وحريتها الفريدة.

في تلك الأجواء، قرر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج بوش (الابن) أن يقلب الطاولة رأسا على عقب، ليبدأ بتاريخ 19 مارس 2003، عمليات قصف على العراق بهدف قتل الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي اتهمه بوش بامتلاك سلاح نووي لم يثبت عليه دليل حتى اليوم، واستمر الحال إلى 21 مارس، قبل أن تتغير الأحداث دفعة واحدة.

في تمام الساعة 17:00 يوم 21 مارس (بالتوقيت العالمي)، بدأت ما يقارب من 1700 طلعة جوية عسكرية، ألقت 504 من صواريخ كروز، وتم غزو بغداد بعد 3 أيام من معركة المطار، التي خاضت فيها القوات الأمريكية معارك مع الحرس الجمهوري العراقي، قبل أن تصل إلى نهر دجلة من الضواحي الجنوبية من المدينة وتنتقل غربا باتجاه المطار، ومعها بدأ الزحف الأمريكي إلى حي الاعظمية والوزيرية ثم غرب حي المنصور على ضفاف نهر دجلة.. ثم إلى العتبة الأخيرة، بغداد.

أسباب سقوط بغداد

يعود سبب سقوط بغداد في عام 2003 لأسباب عديدة أهمها أن العراق كان تحت الحصار الاقتصادي منذ سنة 1991 الذي فرضه مجلس الأمن على العراق مما أدى إلى قتل أعداد كبيرة من الشعب العراقي جوعا أو لعدم توفر العلاج، فضلا عن عدم استلامه للأسلحة الحديثة عسكريًا.

أيضا، قامت القوات الجوية الأمريكية بضرب مناطق عسكرية واقتصادية مهمة، دون اعتبار لأعداد الضحايا أو تأمين مخارج سريعة لهم، وهو ما رفع أعداد الضحايا المدنيين بين العراقيين بشكل مهول، وسوف نتعرض خلال ذلك العرض لاستعراض تفصيلي لأرقام الضحايا.

ثالثا، لم تحارب أمريكا وحدها، بل تقدمت القوات البرية الأمريكية بمساعدة دول حليفة لها هي بريطانيا واستراليا وبعض الدول العربية وعند اقتراب الجيش الأمريكي من العراق، كانت الخطة أن تقوم المدرعات الأمريكية بحصار بغداد لإجبار الحكومة العراقية على التفاوض حفاظا على أرواح المدنيين، لكن القوات الأمريكية اتجهت نحو مطار بغداد واحتلته وبدأت عملية الزحف إلى العاصمة مباشرة.

الخسائر والضحايا

عانت بغداد خلال هذه المعركة من ضرر كبير أصاب البُنى التحتية و الاقتصاد، فضلاً عن عمليات النهب والسرقة التي حصلت بسبب انعدام الأمن، وما وصف بسماح القوات الأمريكية للسارقين بدخول الوزارات والمنشآت الحكومية آنذاك وعدم منعهم من سرقة وتخريب ممتلكاتها.

قُتِلَ الآلاف من القوات المسلحة العراقية وعدد قليل من القوات الأمريكية، حسب ما كانت تنقله وسائل الإعلام الأمريكية، ودخلت القوات الأمريكية مدينة كركوك شمال العراق بتاريخ 10 أبريل- 2003 ومدينة تكريت مسقط رأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين بتاريخ 15 أبريل – 2003.

مناهضو الغزو

واجه غزو العراق معارضة شديدة من قبل بعض حلفاء الولايات المتحدة ، بما في ذلك حكومات ألمانيا وفرنسا ونيوزيلندا الذين أكدوا عدم وجود دليل على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وأنه لا مبرر لغزو العراق واحتلاله، خصوصا وأن لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش فشلت مرتين في إثبات امتلاك العراق تلك الأسلحة.

خرجت احتجاجات عالمية ضد الحرب على العراق، بما في ذلك حشد من ثلاثة ملايين شخص في روما، وهي المذكورة في كتاب غينيس للأرقام القياسية باعتبارها أكبر مسيرة مناهضة للحرب في التاريخ، فضلا عن نحو 36 مليون شخص في جميع أنحاء العالم الذين شاركوا في ما يقارب 3000 احتجاج ضد الحرب على العراق.

مؤيدو الغزو

استطاعت الولايات المتحدة الحصول على التأييد لحملتها لغزو العراق من 49 دولة، وكان هذا الائتلاف يعرف “بائتلاف الراغبين”. تحالف الراغبين ولكن هذا الائتلاف لم يكن قوياً كائتلاف حرب الخليج الثانية، حيث كانت 98% من القوات العسكرية هي قوات أمريكية وبريطانية. وصل العدد الإجمالي لجنود التحالف الائتلاف 300.884 وكانوا موزعين كالتالي:

الولايات المتحدة 250.000 (83%)

المملكة المتحدة 45.000 (15%)

كوريا الجنوبية 3500 (1.1%)

أستراليا 2000 (0.6%)

الدنمارك 200 (0.06%)

بولندا 184 (0.06%)

وساهمت 10 دول أخرى بأعداد صغيرة من قوى “غير قتالية”.

الموقف العربي

فضلا عن خروج تظاهرات عالمية مناهضة للحرب في معظم الدول العربية، أعلنت السعودية أنها لن تسمح باستخدام قواعدها للهجوم على العراق، ورفض البرلمان التركي الشيء نفسه، وأعربت الجامعة العربية ودول الاتحاد الأفريقي معارضتها لغزو العراق، لكن دون تفعيل أي اتفاقية دفاع عسكري.

نهاية الحرب

انتهى الاحتلال الأمريكي للعراق رسميا في 15 ديسمبر 2011م، بإنزال العلم الأمريكي في بغداد وغادر آخر جندي أمريكي العراق في 18 ديسمبر 2011م، بعدما فشلت كليّا في إثبات امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وهو السبب الذي أكده الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأن مهمة قوات التحالف كانت “تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل”.

وفي الأخير، فإن تلك اللحظة لم تسقط فيها بغداد وحسب، وإنما سقطت كل العواصم العربية بأيدي الاحتلال الخارجي مهما اختلفت أشكالها وصورها، واتضح للجميع أن الدفاع يومئذ عن بغداد لم يكن دفاعا عن نظام أو رئيس، بقدر ما كان دفاعا عن المنطقة بأكملها، وعروش حكامها الباقيين بشكل أكثر دقة وتأثيرا.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى