حالة من الذعر الكبير سادت أرجاء العالم، لا سيما القارة الأوروبية وبريطانيا، بعدما شاعت أخبار السلالة الجديدة من فيروس كورونا المستجد، والتي بدأت من بريطانيا، حيث تفاعل الإعلام وخبراء الفيروسات بسرعة مع هذا التطور، في خطوة استباقية للوقاية من المخاطر المحتملة.. لكن السؤال الذي فرض نفسه بين الأوساط الإعلامية والجماهيرية: هل أعاد تطور الفيروس معركة اللقاح إلى الصفر؟ وكيف يمكن للعالم مواجهته؟ وهل نحن أمام سنة أخرى عصيبة في 2021؟ وهل انطلاق السلاسة الجديدة جزء من حرب مُمنهجة للسيطرة على العالم؟ وهل هو مرتبط بالانتقادات والهجوم الموجه للقاحات ورفض قطاعات كثيرة لها؟
عشرات الدول في مختلف مناطق العالم تحركت لمواجهة السلالة الجديدة من الفيروس، ففرض العديد منها حظراً للطيران، وبالأخص في بريطانيا التي تشهد انتشاراً مهولاً للفيروس الجديد. وقد أدى هذا التطور إلى تقطع السبل بالركاب في المطارات واصطفاف الشاحنات على الطرق السريعة بعد أن أغلقت عدة دول حدودها.
وفور انتشار أخبار الفيروس الجديد، انضمت الهند وباكستان والمملكة العربية السعودية وهونج كونج وكندا، إلى جانب مجموعة من الدول الأوروبية، إلى القائمة المتزايدة من البلدان التي أوقفت الرحلات الجوية مع بريطانيا، في محاولة لمنع وصول هذه السلالة الجديدة من الفيروس إليها.
ويقول خبراء بريطانيون إن السلالة الجديدة من الفيروس، التي تضرب لندن وجنوب شرق إنجلترا مع مناطق أخرى من العالم، أكثر قدرة على التفشي بنسبة تصل إلى 70 في المائة. غير أن الحقيقة هي أن المعلومات المتوفرة بشأن الفيروس المتحوّر ليست كافية لتكوين صورة واضحة بشأنه، كما يدل على ذلك الجدل الدائر حول العالم.
بين التهوين والتهويل
بعدما أكدت منظمة الصحة العالمية أن السلالة الجديدة للفيروس شديدة العدوى وقابلة للانتشار بسرعة كبيرة، ارتفعت عدة أصوات طبية للتقليل من شأن هذا الخطر، كان أبرزها عالم الفيروسات الألماني كريستيان دروستن الذي أكد أن نسبة العدوى للسلالة الجديدة تبلغ 0.7 بدلاً من 0.5، وقال كما أوردت ذلك قناة “إن تي في” الألمانية: “أنا لستُ قلقًا بشأن هذه الطفرة في الوقت الحالي”.
وفي هذا السياق، عادت منظمة الصحة العالمية لتؤكد أن السلالة الجديدة من الفيروس تنتشر بوتيرة أسرع، ولكن يمكن السيطرة عليها، مثل باقي السلالات الأخرى المعروفة للفيروس. وقال مايك ريان، المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بالمنظمة، في مؤتمر صحفي إن “الوضع ليس خارجاً عن السيطرة، ولكن لا يمكن تركه ينتشر”، وحث الدول على تطبيق الإجراءات الصحية التي سبق تجربتها واختبارها.
خصائص تحوّلية
ولفهم ما يعنيه تحور الفيروس، فعلينا أن نعرف أن الفيروسات تحتوي على مادة جينية يمكن أن تخضع للتعديل (تظهر فيها طفرات أو تحولات) عندما تتكاثر داخل الخلايا التي تنتشر فيها، أو عن طريق التبادل بين الفيروسات (إعادة اندماج أو تركيب). يحدث هذا في أغلب الأحيان دون عواقب سلبية، غير أن هذه الطفرات يمكن أن تمنح الفيروس ميزة أو خاصية جديدة تؤثر على بقائه.
تحتوي السلالة الجديدة من فيروس كورونا المستجد على طفرة تسمى “إن 501 واي”، في بروتين شوكة فيروس كورونا، وهو نتوء موجود على سطحه يسمح له بالالتصاق بالخلايا البشرية لاختراقها، ويؤدي بالتالي دوراً رئيسياً في العدوى الفيروسية. منذ بداية الوباء، حمل النوع الأكثر انتشاراً من “سارس كوف 2” طفرة تُسمى “دي 614 جي” في البروتين نفسه.
وهناك من يخشى أن تكون للفيروس المتحور قدرة أكبر على مقاومة اللقاحات التي تم تطويرها، وهو ما سيكون له وقع كارثي. غير أن معظم الخبراء يرون أنها ليست الفرضية الأكثر ترجيحاً. وحتى فرضية أن السلالة الجديدة تنتشر بسرعة أكبر لا تحظى بإجماع كل الخبراء.
حرب اللقاحات
لكن محللون آخرون ربطوا بين توقيت الإعلان عن الطفرة الجديدة وبدء الحديث عن إيجاد لقاح عالمي للفيروس، فقد أعلنت شركة “بيونتيك” الألمانية، التي طوّرت إلى جانب شركة “فايزر” الأمريكية أول لقاح ضد كوفيد-19 تم ترخيصه، أنها قادرة على توفير لقاح جديد “خلال ستة أسابيع” في حال تحوّر الفيروس.
وقال أوغور شاهين، مدير الشركة ذو الأصول التركية: “نحن قادرون تقنياً على إنتاج لقاح جديد خلال ستة أسابيع”. وأضاف في مؤتمر صحافي في ماينز في غرب ألمانيا: “من حيث المبدأ، تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال تتيح لنا البدء مباشرة بإنتاج لقاح يحاكي تماماً التحوّل الجديد” للفيروس.
وذهب منصف السلاوي، مستشار مدير برنامج “وارب سبيد” الحكومي الأمريكي لتطوير لقاحات ضد الفيروس وتوزيعها، إلى أنه يتوقع أن تظهر التجارب المخبرية أن السلالة الجديدة ستستجيب للقاحات والعلاجات الحالية. وشدد المتخصص في اللقاحات والمدير التنفيذي السابق في قطاع الأدوية على أنه “لا يوجد دليل قاطع على أن هذا الفيروس هو في الواقع أكثر قابلية للانتقال، لكن هناك دليل واضح على وجود المزيد منه بين السكان”.
وتابع السلاوي: “قد يكون الأمر مجرد تصنيف حدث في الظل ونحن نشهد الآن طفرة، أو ربما تكون لديه قابلية أعلى للانتقال.. ما هو واضح هو أنه ليس مسبباً أكثر للمرض”، ما يعني أنه لم يثبت تسببه في مرض أكثر خطورة. وأوضح أن المعاهد الوطنية للصحة بدأت دراسات مخبرية على السلالة الجديدة لتحديد ما إذا كانت الأجسام المضادة ضد سلالة “كوفيد-19” الأكثر انتشاراً ستكون فعالة ضدها، معتبراً أن “هذه هي على الأرجح النتيجة المتوقعة”. لكنه حذر من فرضية استحالة تمكّن الفيروس يوماً ما في مكان ما من الهروب من الاستجابة الوقائية التي ينتجها اللقاح. لذلك علينا أن نظل يقظين تماماً”.
حديث عن مؤامرة
وتقول منظمة الصحة العالمية إن كل عشرة أشخاص مصابين بالسلالة الجديدة من الفيروس يمكن أن ينقلوا العدوى إلى 15 آخرين في المتوسط، في حين أن معدل انتقال العدوى لدى السلالات المعروفة سابقاً في بريطانيا يصل إلى 11 شخصاً.
وعلى الرغم من ذلك، فإن موقع “شبكة الإعلام الألمانية” (آر إن دي) أفاد بأن رئيس جمعية “أطباء العالم”، فرانك أولريش مونتغمري “شكك في تصريحات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأن السلالة الجديدة للفيروس يمكن أن تكون معدية بنسبة تصل إلى 70 في المائة أكثر من الفيروس السابق”. وأضاف مونتغمري أنه “يجب التعامل مع جميع تصريحات السيد جونسون بحذر شديد”.
وأمام سيل الشكوك والتحذيرات للنتائج البريطانية حول السلالة الجديدة من الفيروس، تظل الأيام المقبلة حبلى بنتائج الاختبارات المعملية الجارية، والتي ستكشف صدقية كون السلالة الجديدة تمثل تهديدا حقيقيا وتحوّرا فاصلا في مسيرة مقاومة البشرية للفيروس، أم أنها مجرد خدعة تجارية أخرى تمارسها شركات اللقاحات بغطاء من أنظمة حكومية أو ربما أهداف أخرى.