يمكن القول بوثوق إن أي نجاح في احتواء فيروس كورونا سيأتي مباشرة على حساب تباطؤ النشاط الاقتصادي، فالممارسة الأكثر فعالية في وقف انتشار الفيروس هي التباعد الاجتماعي ووقف أشكال الحياة الاجتماعية والاقتصادية القائمة على الاختلاط.
وبالفعل تشير التقارير إلى أن هذا الفيروس قد تسبب في حدوث اضطراب كبير للاقتصاد العالمي، فقد تخطى تأثيره خطورة الأزمة المالية الكبرى في 2007-2008، حيث شهدت مؤشرات فوتسي، وداو جونز الصناعي، و Nikkei انخفاضات هائلة منذ بدء تفشي الفيروس.
الناجون من الأزمة
جانب واحد فقط قد يزدهر جراء الوباء، القطاع التكنولوجي، الميديا والرقميات بشكل عام. فبينما يعاني الاقتصاد العالمي بسبب قيام الحكومات بإغلاق قطاعات تجارية كاملة لوقف انتشار فيروس كورونا، إلا أن الأعمال التجارية في كبرى شركات التكنولوجيا لا تزال ثابتة بل تزدهر.
فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة أمازون عن توظيف 100 ألف عامل بدوام كامل في المستودعات لتلبية الطلب المتزايد، حيث إن احتياجات العمل لديها لم يسبق لها مثيل هذا الوقت من العام.
وصرحت شركة فيسبوك أن منصتها الاجتماعية شهدت ارتفاعًا حادًا في الاستخدام في جميع أنحاء العالم حيث يرتكز معظم الاستخدام على الرسائل الخاصة ومكالمات الفيديو.
أما مايكروسوفت فأعلنت أن أعداد مستخدمي خدماتها، التي تمكّن التعلم والعمل عن بُعد عبر الدردشة، ومكالمات الفيديو، والتعاون في تحرير الملفات، ارتفعت أعداد مستخدميها بنسبة 40% تقريبًا في غضون أسبوع.
كلمة السر: العمل من المنزل
ومع مطالبة الناس بالعمل من المنزل والابتعاد عن الآخرين لتجنب انتشار فيروس كورونا زاد الاعتماد على الخدمات المقدمة من كبرى شركات التكنولوجيا، بالإضافة إلى تسريع تبني التوجهات التي تعتمد عليها بالفعل.
يعتمد الأشخاص الذين يطبقون سياسة العزل المنزلي الآن على مواقع التجارة الإلكترونية، مثل أمازون، لشراء مجموعة متنوعة من السلع، مثل: البقالة والأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية.
وفي حين أن انتشار خدمات بث الفيديو مثل: (نتفليكس) Netflix قد أثر على مبيعات شباك التذاكر للأفلام في السنوات الأخيرة. إلا أنه الآن مع إغلاق دور السينما بأوامر حكومية بدأت منصات مثل: نتفلكس، وأمازون برايم فيديو، ويوتيوب في اكتساب أعداد أكبر من المستخدمين كل يوم.
أظهر التحول إلى العمل في المنزل أيضًا مزايا الحوسبة السحابية، وبالنسبة للشركات التي تعتمد على بنية تحتية معلوماتية داخلية أصبح التحول إلى حلول الحوسبة السحابية أمرًا ضروريًا لاستمرار أعمالها.
قامت الكثير من الشركات بتحويل بنيتها التحتية وبدأت في الاعتماد على خدمات الحوسبة السحابية التي تقدمها كل من جوجل وأمازون ومايكروسوفت. ومن المرجح أن يتسارع هذا التحول حيث يضطر ملايين الموظفين للعمل من المنزل.
حتى شركة آبل؛ التي كانت تبدو أكثر تعرضًا للخطر بين الشركات الأمريكية بسبب اعتمادها على المصانع الصينية لتصنيع أجهزتها، إلا أنها تبدو في وضع جيد الآن، حيث عادت العديد من مصانع آبل إلى طبيعتها تقريبًا، كما يقضي الناس المزيد من الوقت في استخدام خدماتها الرقمية، وينفقون المزيد من الأموال على اشتراكات هذه الخدمات، حتى إنها أعلنت عن إصدارات جديدة من أجهزتها خلال شهر مارس.
وشهدت خدمة Teams للاجتماعات الرقمية ارتفاعًا غير مسبوق إليه في الاستخدام، حيث وصل عدد مستخدميها أكثر من 44 مليون مستخدم يوميًا، وهو ما يعكس نموًا بنحو 12 مليون مستخدم خلال الفترة من 12 إلى 19 مارس.
لكن هناك عوائق
كل ما سبق؛ لا يعني القول بأن كبرى الشركات العملاقة لايجب أن تقلق، حيث تعاني صناعة الإعلانات الرقمية، التي تعتبر المصدر الأساسي لشركات عابرة للقارات مثل جوجل وفيسبوك، أثناء فترات الركود الاقتصادي، كما خسرت أسهم كل من آبل ومايكروسوفت، وأمازون بشكل جماعي أكثر من تريليون دولارِِ في القيمة السوقية قبل شهر مع تداول الأسهم الأمريكية عند مستويات قياسية.
فعلى سبيل المثال، تأثرت شركات خدمات النقل التشاركية مثل: (أوبر) Uber، و Lyft، ومواقع تأجير العقارات مثل Airbnb بشدة بسبب التزام العملاء بسياسات العزل المنزلي التي فرضتها الحكومات، وخفضت كل من مايكروسوفت وآبل توقعاتها المالية على المدى القصير بسبب تباطؤ إنفاق المستهلكين.
كما أعلنت شركة Airbnb أول أمس أنها ستدفع 250 مليون دولارِِ كتعويضات للمضيفين بسبب إلغاء الحجوزات، فعندما يقوم النزيل بإلغاء حجز الإقامة بسبب ظروف تتعلق بفيروس كورونا للحجوزات التي كانت مقررة بين 14 مارس و 31 مايو فسوف تدفع الشركة 25% من قيمة الحجز للمضيف بناءً على سياسات الإلغاء الخاصة بها، وسيبدأ سداد هذه المدفوعات خلال شهر أبريل الجاري.
ماذا نتوقع في المستقبل؟
من المرجح الآن بحسب اقتصاديين أن تعاني هذا العام الشركات العالمية التي تبلغ قيمتها 3.9 تريليون دولار، وعلى الرغم من عدم وضوح حجم الخسائر حتى الآن، لكن توقعت شركة الأبحاث IDC خلال شهر ديسمبر أن تحقق مبيعات الأجهزة والبرامج والخدمات خلال عام 2020 نموًا بنسبة 5% على مستوى العالم، ولكن قبل شهر واحد اتضح أن فيروس كورونا سيعطل الإمدادات ويخفض المبيعات في الصين.
وبناء على ذلك قالت IDC: “إن الإيرادات السنوية قد تنمو بنسبة 1% فقط”، وعلق (فرانك جينس) كبير المحللين في IDC قائلًا: “إن هذا النمو البالغ 1% فيه قدر كبير من التفاؤل بالتأكيد”.
وتشير التوقعات إلى أنه يمكن لكبرى شركات التكنولوجيا الاستفادة من التغيرات في عادات المستهلكين عندما يتحسن الاقتصاد في نهاية المطاف. كما أنه من المتوقع أن تنهي كبرى شركات التكنولوجيا هذا العام وهي في وضع أقوى من أي وقت مضى.