قصائد وأغاني

قرصاني غنّام.. قصيدة شعبية مغاربية تخلّد حصار الأسطول الجزائري العثماني لجزيرة مالطا

قصيدة القرصان غنّام أو “حوز مالطة” هي واحدة من أعظم ما كُتب عن “الجهاد الشعبي البحري” في البحر المتوسط، تخلّد انتصار الأسطول الجزائري العثماني على أسطول مالطا المسيحي في معركة حاسمة، وهي من كلمات عماد الدين فخر الإسلام بن عبد الله بن حسين التوكالي، الشاعر الشعبي الجزائري المولود سنة 1520م، في مدينة الجزائر العاصمة.

حُقّ للمغاربة الافتخار بتلك المعركة، فقد جاءت بانتصار فريد في ظروف حالكة بعد هزيمة أساطيل العثمانيين في معركة ليبانتو البحرية تاريخ المعركة ، والتي اعتبرت معركة مفصليّةً في تاريخ أوروبا وعلاقتها مع الدولة العثمانية والمسلمين بشكل عام، فقد العثمانيون حوالي 200 من سفنهم، إلى جانب 15 ألف جندي وبحّار، وكانت هزيمة العثمانيين في تلك المعركة هي أول انتصار كبير للمسيحيين على البحرية العثمانية المسيطرة على البحر المتوسط، وبداية تراجع النفوذ العثماني في البحر الأبيض المتوسط.

وفيما كانت أوروبا تفتخر بانتصارها في البحر المتوسط على الأسطول العثماني، أرسل سفير البندقية رسالة شماتة للصدر الأعظم العثماني محمد باشا صقللي.. جاءت أخبار انتصار الجزائريين بمساعدة القراصنة على أقوى جيوش البحر المتوسط آنذاك، الأسطول الصقلي، ليرد الصدر العثماني الأعظم على رسالة سفير البندقية: “لقد كانت قبرص ذراعاً لكم وكسرناها، أما أسطولنا في ليبانتو فلم يكُن سوى لحية لنا حلقتموها، واللحية تنمو أسرع بعد الحلاقة”.

أجواء ما قبل القصيدة

كانت معركة ليبانتو أحد أكبر وأضخم الصدامات البحرية في التاريخ ما قبل الحديث، وربما أحد أضخم المعارك البحرية في التاريخ، حيث وضعت القوات البحرية العثمانية في مواجهةٍ مفتوحة ضد سفن العصبة المسيحية المقدسة في خليج باتراس قبالة غرب اليونان. كان الصدام، الذي شمل ما يقدَّر بنحو 500 سفينة و100 ألف مقاتل من الجانبين، أكبر معركة من نوعها منذ العصور القديمة، وآخر صراعٍ بحريٍّ كبير تهيمن عليه سفن التجديف المسلحة.

بدأ الصدام حين سقط ميناء نافباكتوس اليوناني والمعروف باسم “ليبانتو” في عام 1499م في أيدي العثمانيين. ومن تلك النقطة سيطروا فعلياً على شرق البحر المتوسط، وهي جزءٌ من استراتيجيةٍ جيوسياسيةٍ أكبر ذهبت بهم إلى السيطرة على معظم المنطقة بالإضافة إلى شمال إفريقيا، بما في ذلك: مصر عام 1517، والجزائر عام 1529، وطرابلس في ليبيا عام 1551.

وأصبحت ليبانتو منذ ذلك الحين جزءاً من الإمبراطورية العثمانية متعددة اللغات والأعراق والطوائف. تمّ تجنيد البحارة اليونانيين المحليين والملاحين والجنود من سلاح الفرسان العثماني مقابل إعفاءاتٍ ضريبية.

وفي أوائل عام 1571، أبلغ الجواسيس العثمانيون في البوسنة السلطان سليم الثاني أنه يجري تجميع أسطول مسيحي كبير لكسر الحصار العثماني على مدينة فاماغوستا في مدينة قبرص. وبمرسومٍ سلطانيّ أمر سليم الثاني أسطوله بالإبحار من إسطنبول، ثم خرج الأسطول العثماني للهجوم.

وعندما تلاقت أولى السفن العثمانية مع السفن المسيحية كانت الغلبة لقوة النيران الأوروبيّة الفائقة. ووصفت الروايات العثمانية كيف “واجه الرجال وابلاً من الرصاص”  وكيف “كان الأسطول النبيل محاطاً بدخانٍ كثيفٍ غطّى السماء” كما كانت السفن العثمانية بالطبع مقيّدة بالخليج فلا تستطيع الحركة والمناورة.

الانتصار الصعب

كانت تلك الهزيمة هزيمة مروّعة بالنسبة للعثمانيين، لكن بلاد المغرب العربي قدمت للعثمانيين والمسلمين قبلة الحياة عبر انتصارها المفاجيء وغير المتوقع، حيث كانت كل التقديرات تضع أسطول مالطة في صدارة أقوى أساطيل البحر المتوسط، بينما أسطول المغاربة بدائيا وشعبيا، ويتكون في معظمه من قراصنة وقطاع طرق، فضلا عن متطوعين معدومي الخبرة بحروب البحار.

وهنا كانت المفاجأة الصادمة للجميع، حتى للمنتصرين أنفسهم، فقد تفوق الأسطول المغاربي، الذي يتكون من 16 قلعة بحرية فقط ونحو 2000 قرصان. وتمكّن أولوج علي باشا قائد ميسرة الأسطول وحاكم الجزائر من تدمير أسطول مالطا تماماً، في يوم 18 مايو 1565م، بعد حصار دام حتى يوم 13 سبتمبر 1565 م، ما منح العثمانيين فرصة لإعادة ترتيب أسطولهم من جديد، بعد السيطرة على مالطة، والاستفادة من بقايا أسطولها وغنائمه، وساعد ذلك العثمانيين في التصدي لكل محاولات الأسطول الأوروبي اللاحقة.

القصيدة

قام شاعر البلاط “عماد الدين التوكالي” قصيدة لتروي ملحمة مالطا ويصف فيها الحصار، تغنى فيها بالنصر والغنائم، وكيف حملوا معهم غنائم الحرب بإتجاه الجزائر.

في القصيدة، يصف الشاعر السفينة التي ركبها القرصان وبها 3 سواري، يتكون الأسطول من 16 قلعة بحرية ونحو 2000 قرصان، انطلق من منطقة “ظريفة” في الجزائر العاصمة بقيادة القرصان “عِلْج عَلِيّ بَاشَا”، وكلمات القصيدة صعبة، لأنها بالكامل من ألفاظ جزائرية صحراوية.

كلمات القصيدة

قرصاني غنام

جاب علجات خواص من حوز مالطة

الكل عزبات يسبيوا كياقوتات

قرصاني علم

فوق يم المالي معلم اسطا

مصنوع من الوريق والجمان التقات

مشمور مقوم

له ثلث صواري في الجو شابطة

سطاش من القلوع بشرايطها تنشات

ودومان محكم

وزوايد عشرين عليه شايطة

ربع سوايع للسرور وكمال الفرجات

والرايس ناجم

حافظ الرملية بوصلة و كارطة

في قاع القامرة مأيد يدري الاوقات

وإلا يتنغم

ألفين بحرية له قاسطة

الحشر الكبير حق حسن القريات

والكور تكلم

زعزع مداينها وجبال والوطا

وقهر ديوان مالطة بالقهر تواطات

وسطاعت العجم

جابت الهدية من البنات حانطة

ورضاوا الغلب سلموا وغنمنا البنات

حزنا العوارم

كل وحدة تمشي مشية معلطة

أحبابي فرحوا ولامتي بوصول الخوذات

في الموج يقسم

ساعدوا ريح مساعد ليس ما بطا

من جبال الطر رقب واجبه المدافع له دوات

كالرعد يزقلم

دايز في حاله للمرسا الباسطة

رباط الفتح هكذا رسم في السكات

في جناح السلام

صاب أهل المرسا في زهو غابطة

واندواوا مدافع السلم الغنيمة جات

سبقت بمريم

والطاهرة وحليمة بمسوك ماشطة

ورجعت نفرق السلوع على كل انعات

قرمز والعلدم

والثبر والعسجد واللجين ما خطا

والدمقس وقماش هندي ثوب الحليات

والوسق تزمم

شلت الخوذات كسوة مرهطة

وزهيت مع البنات على الحلال والخنات

وكعادة الشعر المغاربي الشعبي في ذلك الوقت، كان الشعراء يضعون بين سطورها ألغازا، ففي المقطع الأخير من القصيدة يتحدى الشاعر التوكالي القُراء في أبياته بقوله إذا فهمت اللغز وكنت لبيبًا من دون خطأ عن أي قرصان أتحدث فأنت عبقري، كما يذكر اسمه بلغز أيضًا في مقطع آخر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى