زاد الانفجار من أوجاع بلد يعاني منذ أشهر، تداعيات أزمة اقتصادية قاسية، واستقطاباً سياسياً حاداً، في مشهد تتداخل فيه أطراف إقليمية ودولية، حيث يعيش لبنان منذ عقود في تقلبات سياسية وظروف أمنية شديدة الحساسية، ولم يكن يُتوقع أسوأ من تلك الفاجعة في ظل حالة الخلطة السياسية المُمثلة لمُكون السلطة الحاكمة، حيث يتم اختيار الرئيس من طائفة، ورئيس الوزراء من طائفة أخرى، ورئيس مجلس النواب من طائفة ثالثة. كما أن التدخلات الخارجية، المتمثلة بشكل أكبر في فرنسا وسوريا وإيران والسعودية، لها تأثير كبير على مجريات الأمور داخل لبنان.
تكمن خطورة هذا الانفجار في أنه دليل على فشل السلطة الحاكمة في لبنان، ولا زالت تسيطر أخباره على العالم وتحتل صدارة المشهد السياسي والاقتصادي، بسبب فداحة الكارثة وحجمها المروّع الذي ألحق أضراراً مادية كبيرة بغالبية أحياء بيروت، خصوصاً القريبة من موقع الانفجار، وأصبح عدد كبير من السكان بلا مأوى يصل عددهم إلى 300 ألف نسمة.
كارثة متوقعة
قبل أن تقع الكارثة سبقها حريق واسع في المرفأ، وأظهرت مقاطع فيديو على منصات التواصل سحابة دخان أبيض تنبثق من العنبر رقم (12) في مستودع يقع مقابل صوامع تخزين حبوب ضخمة في المرفأ، الذي كان يحتوي على نحو 2750 طناً من “نترات الأمونيوم” شديدة الانفجار، كانت مصادرة ومخزّنة منذ عام 2014.
وبعد الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي اللبناني بقليل، اشتعلت النيران في المستودع، وكان هناك انفجار أولي كبير أعقبته سلسلة انفجارات صغيرة بدت، بحسب بعض شهود العيان، أشبه بالألعاب النارية، وبعد نحو 30 ثانية، حدث انفجار مهول أرسل في الهواء سحابة ضخمة على شكل فطر وانتشر عصفه ودويه في المدينة.
وأدى الانفجار الثاني إلى تدمير البنايات القريبة من المرفأ، وتسبب في دمار وأضرار في الكثير من أحياء العاصمة الأخرى، التي يقطنها نحو مليوني نسمة، وغصّت المستشفيات بسرعة بضحايا الانفجار من جرحى وقتلى. ودمّر الانفجار منطقة رصيف الميناء، وخلّف حفرة يقدّر عرضها بنحو 140 متراً، وقد امتلأت بمياه البحر.
دمار واسع
أظهرت صور الأقمار الاصطناعية مشهد دمار كبير في منطقة الميناء، وتبدو إحدى السفن فيها قد قذفت خارج مياه البحر لتسقط على الرصيف من شدة عصف الانفجار. وقد تكسّر من جراء دوي الانفجار زجاج النوافذ في بوابة المسافرين في مطار بيروت الدولي الواقع على بعد نحو تسع كيلومترات عن موقع الانفجار في مرفأ بيروت.
وقد سُمع دوي الانفجار في جزيرة قبرص الواقعة على بعد 200 كيلو متر في البحر الأبيض المتوسط. وقال خبراء الزلازل في مركز المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة الأمريكية إن قوة الانفجار تعادل هزة أرضية بدرجة 3.3 على مقياس ريختر.
تدعيات كبيرة
فور الانفجار، توالت الاستقالات في صفوف السياسيين اللبنانيين في إطار التداعيات السياسية للانفجار والأزمة الاقتصادية المستمرة منذ أشهر وانسداد أفق الإصلاح، حيث أعلن وزراء الإعلام والبيئة والعدل والمالية استقالتهم، في حين ارتفع عدد النواب المستقيلين إلى 8 نواب بعد مرور 5 أيام من الفاجعة، وتبعتهم استقالة حكومة حسان دياب بكاملها.
وقد وصف دياب منظومة الفساد في استقالته التي أعلنها مساء الإثنين 10/ 8/ 2020 بأنها متجذرة في كل مفاصل الدولة وهي أكبر من الدولة، وقال: “فساد الطبقة السياسية أنتج هذه المصيبة المخبأة منذ 7 سنوات، والمطلوب هو تغييرهم لأنهم مأساة الشعب اللبناني الحقيقية، وهم لم يقرؤوا ثورة اللبنانيين في 17 أكتوبر 2019، لكنهم لم يفهموا أنها كانت ضدّهم”، ووصف الطبقة السياسية بأنها الأخطر على لبنان وأنها “تعيش على الفتن وتتاجر بدماء الناس.
غضب شعبي متصاعد
جاء إعلان استقالة الحكومة وسط تظاهرات كبيرة شهدها محيط مجلس النواب في وسط بيروت، حيث يطالب المحتجون باستقالة مجلس النواب بعد الحكومة، ورفع المتظاهرون شعارات تعتبر أن استقالة الحكومة لا تعني شيئاً أمام هول مأساة الانفجار الضخم، وطالبوا بإزاحة ما يصفونها بالطبقة الحاكمة الفاسدة.
وبعد مرور قرابة شهر على الواقعة، تظل أسئلة المتظاهرين دون إجابة: هل تساهم استقالة الحكومة في الوصول إلى نتائج ملموسة لمعرفة المتسبب الحقيقي في هذه الجريمة البشعة، وتُرضي الشارع اللبناني، أم أنها تهرب من المسؤولية التي أعلن عنها دياب سابقاً، بتصريحه بأن الحكومة ستبقى لشهرين لكي تعطي القوى والأحزاب السياسية الفرصة لحل جذور المشكلة السياسية في لبنان؟ وهل يمكن أن تشمل التحقيقات الجارية كبار المسؤولين ورؤساء الحكومات السابقين، أم أنها تقتصر فقط على الموظفين كبارهم وصغارهم؟