باءت محاولة الاحتلال الصهيوني في تمرير التطبيع الفني الناعم على خلفية موسيقى أغنية إسرائيلية شهيرة، بالفشل، بعدما وقف الممثل المصري محمد رمضان وعلى وجهه ابتسامة عريضة، ليلتقط صورة تذكارية مع مطرب إسرائيلي، لتنطلق بعدها تظاهرة إلكترونية تؤكد أن المصريين على عهدهم في المقاطعة الشعبية للكيان المحتل رغم مرور أكثر من 40 عاما على إبرام اتفاق سلام معه.
وأمام الصورة وما وراءها من خلفيات هبّت عاصفة شعبية للهجوم على رمضان رافضة التطبيع الشعبي مع إسرائيل بكل صوره، حتى لو كان عبارة عن حضور ممثل حفلا خاصا يجمعه بالعدو الأول في نفوس المصريين، والذي ما انفك ينفق الأموال الطائلة لعشرات السنوات بحثا عن عين الرضا الشعبي المصري دون أن يظفر بها.
غضبة شعبية
وعلى موقعي فيس بوك وتويتر تصدرت وسوم “الشعب المصري”، و”محمد رمضان صهيوني”، و”الرجالة لما تحب تتصور”، و”التطبيع خيانة”، وجلّها تهاجم موقف رمضان وتطالب بمعاقبته، وهو الغضب الذي دفع نقابة المهن التمثيلية في مصر التي ترددت في البداية إلى إعلان إيقاف رمضان عن العمل إلى حين انتهاء التحقيق معه بسبب مخالفته قرار اتحاد النقابات المهنية الذي يحظر التطبيع الشعبي مع إسرائيل، كما قررت نقابة الصحفيين منع نشر اسم أو صورة الفنان المصري بجميع الإصدارات الصحفية المصرية.
ورغم محاولات الفنان امتصاص الغضب الشعبي بتسويغات مثل جهله بجنسية من التقط معهم الصور، واحترامه كل إنسان بعيدا عن جنسه أو دينه، فإنها باءت بالفشل، ويبدو أن ذلك ما دفع شركة الإنتاج التي تعمل على مسلسله المقبل في رمضان لإعلان إيقافه. ورغم الغضب المتصاعد، فإن رمضان تعامل مع الأمر بنوع من الاستخفاف، حيث قال إنه سيطلب التعرف على جنسية من يريد التقاط الصور معه مستقبلا.
سلام مجمد
كانت مصر أول بلد عربي يمد يد السلام للعدو المحتل، بعدما أقدم الرئيس الراحل أنور السادات على زيارة تل أبيب عام 1977، التي كانت الخطوة الأولى على طريق إبرام أول معاهدة سلام عربية مع إسرائيل عام 1979.
لكن الاتفاق السياسي قابله رفض شعبي واسع ومستمر، وعلى ذلك دخل السلام مع الصهاينة ثلاجة الموتى في مصر على المستوى المؤسسي والشعبي، فتشكلت لجان غير رسمية لمقاومة التطبيع، وفرضت النقابات المهنية حظرا لأي نوع من تطور العلاقات الثنائية بين القاهرة وتل أبيب، فضلا عن الإنتاج الفني والثقافي الذي لم يكن رسميا في أغلبه لكنه جسد إسرائيل كأخطر عدو يهدد البلاد.
فبالرغم من اتفاق السلام المصري مع إسرائيل، إلا أننا لا يمكننا القول إن هناك “تطبيعا” فعليا بين البلدين، فالصحفيون الإسرائيليون لا يمكنهم الحصول على تأشيرات دخول إلى مصر، ولا يسافر الصحفيون المصريون إلى إسرائيل بسبب حظر مفروض من نقابتهم، كما توقفت شركة الطيران الإسرائيلية “إلعال” عن تسيير رحلات إلى القاهرة بسبب مخاوف تجارية وأمنية.
وهكذا ظل مسار رفض التطبيع الشعبي متوارثا بين الأجيال التي عاشت الحروب ضد إسرائيل والتي لم تعشها أيضا، وهو ما ظهر جليا في أزمة الفنان محمد رمضان التي جسدت بوضوح الموقف الشعبي المصري من التطبيع.
موقف حاسم
لكن، لماذا يمثل الموقف الشعبي المصري الرافض للتطبيع مع الاحتلال هذه المرة دلالة رمزية أكبر من صورته الظاهرة؟ الإجابة تكمن في الهرولة الخليجية الأخيرة نحو عقد اتفاقات سلام مع إسرائيل، رغم أنها ليست بلدان مواجهة ولا تمتلك حدودا معها تهدد باندلاع حروب.
هذه الهرولة تستدعي الموقف القديم لتلك الدول من مصر وقتما بادرت بالسلام، حيث واجهت القاهرة آنذاك رفضا عربيا تُرجم إلى قرارات حاسمة بفرض مقاطعة اقتصادية عليها، وتجميد عضويتها بجامعة الدول العربية نحو 10 سنوات، فضلا عن نقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس.
وبعد عقود من الهجوم على مصر التي تركت البندقية بعدما أنهكتها الحروب، اتجهت بلدان لم تخض حربا واحدة مع إسرائيل مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب إلى التطبيع بطرق لم تجرؤ القاهرة عبر عقود على الإقدام عليها.
ولا يمكن تفويت أزمة الفنان محمد رمضان بمنحى منعزل عن التطبيع الشعبي في بعض دول الخليج، فمع الهجوم الذي لاقاه في مصر اختفت الأصوات الخليجية عن التعليق على وجود المغرد الإماراتي حمد المزروعي في الصورة نفسها مع المطرب الإسرائيلي، وهو أمر له دلالته في واقع الحريات في تلك البلاد المُطبعة.