أماكن

مدينة “الحِجر” السعودية.. الشقيقة التوأم للبتراء حيث بنى الأنباط إمبراطوريتهم وسط الصحراء

مسودة تلقائية

المكان هادئ حالياً، لكنه كان فيما سبق مدينة مزدهرة تقع على طريق تجاري دولي رئيس، وكانت هذه المدينة الرائعة هي المدينة الشقيقة للبتراء الأكثر شهرة في الأردن المجاور.. الحِجر.

الحِجر أو مدائن صالح أو قرى صالح، كلها أسماء تُطلق على مكان ذُكر في القرآن على أنه موطن قوم ثمود الذين استجابوا لدعوة النبي صالح، ثم ارتدوا عن دينهم وعقروا الناقة التي أرسلها الله إليهم فأهلكهم.

وتقع مدينة الحِجر الأثرية وسط الصحراء في محافظة العلا التابعة لإمارة المدينة المنوّرة شمال غرب المملكة العربية السعودية، وهي واحدة من أهم المناطق الأثرية في العالم وقد صنفته اليونسكو موقعاً تراثياً عالمياً.

سابقاً لم يكن يسمح للأشخاص العاديين بزيارة مدينة الحِجر الأثرية إلا بموافقة رسمية ولسبب محدد، أمّا الآن فقد بات لأول مرة مسموحاً للناس العاديين زيارة هذا الموقع الأثري دون قيود ومشاهدة بقايا هذه الحضارة الرائعة والغامضة في وقت واحد.

تاريخ طويل

كانت الحِجْر ثاني مدن حضارة الأنباط، وهم من البدو العرب الرُحَّل الذين سيطروا على تجارة التوابل، وقرروا الاستيطان فبنوا حضارة مذهلة في الصحراء.

وقد عُرِف عن الأنباط أنهم خبراء في علم الهيدروليكا، إذ استطاعوا توجيه مياه الأمطار من الجبال إلى صهاريج سمحت لهم ببناء مدن مذهلة في بعض أكثر البيئات قسوة في العالم.

وفي كتابه “العصر الجاهلي في الأدب العربي”، أشار الأديب والعالم اللغوي شوقي ضيف، إلى أنَّ منطقة غرب الجزيرة العربيّة كانت في فترة من الفترات قبل الميلاد خاضعة لنفوذ الآشوريين، الذين دائماً ما كان ملوكهم يتفاخرون بالانتصار على الثموديين الذين ينتمون إلى العرب البائدة والذين كانوا يقيمون في الحِجر والعلا المجاورة.

كما ذكر الكتاب نفسه أنّه تم اكتشاف نقوش آرامية في منطقة تيماء شمال الحِجر، تدل على أنها قامت فيها مستعمرة آرامية تجارية في القرن الخامس قبل الميلاد، إضافة إلى نقوش أخرى تدل على أن المعينيين كانوا يعيشون فيها وفي العلا التي كانت تسمى حينها بمعين مصران. وكان سكان الحِجر في ذلك الحين من عرب الجنوب، وقد نقلوا إليها عباداتهم وهياكلهم المقدسة، وظلوا نشطِين بالتجارة حتى جاءت الدولة النبطية.

امبراطورية ضخمة

بعد أن سيطر النبطيون على الحِجر ازدادت المدينة ازدهاراً وجمع سكانها ثروات كبيرة خاصة بعد بدء تجارتهم في اللبان البدوي (اللبان الذكر) والتوابل الأخرى، مما ساعدهم في بناء إمبراطورية ضخمة في الصحراء من القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرن الأول الميلادي إلى أن غزاهم الإمبراطور تراجان وأصبحوا رعايا للرومان.

وعلى الرغم من إنجازاتهم العديدة، لا نعرف سوى القليل جداً عن الأنباط، فقد قالت ليلى نعمة، عالمة آثار تعمل في موقع الحِجْر الأثري: “والسبب في أننا لا نعرف الكثير عنهم هو أننا لا نملك كتباً أو مصادر كتبها هؤلاء تخبرنا عن الطريقة التي عاشوا بها، وكيف ماتوا، وعبدوا آلهتهم. وهذا هو سبب الأهمية البالغة التي تحملها مواقع مثل الحِجْر؛ إذ يأتي الكثير مما نعرفه عن هذه الحضارة الصحراوية من دراسة بنائها الرائع”.

مقبرة حضرية

واليوم، فقد تحولت الحجر إلى مقبرة بعد أن كانت عاصمة حضرية، حيث توجد الكثير من المقابر والنصب التذكارية الجنائزية من القرن الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الأول ميلادياً. وتحمل هذه القبور ملامح فنية رائعة وغاية في الجمال، فالمقبرة عند أصحاب الحجر لصاحبها وأسرته جيلاً بعد جيل، كما نحت أعلاها لوحة سَجّل عليها وصيته، وأن هذه المقبرة تخصه وتخص عائلته.

وربما تكون أشهر المقابر هناك هي القصر الفريد (التابع للأنباط)، والذي ربما كان آخر مقبرة لفرد مهم في العائلة. وعلى الرغم من كونه غير مكتمل، فهو هيكل ضخم يدل على حرفية رائعة، ويكاد ارتفاعه يقترب من الـ4 طوابق تحوي 4 أعمدة في واجهتها، واحد على كل جانب، واثنان إضافيان في المنتصف. أما بقية المقبرة فبها عمودان فقط، ويبدو أنها بُنيت من أعلى إلى أسفل، وهذا هو الحال في النصب التذكارية الأخرى الموجودة بالحجر.

ويوجد في هذا الموقع 111 مقبرة إجمالاً، منها ما يزيد عن الـ90 مقبرة مزخرفة، كما ثمة نقوش على الكثير من المقابر، مكتوبة بخط عربي قديم يُحذر الأحياء من العبث بالمقابر. وقد كُتب على إحدى المقابر: “فلتحل لعنة الرب على أي شخص يعبث بالمقبرة أو يفتحها”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى