ﻣﻨﺬ ﺇﻃﺎﺣﺔ جنرالات الجيش ﺑﺎﻟﺮﺋﻴﺲ المنتخب محمد مرسي ﺍﻧﺤﺪﺭﺕ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﻧﻰ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻃﻼﻕ، ﻭﻓﻲ ﻇﻞ غطاء ﺇﻋﻼﻣﻲ ﻣﻦ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺇﻋﻼﻡ ﺩﺍﻋﻤﺔ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﻗﺎﻣﺖ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺑﺘﺼﻮﻳﺮ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻋﺎﺋﻖ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻷﻣﻦ والقضاء ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ.
وفي ظل سعيها لبناء مقارنة تتبعيَّة لعملية صراع المسارين: المسار الثوري، والمسار المضاد له من خلال عهدي مرسي، والسيسي اللذين يمثلان مظاهر عملية لِمُخْرَجَاتِ كل مسار؛ أولت دراسة مؤسسة “وعي” للبحث والتنمية التي حملت عنوان (ثورة مصر بين مَسَارَينِ.. المسار الثوري والمسار المضاد له: نماذج مقارنة من عهدي مرسي والسيسي خلال المدة من 2012 – 2016)، الاهتمام للمحور الحقوقي والإنساني بين عهدي الثورة والانقلاب العسكري.
-
قتل ممنهج.. وإخفاء قسري:
ﻭﻓﻲ ﻇﻞ الانقلاب، رصدت الدراسة استمرار ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﺘﻞ الممنهج ﺑﺎﻟﺘﺼﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ، ﺃﻭ جرَّاء الاعتداء ﻋﻠﻰ ﻣﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﻭﺗﺠﻤﻌﺎﺕ ﻣﻌﺎﺭﺿﺔ، ﺃﻭ ﺗﺤﺖ ﻭﻃﺄﺓ ﺍﻟﺘﻌﺬﻳﺐ ﻭﺍﻹﻫﻤﺎﻝ ﺍﻟﻄﺒﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ ﻭﻣﻘﺎﺭ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺯ، ﺃﻭ ﺣﺘﻰ تحت ﺍﻟﻘﺼﻒ ﺑﻨﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺪﻓﻌﻴﺔ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ والطائرات ﻓﻲ سيناء، ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺕ، ﺑﺎﻟﺘﻮﺍﺯﻱ، ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍلاﻋﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺘﻌﺴﻔﻴﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺮَّﺽ عدد كبير من المواطنين للاختفاء ﺍﻟﻘﺴﺮﻱ.
ورصدت الدراسة تناغم أحكام القضاء ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻤﻠﺔ ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ، من خلال ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ وصلت ﺇﻟﻰ الإعدام بموجب ﺃﺩﻟﺔ ﻣﻔﺒﺮﻛﺔ ﺻﺎﻏﺘﻬﺎ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺍﻷﻣﻦ، وأصدرتها محاكم جرى تشكيلها بعبارة شهيرة (مين فيكم يحب يحاكم الإخوان؟!) حسب ما أفاد به بعض القضاة في شهاداتهم خلال مقابلات توثيق أجرتها مؤسسة وعي، مما يعني غياب الحَيدَة والنزاهة وحضور إرادة الانتقام.
وألقت الدراسة الضوء على الأوضاع في شبه جزيرة سيناء، حيث ﺍﺳﺘﻤﺮار عملية إخلاء منطقة ﺍﻟﺸﺮﻳﻂ الحدودى ﻣﻊ ﻗﻄﺎﻉ ﻏﺰﺓ ﻭﻣﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﺠﺮﻳﻒ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺰﺍﺭﻉ، وهدم ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ، ﻭمواصلة سلطة الثورة المضادة عملياتها ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻓﺘﻜًﺎ ﻭﺍﻷﻗﻞ ﺩﻗﺔ، ﻟﻴﺼﺒﺢ ﻛﺎﻓﺔ مواطني سيناء ﺩﻭﻥ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﻘﺘﻞ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺋﻲ، ﻭﻋﺮﺿﺔ ﻟﻬﺪﻡ ﻣﻨﺎﺯﻟﻬﻢ، وبالطبع للاﻋﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﺘﻌﺴﻔﻲ ﻭﺍﻹﺧﻔﺎء ﺍﻟﻘﺴﺮﻱ ﺑﺪﻋﻮﻯ ﺍلاﺷﺘﺒﺎﻩ ﺩﻭﻥ ﺃﻱ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻺﻧصاف ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ، ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ مع منع جميع وسائل الإعلام من تغطية الأحداث بسيناء.
-
أرقام وإحصاءات:
اعتمدت الدراسة في بناء مقارنتها على ما رصدته منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية حول انتهاكات حقوق الإنسان الذي تقوم به سلطات نظام 3 يوليو في فترات مختلفة هذا بخلاف الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في المحطات الثورية البارزة مثل: مذابح كرة القدم ومحمد محمود وماسبيرو وفض اعتصامي رابعة والنهضة ورمسيس وغيرها في كل ميادين الوطن والثورة.
-
قضاء فاسد:
فبخصوص استقلال القضاء، فقد عرضت دراسة “وعي” تقرير اللجنة الدولية للحقوقيين بعنوان “القضاء المصري أداة للقمع ” والصادر في 2016 الذي أشار إلى أن القضاء المصري – أحد خطوط الدفاع الأخيرة – قد أخفق خلال فترة الأزمة في مصر (أي بعد انقلاب 3 يوليو) في أداء مهمته الأساسية الخاصة بحماية سيادة القانون وحقوق الإنسان، وأن تدخــلات الســلطة التنفيذيــة القائمــة منــذ فــترة طويلــة في النظــام القضــائي المــصري، وكذلــك القوانــين الداعمــة لهــذا التدخــل قلَّلت مــن قــدرة القضــاء عــلى العمــل بصفتــه جهــة تحكيــم محايــدة ومســتقلة تحمــي حقــوق الإنســان.
وأكد التقرير أن القضــاء والنيابــة في مــصر أصبح ينظــر إليهــما كأداة أساســية لقمــع الخصــوم السياســيين، والصحفيــين، والمدافعــين عــن حقــوق الإنســان، كــما سلَّط التقرير الضــوء عــلى كيفيــة تعــرُّض القضــاة الذيــن تجــرأوا عــلى الــكلام لصالــح اســتقلال القضــاء، وســيادة القانــون إلى إجــراءات تأديبيــة غــير عادلــة أســفرت عــن نقــل بعضهــم، وعــزل البعض الآخــر؛ بل وسجن قامات قضائية كبيرة مثل المستشار محمود الخضيري.
-
انتهاكات متعددة:
وبخصوص الاعتقال السياسي فقد استندت الدراسة إلى تقرير “الاعتقال السياسي في جمهورية مصر العربية” الصادر عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان ببريطانيا بتاريخ 25 أيلول / سبتمبر 2014 الذي ذكر أن عدد حالات الاعتقال من تموز 2013 حتى نهاية تموز 2014 وصلت إلى أكثر من 28741 معتقلًا شملت كافة شرائح المجتمع المصري، ولم تُمَيِّز بين القُصَّر والبالغين، أو الرجال والنساء، فوقع الجميع ضحية للاحتجاز التعسفي، ومن بين المعتقلين 3686 قاصرًا على الأقل.
أما عن الاختفاء القسري فقد أشارت الدراسة إلى تقرير المفوضية المصرية للحقوق والحريات عن الاختفاء القسري في الفترة من 2013 إلى 2015 الذي بيَّنت فيه أن إحكام القبضة الأمنية على الشارع السياسي المصري، والرغبة في السيطرة على الحياة السياسية من قبل المؤسسات الأمنية، والحصانة من المحاسبة، وإفلات المسؤولين من العقاب بعد ثورة 25 يناير2011، و ضعف الرقابة الشعبية على عمل أجهزة الدولة – أفضت إلى عودة ممارسات القمع ومنها الاختفاء القسري بشكل منهجي واسع النطاق من قِبَل الأجهزة الأمنية خاصةً قطاع الأمن الوطني؛ حيث شهدت مصر عقب 30 يونيو 2013 انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على نطاق واسع اتسم بعضها بالنمط المنهجي، ووثَّقَتْها منظمات حقوق الإنسان بمصر، وأدانتها المنظمات الدولية في ظل انتشار خطابات الكراهية والتحريض من قِبَل العديد من المؤسسات الإعلامية التابعة للنظام القمعي.
وفي خلال عام 2015 استقبل المجلس القومي لحقوق الإنسان 50 شكوى عن مواطنين مختفين بشكل قسري ولم يُسْتَدَلَّ على أماكنهم، وفي هذا السياق وثَّقَ تقرير “حملة الحرية للجدعان” 163 حالة اختفاء قسري بينها 66 حالة اختفاء قسري وفقًا للمعايير الدولية، و 64 حالة احتجاز بدون وجه حق، فضلًا عن 31 حالة لم يتمكن المجلس من متابعتها.
يشار إلى أن دراسة “وعي” تهدف إلى التوعية بحقائق الصراع بين مساري الثورة والانقلاب بلغة مبنية على الأرقام والإحصاءات المتعلقة بالحالة المصرية قام بها متخصِّصون في مراكز علمية ودراسات ميدانية وخلاصات للمنظمات الدولية المُعْتَبَرَة في الاقتصاد والسياسة وحقوق الإنسان وغيرها.
واعتمدت الدراسة على مجموعة من المصادر المتنوعة، والدراسات النظرية والميدانية التي تناولت الحالة المصرية بكافة تفاصيلها خلال مراحل الثورة المختلفة، واشتملت على إحصاءات ومقارنات وتحليلات نقدية لخبراء ومختصين، ومنها التقارير الاقتصادية مثل: تقارير البنك المركزي المصري والبنك الدولي والاتحاد الأوربي ومجلة الإيكونومست، وتقارير وزارة التنمية الإدارية بمصر، والجهاز المركزي للمحاسبات، ومنظمات حقوق الإنسان، وجهاز التعبئة والإحصاء، والتقارير الوثائقية والكتب الدورية ،وتحليل الخطابات والبيانات السياسية والاقتصادية الصادرة عن الجهات ذات العلاقة، وغيرها من المصادر.
للحصول على نسختك من دراسة (مصر بين مسارين) (اضغط هنا)