اتفاقيات

معاهدة العقير 1922.. ذروة الحصار السعودي على الكويت

فجر انهيار الدولة العثمانية مطلع عشرينيات القرن الماضي التي كانت ذائبة في الرداء الإسلامي الجامع الذي نسجته الدولة العثمانية على مدار قرون، وكان أبرز تلك النزعات التمردية ضد التوحد الإسلامي، جبهة نجد، التي حاربت على كل الجبهات لانتزاع السيطرة، فاجتاحت مكة جنوبا، وعمان شرقا، والكويت شمالا، وكانت واحدة من أشرس معاركها تدور في الشمال، وانتهت بتوقيع معاهدة العقير.

بدأ النزاع الحدودي بين الكويت والرياض كأحد آثار الحرب العالمية الأولى، وأدى الصراع المسلح بين الكويت والرياض إلى نشوب معارك بين الطرفين، انتهى النزاع بتوقيع معاهدة العقير عام 1922. وفرضت الرياض بعد تلك الحرب حصاراً اقتصادياً على الكويت عبر إغلاق الحدود بين نجد التي كانت مركز سلطة آل سعود في ذلك الوقت، وكان الهدف من تلك الضغوط هو محاولتها لضم أكبر قدر ممكن من الأراضي الكويتية؛ حيث وضع مؤتمر العقير سنة 1922  بحضور ممثلين عن بريطانيا وآل سعود، ودون دعوة الكويت، حدود الكويت مع نجد.

وحينذاك طلبت الرياض من السير بيرسي كوكس، المندوب السامي البريطاني، منحها ثلثي الأراضي الكويتية، وبسبب العقير خسرت الكويت أكثر من نصف أراضيها، وفوق ذلك عانت حصاراً اقتصادياً بعد هذا المؤتمر، واستمرت الغارات السعودية على فترات متراوحة.

معاهدة العقير

معاهدة العقير أو مؤتمر العقير هي معاهدة حدودية وقعت في العقير في 2 ديسمبر عام 1922 بين سلطنة نجد بحضور سلطان نجد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وصبيح بك نشأت وزير المواصلات والأشغال ممثلا عن الملك فيصل الأول ملك مملكة العراق وجون مور الوكيل السياسي البريطاني في الكويت ممثلا عن الكويت، وكان السير بيرسي كوكس يلعب دور الوسيط في تلك الاجتماعات، بموجب المعاهدة تم ترسيم حدود سلطنة نجد الشمالية مع مملكة العراق والكويت. وتعتبر المعاهدة ملحقاً لمعاهدة العقير.

انصب النقاش حول ترسيم حدود نجد مع العراق. وبدأ الطرفان بالتشدد في مواقفهم، حيث طلب العراق أن تكون حدوده على بعد 12 ميلا من الرياض، بالمقابل طلب ابن سعود كل مناطق البدو الشمالية من حلب حتى نهر العاصي، وعلى جانب الشط الأيمن للفرات وحتى البصرة وطالب أيضا بحدود قبلية بدلا من حدود ثابتة. بضغط من كوكس تخلى ابن سعود عن مطلبه في قبائل الظفير والتي تسكن بالقرب من الفرات، ولكنه واصل بالمطالبة على القبائل الأخرى.

استمرت النقاشات طوال خمسة أيام أراد الجانب العراقي حدوداً لا تقل عن 200 ميل جنوب الفرات بينما أراد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أن يتم تحديد الحدود عن طريق الحدود بالنسبة لمنازل القبائل الموالية لكل طرف بدلاً من الترسيم عن طريق الخرائط.

في اليوم السادس من اللقاءات رسم بيرسي كوكس بالخط الأحمر الحدود على خريطة التي اعتمدت من قبل الأطراف الثلاث وتقرر بناء عليها إنشاء منطقتين محايدتين الأولى بين الكويت والسعودية والثانية بين العراق والسعودية.

تفاصيل صادمة

وخلال 1923، نشر مشروع رقمنة الوثائق البريطانية https://www.qdl.qa سجلا من الوثائق يضم ورقتين، ويعود تاريخه إلى 25 يونيو 1935، واللغة المستخدمة فيه هي الإنجليزية، والنسخة الأصلية محفوظة في المكتبة البريطانية، ويمكن الوصول إليها بالبحث عن عنوان “أوراق خاصة وسجلات من مكتب الهند شرط الإتاحة : إتاحة غير محدودة – رقم الاستدعاء : IOR/L/PS/18/B450”.

وتقول الوثيقة: “إن السعودية فرضت حصاراً لمدة أكثر من عشر سنوات على الكويت؛ أضر بها اقتصادياً، وتذكر تقارير أخرى أنه استمر 14 عاماً”، وأضافت: “أما سبب هذا الحصار فهو رغبة السعودية في فرض ضريبة جمركية على الكويت؛ حيث كانت دولة رائدة في تجارة شمال شرق الجزيرة العربية؛ ولهذا فهي تحتفظ بتعريفة جمركية منخفضة”.

واستطردت الوثيقة تكشف ما كان يدور: “لكن جيرانها في السعودية أرادوا رفع التعريفة، وزعمت الرياض وجود صعوبة في تحصيل الإتاوة من مداخيل البضاعة التي تدخل إلى الكويت. وطلبت من الكويت جمع الضرائب من بادية نجد بفرض جمارك على بضائعها، وأصرت على أن تقوم الكويت بالترتيبات الخاصة بذلك الأمر الذي رفضته الكويت باعتباره خرقا لسيادة الدولة”.

وتشير الوثيقة إلى أن الرياض فرضت حظراً شبه كامل على التجارة بين الكويت ونجد، وسعت جاهدة للحيلولة دون أن تتم المبادلات التجارية بين رجال القبائل الذين كانوا يشترون لوازمهم من الكويت بوصفها سوقهم التقليدي.

وبينت أن السعودية سعت إلى تبرير حصارها على الكويت بالقول إن التجارة الكويتية تحرمها من دخل جمركي كبير؛ لأن سكان البادية يشترون البضائع من الكويت وتترك أسواقها حيث كانت الرياض السوق التقليدية لسكان نجد.

وتضيف الوثيقة: “كان الهدف الحقيقي زيادة العائدات التجارية لصالح السعودية، وإنعاش منافذها التجارية، ومن المحتمل أيضاً أن يكون أكثر نوايا شريرة هو تقليل مداخيل الكويت لصالح السعودية؛ فأرادت أن تحاصر الكويت وتضعفها اقتصادياً وفعلت ذلك لسنوات طويلة حتى تركع الكويت”.

ولفتت النظر إلى أن الأوضاع ساءت بسبب فرض الحصار؛ حيث لم تكن هناك بدائل كثيرة أمام سكان الكويت الذين دخلوا في مواجهة مع السعودية. وتشير الوثيقة إلى أن بريطانيا ضغطت على السعودية لقبول الاتفاقية الأنجلو عثمانية في 1935، وأجبرت السعودية على الجلوس مع الكويتيين لإنهاء الحصار، حيث تقول تقارير إنه استمر حتى سنة 1937.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى