بعد 4 أعوام من اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، سعت إسرائيل لتعميم تجربتها على كافة دول الجوار العربي، وكانت أحد أهم عقباتها، هي الجارة اللبنانية غريبة التركيب، إذ يضم لبنان عشرات الطوائف المتحاربة من المسلمين والمسيحيين، يختلفون في كل شيء، ويجمعهم شيء واحد، معاداة إسرائيل.
لذلك، قررت إسرائيل أن تُغيّر أوراق اللعبة مع الجارة اللبنانية، فوقع الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت في عام 1982، قبل أن تجبر إسرائيل الأطراف اللبنانية على الجلوس إلى طاولة مفاوضات لتوقيع اتفاق لخلق علاقة سلمية بين إسرائيل ولبنان أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، عُرف باتفاق 17 أيار.
أسباب الاتفاق
سعت إسرائيل منذ قرارها بغزو لبنان والسيطرة عليه، لعدة أهداف أبرزها تعزيز وإزكاء الحرب اللبنانية الأهلية بين الطوائف، والسعي إلى تدمير منظمة التحرير الفلسطينية المتمركزة في لبنان، فضلا عن إجبار لبنان على توقيع اتفاق سلام معها بشكل يضمن لإسرائيل تأمين حدودها الشمالية، فضلا عن إقامة حكومة لبنانية تكون موالية لإسرائيل.
وفي عام 1982 نفذت إسرائيل ما عرف بالاجتياح الإسرائيلى للبنان حيث دمرت قوات الاحتلال عشرات المدن ومئات القرى اللبنانية ونجحت لأول مرة في اجتياح ودخول عاصمة عربية خارج حدود الأراضى المحتلة وهي بيروت. كما نجحت في إخراج منظمة التحرير الفلسطينية خارج لبنان.
في 28 ديسمبر 1982 بدأت المفاوضات بين إسرائيل ولبنان برعاية أمريكية “ليبانون بيتش” في منطقة خلدة جنوبي بيروت. بعد تلك المفاوضات جرت جولات مفاوضية عديدة في مستعمرة كريات شمون شمالي دولة الاحتلال.
الاتفاق المشؤوم
استمرت المفاوضات حتى 17 مايو 1983 حيث تم التوصل إلى اتفاق سلام عرف بمعاهدة 17 ايار، ضم البنود التالية:
– إلغاء حالة الحرب بين لبنان وإسرائيل.
– الإنسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان في فترة 12-8 أسبوع.
– إنشاء منطقة أمنية داخل الأراضي اللبنانية تتعهد الحكومة اللبنانية بأن تنفذ ضمنها الترتيبات الأمنية المتفق عليها في ملحق خاص بالاتفاق.
– تكوين لجنة أمريكية – إسرائيلية – لبنانية تقوم بالإشراف على تنفيذ بنود الإتفاقية وتنبثق من تلك اللجنة لجنة الترتيبات الأمنية ولجان فرعية لتنظيم العلاقات بين البلدين.
– تكوين مكاتب الإتصال بين البلدين والتفاوض لعقد اتفاقيات تجارية.
إمتناع أي من إسرائيل ولبنان عن أي شكل من أشكال الدعاية المعادية للبلد الأخرى.
– إلغاء جميع المعاهدات والبنود والأنظمة التي تمنع تنفيذ أي بند من بنود الإتفاقية.
اتفاق العار
رغم الاحتراب الأهلي الداخلي، لاقى اللبنانيون ذلك الاتفاق بالرفض الشديد معتبرين أن اتفاقية 17 مايو هي اتفاق العار. وزادت العمليات العسكرية من قبل منظمات المسلحة داخل لبنان حتى كادت أن تطول إحدى جولات التفاوض.
انطلقت أشد الحملات ضد هذا الإتفاق من مسجد الرضا في الضاحية الجنوبية لبيروت، بناء على القرار الصادر من النائب نبيه برّي رئيس حركة أمل الشيعية إلى الجيش، بأن على الجيش اللبناني أن يتمرد على أوامر قيادته العسكرية.
اقتتال داخلي جديد
كان لتوقيع الاتفاقية تداعيات على مستوى الداخل اللبناني، أبرزها نشوب الاقتتال الداخلي وانقسام المشهد السياسي بين الحكومة والرئيس أمين الجميل المتمسكين بالاتفاق من جهة، وجبهة الإنقاذ الوطني ومن ورائها سوريا الرافضين من جهة ثانية.
ومنذ ذلك التاريخ، بدأت المتاعب الفعلية في لبنان. ففي 19 أيار/ مايو اندلعت حرب الجبل التي انتهت في 19 أيلول/ سبتمبر 1983 بسيطرة الحزب التقدمي الاشتراكي على كل القرى الجبلية، تلتها انتفاضة 6 شباط/ فبراير 1984 في بيروت وسيطرة القوى الرافضة لاتفاق 17 أيار على القسم الغربي من العاصمة.
المشهد الأخير.. الانتصار
وفي الفترة التي شهدت تصاعدا لوتيرة استهداف القوات الأسرائيلية والأجنبية داخل لبنان، خاصة بعد حادث مقتل عدد كبير من قوات المارينز والمظليين الفرنسيين، اتجه الرئيس أمين الجميل إلى إعلان إلغاء اتفاق 17 أيار مع إسرائيل، وتحت ضغط الرفض الشعبي اعتبرت الحكومة اللبنانية ومجلس النواب اللبنانى باعتبار هذا الاتفاق باطلا وألغوه بعد أقل من عام على اعتماده وبالتحديد في 5 مارس/ أذار 1984.
وبنجاح اللبنانيين في إلغاء هذا الاتفاق، جن جنون إسرائيل، وحاول وزير خارجية أمريكا آنذاك جورج شولتز، على رأس وفد دولي ضم ريتشارد مورفي المساعد للشرق الأدنى، إنقاذ الاتفاقية، لكن الموقف اللبناني ظل متحجرا ورافضا لتمريرها.. وبإنهاء هذا الاتفاق أعاد لبنان مكانته العربية، لا سيما بعد الموقف المصري الصادم بتوقيع اتفاقية السلام مع الاحتلال الإسرائيلي.