مثلت ثورة 25 يناير لحظة تحرر حقيقية لأحلام الشباب المصري والعربي، لترفع سقف طموح المجتمع ومراهنته على عماده الرئيس، وهو شبابه وفتياته، إلا أن الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013 سرعان ما أطاح بكل الأحلام التي عقدتها الأمة المصرية والعربية، ليجد الشباب أنفسهم سكانًا للمعتقلات والسجون بعدما كانوا يحلقون على رؤوس المتظاهرين في الميادين والحالمين على الشاشات.
وفي ظل سعيها لبناء مقارنة تتبعيَّة لعملية صراع المسارين المسار الثوري، والمسار المضاد له من خلال حكومة مرسي، وحكومة السيسي اللتين تمثلان مظاهر عملية لِمُخْرَجَاتِ كل مسار، أولت دراسة مؤسسة “وعي” للبحث والتنمية التي حملت عنوان (ثورة مصر بين مَسَارَينِ.. المسار الثوري والمسار المضاد له: نماذج مقارنة من عهدي مرسي والسيسي خلال المدة من 2012 – 2016)، الاهتمام لمحور الشباب بين عهدي الثورة والانقلاب العسكري.
وأكدت الدراسة حرص أول سلطة تنفيذية منتخبة من قِبَلِ الشعب ممثَّلةً في الرئيس محمد مرسي، وحكومة هشام قنديل على وضع برنامج للشباب شابتهُ بعض الأخطاء، كما تضمن مسارات إيجابية مهمة، فأما الخطأ الواضح فكان عدم قدرتها على تمكين شباب الثورة من أصحاب الكفاءات والمؤهلات مبكرًا في كل مفاصل الدولة لإشراكهم في المسؤولية، وهو أحد الثغرات التي دخلت منها الثورة المضادة.
وعددت الدراسة أهم المسارات الإيجابية في هذا الصدد، وأبرزت منها إنجاز وزارة الدولة للشباب بقيادة الدكتور أسامة ياسين وزير الشباب تأسيس الاستراتيجية الوطنية للشباب المصري (2013 – 2017) والتي شارك في صياغتها مجلس مكوَّن من 90 شابًّا من كافة الانتماءات السياسية والحركات الشبابية والثورية بالإضافة إلى مئات الشباب الآخرين على امتداد القطر المصري الذين شملتهم ورش عمل واستطلاعات رأي، وتُعَدُّ هذه حالة جديدة على مجتمع الشباب المصري لم يشهدها قبل ثورة 25 يناير، ثم توقفت تمامًا بعد انقلاب 3 يوليو.
وبحسب الدراسة، فقد تضمنت الاستراتيجية البنود الآتية:
- تمكين الشباب من مؤسساتهم سواءً في الاستخدام أو الإدارة من خلال سن اللوائح والتشريعات الضامنة لذلك وإن لم يحدث التمكين الفعلي بسبب قصر المدة التي مكثتها أول سلطة مُنْتَخَبَة في مصر، بالإضافة إلى حالة الاستقطاب التي صنعتها القوى المضادة للثورة بإشاعة قصة الأخونة، وبث الإحباط، أو دفع بعض المتطلعين لرفع سقف المطالب.
- إتاحة الفرصة للشباب المصري دون تمييز لممارسة الأنشطة، والاستفادة من منشآت الوزارة كحق أصيل لهم، وتحريرها من سطوة المحتكرين لها.
- الأولوية للمناطق الحدودية، والقرى المحرومة في خطط تطوير مراكز الشباب ومنشآت الوزارة ويشمل ذلك (سيناء – الصعيد – المناطق الحدودية) ثم يأتي في الأولوية قرى ومدن الدلتا ثم القاهرة والإسكندرية.
- دعم أسر الشهداء، ومصابي الثورة، وتقديم امتيازات خدمية لهم في منشآت الوزارة.
- عقد شراكات واتفاقيات إقليمية ودولية لخدمة الشباب المصري.
- مساهمة الشباب في القضاء على البيروقراطية الحكومية بالتعاون مع الوزارات الأخرى.
- المساهمة في حل المشكلة الرئيسية للشباب المصري المتمثلة في البطالة، وإنتاج أفكار إبداعية لمواجهة هذه المشكلة.
- تبني مبادرات الشباب، ورعاية الكفاءات المتميزة منها.
- تأهيل وتطوير شباب الثورة بشكل خاص والشباب المصري بشكل عام على الممارسات السياسية، وتمكينهم من أدوات النجاح والمساهمة في ريادة مصر وإعادة بنائها.
وفي المسار الإجرائي لتمكين الشباب والعناية بهم، نقلت الدراسة إنجاز ما يلي:
- صياغة مادة (71) من دستور مصر المتعلقة بالنشء والشباب.
- إعداد قانون عام للشباب لأول مرة في مصر.
- إصدار واعتماد لائحة النظام الأساسي لمراكز الشباب والتي تعمل على تمكين الشباب من مجالس إدارات مراكز الشباب من خلال تحديد سن المرشحين لانتخابات مراكز الشباب وشرط عدم تجاوز 45 سنة.
- تمكين الشباب من منشآت وزارة الشباب بقرارات وزارية متتابعة مثل فتح منشآت الوزارة بالمجان في الإجازات والأعياد، وإعفاء مصابي الثورة والمعاقين وخفض الاشتراك السنوي بمراكز الشباب.
- دعم أسر شهداء النادي الأهلي بمذبحة بورسعيد، وتبني موقفهم حتى الحصول على مستحقاتهم، وتخصيص 4 مليون جنيه معاشًا سنويًّا لأسرهم.
الانهيار الكبير
وبعد انقلاب 3 يوليو 2013، تم تجميد كل هذه الإجراءات، وحُذِفَ تمامًا من موقع الوزارة كل ما يشير إليها، أو ينصُّ على تطويرها أو استمرار الصالح منها، واسْتُبْدِلَ كل ذلك بمؤتمرات زائفة للشباب ليس لها على أرض الواقع شيء، وتم إقصاء شباب التيار الإسلامي، ثم تلاه شباب الاتجاهات الليبرالية، و6 أبريل وشباب الأحزاب ممن كانوا في صف الانقلاب ظنًّا منهم أنه سيسرِّع بتحقيق مطالبهم من كافة التيارات والانتماءات، وصار مكانهم جميعًا إمَّا السجون داخل مصر أو المطاردة من الإنتربول خارجها، أو ابتلاع البحر لهم في رحلات الهجرة الجماعية نحو أوربا.
وبحسب الدراسة، يقبع داخل السجون المصرية أكثر من ثلاثين ألف شاب من خيرة شباب مصر وفق تقدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان (المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومقرها بريطانيا)، فضلًا عن هروب عشرات الآلاف خارج مصر، واختفاء المئات قسريًّا، وتصفية العشرات تصفيات ميدانية مباشرة تحت دعوى الإرهاب، أو تلفيق الجرائم لفئات من كافة قطاعات المجتمع، وحتى ممن دعم انقلاب 3 يوليو في مناسبات عدَّة مثلما حدث للتغطية على جريمة قتل الشاب الإيطالي “ريجيني” حيث قُتل مجموعة من الشباب المصري بحجة أنهم هم العصابة التي قتلت الباحث الإيطالي وتبين – لاحقًا بعد إصرار السلطات الإيطالية على رفض رواية النظام المصري – أنهم أبرياء، ولم تفتح السلطة أي تحقيق في مقتل هؤلاء الشباب ولا في كيفية حصول السلطة على اعترافات من ذويهم بأنهم هم من قتل الضحية، وتبيَّن أنها اعترافات تحت التهديد والتعذيب، وتخويفهم بقتل آخرين من أبنائهم!
ونقلت الدراسة تعليقًا ملفتًا للدكتور سيف الدين عبد الفتاح حول الوضعية الخاصة بالشباب بين المسارين (الثورة – القوى المضادة لها) يوضح فيه أنه منذ ثورة 25 يناير كان الشباب المصري هو من يشكِّل الفعل الثوري، والطاقة الحقيقية في الحالة الثورية؛ فهم الذين قدموا كل التضحيات التي تمكِّن لهذه الثورة، وتحقق أهدافها (عيش- حرية- كرامة إنسانية – عدالة اجتماعية)، إلا أن القوى التي تتربص بالثورة، وبأهدافها، وتشكل خط الدفاع عن دولة الفساد العميقة وأركانها، وتؤسس لثورة مضادة، وتحاول وأد هذه الثورة بأهدافها، والانقضاض عليها، فكان استهداف هؤلاء الشباب هو أحد أولويات تلك القوى المضادة لها.
ووفق مؤشر تنمية الشباب لعام 2016 الذي تُصْدِرُهُ مؤسسة الكومنولث تراجع ترتيب مصر بنحو 52 مركزًا خلال 3 سنوات من حكم الانقلاب لتأتي في المركز 138 من بين 183 دولة شملها المؤشر مقابل 86 في مؤشر 2013.
نقطة أخرى يوضحها المؤشر وهي ضعف المشاركة السياسية للشباب، ويُرْجِعُ هذه السلبية إلى طبيعة الحياة السياسية في البلدان العربية التي توجد فيها قوانينُ وممارساتٌ ذاتُ طابعٍ إقصائي عمومًا، واتخذ المؤشر من مصر مثالًا لهذه السلبية فإن كل من سيتظاهر – حاليًا – سيكون مصيره السجن؛ حيث تَرُدُّ أجهزة الأمن، بحسب مراقبين، على أي مظاهرة بالاعتقال الفوري أو الاستباقي.
يشار إلى أن دراسة “وعي” تهدف إلى التوعية بحقائق الصراع بين مساري الثورة والانقلاب بلغة مبنية على الأرقام والإحصاءات المتعلقة بالحالة المصرية قام بها متخصِّصون في مراكز علمية ودراسات ميدانية وخلاصات للمنظمات الدولية المعتبرة في الاقتصاد والسياسة وحقوق الإنسان وغيرها.
واعتمدت الدراسة على مجموعة من المصادر المتنوعة، والدراسات النظرية والميدانية التي تناولت الحالة المصرية بكافة تفاصيلها خلال مراحل الثورة المختلفة، واشتملت على إحصاءات ومقارنات وتحليلات نقدية لخبراء ومختصين، ومنها التقارير الاقتصادية مثل: تقارير البنك المركزي المصري والبنك الدولي والاتحاد الأوربي ومجلة الإيكونومست، وتقارير وزارة التنمية الإدارية بمصر، والجهاز المركزي للمحاسبات، ومنظمات حقوق الإنسان، وجهاز التعبئة والإحصاء، والتقارير الوثائقية والكتب الدورية، وتحليل الخطابات والبيانات السياسية والاقتصادية الصادرة عن الجهات ذات العلاقة، وغيرها من المصادر.
للحصول على نسختك من دراسة (مصر بين مسارين) (اضغط هنا)