تحليل إخباري

إسقاط تماثيل المستعمرين وتجار العبيد.. الغرب يواجه ماضيه الاستعماري والاستعبادي

دقائق قليلة قاوم فيها الشاب الأمريكي الأسمر جورج فلويد وهو يئنُّ تحت ركبة الرجل رجل الشرطة الأميركي الأبيض، وهو يُردد: لا أستطيع أن أتنفس، حتى فاضت روحه، لتكشف تلك الدقائق التسع زيف الادعاء بشعار الحلم الأمريكي الذي تهاوت فكرته بسهولةٍ أمام الملايين من الشعب الأمريكي ومئات الملايين من المشاهدين على مستوى العالم، كاشفة في الوقت نفسه عن الصورة الحقيقية للنظام السياسي الأمريكي ببعض أدواته المتوحشة ورمزها “الجندي الأمريكي” غليظ القلب التي ما زالت مجذرة.

وفي التظاهرات الواسعة التي خرجت حول العالم تضامنا مع فلويد، عادت حركة إسقاط تماثيل المستعمرين وتجار العبيد لنشاطها، وسط مشاركة واسعة هذه المرة من البيض قبل السود، ومن السكان الأصليين في أمريكا الشمالية والجنوبية، وأسفرت بالفعل عن إسقاط عدد من التماثيل، فيما تمسكت الأنظمة السياسية والنخب البيضاء بالدفاع عن تماثيل أخرى.

ولم يكن إسقاط وتشويه عدد من التماثيل التي تمثّل تجار العبيد أو المستعمرين في الولايات المتحدة وأوروبا في الأيام الأخيرة سوى امتداد لحركة احتجاج بدأها عدد من الأفارقة في دول عدة، قبل سنوات، حيث بدأت حملة تحديداً عام 2015 لإزالة عدد من التماثيل التي تمثّل المستعمرين.

أفريقيا كلمة السر

البداية كانت من جامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، حين قادت حملة طلابية في ذلك العام لإسقاط تمثال القائد البريطاني “سيسيل رودس” من مدخل الجامعة، بسبب مواقفه العنصرية ودعمه الأقلية البيضاء في وجه السكان السود، إلى جانب دوره الاستعماري في دولتين جنوب أفريقيتين، سماهما على اسمه، ردويسيا الشمالية وروديسيا الجنوبية اللتين أصبحتا اليوم زامبيا وزيمبابوي.

بعدها بأسابيع، تمثال آخر للمستعمر نفسه سقط في زيمبابوي نفسها التي سميت على اسمه، ليتمّ تحطيمه كاملاً بالفؤوس، وسط فرحة سكان العاصمة. ثم في العاصمة الكينية نيروبي عام 2015 كذلك، تم إسقاط تمثال لملكة بريطانيا السابقة فيكتوريا، ثمّ تمّ قطع رأس التمثال، من قبل مجهولين. لكن الخطوة هذه لقيت ترحيباً واسعاً بين الكينيين.

الغضب نفسه مرّ في الكونغو تجاه تماثيل المستعمرين، خصوصاً ملك بلجيكا الأسبق ليوبولد الثاني الذي أزيل تمثاله عام 1960 بعد 7 سنوات من استقلال البلاد. لكن عام 2005 عاد التمثال نفسه ليرتفع في حديقة المستعمرين التي تضمّ عدداً من تماثيل شخصيات كان لها دور بارز إن كان في الاستعمار أو تجارة الرقيق في البلاد.

امتدت تلك الحملة إلى إسقاط تمثال لتاجر الرقيق إدوارد كولستون، وقطع رأس تمثال لكريستوفر كولومبس، وتخريب تمثال نصفي للملك الأسبق ليوبولد الثاني في الاحتجاجات الأخيرة.

دفاع مستميت من العنصريين

لكن وفي الوقت الذي عرفت فيه التعبئة الشعبية ضد العنصرية نطاقًا جديدًا في جميع أنحاء العالم، ظل العنصريون من النخب السياسية والحركات اليمينية تدافع باستماتة عن التماثيل التي تمثل شخصيات تاريخية مرتبطة بتاريخ العبودية أو الاستعمار، وفي مقدمتهم الحكومتين الفرنسية والأمريكية.

فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفضه القاطع لإزالة أسماء جنرالات كونفدراليين عن قواعد عسكرية بالولايات المتّحدة، وقال ترامب في تغريدة على تويتر إنّ “البعض اقترح إعادة تسمية ما يصل إلى عشر من قواعدنا العسكرية الأسطورية”. وأضاف أن “هذه القواعد العسكرية أصبحت الآن جزءا من التراث الأميركي العظيم”، مشدّدا على أنّ إدارته “لن تنظر حتى في هذا الاحتمال”، وختم بالقول “احترموا جيشنا!”.

أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد اعتبر أن إزالة تماثيل شخصيات أجرمت بحق شعوب أخرى في تاريخ فرنسا، “محو للتاريخ”، مشددا على أنه لن يسمح بإزالتها. رغم أنه أقر بأن “عنوان واسم ولون بشرة الشخص” قد تقلل فرص نجاحه في المجتمع الفرنسي، دون أن يتطرق للعنف الشرطي الممنهج ضد أصحاب البشرة غير البيضاء من مهاجرين ولاجئين ومواطنين في فرنسا.

ومنذ انطلاق تظاهرات فلويد، امتد الغضب على التماثيل من الولايات المتحدة إلى أوروبا. غضب بدا مفهوماً في ظل الانتفاضة الشعبية حالياً ضد العنصرية، وضدّ الإرث الغربي المرتبط بالاستعمار وتجارة الرقيق، وتعذيب السكان الأصليين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى