كتب

إشكالية نوبل.. لماذا يغيب الأدباء العرب دائمًا عن الجائزة؟

لا جديد.. عام آخر من جوائز نوبل للأدب العالمي، والعرب غائبون تماما حتى عن ترشيحات الجائزة التي أُعلن عنها في منتصف أكتوبر الماضي. وعلى الرغم من أنه قد يثور بداخلك اعتقاد بأن ذلك يعود لضعف الإنتاج الأدبي العربي، لكن الواقع أن ذلك غير صحيح تماما، إذ إن الأدب العربي لا يزال متصدرا بموقع مميز ضمن نتاج الأدب العالمي، لكن لا أحد يلتفت إليه من مشرفي الجائزة.. أو بالأحرى، لا يرغبون في ذلك.

جائزة نوبل للآداب عبر تاريخها، والتي تديرها الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، لم يفز بها أديب عربي واحد عدا نجيب محفوظ، الذي نال الجائزة، ليعكس ذلك انحياز الجائزة للقيم الغربية، واستبعادها للأدباء العرب، بل وحتى الأدباء غير العرب الذين يناهضون القيم الغربية، ومن بينهم الروسي ليو تولستوي.

واكتسبت الجائزة مصداقية عالمية لأكثر من مئة عام؛ بناء على البنية العلمية والعملية التي ترتكز عليها الجائزة والنظام والمعايير التي تتبعها. ويلفت إلى أن العالم العربي ليست فيه جائزة عربية تعتمد على مثل هذا الكيان الأكاديمي وأن ترتقي إلى مثل هذا المستوى العالمي.

غياب عربي

المرة الأولى والأخيرة منذ عام 1988 حتى الآن، التي حصل فيها العرب على جائزة نوبل للأدب، كانت من نصيب الأديب المصري الكبير، نجيب محفوظ. والحق أنه لم يكن محفوظ وحده من يستحق جائزة نوبل للآداب، فكانت الحالة العامة وقتها تضج بأدباء وشعراء كَتبَ التاريخ أسماءهم وأثْروا المجتمع بكتاباتهم ومؤلفاتهم. أسماء كثيرة برزت بعد ذلك الحين دون تحقيق ذلك.

وعلى الرغم من حالة التحيز الواضح للأكاديمية السويدية، إلا أن ذلك لا يمكن اتخاذه كذريعة لتبرير أي تقصير في الإنتاجات الأدبية العربية، فرغم حالة الثقافة والأدب الممتدة في العالم العربي على مر العصور وفي كل المجالات، إلا أن الأدب والثقافة اللذان يؤثران بشكل مباشر على الحالة المجتمعية والفردية فقدا رونقهما في الفترة الأخير.

حاجز اللغة

ويرى البعض أن اللغة العربية رغم جمالها وبلاغتها تقف حائلًا بين محكّي “نوبل” والأدب العربي؛ إذ لا تأتي كونها لغة معترفاً بها أو ضمن اللغات التي يقع البحث بها، ويطلب القائمون على الجائزة من الدارسين للأدب العربي في الخارج ترشيح أسماء عربية لنيل الجائزة، وهو ما يعيق الوصول إلى نتائج حاسمة لتعريف القائمين على الجائزة بالأدب والإبداع العربي.

وهذا إضافة إلى أن هناك بعض النقاد الذين يرون الأدب العربي يضم قضايا لا تهم القارئ الغربي؛ حيث لا تقترب من عالمه ولا تعبر عنه بقدر ما تعبر عن القارئ العربي، وهو ما يبعد القارئ الغربي عن الأدب العربي وقضاياه، فيما ينتقد البعض انشغال الأدباء العرب بالتوجه إلى الغرب دائمًا، ويرون أن نسيان الذات وتزيين الصورة للآخر يفقد الأدب محتواه وجمالياته.

أزمة الترجمة

هناك أزمة أخرى حقيقية لا يمكن إغفالها، وهي أزمة الترجمة، فتوجّه نجيب محفوظ إلى اللغة الفرنسية كان سبيله إلى نوبل والعالمية؛ فقد تجاوز المحلية إلى حواجز الجغرافية وتعبيرها عن روح الإنسان الواحدة التي لا تختلف باختلاف الأجناس، لأن نجاح أي أدب ينبع من ارتباطه بالإنسانية وتعبيره عنها.

فالترجمة البسيطة قد تكون وسيلة جيدة لنقل الأدب العربي إلى القارئ والباحث الغربي، لكنها لا تكفي وحدها للاطلاع على الأدب العربي وفهمه، حيث يعتمد الأمر في ترشيحات الجائزة على المختارات التي تقدم بالإنجليزية أو اللغات الأوروبية المختلفة.

انحياز واضح

هناك كُتَّاب عرب لديهم ما يؤهلهم للحصول على نوبل بناء على ما قدموه من إبداع؛ لا سيما توفيق الحكيم الذي أرسى قواعد في الإبداع، كذلك طه حسين الذي رغم ترجمة كتاباته إلى الفرنسية وغيرها من اللغات لم يحصد نوبل، وهذا لا يمكن تفسيره إلا أنه اضطهاد صريح وتحيز ضد العرب.

بل إن تحيز الجائزة ضد العرب وصل إلى حد فج يظهر جليا من تجاهل أدباء المهجر، الذين هاجروا إلى البلدان الأوروبية وكتبوا بلغاتها، وأسهموا بوضوح في دعم الحضور العربي في الغرب وبالتالي الاقتراب من الجائزة نظريًا، لكن دون جدوى.

وليس العرب وحدهم الذين جاء نصيبهم في نوبل للآداب ضعيفًا، فهناك دول أخرى لم تحصل على جائزة نوبل مثل البرازيل وباكستان والهند وكوريا وفنزويلا، فتلك الدول ومبدعوها في الصفوف الأخيرة من الجائزة، في حين أن هناك دولًا أخرى حصدت الجائزة بنسبة واضحة مثل الولايات المتحدة التي حصلت عليها بنسبة نحو 33% من نتائج الجائزة.

أما عربيًا، فعلى الرغم من أن البعض قد يعتبر أن حاجز اللغة وأزمة الترجمات قد يعطي منظمي الجائزة بعض الحق في الحديث عن صعوبة الوصول للأدب العربي، إلا أن ذلك لا يبدو منطقيا في ظل دورها ومسؤوليتها كجائزة عالمية مرموقة، فالأدب العربي له تراث وحاضر، وعلى الباحثين الغربيين الاجتهاد لاكتشافه كما يسعى العرب إلى اكتشافهم، دون تهميش التجربة الإبداعية العربية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى