قصص وروايات

حكاية واحدة في رواية “كريسماس في مكة”.. مختلفة على لسان الأبطال

“هذا التمزق بين ما علي أن أدافع عنه لأنه جزء من هويتي وبين ما أرفضه في داخلي لأني لست مقتنعة به، هذا التمزق الذي ورثته من بيئتي التي ظلت تمدني بتناقضات طيلة الوقت، التناقضات التي يبدو أني سأقضي حياتي وأنا أحاول التصالح معها أو التنسيق فيما بينها.”

بهذه العبارة على لسان البطلة، ينطلق الكاتب أحمد خيري العمري في روايته “كريسماس في مكة”، الصادرة عام 2019 في 337 صفحة عن دار عصير الكتب للنشر، ليكشف عن تجربة روائية فريدة مليئة بالتناقضات والتساؤلات، تطرق أبوابا كثيرة لم يكن أحد ليتخيل أنها تجتمع في مبنى معماري واحد حدوده أوراقها، وتنعكس هذه التناقضات على القارئ الذي لا يدري إن كان لا يستطيع صبرا فيمضي قدما من فرط التشويق، أم أنه يخشى الاقتراب من النهاية كلما طوى صفحاتها حتى لا يفارق كل ما فيها ومن فيها.

تُمثل هذه الرواية عدة مواقف نمر بها في الواقع الذي نعيش فيه من حيث نظرتنا إلى العديد من الأمور المشتركة مع أشخاص آخرين، فكل منهما قد يرى أنه على حق من وجهة نظره، في حين أن الأخرين من وجهة نظرهم يروا أنهم على حق أيضا، ولو  أن كلا منا وضع نفسه في محل الأخر ورأي الأمر من منظوره، سيكتشف أنه لديه ولو قليل من الأحقيه في موقفه.

إنها من الروايات المؤثرة التي يمكن أن تؤثر في نظراتنا الى الأمور، بل وتفتح سُبل جديدة لإدراك المواقف التي يمكن أن تواجهنا في الحياة. في البداية، سيجذب الكاتب عاطفة القاريء جهة أحد الشخصيات النسائية في الرواية، ثم مع تطور الأحداث ستظهر له الحكاية من زاوية أخرى تجعله يدرك الموقف على لسان طرف أخر، لتظهر له الصورة كاملة ليبين أن إدراكه للأمر لم يكن كاملًا، وبالتالي اي انفعال او ردة فعل كونها أثناء قرائته كانت خاطئة .

هذا الأمر تحديدًا هو ما نعيشه كثيرًا في واقعنا، دائمًا ما نسمع الحكاية ونصدر أرائنا بناء على كلام أحد أطرافها، في حين أنه يوجد عدة أطراف أخرى في الحكاية لو سمعناهم ستتغير نظرتنا للموقف وإدراكنا له.

عن الكاتب:

أحمد خيري العمري كاتب وطبيب أسنان عراقي الجنسية من مواليد بغداد عام 1970 ينتمي إلى الأسرة العمرية التي يعود نسبها إلى الخليفة عمر بن الخطاب، و من أعماله البارزة: البوصلة القرآنية، الفردوس المستعار.

عُرف ككاتب إسلامي عبر مؤلفات جمعت بين منحى تجديدي في طرح الموضوعات وأسلوب أدبي مميز. أختير عام 2010 ليكون الشخصية الفكرية التي تكرمها دار الفكر في تقليدها السنوي.

عن الرواية:

تتحدث “كريسماس في مكة” عن أحداث جرت في زمن الحرب في بغداد وعن عائلة تأثرت سلباً وإيجاباً بعد وقائع الحرب في بغداد، فقد تشتتت العائلة حتى عادت واجتمعت بعد سنوات بظروف خاصة مختلفة؛ الشخصيات هي ذاتها ولكنها تغيرت مع مرور الزمن.

اجتمعوا في مكة المكرمة مع التزامن بموسم أعياد الكريسماس، كل منهم كان له غايته! توالت الأحداث بعد لحظة وصولهم إلى مكة المكرمة بالتعارف على بعضهم البعض وإعادة الذكريات التي ماتت بداخلهم فقاموا بإنعاشها مجدداً بعد كل تلك السنين.

بعد قضاء بعض الوقت مع بعضهم البعض في مكة وأداء مناسك العمرة في ذلك الوقت من العام واسترجاع ما يمكن من الذكريات، كان له تأثير لطيف عفوي وغريب على رحلتهم… كانت رحلة لطيفة عاطفية وعميقة المعاني والتجارب في الحلو منها والمر.

تحديات الرواية

تضعنا الرواية، ومن العتبة الأولى للعمل ـ العنوان ـ أمام مجموعة تحديات قرر الكاتب مشاركتنا في خوضها، وبالفعل فقد صدرت الرواية بطبعتين تحملان عنوانين، الأولى بعنوان “كريسماس في مكة” بينما الطبعة الأخرى صدرت بعنوان “كريسماس”، وذلك نتيجة خوف الناشر من منع الرواية في بعض الدول الخليجية التي قد تتحسس من العنوان، أو هو إجراء احترازي للحيلولة دون منع دخول الكتاب إلى بعض الدول العربية التي ترى حرجا في العنوان.

شخصيات الرواية:

في هذه الرواية قسمين: قسم تاريخي يتحدث عن سقوط اآخر الخلفاء العباسيين بطريقة مؤثرة ومحزنة، مع كم هائل من المعلومات على لسان الشخصية التي اخترعها الكاتب: “إسحق” الذي ساعد الخليفة أحمد المستنصر بالله ابن الخليفة الظاهر للوصول إلى مصر، وعندما حاول الرجوع إلى بغداد ليحررها تم قتله من قبل التتار.

في القسم الآخر من الرواية يتحدث الكاتب عن عائلة عراقية ذاقت من المر والألم والحسرة بسبب الحروب الطائفية والخارجية، فهناك:

الأم ميادة وهي شيعية المذهب تزوجت من الدكتور عمر “سني المذهب”، وكانت تعيش حالة من القلق وتطلب من زوجها مغادرة البلاد الذي كان بدوره مترددًا لأنه لا يريد أن يترك عائلته ويسافر، قُتل عمر وعاشت ميادة صدمه قوية، وسافرت هي وابنتها خارج البلاد.. وهنا بدأت المعاناة.

أما مريم، التي كانت تدرس الهندسة المعمارية، تجهل تماما الماضي الذي عاشته أمها ولا تعرف شيئا عن عائلة أبيها، كانت الفتاه المسلمة الوحيدة التي تدرس الهندسة في رابطتها بالعمارة الإسلامية، ومن هنا كانت بحاجة للسفر إلى مكة للتعرف على أسرار العمارة هناك.

أما خالها، حيدر، الذي يعيش في صراع قاتل بين شخصيته الشرقية المحافظة والشخصية المتحرره في بلاد الغرب، كان بحاجة لهذه الرحلة الزاهدة إلى مكة، هربًا من الواقع الذي يعيشه.

وفي تواصل وتنسيق مسبق بين ميادة وسلفها سعد الذي لم يتبق إلا هو ووالده من عائلة عمر، يتم اللقاء في مكة ليلة الكريسماس. التفاصيل جدا جميلة ومؤثرة، اختتمت بتفرق العائلة في المطار من جديد، وكأن الافتراق هو قدرهم.

نقد الرواية:

للرواية أصداء إيجابية لدى القراء انعكست في مواقع تقييم الكتب الرقمية، فقد تحدث الكاتب عن الروحانية الموجودة في المسجد الحرام، ذلك المكان المقدس العريق بتاريخه ومعماريته والسلام الذي  يحيط به. كما سلط الضوء على النفس الإنسانية وكيف يمكن للزمن أن يغيرها ولو قليلاً.

وكان من الواضح في الرواية صراع الأجيال بين الأفراد؛ بين مراهقة جامعية في بريطانيا، أم من بغداد اضطرت مجبرة  إلى مغادرة عالمها لتترك ما خلفته الحرب خلفها والخال والعم اللذان واجها الحرب والموت و الغربة كل على حده مع صعوباته، والجد الذي عاصر أجيال متعددة مختلفة وعدد التجارب الصعبة التي مرِّ بها كونه عسكري سابق في جيش العراق. هذا التباين في التجارب أمر رائع وجميل أن نعيشه من خلال كتاب مثل هذا.

المميز في هذه الرواية هي طريقة السرد التي اتبعها الكاتب، فكان ينتقل بين الأحداث على لسان الأبطال، لترى وجهات النظر المختلفة في حدث واحد تعددت الأطراف فيه، وكيف يكون كل شخص مُقنع في وجهة نظره ورؤيته للأمور، حتى انك تصل إلى حالة من التعاطف مع كل الأبطال.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى