هيئات

صندوق «النقد الدولي».. أداة النظام العالمي لاحتلال الدول اقتصاديًا

صندوق النقد الدولي هو وكالة متخصصة من منظومة معاهدة بريتون وودز تابعة للأمم المتحدة، أنشئ سنة  م 1945 للعمل على دعم الاقتصاد العالمي الجديد.

وتم تقسيم النفوذ بين جناحي الغرب، فالبنك الدولي يديره الأمريكان اليهود، بينما يدير صندوق النقد الدولي الأوروبيون اليهود، وذلك لضمان استمرار النفوذ الاستعماري على المستعمرات الأوروبية بأساليب اقتصادية.

تاريخ صندوق النقد

قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية بعام واحد عقد مؤتمر النقد الدولي ببريتون وودز بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم الاتفاق فيه على سحب الذهب من التعامل المباشر من أيدي البشر واستبدال الذهب بالأوراق النقدية، وقد تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية في اتفاقية بريتون وودز أمام دول العالم بأن من يسلمها خمسة وثلاثين دولارًا تسلمه تغطية الدولار من الذهب وهي أوقية من الذهب.

الدولار بعد هذه الاتفاقية صار يسمى عملة صعبة، وصار العالم كله أفرادًا ودولًا يثق بالدولار باعتباره عملة للتداول لأنه مطمئن أن الولايات المتحدة ستسلمه ما يقابل ورق الدولار من الذهب عند الطلب.

واستمر الوضع على هذا حتى خرج الرئيس نيكسون فجأة على العالم وصدم سكان الكرة الأرضية أفرادا وشعوبا وحكومات بأن الولايات المتحدة لن تسلم حاملي الدولار ما يقابله من ذهب وأن الدولار سيُعوَّمُ أي ينزل في السوق تحت المضاربة وسعر صرفه يحدده العرض والطلب وحينها قالوا تم إغلاق نافذة مبادلة أمريكا دولاراتها بما يقابلها من ذهب، سميت هذه الحادثة الكبيرة عالميا بصدمة نيكسون Nixon shock.

وبهذا بقيت الأوراق النقدية مع سكان العالم ولم يعد من الممكن استبدالها بالذهب وبقى اليهود الذين يملكون الذهب هم الأغنى والمتحكمين في الاقتصاد العالمي بينما يستعبدون الشعوب والدول بأوراق يتحكمون في قيمتها النقدية صعودًا وهبوطًا.

انتهاك سيادة الدول

يؤدي صندوق النقد الدولي مهامه الاستعمارية من خلال ثلاثة مسارات أساسية وهي:

1- الإقراض: إعطاء قروض من قصيرة إلى متوسطة وطويلة الأجل للدول الأعضاء التي تكافح من أجل الوفاء بالتزاماتها الدولية. وتقدم القروض أو حزم الإنقاذ في مقابل تنفيذ شروط محددة للصندوق للمساعدة كما يزعم في استعادة ديناميكية الاقتصاد الكلي بما يؤدي إلى النمو المستدام.

2- المساعدة الفنية: وذلك عن طريق الدعم العملي والتدريب الموجه مثل تقديم المشورة بشأن السياسة الضريبية، وإدارة الإنفاق، والسياسة النقدية، وسعر الصرف، وتنظيم النظام المالي، والخصخصة، وتحرير التجارة، وما إلى ذلك.

3- المراقبة: هي نظام رسمي عبارة عن المراجعة التي تراقب السياسات المالية والاقتصادية للبلدان الأعضاء لضمان أنهم يعيشون داخل حدود إمكانياتهم، فالتطورات تتلاحق على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي، وفي هذه العملية، فإن مسؤولي الصندوق يتشاورون بانتظام مع الدول الأعضاء وتقديم المشورة بشأن السياسات الاقتصادية والمالية، وهذه النقطة هي التي تعتبر كعب أخيل التدخل في شئون الدول وانتهاك سيادتها.

الوجه الحقيقي للصندوق

جزء من هذه المراقبة يتم قبل منح الدولة القرض، وهو ما يتعلق بمشاهدة تنفيذ الدول لحزم الإصلاحات التي يتطلبها البنك لمنح القرض مثل فرض المزيد من الضرائب، وتعويم العملة المحلية، ورفع الدعم، وطرح المشروعات العامة للبيع للقطاع الخاص.

ويظهر الوجه الحقيقي للصندوق عندما يعجز البلد عن السداد عجزًا مطلقًا؛ حيث تتدخل المنظمات الدولية لتتولى هي بنفسها تنظيم ماليته وإصلاح نظامه الاقتصادي، فصندوق النقد الدولي يعني ببرامج التكيف وسياسات الإصلاح النقدية والمالية، والبنك الدولي يعني بدفع التنمية وبالتالي تتدخل الدول الغربية في كافة شؤون الدولة النامية الاقتصادية والتعليمية والسياسية والحكومية والثقافية والاجتماعية.

ضحايا الصندوق

خلال الثلاثين سنة الماضية وقعت أكثر من ثمانين أزمة اقتصادية ومصرفية حادة في دول العالم الثالث، كان القاسم المشترك في هذه الأزمات هو صندوق النقد الدولي وشروطه وأدواته ونصائحه التي فاقمت من أزمات الدول وزادت من معاناتها وتدهور أحوالها بصورة عامة.

ومن أبرز ضحايا الصندوق خلال هذه الفترة، دول أمريكا الجنوبية الأشهر:

أولًا: المكسيك: رحلة المكسيك مع صندوق النقد الدولي بدأت عام 1982 بقرضٍ بلغ 3.9 مليار دولار، بعد إذعان الحكومة المكسيكية لبرامج “التكيف الهيكلي” التي رسمها الصندوق بدقة. فانتقلت بعدها الأوضاع من سيءٍ إلى أسوأ، وانهار البيزو المكسيكي في عام 1994، ودفعت حالة “إدمان الصندوق” المكسيك إلى المطالبة بالمساعدة من جديد، فقدم الصندوق قرضًا مقداره 75.7 مليار دولار في عام 1995 مع اشتراط تنفيذ إجراءات هيكلية بشكل أعمق، فنفذت المكسيك. ولم تتحسن الأحوال الاقتصادية أو الاجتماعية بل كانت على النقيض تمامًا. ونتج عن ذلك ذوبان اقتصادي أكل الأخضر واليابس، وأصبحت المكسيك على وشك التخلف عن دفع ديونها للممولين العالميين الذين كانوا أساسا سببًا في هذه المشكلة.

ومنذ ذلك الحين والشعب المكسيكي يرزح في فقر مدقع، وأزمات تلو أخرى. وفي مايو الماضي وافق الصندوق من جديد على خط ائتمان مرن للمكسيك بقيمة 88 مليار دولار. منذ عام 1982 إلى الآن و” الطالب النموذجي ” – كما وصفه صندوق النقد الدولي في عام 1994 داعيًا دول أمريكا اللاتينية إلى الاقتداء به – لم يفلح في الخروج من أزماته المتلاحقة بل المزيد من المشاكل ثم الاقتراض من جديد.

ورأى بعض الاقتصاديين، ومنهم البروفيسور ليستر ثورو، عميد كلية الاقتصاد في جامعة MIT العريقة أن خيار التوقف عن الدفع كان أفضل للمكسيك من خيار حزمة الإنقاذ التي وضعها صندوق النقد له.

ثانيًا: البرازيل: بدأت أزمة البرازيل – المستمرة حتى الآن – مع البنك الدولي في فترة السبعينيات خلال الديكتاتورية العسكرية البرازيلية، عندما لجأت الحكومة البرازيلية المتمثلة في عسكريين، إلى البنك الدولي للاقتراض بحجة إنشاء مشروعات للبنية التحتية، الأمر الذي وافق عليه البنك الدولي ومنح مليارات الدولارات للبرازيل، واستُخدمت القروض لتمويل مشروعات ضخمة مثل السدود التي لم يف الكثير منها حتى بالأهداف التي وضعت من قبل البنك الدولي بناءً على دراساته.

ومع تراكم الفوائد والديون على البرازيل والضغوط الممارسة من قبل البنك الدولي، قررت الحكومة البرازيلية خلال الثمانينيات، اقتراض أموال جديدة لسداد فوائد القروض القديمة، لتسمى الحقبة ما بين عامي 1985 و1989 بـ”العقد الضائع” من حياة البرازيل عندما شهدت تلك الفترة نقل هائل للثروة الوطنية إلى خارج البلاد حيث دفعت الحكومة البرازيلية نحو 148 مليار دولار – منها 90 مليار دولار لفوائد القروض الأجنبية، وفي تقرير للبنك الدولي صدر عام 1991، قدر البنك بأن 55 % من مشاريعه في البرازيل فشلت.

وفي التسعينيات، وصلت البرازيل إلى الحضيض مع تراكم الديون وضغوط البنك الدولي في ظل تعاقب سلسلة من الحكومات المدنية، ليُرغم البنك الدولي البرازيل على تبني سياسات تقشفية مع رفع القيود التنظيمية عن الصناعات، وبيع مؤسسات الدولة، وخفض الإنفاق الحكومي، إضافة إلى رفع قيمة الضرائب على المواطنين.

وفي أواخر التسعينيات، أسرع الرئيس البرازيلي “كاردوسو” بتنفيذ رؤية البنك الدولي الإصلاحية، فتم بيع شركة الهاتف الحكومية المربحة وشركة التعدين المربحة المملوكة ملكية عامة، لشركات متعددة الجنسيات، وتم تخفيض الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية إلى أن أحرق الفقر وانخفاض الدخل وارتفاع الأسعار المواطنين.

ومع ذلك لم ينجح البرازيل في توفير المبالغ الطائلة المتمثلة في فوائد قروض البنك الدولي، ليُضطر ” كاردوسو” في نوفمبر من عام 1999 إلى وضع إدارة البرازيل تحت رحمة صندوق النقد الدولي بدرجة أكبر عندما وافق على حزمة قروض جديدة من الصندوق مقدارها 5.41 مليار دولار، ما أدى إلى تدخل البنك الدولي في الحكم المباشر للبرازيل، وتحديد سياسات الدولة وتقسيم أراضيها ورفع قيمة الضرائب وتخفيض قيمة العملة إلى درجات كارثية، حتى وصل الاقتصاد البرازيلي إلى مرحلة ركود طويلة الأجل مما أدى بالبلد إلى الخراب.

ثالثًا: الأرجنتين: بالنسبة للأرجنتين، فكان بيع موارد الدولة الأساسية وخصخصتها من نصيب ثامن أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، فبعد تنفيذها لخطة البنك الدولي بدون تردد خلال التسعينيات، وصلت الأرجنتين إلى القاع،وتمثلت خطة البنك الدولي في عدة خطوات، أولها تحرير سعر العملة الأرجنتينية ” البيزو” مقابل الدولار.

وتمثلت الخطوة الثانية في الخصخصة وبيع موارد الدولة، فباعت الأرجنتين طوال فترة التسعينيات ما سمّاه الأرجنتينيون “مجوهرات الجدّة” النفط والغاز، والمياه، وشركات الكهرباء والبنوك الحكومية، لتكون شبكات المياه الريفية من نصيب شركة “فيفندي” الفرنسية، وفازت “انرون تكساس” بأنابيب نقل النفط، وتولت إحدى شركات الاستثمار من الولاية الأمريكية “بوسطن” – البنوك المحلية.

ومع استمرار ضغوط البنك الدولي، خصخصت الأرجنتين حتى نظام الضمان الاجتماعي، وتم تحويل الكثير من تخصيصاتها إلى حسابات خاصة.وتبعت تلك الخطوة ارتفاع نسبة البطالة الأمر الذي اعترف به البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بارتفاع نسبة البطالة في العاصمة “بوينس آيرس” من 17 % إلى 22 % – لينتج من تلك القرارات، أعمال العنف والنهب التي هزت المدينة في ديسمبر من عام 2001.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، إنما مارس البنك المركزي ضغوطه على الأرجنتين لتتبع سياسة جديدة – هي الأسوأ من نوعها – وهي خصخصة مياه الشرب بنظام حق الامتياز لصالح الشركات الأجنبية الكبرى – والتي تعد من شركاء وممولي البنك الدولي، لترتفع أسعار مياه الشرب بنحو 177%.

Error: Check network connection status.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى