كتب

[:ar]كتاب مع الناس للشيخ علي الطنطاوي[:en]Ali Tantawi[:]

من حسنات انتشار الصحف بأوائل الثمانينات بالبلدان العربية أنها تركت تراثًا كبيرًا من كتابات العلماء البارزين حول الحياة العامة، والتي أمكن فيما بعد جمعها تحت عنوان واحد في كتاب فريد، وهذا بالتحديد ما حصل في كتاب “مع الناس” الذي نشرته دار المنارة بجدة، عام 1996 في 225 صفحة بطبعته الثالثة، لمؤلفه الشيخ على الطنطاوي الذي يضم مجموعة من المقالات الممتعة التي تتحدث عن مواقف الشيخ مع الناس في أزمنة وأماكن مختلفة.

تعريف بالمؤلف

الشيخ علي الطنطاوي من كبار الأُدباء المعروفين والمُرَبين المشهورين في القرن العشرين، وكذلك له باع طويل في الفقه وعلوم الشريعة. كان يُلقب بأديب الفقهاء وفقيه الأُدباء. سُوريّ المولد (1327هـ – 1909م) والنشأة، ورحل إلى العديد من بلاد العالم الإسلامية، مصر والسعودية والعراق ولبنان والهند والكويت، وغير ذلك، وكانت وفاته في جدّة (1420هـ – 1999م).

ترك تُراثًا كبيرًا، ما بين كُتب ومقالات وتسجيلات، ونحن الآن مع أحد كُتُبه الرائعة المتميزة بلغتها الفصحى السَّلِسَة الساخرة أحيانًا، وبما تحويه من فوائد عظيمة متنوعة.

مع الكتاب

يضم الكتاب 38 مقالة تمثل حصاد سنوات عديدة من الدعوة والبحث والاجتهاد والكتابة، كُتبت على مدار ما يقرب من 20 عامًا في مواضيع متنوعة وأحداث مختلفة، لكنها تتفق في مجموعها بأنها تبحث قضايا ومشكلات اجتماعية تقع بين الناس، ويعلق عليها بما يراه حلا مناسبًا قاطعًا لهذه المشكلات التي قد تتسبب في انهيار مُجتَمعات بأسرها.

ويحوي الكتاب بالفعل حلولا رائعة لمشكلات قد ظن البعض بأنها مُزمنة لا حلّ لها، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى ما لدى الكاتب من دراية بأمور الشريعة، وحيث أنه تقلّد مناصب عديدة في التدريس ثم في القضاء وبالأخص (محكمة الأسرة) فوفِّق بسبب ذلك للوقوف على أساس المشكلة، ثم البحث عن حلول لها.

عالج الكتاب كثيرًا من القضايا والمشاكل المنتشرة، لكنه اهتم اهتمامًا خاصًّا بالقضايا التي تتعلق بالفضيلة والعفّة، وكذلك الغَيرة على الهوية والانتماء للدين وللعربية، ويستشهد الكتاب بكثير من آيات القرآن وكذلك النصوص الواردة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أو عن أصحابه والتابعين، وبما ورد أيضًا عن العلماء المتأخرين وأرباب الحكمة من كل المجتمعات والأديان، لكنه لا يُكثر أبدًا من أقوال هؤلاء، بل لا ينقل عنهم إلا قليلًا.

ملخص الكتاب

تناول الكتاب عدة قضايا اجتماعية وقدم لها علاجًا وحلولا واقعية، أبرزها قضية العبادة والسعادة وطلب العلم والفضيلة والاهتمام بالنظافة والوقت.

قضية العبادة: تكلم الكتاب حول هذه القضية وأثرها على حياة الناس، وكذلك العقبات التي توضع في طريق الناس إليها، وذلك تحت العناوين الآتية: أحسن كما أحسن الله إليك – رمضان – مُزعجات رمضان – صناعة المَشْيَخَة – حديث العيد.

قضية الوقت: تكلم الكتاب عن مسألة الاستهتار بالوقت وإخلاف المواعيد بنفس أسلوبه الشيق المُمتع الساخر واللاذع في بعض المقالات المتعلقة بهذه القضية، مثل: لصوص الوقت – لا تؤجل – الوعد الشرقي.

قضية السعادة: وتحت الحديث عن هذه القضية ينسِف الكتاب فكرة أن السعادة تتمثل في كثرة الأموال أو المناصب، ويؤصل لفكرة أن السعادة تكون بالرضا والإيمان، نجد هذا جليًّا وواضحًا تحت عنوان “طريق السعادة”.

قضية طلب العلم: لأجل أن المؤلف اشتغل مُدرسًا لفترة ليست بالقصيرة، فقد وقف على بعض المشاكل التي تخص الجيل الناشئ من الطلاب والتلاميذ، ومن ثَمّ قدم الحلول الجذرية المُمكنة للأخذ بيد هؤلاء الطلاب إلى طريق الجادة ونفع الأمة، تحت العناوين الآتية: شغلّوا الطلاب في عطلة الصيف – بين المعلم والتلاميذ – إلى الطلاب – الطلاب والعطلة – من عبث التلاميذ – موضوع إنشاء.

قضية الفضيلة: الدعوة إلى العفة والفضيلة هي من أكثر القضايا التي شغلت بال الشيخ كما يتضح في كثير من مقالات هذا الكتاب، حيث يتكلم الشيخ عن مخالفات العفة والفضيلة التي رءاها في كثير من البلاد التي سافر إليها ثم يُعقب عليها بالنقد ثم بما يراه حلا لمثل هذه المخالفات، من هذه العناوين: إبراهيم بك هنانوا قال لي – نساؤنا ونساء الإفرنج – هذا نذير للناس – هذا هو الدواء – رسالة.

قضية الزواج: وهي تتعلق بالقضية السابقة أو تابعة لها، إذ هي علاج أساسي لكثير من المشكلات المعروضة في القضية السابقة، فنجد الكتاب يعرض المشكلات التي افتُعلت في هذه القضية، وكيف نتخلص منها، كل هذا تحت هذه العناوين: مشكلة الزواج – أسباب المشكلة – الحب والزواج – السن المناسبة للزواج – في الزواج.

تعليق على الكتاب

يستخدم الشيخ في كتابه لغة صحفية موجهة للعوام، فجاءت كلماته مزيجا بين البلاغة والبساطة، كما أن كثيراً من المصطلحات المعروفة المشهورة على ألسنة الناس باللغة الإنجليزية وردت في الكتاب، لكنها لم تَرِد باللغة التي اشتهرت بها، بل وردت باللغة العربية الفصحى ويضع المؤلف معناها بجوارها بين قوسين باللغة المشهورة بها عند الناس، منها مثلا: الرّاد (الراديو) – الدخينة (السيكارة) – العُقدة (الكرافات).

وفي الحقيقة، فإن كتاب مع الناس شيّق وممتع وسلس وقريب، لا تمل من أسلوبه ولا مواضيعه، حافل بالقصص والحكايات، زاخر بالفوائد والعظات، لا يصلح معه مقال واحد، بل يحتاج إلى عدة مقالات، وأخشى أن أكون قد قصرت في العرض المُجمل لمحتويات الكتاب، ولكنه حقيقة يحوي الكثير من الدُرَرَّ.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى