اتفاقيات

[:ar]اتفاقية الجلاء البريطاني عن مصر[:en]British Evacuation Agreement for Egypt[:]

بعد استعمار استمر 73 عامًا وتسعة أشهر وسبعة أيام، رحل آخر جندي بريطاني عن القاعدة البريطانية بقناة السويس المصرية في 13 يونيو 1956، تطبيقًا لاتفاقية الجلاء (الاسم الرسمي لها: اتفاقية الجلاء عن منطقة القناة) الموقّعة في 19 أكتوبر 1954، بين قوات الاستعمار البريطاني والحكومة المصرية المشكّلة بعد سيطرة الجيش على الحكم في يوليو 1952 برئاسة المشير محمد نجيب، وبتوقيع رئيس وزراء مصر آنذاك، جمال عبد الناصر.

وعلى الرغم من سعي نظام يوليو لنسبة الجلاء إلى نفسه، وتسويقه كأحد منجزات حركة الجيش ضد النظام الملكي، إلا أن القاعدة العسكرية البريطانية بالسويس كانت هي آخر ما تبقى من قواعد الاستعمار البريطاني بعد إفراغ البريطانيين لمعسكراتهم استجابة لنصوص معاهدة 1936 بين مصر الملكية وبريطانيا، والتي تضمنت أن تنسحب القوات البريطانية إلى منطقة القناة خلال ثمان سنوات (أي في عام 1944)، تمهيدًا للجلاء الكامل خلال 20 سنة بنهاية عام 1956، بحجة انتهاء مصر من إعادة بناء جيشها لتولي تأمين قناة السويس، بعدما تم تسريح الجيش بعد ثورة عرابي.

وبالفعل، تمت أول مراحل الجلاء سنة 1945 عندما انسحبت القوات البريطانية من ثكنات القاهرة والإسكندرية، وقام الملك فاروق برفع علم مصر على ثكنات القلعة بالقاهرة وثكنات كوم الدكة بالأسكندرية، وتمركزت القوات البريطانية بعد ذلك فى منطقة القناة.

لحظة رفع العلم المصري على القلعة

وفى أكتوبر 1951، تعثرت مفاوضات حكومة مصطفى النحاس مع الحكومة البريطانية بعد تباطؤ الأخيرة في تنفيذ الاتفاق، مما أدى إلى إعلان مصر إلغاء اتفاقية 1936 من طرف واحد، واعتبار الجيش البريطاني جيش احتلال، ومن ثم إعلان الكفاح المسلح في منطقة القناة.

وزيادة في التحدي، أعلنت مصر السودان جزءًا لا يتجزأ من مصر، وذلك خلافا لما نصت عليه اتفاقية 1936 حول بقاء وضع السودان تحت الحكم العسكري البريطاني والحكم الإداري المصري معًا، ولقب الملك فاروق نفسه بملك مصر والسودان.

ومع استيلاء الجيش على الحكم بنهاية العام نفسه عام 1952، أعادت الحكومة العسكرية الجديدة فتح قنوات التواصل مع الاستعمار البريطاني لتفعيل بقية بنود اتفاقية 1936، إلا أن بريطانيا تمسكت بانفصال السودان عن مصر قبل الشروع في استكمال بنود الاتفاقية القاضية بجلاء بقية قواتها عن القناة.

وفى 19 أكتوبر 1954، وخلال عهد الرئيس الراحل محمد نجيب، أعلن توقيع رئيس وزراء مصر آنذاك، جمال عبد الناصر، اتفاقية الجلاء عن منطقة القناة، دون الكشف عن مزيد من تفاصيلها.. لينشغل الرأي العام المصري بعدها بأسبوع بحادثة المنشية، التي ادعى فيها النظام المصري تعرض رئيس الوزراء جمال عبد الناصر لعملية اغتيال في 26 أكتوبر 1954.

تسارعت الأحداث، وفى 14 نوفمبر 1954 تمت الإطاحة بمحمد نجيب وتولى مجلس قيادة الثورة إدارة شئون البلاد برئاسة جمال عبد الناصر الذي ظل يشغل منصب رئيس الوزراء كذلك، لتحصل السودان في 1 يناير 1956 على الحكم الذاتي بعد الاستفتاء على انفصالها عن مصر.

وفور استقلال السودان، حزمت القوات البريطانية حقائبها، وبدأت في تنفيذ عملية الجلاء عن المعسكر الأخير بالقناة، ليرحل آخر جنودها في 13 يونيو 1956، وسط تهليل الإعلام المصري للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، باعتباره مخلّص مصر من الاحتلال والأحق بقيادتها.. وهو ما تم له بالفعل في 23 يونيو 1956، حين تولى منصب رئيس الجمهورية، وظل محتفظا بمنصب رئاسة الوزارة.

نص الاتفاقية

مجلس الوزراء بعد الاطلاع على الإعلان الدستوري الصادر في 10 فبراير سنة 1953، وعلى القانون الرقم 637 لسنة 1954 بالموافقة على الاتفاق وملحقيه والخطابات المتبادلة الملحقة به والمحضر المتفق علية، المعقود بين حكومة جمهورية مصر وحكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال أيرلندا والموقع عليه بالقاهرة في 19 أكتوبر سنة 1954. وبناء على ما عرضه وزير الخارجية قرّر:

مادة 1- يعمل اعتبار من 19 أكتوبر سنة 1954 بالاتفاق وملحقيه والخطابات المتبادلة الملحقة به والمحضر المتفق عليه، المعقود بين حكومة جمهورية مصر وحكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال أيرلندا والموقّع علية بالقاهرة في 19 أكتوبر سنة 1954 والمرفق نصه لهذا القرار.

نص اتفاق 19 أكتوبر سنة 1954 إن حكومة جمهورية مصر وحكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال أيرلندا، إذ ترغبان في إقامة العلاقات المصرية ـ الإنجليزية على أساس جديد من التفاهم المتبادل والصداقة الوطيدة، قد اتفقتا على ما يأتي:

المادة 1:

تجلو قوات صاحبة الجلالة جلاء تاماً عن الأراضي المصرية وفقاً للجدول المبين في الجزء (أ) من الملحق الرقم (1) خلال فترة عشرين شهراً من تاريخ التوقيع على الاتفاق الحالي.

المادة 2:

تعلن حكومة المملكة المتحدة انقضاء معاهدة التحالف الموقّع عليها في لندن في السادس والعشرين من شهر أغسطس سنة 1936، وكذلك المحضر المتفق عليه، والمذكرات المتبادلة، والاتفاق الخاص بالإعفاءات والميزات التي تتمتع بها القوات البريطانية في مصر وجميع ما تفرع عنها من اتفاقات أخرى.

المادة 3:

تبقى أجزاء من قاعدة قناة السويس الحالية. وهي المبينة في المرفق (أ) بالملحق الرقم (2) في حالة صالحة للاستعمال ومعدّة للاستخدام فوراً وفق أحكام المادة الرابعة من الاتفاق الحالي. وتحقيقاً لهذا الغرض يتم تنظيمها وفق أحكام الملحق الرقم (2).

المادة 4:

في حالة وقوع هجوم مسلح من دولة من الخارج على أي بلد يكون عند توقيع هذا الاتفاق طرفاً في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية الموقّع عليها في القاهرة في الثالث عشر من شهر إبريل سنة 1950، أو على تركيا، تقدم مصر للمملكة المتحدة من التسهيلات ما قد يكون لازماً لتهيئة القاعدة للحرب وإدارتها إدارة فعالة. وتتضمن هذه التسهيلات استخدام الموانئ المصرية في حدود ما تقتضيه الضرورة القصوى للأغراض سالفة الذكر.

المادة 5:

في حالة عودة القوات البريطانية إلى منطقة قاعدة قناة السويس وفقاً لأحكام المادة (4)، تجلو هذه القوات فوراً بمجرد وقف القتال المشار إليه في تلك المادة.

المادة 6:

في حالة حدوث تهديد بهجوم مسلح من دولة من الخارج على أي بلد يكون عند توقيع هذا الاتفاق طرفاً في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية، أو على تركيا يجري التشاور فوراً بين مصر والمملكة المتحدة.

المادة 7 :

تقدم حكومة جمهورية مصر تسهيلات مرور الطائرات وكذا تسهيلات النزول وخدمات الطيران المتعلقة برحلات الطائرات التابعة لسلاح الطيران الملكي التي يتم الإخطار عنها. وتعامل حكومة جمهورية مصر هذه الطائرات فيما يتعلق بالإذن بأية رحلة لها، معاملة لا تقل عن معاملتها لطائرات أية دولة أجنبية أخرى مع استثناء الدول الأطراف في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية. ويكون منح التسهيلات الخاصة بالنزول وخدمات الطيران المشار إليها آنفاً في المطارات المصرية في قاعدة قناة السويس.

المادة 8:

تقر الحكومتان المتعاقدتان أن قناة السويس البحرية ـ التي هي جزء لا يتجزأ من مصر ـ طريق مائي له أهميته الدولية من النواحي الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية، وتعربان عن تصميمهما على احترام الاتفاقية التي تكفل حرية الملاحة في القناة الموقّع عليها في القسطنطينية في التاسع والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1888.

المادة 9 :

(أ) لحكومة المملكة المتحدة أن تنقل أية مهمات بريطانية من القاعدة أو إليها حسب تقديرها.

(ب) لا يجوز أن تتجاوز المهمات القدر المتفق علية في الجزء (ج) من الملحق الرقم (2) إلا بموافقة حكومة جمهورية مصر.

المادة 10:

لا يمس الاتفاق الحالي، ولا يجوز تفسيره على أنه يمس، بأية حال حقوق الطرفين والتزاماتهما بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة.

المادة 11:

تعتبر ملاحق هذا الاتفاق ومرفقاته جزءاً لا يتجزأ منه.

المادة 12 :

(أ) يظل هذا الاتفاق نافذاً مدة سبع سنوات من تاريخ توقيعه.

(ب) تتشاور الحكومتان خلال الاثني عشر شهراً الأخيرة من تلك المدة. لتقرير ما قد يلزم من تدابير عند انتهاء الاتفاق.

(ج) ينتهي العمل بهذا الاتفاق بعد سبع سنوات من تاريخ التوقيع عليه، وعلى حكومة المملكة المتحدة أن تنقل، أو تتصرف، فيما قد يتبقى لها وقتئذ من ممتلكات في القاعدة ما لم تتفق الحكومتان المتعاقدتان على مد هذا الاتفاق.

المادة 13 :

يعمل بالاتفاق الحالي على اعتبار أنه نافذ من تاريخ توقيعه وتتبادل وثائق التصديق عليه في القاهرة في أقرب وقت ممكن. وإقراراً بما تقدم وقع المفوضون المرخص لهم بذلك هذا الاتفاق ووضعوا أختامهم عليه. تحرر في القاهرة في اليوم التاسع عشر من أكتوبر 1954 من صورتين باللغتين العربية والإنجليزية ويعتبر كلا النصين متساويين في الرسمية.

التواقيع:

جمال عبد الناصر هـ. أ. نتنج

عبد الحكيم عامر ر. س. ستيفنسون

عبد اللطيف البغدادي ر. بنسون

صلاح سالم

محمود فوزي

لكن الذي يجب الإشارة إليه بوضوح، هو أن جلاء القوات البريطانية عن مصر جاء ثمرة لنضال عسكري وثوري طويل، بداية من ثورة أحمد عرابي ضد غزو الأساطيل والجيوش البريطانية، وثورة 1919 الوطنية التي قادها سعد زغلول، وانتفاضة الشعب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وإضراب جميع الطوائف بمن فيهم ضباط الشرطة الذين اعتصموا بنواديهم في أكتوبر 1947 وأبريل 1948، والكفاح المسلح ضد القوات البريطانية في قناة السويس فور رفع الاحكام العرفية بعد انتهاء حرب فلسطين، واستمرار هذا الكفاح بعد قيام حركة الجيش في يوليو، 1952، إلى أن تحقق الجلاء يوم 18 يونيو 1956، بعد ألوف من الشهداء في طريق طويل من النضال والتضحيات.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى