أماكن

«أودية الجن» في جزيرة العرب.. أساطير ما بين الحقيقة والخيال

لا يزال أهالي الجزيرة العربية حتى اليوم، يتداولون، قصص العرب القدامى في أسفارهم، الذين شقّوا أراضي الجزيرة العربية شمالها وجنوبها، وقالوا إن للجن قبائلها وعشائرها وملوكها، وأودية وشعاب وجبال تسكنها وتتكاثر فيها.

بلدان الجن

عُرف عن الجن أنها تسكن الخراب والفلوات ومواضع النجاسات في “الحمامات” و”القمائم”؛ لذا نهى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن هذه الأماكن، وحذّر منها، وأمرنا بالتحصّن بالأوراد الشرعية الصحيحة عند النزول بها.

كما عُرف عن الجن سكناها المواضع المظلمة والغيران والكهوف الموحشة، والأماكن المهجورة في الحواضر والبوادي، إلا أن تواجدها في الفيافي والقفار معلومٌ مشهور عند العرب وغيرهم، بل إن العرب على علم بذلك لطبيعة أرضهم وكثرة تنقلهم في الصحاري الموغلة والبيد المقفرة.

أرض عاد

ولذا قيل إن الجن سكنت أرض “وبار” و”جبل سواج” و”أبرق الحنان” من جزيرة العرب، كما سكنت “جبل حرفة” في محافظة النماص، و”يبرين” التي يرى البعض أنها أرض عاد بعد هلاكهم جنوب الجزيرة العربية، كما زعموا أنها سكنت الحجر من أرض ثمود -وهي تختلف عن حجر اليمامة في عالية نجد التي تضم مدينة الرياض حاليًا-.

وقد ذكر العلامة “أبن جنيدل” أن في “جبل خنوقة” موطن شهير لمعازف الجن، وتقصد العرب بالمعازف ما يصدر في الصحاري من أصوات ونواح وصفير فسّره البعض بصوت الرياح على السواحل والكثبان الرملية.

ورأى البعض الآخر منهم أنها صوت نواح الجن، حيث ذكر “الجنيدل” واصفًا “جبل خنوقة” بأنه جبل أشهب تعلو جانبه الغربي برقة كثيب رمل أحمر، وتحف جانبه الشرقي برقة بيضاء واسعة تسمى “أبرق خنوقة”، وموقعه شمال بلدة البجادية غرب محافظة الدوادمي.

قبائل الجن

وتوقع “الجنيدل” أن “خنوقة” مسكن “بنو مالك” و”بنو الشيصبان”، وهما قبيلتان من الجن الأولى مسلمة لا تؤذي أحداً، والأخرى كافرة لا يسلم من شرها المسافرون والسابلة، ولا أدل على إسلام الجن وكفرها إلاّ قوله تعالى (وإنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدا)، كما اختلف العرب في موضع “جن البدي” الذي أشار إليه “لبيد بن ربيعة” في شعره؛ فقيل المقصود بها البادية أي الصحاري، وقيل بل “البدي” وادٍ لبني عامر.

وبني عامر أمة من القبائل مجتمعة في جدها الأكبر عامر بن صعصعة، ومساكنها بين نجد وجبال تهامة، وهي إلى نجد أقرب على أنها مجاورة لصحاري الربع الخالي من الناحية الشرقية؛ ولذا وُصف أهلها بالشجاعة، وشدة البأس، ونجدة الملهوف، مع ما عرفوا به من الفصاحة ورقة الشعر، لا سيما في الغزل العذري الذي تسيده في تلك البلاد قيس بن الملوح “مجنون بني عامر” في مسرح جبل التوباد في محافظة الأفلاج الحالية.

وادي عبقر

كما أشار العرب إلى “جن البقار”، واختلفوا في البقار هل هو وادٍ أم جبل أو رملة، إلاّ أنهم اتفقوا على أن وادي عبقر وادٍ مأهول بأمة من الجن؛ ولذا كثر ذكره في أشعارهم، ورواياتهم حتى أن بعضهم ذكر أن فيه قرية عامرة بأصناف من الجن التي ينسبون إليها كل شخص ذكي؛ فيقولون “عبقري” نسبة إلى وادي عبقر الذي ترجح الروايات أنه في أرض اليمن -على خلاف بعض الأقوال التي زعمت أنه بين جبال الحجاز وتلك التي ذهبت إلى القول بأنه وادٍ في فيافي نجد-، كما قالوا إن “بلاد الشحر” في حضرموت مشهور بتواجد الجن، ولذا قالوا: إن من قبائل الجن “بنو غزوان”، وأن من ملوكهم “الشنقناق” و”الشيصبان”، وروي أن بعضها سكن في قصر الخليفة العباسي المعتضد بالله في بغداد وروع أهله.

كما ذكرها بعض الشعراء مثل “بشّار بن برد” و”الشنفرى” و”السليك بن سلكة” و”تأبط شراً”، و”أبن الورد”، وأكثروا من ذكر “العوامر”، وهي قبائل من الجن سميت بذلك؛ لأنها تسكن البيوت لا سيما المهجورة منها -أي تعمرها بسكناها-، ولذا يقال هذا البيت مسكون، أما العفاريت فهي القوية منها، ومع هذا فكلها ضعيفة في كيدها وقدراتها على إيذاء الإنسي إذا تحصن منها بما شرعه الله له كتلاوة القرآن العظيم، والتحصّن بالأوراد الشرعية الصحيحة، والتعوذ بالله من الجان وشرورها وكيدها.

حديث نبوي

وقد روي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن بالمدينة نفر من الجنة قد أسلموا فمن رأى شيئًا من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثًا فإن بدا له بعد فليقتله، فإنه شيطان” رواه مسلم.

أي أن الإنسان إذا رأى ما يريبه من الأشباح أو الأفاعي أو ربما الحشرات وغيرها، فليأمره بالخروج بعد أن يستعيذ بالله العلي العظيم منه، فإن شاهده بعد ثلاثة أيام فليقتله، ولا أدل على ضعف كيد مردة الجن إلا جهلهم بوفاة النبي سليمان عليه الصلاة والسلام قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إلا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).

شكوك وأوهام

كما أن معظم ما يذكره بني البشر من مخاوفهم من الجن عائد إلى الشكوك والأوهام، وهذا ما كانت العرب تزعمه في بعض أوهامها؛ حتى جاء الإسلام فصحح معتقداتهم، وصرف الاستعاذة بالله وحده، قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا).

كما كشف ضعف الإنس والجن وتحداهم سبحانه أن يجتازوا أقطار السموات والأرض قال تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى