إصـــدارتنامذبحة الحرس الجمهوري

الإبادة الجماعية وليس غيرها.. نتائج تحليل ضحايا “الحرس الجمهوري”

تكمن أهمية الوقوف العلمي والتوثيقي لضحايا مذبحة الحرس الجمهوري، نظرًا لكثرة ما ترتَّب عليها من آثار، سواء أكان ذلك في عدد الشهداء والمصابين والمعتقلين أم كان في ردود أفعال المجتمع المحلي والدولي؛ ولكونها مثَّلت متغيرا سياسيا واضحا في مسار تعامل قادة الانقلاب مع الخطوط الحمراء لثورة 25 يناير 2011، وتجاوز كل محرمات الثورة، والتجرؤ على هدم أهم مكتسباتها وهي حرية التجمع والتظاهر والاعتصام.

توثيق خاص

نظرا لحساسية تلك الواقعة، وما تقدم من أسباب، أولتها مؤسسة “وعي للبحث والتنمية” ومقرها العاصمة البريطانية لندن، بإصدار توثيق شامل ومتكامل مدعم بالبحث الممنهج والمدقق، في وثيقة علمية بعنوان: “مذبحة الحرس الجمهوري 5 و8 يوليو 2013: أول توثيق علمي شامل”.. وخصت الضحايا من الشهداء والمصابين بجهد تحليلي إضافي متخصص في بابها الخامس.

فخلال العمل على إصدار قائمة شاملة للمصابين والشهداء اعتمادا على 62 قائمة استنادية للمصابين و42 قائمة استنادية للشهداء؛ قام الفريق العلمي – بمعاونة أطباء متخصصين – بتفريغ المعلومات الطبية الخاصة بإصابات الشهداء والمصابين من تلك القوائم، وكذلك المعلومات الطبية الواردة من مصادر أخرى مثل: تقارير المستشفيات الحكومية والخاصة التي باشرت استقبال الإصابات، وتقارير شهادات الوفاة، والمعاينة المباشرة لجثث الشهداء في مشرحة زينهم من خلال وصف فريق نقابة الأطباء وقت المذبحة، وكذلك وصف أطباء المستشفى الميداني، وكل الوثائق والتقارير التي اهتمت ببيان الإصابة بشكل طبي ومهني.

وشكّل الفريق العلمي فريقا طبيا متخصصا من أساتذة الجامعات وكبار الاستشاريين، للقيام بالآتي:

  • الاطلاع على القائمة الموحَّدة ودراستها.
  • كتابة تقرير طبي يشمل وصفا وتحليلا علميا لبيانات الإصابة بين الناجين من المذبحة
  • كتابة تقرير طبي يشمل وصفا وتحليلا علميا لبيانات الإصابة بين الشهداء
  • تصنيف الإصابات حسب الفئات المختلفة وفق المعايير الطبية الموضوعية
  • بيان الدلالة الإحصائية والفارق المعنوي لكل منها من خلال الاستعانة ببرامج إحصائية
  • عمل ملخص لحالات المصابين، وآخر لحالات الشهداء
  • تنفيذ ورشة بمشاركة الفريق الطبي والفريق العلمي لصياغة التقرير بشكل نهائي
    • وقد قدَّمت اللجنة الطبية تقريرها في الأقسام الآتية:

التعامل مع البيانات

  1. قُسِّمَ المرضى – حسب الخطورة (نوع الإصابة) – إلى إصابات مميتة، وإصابات متوسطة، وإصابات بسيطة.
  2. قًسِّمَتْ الإصابات حسب أسباب الإصابة إلى:
  • إصابات بالرصاص الحي، وهذا يتضمن الإصابة بثلاثة أنواع من الرصاص تم استخدامها في تلك المذبحة، وهي: الرصاص المتفجر (الدمدم)، والرصاص المطاطي، والرصاص الخارق
  • إصابات بالخرطوش، وتتضمن نوعين من الإصابات:
    • عن بعد، أكثر من 40 مترا.
    • عن قرب، أقل من 40 مترا.
  • اشتباك هراوات أو عصي مكهربة أو غاز مسيل للدموع أو كلور أو سام.
  1. تم تقسيم الإصابات حسب مكان الإصابة بالجسد (رأس – صدر – بطن – أطراف) إلى:
  • إصابة في مكان واحد من الجسد.
  • إصابة في مكانين من الجسد.
  • إصابة في ثلاثة أماكن من الجسد.
  • إصابة في أربع أماكن من الجسد أو أكثر

النتائج الإحصائية:

أ. إجمالي عدد الضحايا:

إجمالي عدد الضحايا، وفقًا لقائمتي الشهداء والمصابين الموحَّدتين هو 945، منهم 145 شهيدا، أي بنسبة 15.34% من الإجمالي، و800 مصاب، أي بنسبة 84.66% من الإجمالي.

مع ملاحظة أن محيط الحرس يسع عشرة آلاف تقريبًا؛ فتكون نسبة الإصابات 9.45%، بواقع مصاب لكل 9 لم يصابوا.

ب. تحليل حالات المصابين (800 مصاب):

1- مستوى الإصابة:

أظهرت النتائج أن الإصابات الشديدة، شكلت عدد 376 مصابا، بنسبة 47% من إجمالي الإصابات، بهم 372 مصابا ذوي جرح نافذ في البطن أو الصدر أو الأطراف، و4 فقط إصابات غير نافذة، لكنها صُنفت شديدة، لما أحدثته من صدمة بالمصاب نتيجة للرصاص المطاطي.

أما الإصابات المتوسطة، شكلت عدد 408 إصابات، بنسبة 51% من إجمالي الإصابات، منها 392 جرحا نافذا، ولا يوجد في الإصابات المتوسطة جرح غير نافذ، ولكن ما رفع النسبة إلى 51% هو وجود إصابات في العين بعدد 16 مصابًا.

وفيما يخص الإصابات البسيطة (غاز حالة واحدة – خرطوش حالة واحدة – اشتباك 14 حالة)، فقد مثلت 2% فقط من إجمالي الإصابات، وبالتالي شكلت الإصابات الشديدة والمتوسطة نسبة 98% من إجمالي الإصابات.

2- أسباب الإصابة:

تم رصد بيانات أسباب الإصابة، ووُجد أن 568 حالة إصابة جاءت نتيجة استخدام الرصاص، أي بنسبة 71.56% من إجمالي الإصابات، منها 244 من النوع المتفجر الدمدم. كما وجد أن 217 حالة جاءت نتيجة استخدام الخرطوش، أي بنسبة 27.5% من إجمالي الإصابات، منها 50 إصابة عن قرب. وقد سجلت حالة إصابة واحدة بسبب الإصابة بالغاز وإصابة 14 إصابة اشتباك.

3- نوع السلاح (ناري):

تم رصد بيانات نوع السلاح الناري، ووُجد أن 40% من الإصابات ناتج عن السلاح الناري الموصوف بـ”خارق”، ونسبة 30.5% الموصوف بـ”متفجر”، وأقله موصوف بـ”مطاطي”.

4- نوع السلاح (خرطوش):

تم رصد بيانات نوع السلاح (الخرطوش)، فاق عدد المصابين بالخرطوش عن بعد، عدد المصابين بالخرطوش عن قرب (أقل من 40 مترا).

5- العلاقة بين مستوى الإصابة والسلاح المستخدم:

تم رصد بيانات مستوى الإصابة مع نوع السلاح المستخدم واتضح أنه في الإصابات الشديدة والمتوسطة كان السلاح الناري هو الأصل، خاصة الرصاص المتفجر، حيث مثلت الإصابات بالأسلحة النارية عدد (306 من إجمالي 376)، بنسبة 81% من إجمالي الإصابات الشديدة.. وفي الإصابات المتوسطة مثلت الإصابات بالأسلحة النارية عدد (254 من إجمالي 408)، بنسبة 62% إجمالي الإصابات المتوسطة.

6- العلاقة بين مستوى الإصابة وعدد أماكن الإصابة:

تم رصد بيانات مستوى الإصابة مع عدد أماكن الإصابة، واتضح أن عدد المصابين إصابات منفردة (بمكان واحد من الجسم) شكلوا 30% من إجمالي الإصابات، أكثرها من نوع الشديدة 170 من 240، ما نسبته (70%) من المصابين. أما الإصابات المجتمعة (أكثر من مكان) فقد شكلت النسبة المتبقية 70% (الإصابة في مكانين من الجسم 34%، أكثرها شديدة 72%، وفي ثلاثة أماكن 27% أغلبها متوسط 97 %، وفي أربع أماكن أو أكثر 9%).

7- العلاقة بين نوع السلاح ومكان الإصابة:

تم تصنيف الضحايا وفقًا لنوع السلاح ومكان الإصابة، وقد كان النصيب الأكبر في الحالات المنفردة لإصابات الصدر (64 حالة)، وإصابات الرأس (80 حالة)، وإصابات البطن (56 حالة)، وإصابات الأطراف (40 حالة). ويوضح جدول (26) أماكن الإصابات.

 

خلاصة النتائج:

وفي ختام التقرير الطبي الشامل لتوصيف حالات الإصابة في الشهداء والمصابين ترى اللجنة العلمية المعدة لمضمون التقرير، تقديم خلاصة النتائج على النحو الآتي:

إنه في يومي الجمعة والاثنين الموافقين للخامس والثامن من شهر يوليو في عام 2013 م. وبعد مرور 48 ساعة من قيام وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح خليل السيسي بانقلاب عسكري متكامل الأركان وقيامه بجريمة الإخفاء القسري للسيد رئيس جمهورية مصر العربية الدكتور محمد مرسي وتوارد الأنباء غير المؤكدة بأنه محتجز في مبنى نادي ضباط الحرس الجمهوري بشرق القاهرة  قامت جموع غفيرة من المتظاهرين بالاحتشاد والتظاهر السلمي أمام عين المكان المذكور ورفع صور الرئيس الشرعي المنتخب لمصر ورفض الانقلاب والمطالبة بإطلاق سراحه وتمكينه من مهامه الدستورية،  وفي أثناء ممارسة المتظاهرين السلميين لحقهم القانوني في التجمع والتعبير عن الرأي الذي كفله الدستور، قامت مجموعات قتالية تنتمي للقوات المسلحة المصرية ومجموعات قتالية من الشرطة المصرية بالزي الرسمي والأسلحة الحكومية وتحت مسؤلية مباشرة من الرئيس المعين عدلي منصور ووزيري الدفاع والداخلية عبد الفتاح السيسي ومحمد إبراهيم كما جاء في بيان المؤتمر الصحفي المشترك بين ممثلي الوزارتين بالتضامن فيما بينهما والتواطؤ على عملية القتل الجماعي، وقد اتسم المؤتمر بالتضليل والتجاهل التام لكل الضحايا ولم يذكر سوى إصابة شهيدين من الشرطة فقط!

أما الإصابات في صفوف عدد غفير من الضحايا الذين فصل التقرير إصاباتهم المختلفة ووثقها على أيدي فريق علمي متخصص؛ فلم يذكرها المؤتمر الصحفي وتجاهلها تماما كأن لم تكن وجرى تجاهل البلاغات المقدمة من أهالي الضحايا ولم تقم النيابة بواجبها.

ووسط هذا الإخفاق للسلطات المصرية في إقامة العدالة فإن هذا الجهد التوثيقي هو بداية لملاحقة المجرمين الحقيقيين الذين أداروا ونفذوا واشتركوا في هذه الجريمة ضد الإنسانية كما هو وسيلة لإثبات حقوق الضحايا والعمل على جبر الضرر المادي والمعنوي الواقع في حقهم وحق أسرهم، وكما جاء في التقرير فقد قامت هذه الأطراف بالهجوم المباشر على المعتصمين السلميين أمام الحرس الجمهوري باستخدام السلاح الناري الدمدم المتفجر والخارق والمطاطي والخرطوش عن قرب. إنه العنف المفرط، فقتلوا 145 وأصابوا 800 حالة، من واقع القوائم الموحَّدة التي وثَّقت ضحايا المذبحة.

وقد عرض المحرِّرون في نهاية الباب بعض النتائج الإجمالية المترتبة على القراءة الكلِّيَّة للتقرير التي أفرزت الدلالات المعنوية للتحليل الإحصائي، وهي:

أ. دقة استقبال المرضى:

إن استقبال حالة إصابة واحدة بسبب الإصابة بالغاز رغم ستار الغاز الكثيف يدل على دقة استقبال المرضى؛ حيث كانت تُسْتَقبَل الحالات حسب خطورتها، كما يدل على أن العدد غير المسجَّل من الإصابات أكثر بكثير مما سُجِّل.

ب. استخدام القوَّة المفرِطة

لم يتناسب حجم القوة المستخدمة مع ما يمكن أن نسميه فض اعتصام، فقد استخدمت أنواع مختلفة من الأسلحة النارية، أشهرها رصاص الدمدم، كما استخدم الخرطوش بكثافة ومن مسافة قريبة، وتعليقات الجنود المعبئين بالكراهية عندما يقول أحدهم مفتخرا: “الشارع مليان دم”. وكما بينت النتائج؛ فإن الإصابات البسيطة (غاز حالة واحدة – خرطوش حالة واحدة – اشتباك 14 حالة)، قد مثَّلت 2% فقط من إجمالي الإصابات، بينما شكلت الإصابات الشديدة والمتوسطة نسبة 98% من إجمالي الإصابات، وهو أكبر دليل على الاستخدام المفرط للقوة.

ج. الرصاص الدمدم:

شكّل هذا النوع من السلاح الناري كلمة السر في سقوط المئات من المتظاهرين السلميين بين قتيل وجريح، فقد أوضحت الجداول أن أكثر الإصابات التي أدت إلى الوفاة كانت ناتجة عن تصويب رصاص (130 من إجمالي 145 بنسبة 89.6%)، والنسبة الأكبر كانت للرصاص من النوع المتفجر الدمدم (72%)، وهو النوع الدقيق جدًا الذي يصوِّب نحو الهدف باستخدام الليزر، وبالتالي فإن الضحايا قد تعرضوا للقنص المباشر والقتل العمد بصدورهم العارية.

د. دقة التصويب بالليزر:

وأوضحت البيانات الإحصائية أن الدلالة المعنوية لإصابات الرأس والصدر تبيّن أن عملية التصويب تتصف بالدقة والقنص المتعمد بهدف القتل وإحداث صدمة ورعب في قلوب المتظاهرين. يؤخذ أيضًا بالاعتبار أن التصويب ناحية القلب باستخدام الليزر كما في سلاح الدمدم يهتك كلاً من الرئة والقلب بشكل تام.

ه. الضرب المتعمَّد والمتكرِّر:

تبيّن أن الإصابات شديدة الخطورة سادت في الحالات التي فيها تمت الإصابة بمكانين (198 من إجمالي 378)، وأن الإصابات متوسطة الخطورة سادت في الحالات التي وقعت بها الإصابة في ثلاثة أماكن (210 من إجمالي 408) (ضرب متعمَّد ومتكرِّر)، حيث لم يكفهم الضرب في الرأس، ولكن ضربوا في الرأس والصدر والبطن والأطراف؛ مما عدَّد أماكن الإصابة وزاد من مستويات الخطورة.

كما أظهرت البيانات الإحصائية الواردة في التقرير، والتي وضحت نسبة الإصابات المتعددة في الصدر والرأس والبطن والأطراف وارتباط نوع السلاح ودقة التصويب وتعدد الإصابة، أن هناك ضربا ناريا متكررا، وهو يعني أن القتل العمدي كان هدفا ممنهجا من القوات المكلفة بهذه المذبحة.

و. الإبادة جماعية وليس غيرها:

يكشف إجمالي عدد الضحايا 945 مصابا، منهم 145 شهيدا، أي بنسبة 15.34% من الإجمالي، و800 مصاب، أي بنسبة 84.66% من الإجمالي. ومع ملاحظة أن من تواجدوا من المتظاهرين في موقع الحدث وقت المذبحة (2500 حسب تقديرات الشهود) يكون المصابون 37.8%، بواقع مصاب لكل 3 لم يصابوا، هذا العدد من الضحايا هو رقم رهيب، ويعبر عن أن ما قامت به القوات لم يكن تفريقًا للمعتصمين أو صدًا لهجوم من مجموعة إرهابية – حسب الرواية الرسمية، وإنما ترقى إلى كونها عملية إبادة جماعية بمعنى الكلمة.

ز. التصفية الجسدية والترويع والصدمة:

خلاصة البيان الإحصائي أنه يحدد من خلال الجداول ومقارنة النسب أن القتل كان متعمدا ويمثل نوعا صارخا من التصفية الجسدية.

ومما استخلص من أسباب الوفيات المسجلة في شهادات الوفاة وتصاريح الدفن للشهداء أنها شملت الطلق الناري وما نتج عنه من مسببات الوفاة مثل: تهتك في أنسجة المخ ونزيف فموي جسيم، تهتك في الرئة اليسرى أو الرئتين ونزيف، كسور في الأضلاع وتهتك في الرئتين، كسور في عظام الجمجمة وتهتك في المخ، نزيف غزير في البطن وتهتك في الأحشاء.

 تعريف بالمؤسسة

“مؤسسة وعي للبحث والتنمية” هي هيئة علمية مستقلة تقوم على العناية بكافة أنواع المعارف التي تتعلق ببناء الوعي الفردي والجمعي. ولا تقتصر على التحليل والاستشراف للمستقبل في القضايا العلمية والسياسية والاقتصادية وغيرها، بل تجعل من التأريخ والتوثيق والرصد ومنصات التدوين محوراً بارزاً من محاور انطلاقها. والوازع المحرك لإيجاد هذا المشروع الطموح هو رؤية مؤسسية حضارية متكاملة للإنسان في القرن الحادي والعشرين، رؤية تنشد الحياة على أفضل الوجوه الممكنة وتعلي من شأن القيم والمبادئ الأساسية المشتركة بين البشر.

وتلتزم المؤسسة بنشر الحقائق ورصد الوقائع وهي في ذلك تحترم التخصص وتعالج القضايا بموضوعية وتراعي التعدد الفكري والاختلاف الطبيعي وتدرك قيمة الإنسان الذي كرمه خالقه واستخلفه في الأرض. وهي بذلك تسعى إلى تلبية حاجة المجتمع بمختلف شرائحه إلى نشر الثقافة والوعي والإدراك لدى العموم وليس بين النخبة وحدها.

Error: Check network connection status.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى