إصـــدارتنامذبحة الحرس الجمهوري

مذبحة الحرس الجمهوري.. كيف دارت الماكينة الإعلامية؟

يتناول الباب الحادي عشر من الموسوعة التوثيقية لمذبحة الحرس الجمهوري الصادرة عن مؤسسة وعي للبحث والتنمية ومقرها العاصمة البريطانية لندن، ما وثَّقته الموسوعة من تناول الإعلام بكافة مستوياته وأشكاله للمذبحة المروعة، وهو الباب الذي نفرد له العرض التالي:

أظهرت حجم المادة الإعلامية التي احتوتها الموسوعة وطريقة الترتيب والتصنيف التي وردت فيها ما بذله المحررون لهذه الوثيقة من جهود في إيجاد مادة إعلامية ثرية منظمة ومعبرة تسهل على الباحثين والدارسين والمؤرخين عملية الاطلاع؛ فضلا عن كونها مرتبة للتكشيف الإلكتروني وتفي بالغرض الأساسي الذي يهدف إلى التسجيل والتدوين والحفظ، ومن ثم سهولة الوصول إليها وتأمينها من الحذف والضياع.

أولاً: وصف المادة الإعلامية

صنفت الموسوعة المادة الإعلامية الإخبارية المتعلقة بمذبحة نادي الحرس حسب الأيام، وغطت الفترة الزمنية من 25 يونيو حتى 15 يوليو 2013، حيث يمثل الخامس والعشرون من يونيو بداية المرحلة التي اتخذت فيها المجموعة الانقلابية الخطوات الإجرائية الفعلية لتنفيذ مخطط الانقلاب وتداعياته، ومن ذلك انتشار الجيش في القُطر المصري فيما قيل حينها “لحماية المتظاهرين”، وما تلا ذلك من مظاهرات 30 يونيو والخطاب الأخير للرئيس مرسي في 2 يوليو، ثم بيان الانقلاب في 3 يوليو ثم ابتداء عمليات القتل الجماعي لرافضي الانقلاب العسكري في 5 يوليو و8 يوليو. وقد اتخذت واصفة الإعلام من تاريخ 15 يوليو نقطة نهاية التغطية الإعلامية للمذبحة، حيث يعتبر الخامس عشر من يوليو تاريخا تقديريا عند محررى الوثيقة لبداية ضعف التغطية الإعلامية الخاصة بهذا الحدث، حيث كان المصريون على موعد لأحداث جديدة حيث توالت الأحداث الجسام بعد ذلك.

وقد رُتِّبَتْ عناوين الأخبار في النطاقات المختلفة المشار إليها سلفًا، ترتيبًا زمنيا وذلك لكل من الصحف المحلية والإقليمية والدولية، بالإضافة إلى نماذج من وسائل الإعلام الجديد. كما تم وصف مضمون التحقيقات الصحفية المتعلقة بالمذبحة، وتم ترميز المواد الصحفية، وعمل تلخيص مضمون كل خبر في كلمات دالة ليتسنى لقارئ الموسوعة سهولة الوصول إلى المحتوى المطلوب.

ثانيًا: مضمون المادة الإعلامية

نستعرض خلال هذا العرض عينة من تلك الفئات الإعلامية وتحليل سياقاتها المختلفة، وقد تناولت الموسوعة الإعلام المصري (الموالي للشرعية والمناهض لها)، ثم الإعلام العربي، والدولي، والإعلام الجديد.. وهو ما نقف على نموذج منه على النحو التالي:

أ. عينة من الإعلام المصري (تحليل مضمون)

في إطار قراءة المادة المتاحة عن الإعلام المصري في الموسوعة؛ تبين قيام أكثر الصحف المصرية الرسمية والحزبية والخاصة بحملة ممنهجة ومتدرجة للتمهيد للانقلاب العسكري وفق خطة مدروسة تعزف على نغم واحد، ولم يغرد خارج السرب سوى صحيفة الحرية والعدالة[1] – لسان حزب الرئيس المنتخب محمد مرسي. وعند مطالعة عناوين الأخبار، نجد ملامح الحملة الصحفية المنظمة التي سارت في اتجاه منسَّق في كافة الصحف، وبدت سافرة بعد توجيه المجلس العسكري إنذرا بمنح مهلة للحكومة والمعارضة لتلبية مطالب الشعب – حسب وصفه – على النحو التالي:

1- الإعلام الموالي لانقلاب 3 يوليو 2013

  1. سياق عام من التضليل

شرعت الصحف والفضائيات في ترويج مجموعة الأكاذيب، ومن أشهرها:

  • أكذوبة الفشل بدأت من حملة منظَّمة على رئيس الوزراء هشام قنديل، والمطالبة بعزله، وكأنه هو كل المشكلة، ثم انتقال هذه العدوى إلى التشويه للرئيس بكل السبل وبكل ما أمكن من الأخبار الكاذبة، والتعرض الشخصي للأسرة ولكل من يعمل معه أو يبدي أي تعاطف أو جهد.
  • أكذوبة الأخونة: تبنت الصحف هذه الأكذوبة أولا في ادعاء توظيف الإخوان في الحكومة وفي الوظائف العامة، ثم ادعاء حدوثها في وزارة الداخلية والجيش! وكان حزب النور هو الجواد الأسود في هذا الافتراء السياسي، مثل أكذوبة تعيين رقم 191 ألفا من الإخوان دفعة واحدة في جهاز الدولة – الذي شنع به (يونس مخيون) أمين الحزب في ملتقى الحوار الوطني – (صبحي، 2013) والتي تبين بعد الانقلاب أنه محض افتراء بإيعاز من جهاز الأمن الوطني الذي كان يخطط للعودة من خلال إشاعة الفوضى والأكاذيب.
  • أكذوبة البيع والتفريط، مثل ادعاء بيع قناة السويس ومبنى ماسبيرو لدولة قطر! وبيع جزء من سيناء لحماس! ومساعدة أمريكا للإخوان!!.
  1. سياق الانقلاب والقتل الجماعي

ارتفعت نغمة التمرد، ومن ذلك إبراز الصحف لكلام الصحفي محمد حسنين هيكل (عرَّاب الانقلابات العسكرية): “المستقبل مرهون بتمرد”!! وتصدرت مقولات هيكل في مهاجمة الرئيس مرسي عناوين الصحف المصرية، وتزامن ذلك مع اختفاء المحروقات. وفي هذا السياق أوردت جريدة المصري اليوم في 28 يونيو 2013 – في سخرية من شعار الإخوان: “نحمل الخير لمصر” – عنوانا: “الوقود في زمن الإخوان: “نحمل الطوابير لمصر”!!… وعناوين أخرى مثل: “طوابير على ماكينات الصرافة”!!. كما أبرزت الصحف مطالبة قوى الانقلابيين بانتخابات رئاسية مبكرة بشكل لافت منذ يوم السادس والعشرين من يونيو، وهو اليوم التالي لانتشار الجيش وقوات الشرطة في كافة أنحاء الجمهورية، وبدأت تختفي حملة الأكاذيب السابقة من الأخونة والبيع والفشل والدخول في طور جديد يواكب الانقلاب بعناوين مثل: “تحطيم مقرات حزب الحرية والعدالة”… “الدعوة السلفية (برهامي وحزب النور) تناشد أبناء الحركة الإسلامية الانصراف من الميادين”.. “التظاهر السلمي مكفول”!… “المفتي: التظاهر جائز شرعا”… “مرسي وأسرته في مكان آمن”… “مرسي وأسرته ينقلون لدار الحرس الجمهوري خوفا من 30 يونيو”…

  1. ما قبل المذبحة:

وقع في التمهيد للمذبحة طور جديد من الأكاذيب في عناوين مثل: “التبليغ عن اختطاف عضوين من 6 أبريل داخل اعتصام رابعة”!!… “معتصمو الحرس يهددون باقتحام النادي بصاروخين”!!

  1. بعد وقوع المذبحة الأولى:

كانت العناوين الرئيسة للصحف المصرية من عينة “الإخوان تعلن الحرب على الشعب”… “المرشد يطلق نفير الدم”!![2]… “صفط راشين[3] تحمِّل الإخوان المسئولية عن ابنها الشهيد”![4]… “متهم سوري يعترف: حزب الحرية والعدالة أعطانا أموالا وأسلحة لمهاجمة ميدان التحرير[5]“!!.

  1. بعد وقوع المذبحة الثانية أمام دار الحرس (المذبحة الثانية):

تصدرت الصحف عناوين مثل: “في تحقيقات النيابة: 200 من المعتصمين حاولوا اقتحام المقر بالأسلحة وسط هتاف (الله أكبر)”! (الأهرام 9 يوليو)[6]… “عازر: الإخوان جماعة إرهابية وما حدث أمام الحرس الجمهوري”مفبرك””! (البوابة نيوز 8 يوليو)… “الإخوان يطلبون سلاحا من إخوان الصعيد لمواجهة معركة الحرس الجمهوري”!… “ائتلاف الثورة بأسوان: مذبحة الحرس من تخطيط الإخوان”!!

ومع كثرة هذه الأخبار، إلا أن هناك أخبارا أفلتت من الرقباء مثل: “قتلى وإصابات إثر محاولة فض اعتصام الحرس الجمهوري”.. “تصاعد المطالبات بتحقيق محايد”… “القبض على ثلاثة أشخاص بينهم مصاب بحوزتهم كاميرا وخوذة ومواسير بلاستيك”!! ..

2- الإعلام الموالي للشرعية

عرضت الوثيقة لصحيفة الحرية والعدالة كنموذج لوسائل الإعلام الرافضة للانقلاب والموالية للشرعية، لا سيما وأن أول الإجراءات التي اتخذها الانقلاب كانت إغلاق كافة القنوات والوسائل الإعلامية المحايدة أو الموالية للشرعية، ولم يبق منها إلا صحيفة الحرية والعدالة لبعض الوقت حتى أغلقت نهائيًا مع احتدام الأحداث ومُنعت من الصدور بعد أسابيع من وقوع الانقلاب، ويأتي الاهتمام بها لكونها الصوت الوحيد المعبر عن رافضي الانقلاب أثناء وقوع مذبحة نادي الحرس الجمهوري.

ومن باب المقاربة الموضوعية علينا أن نضع في الاعتبار الظروف والملابسات التي كانت تعمل فيها هذه الصحيفة، فقد تعرضت للتضييق بالقبض على كثير من قيادات الحزب الذي تنطق باسمه الصحيفة، وكانوا من أهم الكتاب في صفحاتها، ثم التباطؤ المتعمد في عملية توزيعها من قبل الشركات الحكومية، كما أنه قد تزاحمت عليها الأخبار، وتعرضت بوابتها الإلكترونية للتعطيل، كما تعرّض عدد من مراسليها وكوادرها للاعتقال أو المطاردة، وتدرج ذلك ليطال كل من يتعاون أو يتعامل معها، فوقعت الصحيفة في حالة من التأزم الشديد على مستويات التحرير والطباعة والتوزيع. ونرصد فيما يلي أهم المضامين التي سارت فيها تلك الصحيفة المعبرة عن دعم الشرعية ورفض الانقلاب في سياق رفض العنف ودعم الشرعية الدستورية.

  • ما قبل المذبحة:

في رصدنا للأخبار في هذه الصحيفة منذ 26 يونيو 2013 مرورا بوقوع الانقلاب، وقيام وزير الدفاع الجنرال عبد الفتاح السيسي بتعيين المستشار عدلي منصور كرئيس مؤقت، ووقوع مذبحة الحرس نجد أن الصحيفة رصدت الآتي:

نشرت وقائع لأزمة مصطنعة في البنزين والسولار وشُحًا متعمدًا للنقود بماكينات الصرافة وعبّر عنه بعض المسؤولين في حكومة هشام قنديل، من ذلك ما أوردته الصحيفة في 26 يونيو نقلاً عن محافظ سوهاج قوله إنه وبرغم زيادة حصة الوقود المخصصة للمحافظة إلى 400 طن، فإن الأزمة اشتدت أكثر من ذي قبل، حيث كان يصل المحافظة 300 طن فقط دون حصول أزمة!!.. ومثل هذه الملاحظة ما نشرته الصحيفة نقلاً عن (حسن البرنس) نائب محافظ الأسكندرية عما يحدث في الأسكندرية تجاه المحروقات والتصريح بأن قوى الثورة المضادة (الانقلابيين) وراء الأزمة.. ومثل ذلك خبر نقلته الصحيفة عن الدكتور (محمد علي بشر) وزير الحكم المحلي.. واستمرت هذه التحذيرات بوجود أزمة مفتعلة، ثم سجلت الصحيفة اختفاء أزمة البنزين يوم 4 يوليو ووفرة العملات واختفاء كل الأزمات في ظرف ساعات فجأة وبدون مقدمات، وصارت هناك وفرة في كل ذلك بعد يوم واحد من بيان الانقلاب.

وفي سياق التحذير من تدخّل الجيش والتحذير من الانقلاب على الشرعية الذي كانت تدعو إليه ما عرف بجبهة الإنقاذ وقتها، وبعض الشخصيات العامة وبعضهم ممن هو محسوب على الثورة – أوردت الصحيفة تصريحات لوزير العدل (أحمد سليمان) يحذّر فيها من وقوع انقلاب عسكري، ومن ذلك: “وزير العدل: حماية الشرعية الدستورية هي السبيل الوحيد للحفاظ على سلامة البلاد والتظاهر حق دستوري”، كما نشرت الصحيفة بيان رئاسة الجمهورية الذي أكد أن الأحزاب تؤكد على تمسّكها بالصندوق الانتخابي ونبذ العنف، كما نشرت الصحيفة في 30 يونيو 2013 إشادة الدكتور محمد البلتاجي بتصريح بعض قادة الجيش ردًا على من يطالب بتدخل الجيش في الحياة السياسية والذي قال فيه: “نحن نعمل الآن على رفع الكفاءة القتالية”، تبين فيما بعد أن مثل هذه العبارات كانت من قبيل الخداع الاستراتيجي لكل القوى الشعبية والثورية أو أنها أصوات حقيقية تم إخمادها.

وفي سياق الحفاظ على الشرعية الدستورية أوردت الصحيفة أخبار المظاهرات الداعمة للشرعية والمؤكِّدة على نبذ العنف، واختيارها ميدان رابعة العدوية مكانًا للتعبير تفاديًا للاحتكاك بأحزاب المعارضة التي تدعو إلى تدخل الجيش، والتي اتخذت من ميدان التحرير وقصر الاتحادية مكانين لتظاهراتها، وأولت الصحيفة عناية بالبيانات التي تؤكد على التمسك بالشرعية، ثم أوردت خطاب الرئيس مرسي في 2 يوليو 2013 الذي أعلن فيه خارطة طريق بين الحكومة والمعارضة للوصول إلى اتفاق سياسي لمرحلة ما بعد 30 يونيو، ودعا فيه إلى التمسك بالشرعية الدستورية، ومطالبة القوات المسلحة بسحب إنذاراتها، وإعلان استعداده لدفع حياته ثمنا لحماية الشرعية، مع تأكيده على رفض أي مساس بالجيش والشرطة أو بالشرعية أو بالمواطنين.

وفي سياق تغطية أحداث العنف والقتل والحرق والتمرد على الشرعية الدستورية، نشرت الصحيفة أخبارًا متواترة عن قيام بلطجية ومجموعات ما يعرف بالبلاك بلوك[7] – بغطاء سياسي مما عرف بجبهة الإنقاذ – بحرق ومهاجمة واقتحام المقرات الرسمية لحزب الحرية والعدالة ومقرات الإخوان المسلمين، وسقوط عدد متزايد من الشهداء وأعداد كبيرة من الجرحى والمصابين من منتسبي الحزب والجماعة في المقرات في كل أنحاء الجمهورية، وغطت الصحيفة توسُّع هذه العمليات المنسقة، وتواترت الأخبار التي نشرتها الصحيفة بامتداد الحرق والتحطيم والاقتحام من قبل مجموعات مسلحة لأملاك خاصة بأفراد ومنشآت خدمية تابعة لمنتسبي حزب الحرية والعدالة أو لجماعة الإخوان، مع الإشارة إلى تقاعس الشرطة المريب في ضبط المهاجمين، وتقاعس الدفاع المدني في إطفاء الحرائق، وكذلك النيابة التي كانت تخلي سبيل من يتم القبض عليه من المهاجمين في نفس الوقت أو بعد ساعات. من أمثلة هذه العناوين كما أوردتها الصحيفة: “بلطجية تمرد والإنقاذ يحرقون مقر الحرية والعدالة ببني سويف والسنبلاوين والحضرة”.. “مهاجمة مجمع مدارس الدعوة الإسلامية في بني سويف”.. “تحطيم مكتبة خاصة يملكها أمين الحرية والعدالة في بور فؤاد”، مع إيضاح الصحيفة استمرار غياب الشرطة وانتشار الجيش بزعم الانشغال في حماية المنشآت.

كما نشرت الصحيفة بيانات بموقف حزب الحرية والعدالة وكذلك جماعة الإخوان ورفضهما التام الاستجابة للعنف أو المشاركة فيه. وقد أكَّدت الوقائع هذا الموقف، حيث كان القتلى والمصابون يقعون في جانب واحد هو جانب الداعمين للشرعية. وتابعت الصحيفة تغطيتها بعد انتهاء مظاهرات 30/6 المطالِبة بتدخل الجيش (والتي استمرت عدة ساعات ثم انصرفت)، حيث نشرت أخبار تزايد عمليات القتل والحرق لمقرات حزب الحرية والعدالة، وتزايد حشود المتظاهرين الداعمين للشرعية، وقد وثقتها الصحيفة بالصور والأماكن والبث الحي على بوابتها الإلكترونية، ورسمت خرائط متعددة للمظاهرات والفاعليات والمجموعات السياسية المنضمة للشرعية والآخذة في التوسع والتمدد، وازدياد الحشود في ميدان رابعة العدوية، وزيادة الأعداد المؤيدة للشرعية بعد خطاب الرئيس الأخير، وأنباء انقطاع الاتصال به بعد هذا الخطاب، وزيادة الحشود بشكل مفرط في الأيام التالية لبيان الانقلاب. وغطت الصحيفة فشل عمليات الحشد لدى قوى 30 يونيو عندما حاولوا تكرار المظاهرات أو الاعتصام بعد هذا التاريخ. كما نقلت الصحيفة أخبارًا عن انتشار الفوضى في ميدان التحرير ووقوع حالات تحرش، كما نقلت الصحيفة أنباء اعتقال سلطة الانقلاب لبعض المراسلين من المصريين والأجانب، تفاديًا لنقل حقيقة ما يحدث في ميدان التحرير (موقع صحفي، 2013). ثم تابعت الصحيفة ما ترتب على الفشل في استمرار الحشد الشعبي لمناصرة الانقلاب وازدياد المظاهرات الرافضة له وتوسعها، فرصدت بدايات ظهور رجال الأمن في المشهد وتحرشهم بمظاهرات دعم الشرعية والاشتباك معهم، وكيف صاروا بعد بيان 3 يوليو، حيث تواجدوا بشكل علني مع البلطجية، ثم وثقت الصحيفة بدايات التراجع التدريجي للبلطجية وتقدم قوات الشرطة وأحيانا الجيش في استكمال هذه المهام بنفسها.

وعندما زادت عمليات اعتقال قيادات حزب الحرية والعدالة وبعض قيادات الإخوان، حاولت الصحيفة تغطية ذلك ومتابعة تشييع جنازات الضحايا في الأحداث المتلاحقة التي أخذت في التزايد والانتشار في كافة أنحاء القطر، كما وثقت إطلاق الشرطة للرصاص الحي على طلاب جامعة القاهرة وجامعة الأزهر، واستهداف أي تجمع لمناصرة الشرعية الدستورية من بعض قوات الجيش…

  • بعد وقوع المذبحة الأولى:

تضمنت الوثيقة تغطية صحيفة الحرية والعدالة للأحداث التي وقعت في الرابع والخامس من يوليو، واللذين شهدا تطورات مثيرة في أماكن عدة، فهناك اشتباكات بين البلطجية والمعتصمين قرب اعتصام النهضة، وسجلت الصحيفة أول إطلاق نار من قبل أحد ضباط الجيش ضد بعض المستغيثين به من هجوم البلطجية في ميدان النهضة، كما أوردت الصحيفة تحذيرًا للبلتاجي من موقعة جمل جديدة في رابعة ومطالبته الجيش بحماية المعتصمين، كما نقلت خبر دراسة الاتحاد الإفريقي تعليق عضوية مصر لحين استعادة المسار الديمقراطي. في هذا التوقيت نشرت الصحيفة تحذيرات بأنها معرّضة للاختراق أو سقوط بوابتها “وتابعونا على الفيسبوك”! وتزامن ذلك مع اعتقالات لبعض مراسليها، واعتذار البعض الآخر عن الاستمرار في العمل خشية المخاطر. وأبرزت الصحيفة خبر استدعاء مدير مكتب قناة الجزيرة للتحقيق، وكذلك اعتقال مهندس الصوتيات بها، وصدور بيانات للإخوان والحزب والمكاتب الإدارية للتحذير من أي انجرار إلى العنف، والتأكيد على سلمية الثورة وسلمية الاحتجاجات. ونقلت الصحيفة بيانات لعلماء وشخصيات عامة ترفض الانقلاب وتعلن التضامن وانضمام فئات جديدة للاعتصام الرئيسي، وخبر نصب 100 خيمة اعتصام أمام دار نادي الحرس الجمهوري، وتظاهر المعتصمين أمام بوابة الحرس مباشرة، ومداعبة بين الحراس من الشرطة والمتظاهرين دون حدوث أي اقتحام، رغم كثرة المتظاهرين وقلة الحراس، وبثت صورًا وفيديوهات لحالة الانسجام والتفاهم بين المعتصمين وأمن النادي!!

لقد صدرت أخبار اليوم السادس من يوليو 2013 في صحيفة الحرية والعدالة، وليس فيها تغطية كافية للمجزرة التي وقعت في الخامس من يوليو واستشهد فيها خمسة من الشباب. ويبدو أن الصحيفة لم تنتبه لهذه الحادثة وخطورتها وراحت تغطي مذابح أخرى في مناطق ملتهبة غير دار الحرس مثل (سيدي جابر) حيث سقط 12 شهيدا، و(بين السرايات) و(شارع مراد)، فضلا عن انشغالها بتغطية أخبار المحافظات التي كانت تخرج في بعضها مظاهرات مليونية وتشتبك الشرطة والبلطجية بأطرافها أو تهاجمها عندما توشك على الانفضاض، ولكن الصحيفة ذكرت أن هناك حشودا عسكرية عند دار الحرس، وهناك حشود من المعتصمين وازدياد الخيام من 100 خيمة إلى 300 خيمة.

  • بعد وقوع المذبحة الثانية أمام دار الحرس (المذبحة الثانية):

وقعت المذبحة الثانية يوم الثامن من يوليو، واستفاقت الصحيفة على الأصداء الدولية والمحلية التي أبرزت الحدث، وحاولت الصحيفة تغطية الحدث وترك المناطق الملتهبة الأخرى، في ظل اعتقال أو اعتذار مراسليها، واعتقال كبار الكتاب فيها، وحدوث اضطراب في إدارة الصحيفة واتهامها مباشرة في المؤتمر الصحفي المشترك بين الشرطة والجيش بأنها نشرت صورة لأطفال من سوريا على أنهم من ضحايا مذبحة دار الحرس على بوابتها الإخبارية ثم حذفته، حيث تركت وسائل الإعلام المذبحة وما سال فيها من دماء وركزت على هذ الاتهام لصحيفة الحرية والعدالة – والذي لم يتم التحقق منه إن كان ناتجًا عن خطأ فعلي من الصحيفة أو عن اختراق مباشر أو غير مباشر لبوابة الصحيفة الإلكترونية – وكان هذا الخبر (صورة الأطفال السوريين) بالإضافة إلى طرد مراسلي الجزيرة من المؤتمر الصحفي المشترك لوزارتي الدفاع والداخلية، هما ما وضعته وسائل الإعلام المصرية في بؤرة الاهتمام، وانصرفت عن تغطية المذبحة المروِّعة وملابساتها وعدد ضحاياها، وكذلك فعلت الصحف العربية الداعمة للانقلاب العسكري.

صدر عدد يوم 9 يوليو 2013 بأخبار كثيرة عن المذبحة، حيث تدرجت أعداد الشهداء قبلها في يوم 8 يوليو على البوابة الإلكترونية للصحيفة أثناء متابعة سير الحدث من 16 إلى 34 إلى 50 إلى 60 شهيدا. والعجيب أن بعض وكالات الأنباء الدولية نقلت عن بوابة الحرية والعدالة عدد الشهداء، ونقلت عن الجيش والشرطة أسباب الحادث ومبرراته، ومنها صحيفة (روسيا اليوم)!! ووثقت الصحيفة عن شهود عيان رفض بعض الجنود إطلاق النار وإصاباتهم من الخلف، وتصريح المتحدث الإعلامى باسم حزب الحرية والعدالة (جهاد الحداد)، في بيان، بأن الاعتداء كان في الركعة الثانية، وهو ما أكده مراسلو الجارديان والجزيرة، ونقلت عن نقابة الأطباء بيانا بسقوط 70 شهيدا، وبيانا من هيئات أردنية أن مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل تتكرر في مصر وفي صلاة الفجر، كما نشرت الصحيفة نداءات مستشفى الدمرداش للتبرع بالدم نظرا لكثرة الإصابات. وأوردت الصحيفة أنباء التفاعل مع الحدث من شجب بعض المنظمات الدولية وبعض الحكومات للمذبحة، مثل تركيا وبريطانيا، والمطالبات بالتحقيق، كما نشرت أنباء تشييع الجنازات وقصص الشهداء، ونقلت الصحيفة اعتذار (توكل كرمان) السياسية اليمنية الحاصلة على جائزة نوبل عن مطالبتها الرئيس مرسي بالاستقالة من قبل واعترافها بوقوعها ضحية لخداع مصري وعربي ودولي كبير، وقولها بعد بيان الانقلاب ووقوع القتل الجماعي إن هذا انقلاب على ثورة يناير، كما نقلت الصحيفة عن (راشد الغنوشي)، زعيم حركة النهضة التونسية، تحميله المعتصمين في رابعة مسؤولية حماية الربيع العربي كله بقوله “فصمودكم يحمي كل الثورات”. كما نقلت الصحيفة أنباء عن وصف الواشنطن بوست بأن هذا اليوم (8 يوليو) هو أكثر الأيام دموية في مصر، ونقلت عن نيويورك تايمز بعد تحليل المؤتمر الصحفي المشترك لسلطة الانقلاب قولها: “أدلة الجيش لتبرير المذبحة ضعيفة”، وحاولت الصحيفة تغطية ردود الأفعال في الدول العربية والغربية.

نشير إلى أن هذا العرض يمثل فقط عينة من الإعلام المصري بشقيّه، وأن الأمر نفسه أجرته الموسوعة مع الإعلام العربي الإقليمي، والإعلام الدولي، وكذلك الإعلام الجديد الذي امتلأت وسائله، فيما يعرف بصفحات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وانستجرام وغيرها)، بمادة كبيرة دارت حول المذبحة وردود الأفعال نحوها على مستويات مختلفة، ومثلت ميدانا لمعركة متعددة الوجوه بين أنصار ثورة 25 يناير 2011 والمؤمنين بها والمتعاطفين معها من ناحية، وبين قوى الانقلاب وأتباعه وبعض المخدوعين بألاعيبها وألعابها المختلفة من ناحية أخرى. كما مثلت تلك الفضاءات تعبيرا عن مستويات عدة، مثل الاقتصار على متابعة الأخبار وإعلان المواقف المبدئية أو المترددة المائعة أو المتحفظة، وفي هذا الجانب رصدت الوثيقة قدرًا من التغريدات والتدوينات لسياسيين وأحزاب وصانعي قرار يمثلون ألوان الطيف في النخبة المصرية، وكذلك نماذج لعموم المصريين.

تعريف بالمؤسسة

تكمن أهمية الوقوف العلمي والتكثيف السردي التوثيقي لهذه المذبحة، نظرًا لكثرة ما ترتَّب عليها من آثار، سواء أكان ذلك في عدد الشهداء والمصابين والمعتقلين أم كان في ردود أفعال المجتمع المحلي والدولي؛ ولكونها مثَّلت متغيرا سياسيا واضحا في مسار تعامل قادة الانقلاب مع الخطوط الحمراء لثورة 25 يناير 2011، وتجاوز كل محرمات الثورة، والتجرؤ على هدم أهم مكتسباتها وهي حرية التجمع والتظاهر والاعتصام.

“مؤسسة وعي للبحث والتنمية” هي هيئة علمية مستقلة تقوم على العناية بكافة أنواع المعارف التي تتعلق ببناء الوعي الفردي والجمعي. ولا تقتصر على التحليل والاستشراف للمستقبل في القضايا العلمية والسياسية والاقتصادية وغيرها، بل تجعل من التأريخ والتوثيق والرصد ومنصات التدوين محوراً بارزاً من محاور انطلاقها. والوازع المحرك لإيجاد هذا المشروع الطموح هو رؤية مؤسسية حضارية متكاملة للإنسان في القرن الحادي والعشرين، رؤية تنشد الحياة على أفضل الوجوه الممكنة وتعلي من شأن القيم والمبادئ الأساسية المشتركة بين البشر.

وتلتزم المؤسسة بنشر الحقائق ورصد الوقائع وهي في ذلك تحترم التخصص وتعالج القضايا بموضوعية وتراعي التعدد الفكري والاختلاف الطبيعي وتدرك قيمة الإنسان الذي كرمه خالقه واستخلفه في الأرض. وهي بذلك تسعى إلى تلبية حاجة المجتمع بمختلف شرائحه إلى نشر الثقافة والوعي والإدراك لدى العموم وليس بين النخبة وحدها.

[1] وهي صحيفة كانت ناشئة حديثا لم تظهر إلا بعد الثورة والسماح بتأسيس الأحزاب دون وصاية من الأجهزة الأمنية ولم يمر على ظهورها سوى أشهر معدودة.

[2]  يقصدون العبارة الشهيرة لمرشد الإخوان الدكتور محمد بديع “سلميتنا أقوى من الرصاص”!!

[3] اسم قرية الشهيد محمود ربيع الذي استشهد في المذبحة الأولى أمام دار الحرس، وهي قرية تابعة لمركز ببا بمحافظة بني سويف في جنوب مصر على بعد حوالي 200 كيلو من القاهرة.

[4] هامش: وأفادت شهادة شهود العيان والفيديو كيف أن هذا الشهيد محمود ربيع قد شيعته أسرته بحضور المعتصمين في ميدان المديرية في بني سويف ثم مرة أخرى في بلدته صفط راشين وسط هتافات غاضبة ضد السيسي وضد الانقلابيين.

[5] هذا الخبر تناقلته صحف عربية كثيرة ثم تبين بعد فترة أنه محض افتراء.

[6] هذا الخبر تم تداوله على نطاق واسع في الصحف العربية بخيال كبير مع ما فيه من استحالة عقلية، فكيف يسفر هجوم من 200 مسلح من الإسلاميين – حسب وصف الصحف العربية الداعمة للانقلاب – عن سقوط 60 من المسلحين أنفسهم – حسب عنوان الخبر – والمعركة تستغرق دقائق!! وسنعرض له عند الحديث عن التغطية في الصحف العربية المؤيدة للانقلاب

[7] تبين بعد ذلك أنها مجموعات من البلطجية والممولين في مجموعات تمرد التي كانت تديرها جهات خفية في أجهزة الدولة نفسها ولها حسابات مفتوحة في بعض البنوك من الدول الراعية للانقلاب وبإشراف عسكريين فيما كشفته تصريحات علنية لبعض مؤسسي حركة تمرد (محمود بدر) أو التسريبات التي نسبت لعباس كامل مدير مكتب عبد الفتاح السيسي

 

Error: Check network connection status.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى