هيئات

اتحاد علماء المسلمين.. أقوى محاولات الوحدة الدينية منذ سقوط الباب العالي

اجتماع مجلس أمناء الاتحاد الخامس بالدوحة مطلع العام الجاري – موقع الاتحاد الرسمي
اجتماع مجلس أمناء الاتحاد الخامس بالدوحة مطلع العام الجاري – موقع الاتحاد الرسمي

مثَّل يوم سقوط الخلافة العثمانية رسميًا عام 1924م، لحظة فارقة في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث انفرط عقد تجمعها السياسي والثقافي والديني، وأصبحت تواجه تحديًا وجوديًا يهدد وحدتها وهويتها.

وعلى الرغم من المساعي الجادة لتوحيد الأمة الإسلامية بعد سقوط الخلافة على الجانب السياسي والثقافي، والتي أفرزت حركات أبرزها جماعة الإخوان المسلمين (1928).. إلا أن الجانب الديني ظل يمثل إشكالية كبرى منذ سقوط الباب العالي (المؤسسة الدينية العثمانية الرسمية)، بسبب تعدد الطوائف الإسلامية واعتماد القوى الغربية على إثارة النعرات والطائفية.

لهذا، مثّل ميلاد اتحاد علماء المسلمين (2004م) أبرز المحاولات المكتملة لوأد الطائفية وتوحيد الأمة الإسلامية من الناحية الدينية، بدا ذلك واضحا في سرعة الاستجابة التي تلقاها من قِبل آلاف الدعاة والعلماء المسلمين حول العالم من مختلف الطوائف، والعلاقات الممتدة التي أسس لها مع المؤسسات والهيئات الإسلامية الجامعة.

 

تعريف

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو مؤسسة إسلامية تجمع علماء المسلمين من مختلف دول العالم، تأسس في يوليو/تموز عام 2004 حيث عقد أول جمعية عمومية له في العاصمة البريطانية لندن وتم تسجيله في العاصمة الإيرلندية دبلن، ويمارس نشاطه فعليا من العاصمة القطرية الدوحة.

يرأسه الشيخ أحمد الريسوني منذ 7 نوفمبر 2018، خلفًا للمؤسس الدكتور يوسف القرضاوي، وينوبه من الشيعة الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني، ومن الإباضية مفتي عمان الشيخ أحمد الخليلي.

تشكّلَ الاتحاد من قِبَل علماء من أصحاب العِلم والخبرة، وبات في وقت قصير أحد أكبر الاتحادات من هذا النوع في العالم العربي والإسلامي على حدّ سواء، وذلكَ بعدما ضمّ تحتَ لوائه أكثر من 90 ألفا من عُلماء المسلمين من مُختلف الطوائف بما في ذلك السنة، والشيعة، والإباضية.

وفقًا لموقع الاتحاد على شبكة الإنترنت، فإنّ عضويته مفتوحةٌ أمام العلماء الذين تخرجوا من جامعات الشريعة والحاصِلين على شهادة عالية في الدراسات الإسلامية منْ مختلف الجامعات ذات الصلة، كما يقبل الاتحاد كذلك عضوية الذين لديهم حضور في علوم الشريعة والحضارة الإسلامية من خلال كتاباتاهم في هذا المجال.

 

مرجعيته الفكرية

الاتحاد لا يتبعُ أي دولة أو جماعة أو طائفة، بحسب تعريفه الرسمي، كما أنّه لا يُعادي الحكومات، بل يسعى إلى فتح نوافذ التعاون من أجل الخير للإسلام والمسلمين.

الشيخ يوسف القرضاوي هو أول رئيس للاتحاد وأحد الرموز البارزة داخله، وهو عالم مصري يعيش في دولة قطر، وله تأثير قوي للغاية في كل الأوساط الإسلامية والعربية، وهو أحد أعلام جماعة الإخوان المسلمين التاريخيين، وإن لم يعد عضوا تنظيميا داخلها منذ نهاية التسعينيات.

 

تعريفه وأهدافه

الاتحاد هو تجمع مفتوح لكل علماء المسلمين في العالم، ويُعنى بالعلماء من خريجي الكليات الشرعية والأقسام الإسلامية، وكل من له عناية بعلوم الشريعة، والثقافة الإسلامية، وله فيها إنتاج معتبر، أو نشاط ملموس.

وللاتحاد سمات وخصائص يتميز بها عن غيره، بحسب موقع المؤسسة، يشار إليها فيما يلي:

الإسلامية: فهو اتحاد إسلامي خالص، يتكون من علماء مسلمين، ويعمل لخدمة القضايا الإسلامية، ويستمد من الإسلام منهجه، ويستهدي به في كل خطواته؛ وهو يمثل المسلمين بكل مذاهبهم وطوائفهم.

العالمية: فهو ليس محليا ولا إقليميًا، ولا عربيًا ولا عجميًا، ولا شرقيًا ولا غربيًا، بل هو يمثل المسلمين في العالم الإسلامي كله، كما يمثل الأقليات والمجموعات الإسلامية خارج العالم الإسلامي.

الشعبية: فهو ليس مؤسسة رسمية حكومية، وإنما يستمد قوته من ثقة الشعوب والجماهير المسلمة به. ولكنه لا يعادي الحكومات، بل يجتهد أن يفتح نوافذ للتعاون معها على ما فيه خير الإسلام والمسلمين.

الاستقلالية: فهو لا يتبع دولة من الدول، ولا جماعة من الجماعات، ولا طائفة من الطوائف، ولا يعتز إلا بانتسابه إلى الإسلام وأمته.

العلمية: فهو مؤسسة لعلماء الأمة، فلا غرو أن يهتم بالعلم وتعليمه وبالتراث العلمي وإحيائه وتحقيقه ونشره.

الدعوية: فهو مؤسسة تُعنى بالدعوة إلى الإسلام باللسان والقلم، وكل الوسائل المعاصرة المشروعة، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، ملتزمة بمنهج القرآن بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.

الوسطية: فهو لا يجنح إلى الغلو والإفراط، ولا يميل إلى التقصير والتفريط، وإنما يتبنى منهج الأمة الوسط، وهو منهج التوسط والاعتدال.

الحيوية: فلا يكتفي بمجرد اللافتات والإعلانات، بل يُعنى بالعمل والبناء، وتجنيد الكفاءات العلمية والطاقات العملية، تقودها ثلة من العلماء المشهود لهم بالفقه في الدين، والاستقامة في السلوك، والشجاعة في الحق، والاستقلال في الموقف، والحائزين على القبول بين جماهير المسلمين.

 

مواقف مشرفة

جاءت أول مواقف الاتحاد البارزة تجاه قضية فلسطين، حين ثار جدال فقهي إبان تأسيس الاتحاد عام 2004 حول حكم العمليات الاستشهادية في فلسطين، التي لجأت إليها المقاومة الفلسطينية منذ اجتياح القوات الصهيونية بقيادة أريئيل شارون لقطاع غزة.

وفي الوقت الذي درجت الصحف العالمية على استخدام وصف “الانتحاري” في الحديث عن الشهداء، خرج الاتحاد على لسان رئيسه القرضاوي ببيان يعتبر العمليات الاستشهادية فعلا مقدسا يرقى بأصحابه إلى منزلة عالية من الشهادة. وخلالَ مُقابلة له مع قناة بي بي سي؛ سأَل المذيع الشيخ القرضاوي حول الهجمات “الانتحارية” في فلسطين فأجاب: «لا تُسمى عمليات انتحارية بل هي استشهاد في سبيل الله.».

كما يلعب الاتحاد دورًا سياسيًا في الدول العربية من خلال جهود الوساطة، لكنّ هدفه الأسمى والأول هو القضايا الإسلامية، بحسب موقعه الرسمي.. فعلى سبيل المثال، حاول الاتحاد التوسط بين الفصائل المختلفة في مصر قبل انقلاب عام 2013، كما حاولَ تهدئة الأوضاع في اليمن قبل استيلاء الحوثيين على السلطة وبداية الحرب اليمنية.

 

اتهامات وعقوبات

إصرار الاتحاد على دعم قضية فلسطين وحركات المقاومة ورفض توصيفها بالإرهاب والتطرف، فتح نيران اللوبي الصهيوني العالمي على الاتحاد ورئيسه، ومنعُ عدد من أعضائه -في مقدمتهم القرضاوي نفسه- من السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، في مناسبات مختلفة.

وذكرت وسائل الإعلام الصهيونية أن مؤسس الاتحاد قد أبدى ملاحظات تُشير بوضوح إلى معاداته للسامية والمثلية الجنسية، والأخيرة أكدها بالفعل مؤسس الاتحاد ببيان قال فيه إن المثلية الجنسية ليست طبيعة بشرية بل شُذوذٌ عن الفطرة.

أما عربيا فقد تمتع الاتحاد بعلاقات واسعة وقوية مع عدد من الحكومات والهيئات العربية، لكن موقف الاتحاد ورئيسه من ثورات الربيع العربي الذي أيدها فور انطلاقها، عكرت صفو حضوره في الأوساط الحكومية العربية، وبدأ يواجه التضييق والحصار بشكل غير مسبوق. ومع بداية الحصار الخليجي لقطر في يونيو 2017، قامت دول الحصار (السعودية، الإمارات العربية المتحدة والبحرين) بوضع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على قائمة الإرهاب.

وفي 7 نوفمبر 2018، أعلن رئيس الاتحاد ومؤسسه يوسف القرضاوي تسليم رئاسته للشيخ أحمد الريسوني من علماء المغرب، وينوبه من الشيعة العلامة محمد واعظ زاده الخراساني، ومن الإباضية مفتي عمان الشيخ أحمد الخليلي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى