تحليل إخباري

حوار أربك الجنرال.. كيف هشّم لقاء “CBS” صورة السيسي عالميًا؟

السيسي في مقابلة 90 دقيقة – مواقع التواصل
السيسي في مقابلة 90 دقيقة – مواقع التواصل

“المقابلة التي تطلب مصر عدم إذاعتها“.. بهذا العنوان المثير قدت شبكة “CBS” الأمريكية المقابلة التي أجرتها مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأذاعتها في برنامج 60 دقيقة يوم 6 يناير 2019، بعدما أكدت طلب السفير المصري في واشنطن عدم إذاعة المقابلة، مما فتح الباب أمام التكهنات حول ما صرّح به السيسي خلال اللقاء ودفعه للمطالبة بعدم إذاعته.

ويبث برنامج 60 دقيقة مساء كل يوم أحد على شاشة شبكة “سي بي إس” (CBS) منذ نصف قرن، ونجح البرنامج الجاد في التربع على قمة المشاهدة بـ 14 مليون مشاهد أسبوعياً، وأصبح البرنامج الأهم على الشاشات الأمريكية، وربما العالمية، بحسب وصف الباحث الإعلامي محمد المنشاوي، في مقاله “نصف قرن من ستين دقيقة”.

كان لزعماء الشرق الأوسط نصيب كبير من اهتمامات برنامج 60 دقيقة، وظهر معهم الرئيس السابق حسنى مبارك، وظهر قبله الرئيس أنور السادات، ولمكانة وبريق البرنامج، اختاره كل من الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب للظهور الأول لهما بعد تحقيقهما النصر في انتخابات عامي 2008 و2016.

من هنا، تأتي أهمية هذا البرنامج بوصفه أحد أهم أعمدة الصحافة الاستقصائية العالمية، والبرنامج الأعلى مشاهدة في المجتمع الأميركي، وصاحب الحضور الأبرز في عالم السياسة الأميركية، فماذا قال السيسي خلال هذا اللقاء؟

التعاون مع إسرائيل

كشف “السيسي” عن أن أسباب التعاون العسكري والاستخباراتي مع “إسرائيل” هي حفظ أمن سيناء، بينما رفض الإجابة عن سؤال حول سبب عدم القضاء على المسلحين حتى الآن في سيناء، متعللا بفشل أمريكا هي الأخرى في القضاء على الإرهاب في افغانستان، متجاهلاً أن أمريكا طرف خارجي محتل، بينما الجيش المصري من المفترض أن يكون الجيش الوطني صاحب السيطرة المطلقة.

وردا على سؤال حول إذا ما كان التعاون مع “إسرائيل” هو الأعمق والأكثر كثافة في تاريخ علاقات عدوين سابقين كانا في حالة حرب في وقت من الأوقات، قال “السيسي”: “هذا صحيح”، وأضاف: “القوات الجوية المصرية تحتاج في بعض المرات تجاوز الحدود إلى داخل “إسرائيل” ولهذا لدينا تعاون واسع مع الإسرائيليين”، وأضاف: “الجيش المصري يعمل مع إسرائيل ضد الإرهابيين في شمال سيناء”.

خيانة عظمى

تصريحات السيسي في القانون المصري يمكن اعتبارها اعترافا بجريمة الخيانة العظمى، حيث أقر بالاستعانة بجيش أجنبي في استهداف مواطنين مصريين على أراضي مصرية، وخاصة أن معظم ضحايا العمليات في سيناء مدنيين عزل، كما أن هذا يعد توريطاً لإسرائيل نفسها فيما يراه البعض جرائم ضد الإنسانية، باعتراف السيسي.

كما جاءت تصريحات السيسي بشأن التعاون العسكري والاستخباراتي مع إسرائيل مغايرة لتلك التصريحات التي دأب النظام المصري على نفيه لأي شكل من أشكال التعاون العسكري مع إسرائيل، وتأكيده على أن العمليات في سيناء يقوم بها الجيش المصري فقط.

المعتقلون السياسيون

أكد السيسي بأنه ليس هناك معتقلون سياسيون أو سجناء رأي في مصر، وإنما هو وقوف ضد المتطرفين الذين يحاولون فرض أيديولوجيتهم على الناس، وهم يخضعون لمحاكمات عادلة قد تستمر لسنوات.

وعندما سئل عن تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الذي يقول “إن مصر بها 60 ألف معتقل سياسي”، قال السيسي بأنه لا يعرف من أين جاءوا بهذا الرقم، وأنه إذا كانت هناك أقلية تحاول فرض تصورها، يجب أن نتدخل بغض النظر عن عددهم، ونفى السيسي أن يكون سبب حظر الإخوان المسلمين، هو كونهم المعارضة الرئيسية في مصر.

وتابع السيسي: “إننا نتعامل فقط مع المتطرفين الذين يحملون السلاح ونحن نرحب بهم للعيش بين الناس، لكن لا نريدهم أن يحملوا السلاح ويدمروا الاقتصاد المصري”.

تجاهل للحقائق

تمثل تلك التصريحات إقرارا من السيسي بوجود سجناء ليس لأنهم سياسيين، من وجهة نظره، ولكنهم متطرفين وحملوا السلاح، ولم يذكر عدد السجناء، وتجاهل السيسي أن الرئيس مرسي كان في القصر الرئاسي ولم يحمل سلاحاً، فضلاً عن رئيس البرلمان المصري المنتخب الدكتور سعد الكتاتني الذي اعتقل ليلة الانقلاب، وغيرهما من قادة تحالف دعم الشرعية.

كما تجاهل الفريق سامي عنان والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والسفير معصوم مرزوق والمستشار هشام جنينه وغيرهم، من قادة ورموز القوى المدنية، مما يعطي انطباعا أن تعريف التطرف لدى السيسي هو من يقوم بمعارضته.

فض اعتصام رابعة

رفض السيسي التعليق على سؤال يتعلق برفض عدد من المصريين وصفه بالرئيس ووصفه بدكتاتور عسكري، واكتفى بالإشارة إلى أن هناك 30 مليون مصري، خرجوا إلى الشوارع لرفض النظام الحاكم في ذلك الوقت، وأنه كان لا بد من الاستجابة لإرادتهم، وتطلب استعادة الأمن مرة أخرى بعض التدابير.

ورفض الإجابة عن سؤال يتعلق بإعطائه الأوامر لفض اعتصام رابعة كونه المسؤول عن الامن في ذلك التوقيت، واكتفى بمبادلة مقدم البرنامج بسؤال حول متابعته للوضع في مصر بدقة، وعن المصادر التي يحصل منها على معلومات، ثم أشار السيسي إلى أن اعتصام رابعة كان يحوي آلاف المسلحين لأكثر من 40 يومًا وقال: “حاولنا بكل الوسائل السلمية تفريقهم”، مما يعني مباشرة أنه استخدم شيئاً آخر بعد ال 40 يوماً.

ونفى السيسي ما جاء في تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش عن أن فض اعتصام ميدان رابعة تم بواسطة استخدام ناقلات الجند والمدرعات والجرافات والقوات البرية والقناصة، وأن رجال الشرطة والجيش هاجموا الاعتصام، وقتلوا المئات بالرصاص في رؤوسهم ورقابهم، حيث أكد السيسي أنه كان هناك أفراد من الشرطة يحاولون فتح ممرات آمنة لكي يذهب الناس بأمان إلى منازلهم.

قتل جماعي

يمثل رد السيسي هنا أيضا اعترافاً، بشكل غير مباشر، بجريمة القتل الجماعي في مذبحة رابعة حيث لم ينف، رغم توجيه السؤال إليه، مسؤوليته عما حدث في رابعة، ودافع عن نفسه بأن الآلاف كانوا مسلحين في اعتصام رابعة، رغم إظهار التقرير التلفزيوني وزير الداخلية في ذلك التوقيت وهو يتحدث عن 12 قطعة سلاح فقط تم ضبطها، ليؤكد التقرير بوضوح عدم مصداقية السيسي.

البرنامج يكشف المزيد

لم يكتف برنامج 60 دقيقة بعرض الحلقة فقط ولكن قام بعرض فيديو تسجيلي يوضح فيه بعض كواليس وملابسات لقائه مع السيسي، من خلال مجموعة من الأسئلة وجهت لمقدم البرنامج “سكوت بيلي” ومنتجة البرنامج “راتشيل مورهاوس”.

وكان أبرز ما جاء في هذا الفيديو هو دهشة بيلي وراتشيل من طلب السفارة المصرية عدم إذاعة الحلقة، وهو الأمر الذي لم يحدث معهما أبداً خلال سنوات عملهما في البرنامج، وأشارت مورهاوس إلى الضغوط القوية التي استمرت لوقف إذاعة الحلقة، وقيام الوفد المصري من خلال سفير مصر في واشنطن ورئيس المخابرات المصرية للتفاوض معها بهذا الشأن.

وفي نفس الوقت أشار بيلي لسجل السيسي المروع في إهدار حقوق الإنسان، وفق تقارير الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأمريكية، وقتله ثمانمائة متظاهر في شوارع القاهرة، وهو ما رآه بيلي فرصة يجب اغتنامها من خلال توجيه أسئلة حول هذه الممارسات، والتي لا يستطيع أحد أن يوجهها للسيسي داخل مصر، وتعجب بيلي كيف لرئيس أن يحل ضيفا على برنامج 60 دقيقة دون أن يتوقع طرح أسئلة من هذا النوع.

الإعلام الأجنبي يرصد الحوار

نشرت صحيفة الديلي ميل البريطانية تقريرا بعنوان: “مصر تحاول وتفشل في وقف بث مقابلة مع السيسي ضمن برنامج “60 دقيقة”.

وأشار التقرير إلى إنكار السيسي بالمرة وجود سجناء سياسيين في سجونه، رغم التقارير الموثقة لمنظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى.

أما صحيفة فاينانشيال تايمز فنشرت تقريراً بعنوان: “مصر تحاول منع بث مقابلة السيسي مع برنامج 60 دقيقة”، ركزت فيه على تضارب تصريحات السيسي حول التعاون الوثيق مع إسرائيل ونفي الجيش المصري تقارير صحفية تم تداولها فبراير العام الماضي عن التعاون الأمني مع إسرائيل الذي وصل إلى حد تنفيذ الطائرات الإسرائيلية ضربات جوية ضد أهداف تدعي أنها لتنظيم الدولة في سيناء بموافقة السلطات المصرية كما جاء في تقرير النيويورك تايمز في هذا الصدد.

موقع صوت أمريكا نشر تقريراً بعنوان: “السلطات المصرية تحاول وقف بث مقابلة للسيسي مع برنامج 60 دقيقة”، تناول المقابلة وطلب السلطات المصرية عدم بثها. وأضاف التقرير أن منتجة برنامج “60 دقيقة” قالت في مقطع فيديو منشور لها على تويتر “لقد فهمنا أنه مولع بحب الظهور، وأنه أراد أن يبدو كشخصية بارزة ضمن بعض الزعماء الأقوياء في الشرق الأوسط، لذلك أبلغناه بأن القادة الأقوياء دائماً يحضرون المقابلات التي يجريها برنامج “60 دقيقة”.

أما موقع بي بي سي، فنشر تقريراً بعنوان: “لماذا يريد السيسي وقف المقابلة التي أجرتها معه قناة سي بي إس”، قائلا إنه قد يكون تأكيد السيسي للتعاون العسكري مع إسرائيل في شمال سيناء أمراً مثيراً للجدل في مصر، حيث خاض البلدان أربع حروب قبل توقيع معاهدة سلام عام 1979.

أما صحيفة نيويورك تايمز، فنشرت تقريراً بعنوان: “السيسي يعترف بالتنسيق الوثيق مع إسرائيل في سيناء”. وذكر التقرير أن السيسي قدم اعترافا نادرا بالتعاون الأمني الوثيق مع إسرائيل في شبه جزيرة سيناء خلال المقابلة التلفزيونية وإن الاعتراف بهذا التعاون مع إسرائيل يمكن أن يكون موضوعاً حساساً في مصر.

ونشرت صحيفة واشنطن بوست مقالاً لوزير الاستثمار المصري الأسبق، “يحيي حامد”، بعنوان “لماذا يخشى السيسي من إذاعة مقابلته مع قناة CBS”، وذكر المقال أن مواجهة وسائل الإعلام الحرة، أظهرت السيسي نفسه بأنه هش وخائف من أن يخضع للمساءلة عن جرائمه، وأن الدعم الذي حصل عليه “السيسي” من أشخاص مثل الرئيس “ترامب” وزعماء غربيين، هو الذي جرّأه على أفعاله، مشيرا إلى أنه تم تصديق رواية “السيسي” بأنه “يحارب التطرف” بطريقة ما، وقد اعتقد السيسي أن ذلك يمنحه تفويضاً مطلقاً ليفعل ما يحلو له.

السيسي ورط نفسه

استجاب السيسي لفخ الرغبة في الظهور في البرنامج الذي يظهر فيه المشاهير، واعتمد على نفسه دون وجود مؤسسات تنصحه كيف يتعامل مع برامج احترافية مثل 60 دقيقة، الأمر الذي انعكس سلباً على المظهر الذي بدا عليه السيسي خلال المقابلة، حيث مثلت لغة جسده، والعرق الذي يتصبب من وجهه، وطريقة جلوسه وكأنه في تحقيق أمام مقدم البرنامج.

وبشكل عام، من شأن هذه الحلقة أن تساهم، بتأثيرها القوي، في تقديم صورة سلبية للسيسي، قد تنعكس على علاقاته بمؤسسات صنع القرار الأميركية في الفترة القادمة، وخاصة الاغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، وتوجهاتها المعارضة لتوجهات ترمب الخارجية، وعلاقاته مع الأنظمة ذات السجل الحقوقي السلبي، ومنها نظام السيسي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى