تحليل إخباري

[:ar]حراك الجزائر 2019.. قُبلة الحياة للربيع العربي[:]

الربيع العربي

[:ar]

               كانت كل الأجواء في الجزائر هادئة حين أعلن أعلن معاذ بوشارب، المنسق المؤقت لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، ترشيح الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة لعهدةٍ رئاسيةٍ خامسة باسم التحالف الرئاسي، لتتفجر بعدها الانتفاضة التي تحدث في الشارع الجزائري منذ جمعة 22 فبراير/ شباط الماضي، والتي أجبرت بوتفليقة على إلغاء الانتخابات الرئاسية وعقد ندوة وطنية في الأشهر المقبلة.

فعلى الرغم من اشتعال ثورات الربيع العربي مطلع العشرية الثانية للألفية الجارية، على بُعد كيلومترات من الجزائر، لدى الجارة التونسية، إلا أن موجة الربيع العربي سرعان ما مرت بسلام على الجزائر لتستقر تبعاتها في الجارتين الليبية والمصرية، تسبب ذلك في ترسيخ قناعة مفادها أن النظام الجزائري قد نجح في تخدير الشعب، قبل أن تقلب فعاليات الحراك الحالي الطاولة على الجميع.

هدوء غير مكتمل

في الحقيقة، لم يمر الربيع العربي بسلام تماما على الجزائر، ففي الوقت الذي كانت تونس تغلي ببركان المظاهرات ضدّ نظام بن علي، كانت الجزائر من الدول التي وصلت إليها الاحتجاجات مع مطلع 2011، حين خرج الألاف من الجزائريين يوم الخامس من يناير/ كانون الثاني 2011 في مظاهراتٍ حاشدة على خلفية ارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية؛ ممّا أطلق على الاحتجاجات اسم «ثورة الزيت والسكر».

سرعان ما تحولت هذه المظاهرات إلى مشاداتٍ عنيفةٍ بين قوات الأمن والمحتجين تخلّلتها أعمال تخريب واعتداءات على مواطنين، جعلتها أقرب إلى الحركة الغوغائية منها إلى الحالة المطلبية، كما أخذت من الأسلوب مفجّر الثورة التونسية محمد البوعزيزي لتأجيج الاحتجاجات، حيث شهدت الجزائر في تلك الفترة عدّة محاولات انتحار من المتظاهرين على الطريقة البوعزيزية.

واستمرت الاحتجاجات التي توسع نطاقها ليشمل عدّة ولاياتٍ جزائرية طيلة خمسة أيّامٍ، وأسفرت عن مقتل 5 محتجين وجرح أكثر من 800 شخص، كما أجبرت الرئيس الجزائري بوتفليقة على إلغاء حالة الطوارئ التي كانت معلنةً في البلاد منذ التسعينات، تخوفًا من نتائج الربيع العربي التي كانت وقتها قد أزاحت زين العابدين بن علي، كما أقرّت لجنة برلمانية مكلفة بالتحقيق في الأحداث، أنّ «الاحتكار وانفلات السوق هما سبب الغلاء والأحداث».

حراك 2019.. لا للعهدة الخامسة

ظلت الجزائر هادئة منذ حراك 2011، حتى يوم 22 من فبراير الماضي حين شهدت الجزائر مسيرات مليونية ضدّ قرار ترشّح الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، أجبرت هذه المظاهرات بوتفليقة في رسالةٍ له بعث بها للجزائريين على تأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل، وعدم ترشحه لعهدة خامسة، وعقد ندوة وطنية تأسس لدستورٍ جديدٍ للبلاد.

وعلى عكس حراك 2011 الذي شهد أعمال عنف واشتباكات مع قوات الأمن، رسم الحراك الحالي صورةً حضارية وسلمية كبيرة للجزائريين، إذ لم تشهد مسيراتهم أعمال عنف أو تخريب، كما لم يسقط ضحايا سوى مسنّ كان يعاني من أزمة قلبية، وسقط في الجمعة الثانية من الحراك.

انسحاب تيكتيكي

بوتفليقة الذي أعلن عدم ترشحه لعهدة خامسة، أشار في مضمون رسالته لحالته الصحية، وجاء في نص الرسالة: «حالتي الصحية وعمري لا يسمحان لي إلا بأداء واجبي الأخير تجاه الشعب»، مشيرًا إلى أنه «لم يكن لدي نية قط للترشح للانتخابات الرئاسية».

وأوضح بوتفليقة في رسالته: «أتفهم الرسالة التي جاء بها الشباب الجزائري»، مضيفًا: «سأعرض مشروع الدستور الذي تعده الندوة الوطنية للاستفتاء الشعبي. تنظيم الانتخابات الرئاسية سيجري بعد حوار وطني شامل».

وقد ظهر رئيس أركان الجيش الجزائري، والرجل القوي داخل المؤسسة العسكرية، أحمد قايد صالح، في صورة بثها التلفزيون الرسمي، عقب رسالة بوتفليقة، إلى جوار الأخير، وهو مؤشر رأها البعض دعمًا لتراجع بوتفليقة، وقبول الجيش لهذا التراجع.

ردود أفعال متباينة

الاحتفالات التي عمت شوارع الجزائر بعد قرار بوتفليقة ربما اعتبرها البعض إشارة إلى قبولهم بالأمر، وشعور بنشوة الانتصار بتحقق مطلبهم بعدم ترشح الرئيس المنتهية ولايته.. لكن يسيطر شعور آخر بالقلق من مناورة مُحتملة لبوتفليقة، أو الالتفاف على مطالب الشعب.

الباحث السياسي صابر عارف اعتبر، في مقال لصحيفة رأي اليوم اللندنية، أن قرار بوتفليقة يكشف عن أنه “ستكون الجمهورية الجديدة، والنظام الجديد، بين أيدي الأجيال الجديدة من الجزائريات و الجزائريين الذين سيكونون الفاعلين والـمستفيدين في الحياة العمومية وفي التنمية الـمستدامة في جزائر الغد”.

أما الكاتب الصحفي واسيني الأعرج، فيرى في مقال بصحيفة القدس العربي اللندنية، أن ما حدث بمثابة “مكسب كبير في سياق النضال من أجل استعادة جزائر النور”، لكنه تساءل عن سيناريوهات المستقبل وسط مخاوف من أن بوتفليقة أثبت بقراره أنه “سجين العصابة التي ارتضى بها في وقت من الأوقات، لدرجة أن تم تصحير كل شيء، ولم يعد بجانب الرئيس وفي محيطه إلا أسماء العصابة، الخفي منها والظاهر”.

أما المحلل السياسي ياسر الزعاترة فيؤكد في صحيفة العرب القطرية أن ما حدث في الجزائر له أكثر من دلالة، أهمها عدم تمكين “للثورة المضادة العربية” من تحقيق أهدافها، مشيرا إلى أنه “بالانتصار الجزئي الذي حققه الجزائريون، عبر فرض تراجع بوتفليقة عن الترشح؛ تتبخر أحلام الثورة المضادة في تأديب الشعوب، ويتم التأكيد مرة إثر مرة، بأن لهذه الأمة حيوية استثنائية، وأنها قد تنحني للعاصفة لبعض الوقت، لكنها لا تلبث أن تعود إلى حيويتها من جديد، ويتم التأكيد أيضاً على أن أحلام الربيع العربي لا زالت تسكن ضمائر الناس”.

الأيام المقبلة فاصلة

بشكل عام،  لا يمكن التنبؤ بنهاية الحراك الجزائري الجاري، إلا أنه يمكن القول إن المتظاهرين الآن ألقوا الكرة في ملعب الساسة، للنظر في خلفيات المُرشحين للحوار الوطني، وما إذا كانت هذه الشخصيات عليها إجماع وطني أم لا؛ والذي سيكون مُحددًا رئيسًا للشعب الجزائري للعودة إلى التظاهر من جديد، أو الاكتفاء عند هذا الحد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصادر:

[:]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى