عمار مطاوع – الرياض:
- هذا الموضوع هو ترجمة عربية لعدد خاص ضخم أصدرته صحيفة نيويورك تايمز (رابط) بالإنجليزية حول ثورات الربيع العربي
من أين يمكن أن نبدأ التأريخ لهذه المرحلة البائسة التي تعيشها المنطقة العربية والإسلامية والتي تتشرب فيها شعوبها ويلات الحرب والتدمير والإرهاب والتطرف فيما يشهد بقية العالم موجة من إحراز المزيد من التقدم الإنساني والتطور الحضاري؟.. ترى صحيفة نيويورك تايمز أن لحظة التحول الحقيقي في مسار المنطقة بدأ بالكارثة التي حلت بالعالم العربي في اللحظة التي بدأ فيها عدوان أميركا وبريطانيا على العراق واحتلاله في عام 2003.
ذلك العدوان لم يدمر نظام البعث العراقي فقط، بل دمر الدولة العراقية، وخلق الظروف الملائمة لولادة تنظيم “داعش” وأمثالها من المنظمات الإرهابية، وقضى على العالم العربي وحوّله إلى منطقة ملتهبة، ومصدرٍ لأزمة لاجئين عالمية، كما أعطى إشارة الانطلاق لعصر الإرهاب الذي يضرب العالم اليوم ويقض مضاجع البشرية.
ولأجل ذلك، أصدرت الصحيفة عدداً خاصاً بعنوان “الأراضي الممزقة: كيف أصبح العالم العربي مشردًا؟”، للكاتبة “سكوت أندرسون” وتم نشره بتاريخ 11 أغسطس 2016.. وتم تكريسه بأكمله لموضوع واحد استغرق جميع صفحات العدد، الأمر الذي يحدث لأول مرة في تاريخ هذه الصحيفة العريقة، مدرجة حصيلة بالأرقام الموثقة للخسائر البشرية والمالية التي سببها العدوان الأميركي على العراق بحجة كاذبة، فقد قتل من العراقيين مليون و455 ألفاً و590 شخصاً، ومن العسكريين الأميركيين 4801 جندي وضابط، ومن حلفاء العدوان الآخرين 3487 عسكرياً، ويضيف الموقع إن الكلفة المالية للحرب على الغالب والمغلوب بلغت تريليون و705 مليارات و856 مليون دولار.
وعن بواعث إصدار هذا العمل الخاص الفريد، تؤكد الصحيفة أنها ” قصة لا تشبه أيًا سبق نشرها، إنها أطول بكثير من قصة المجلة النموذجية. وفي الطباعة، ستحتل قضية كاملة. ينتج هذا التقرير الذي استمر حوالي 18 شهرًا من التقارير قصة الكارثة التي مزقت العالم العربي منذ غزو العراق عام 2003، مما أدى إلى ظهور “داعش” وأزمة اللاجئين العالمية”.
وتقول الصحيفة إن الكاتبة “سكوت أندرسون”قدّمت للقارئ إحساساً عميقاً بالأزمة العربية، من خلال أعين ست شخصيات في مصر وليبيا وسوريا والعراق وكردستان العراق؛ حيث”يرافق نص أندرسن 10 حافظات من قبل المصور باولو بيليغرين، مأخوذة من أسفاره الواسعة في جميع أنحاء المنطقة على مدى السنوات الـ 14 الماضية، فضلًا عن تجربة الواقع الافتراضي التي تدمج المشاهد مع القوات القتالية في العراق وسوريا”.
وعن شهود العيان الذين اعتمد عليهم التقرير، فهم “ستة أشخاص:الأول هو أزار ميرخان من كردستان العراق، والثانية هي ليلى سويف من مصر، والثالث مجدي المغوش من ليبيا، والرابعة هي خلود الزيدي من العراق، والخامس هو مجد إبراهيم من سوريا، والسادس هو وقاص حسن من العراق أيضًا”.
وعن بواعث اختيار هؤلاء الأشخاص تحديدا، تقول الصحيفة إن”الستة هم من مناطق مختلفة، مدن مختلفة، قبائل مختلفة، عائلات مختلفة، لكنهم يشاركون، جنبا إلى جنب مع الملايين من الأشخاص الآخرين في الشرق الأوسط، تجربة تفكك عميق.. لقد تغيرت حياتهم إلى الأبد بسبب الاضطرابات التي بدأت في عام 2003 مع الغزو الأمريكي للعراق، ثم تسارعت مع سلسلة الثورات وعمليات العصيان التي أصبحت معروفة بشكل جماعي في الغرب باسم الربيع العربي”.
واللافت أن الصحيفة اعتبرت أن أحداث الربيع العربي لم تكن إلا واحدة من النتائج الثانوية والهزات الارتدادية لكارثة احتلال العراق،ونقلت عن مصادر دولية تقديرات بأن خسائر الوطن العربي بلغت 830 مليار دولار، هذا فضلاً عن الدمار الحاصل في تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق وسوريا، حيث تعتبر الصحيفة أنه لا توجد أية مؤشرات على أن هناك مستقبلاً عربياً أفضل، فمعظم الجروح العربية نازفة وملتهبة وتستعصي على الشفاء، متسائلة: “أي مستقبل لمجتمعات لم تعد تعتبر نفسها مجتمعات وطنية بل مكونات اجتماعية، تنقسم على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق”.
وقد قدمت الصحيفة عددها الخاص في خمسة أجزاء حملت عناوين: “مدخل، حرب العراق، الربيع العربي، ظهور داعش، النهاية” على الترتيب.. وهو عدد مطول للغاية استدعى إصداره في ملحق مستقل، فيما تفاعل موقع الصحيفة مع الطول المفرط للموضوع بدعوة زواره لتفعيل خدمة “حفظ التقدم”، لاستئناف القراءة من حيث توقفالقارئ.
يركز الجزء الأول على ثلاثة عوامل تاريخية حاسمة لفهم الأزمة الحالية: عدم الاستقرار المتأصل في الدول المصطنعة في الشرق الأوسط،والموقف غير المستقر الذي تجد فيه الحكومات العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة نفسها عندما تضطر إلى اتباع سياسات يعارضها شعبها بمرارة، والتدخل الأميركي في تقسيم العراق بحكم الأمر الواقعفي عام 2003.
أما الجزء الثاني فهو مكرس بشكل أساسي للغزو الأمريكي للعراق، وكيف أرسى الأساس لثورات الربيع العربي.. وفي الجزء الثالث، تتسارع القصة، فتقف الصحيفة على النتيجة المأساوية التي انتهت بها هذه الثورات كما حدث في مصر وليبيا وسوريا.. وفي الجزء الرابع، تقف الصحيفة على أسباب صعود تنظيم داعش، أما الجزء الخامس، فيتتبع النزوح الناتج عن المنطقة، وأزمة اللاجئين العالمية التي تُصدرها البلاد العربية.
أما عن منهجية الصحيفة في استعراض أفكار عملها التوثيقي، فجاءت بطريقة سينمائية من خلال عرض قصة حياة الأبطال الستة الذين اختارتهم الصحيفة، وتحاول من خلالهم الوقوف على التحولات الكبرى التي مرت بها المنطقة.. وتستعرض مؤسسة “وعي” للبحث والتنمية، أبرز ما جاء في هذا العدد الفريد، متجاوزة قصة حياة شهود العيان، إلى العناصر الفكرية والتوثيقية العامة.
فرّق تسد!
تستعرض الصحيفة في تسلسل تاريخي أعمق من الأسباب الظاهريةالدواعي التي أدت إلى نشوب ثورات الربيع العربي، بداية من أحداث الاعتداء على المواطن محمد البوعزيزي في تونس عام 2011م، وانتهاءً بما حل في المنطقة العربية من حروب أبرزها في سوريا وليبيا واليمن ومصر.
تعود الصحيفة إلى القصة من بدايتها، منذ السقوط السريري للدولة العثمانية، آخر قلاع المنطقة العربية والإسلامية المتصلة، حيث بدأت عملية تقسيم المنطقة في نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما قام اثنان من الحلفاء المنتصرين، بريطانيا وفرنسا، بتقطيع أراضي الإمبراطورية العثمانية المهزومة بين أنفسهم كغنائم حرب.
في بلاد ما بين النهرين، انضم البريطانيون إلى ثلاث مقاطعات عثمانية مستقلة إلى حد كبير وأطلقوا عليها اسم العراق. كان أقصى الجنوب من هذه المحافظات يهيمن عليها العرب الشيعة، والوسط للعرب السنة، والأقصى الشمالي للأكراد غير العرب.
إلى الغرب من العراق، اتخذت القوى الأوروبية النهج المعاكس، حيث حفرت الأراضي الشاسعة من “سوريا الكبرى” إلى طرود أصغر وأكثر قابلية للإدارة. كان حظ الحكم الفرنسي هو الدولة السورية الأصغر – وهي أساسًا الأمة الموجودة اليوم – وجيب لبنان الساحلي، في حين أخذ البريطانيون فلسطين وشرق الأردن، وهي منطقة في جنوب سوريا ستصبح في نهاية المطاف الكيان الصهيوني والأردن.
بعد ذلك بقليل في عام 1934، انضمت إيطاليا إلى ثلاث مناطق شمال إفريقية قديمة كانت قد انتزعت من العثمانيين في عام 1912 لتشكل مستعمرة ليبيا.
وللحفاظ على السيادة على هذه الأراضي المتصدعة، تبنت القوى الأوروبية نفس نهج “فرق تسد”، الذي خدمها بشكل جيد في استعمار أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وكان هذا يتم عبر تمكين الأقلية العرقية أو الدينية المحلية للعمل كمدراء محليين لها، واثقين من أن هذه الأقلية لن تتمرد أبدا ضد مراقبيها الأجانب حتى لا تغرقها الأغلبية المحرومة.
لم يكن هذا سوى المستوى الأكثر علانية من استراتيجية”فرق تسد” الأوروبية، ولكن تحت الانقسامات الطائفية والإقليمية في هذه “الأمم”، توجد أنسجة معقدة للغاية من القبائل والعشائر، وعادات اجتماعية ظلت هي المصدر الرئيس للسكان في تحديد الهوية والولاء.
ومثلما فعل جيش الولايات المتحدة والمستوطنون البيض مع القبائل الهندية في غزو الغرب الأمريكي؛أثبت البريطانيون والفرنسيون والإيطاليون مهارة في تأليب هذه الجماعات ضد بعضها البعض، عبر منح الأسلحة والغذاء إلى فصيل واحد مقابل قتال الآخرين.
الفرق الكبير، هو أنه في الغرب الأمريكي، دمر النظام القبلي بشكل أساسي. أما في العالم العربي، فقد غادر الأوروبيون في نهاية المطاف، لكن الانقسامات الطائفية والقبلية التي كانت تغذيها ظلت قائمة.
وتلفت الصحيفة إلى أن هناك أمر ملفت للنظر في ثورات الربيع العربي، وهي أن الستة الأكثر تضررا – مصر والعراق وليبيا وسوريا وتونس واليمن – كلها جمهوريات، بدلا من ممالك. ومن هؤلاء الستة، فإن الثلاثة الذين تفككوا تماماً – العراق وسورية وليبيا – جميعهم أعضاء في تلك القائمة الصغيرة من الدول العربية التي أنشأتها القوى الإمبريالية الغربية في وقت مبكر من القرن العشرين.. وفي كل من هذه الدول الثلاثة، كان هناك القليل من التفكير في التماسك الوطني، وحضور أكبر للانقسامات القبلية والطائفية.
في البدء كانت بغداد!
وفي ضوء ما سبق، تخلص الصحيفة إلى أن انتحار محمد البوعزيزي عام 2011 يبدو أقل محفزًا للربيع العربي من القشة التي قسمت ظهر التوترات والتناقضات التي كانت تغلي تحت سطح المجتمع العربي لفترة طويلة.
وأرجعت الصحيفة بداية التحول في المنطقة إلى حدث مختلف، حدث قبل ثماني سنوات من موت البوعزيزي، عندما بدأت عملية التفكك: الغزو الأمريكي للعراق. بعد ظهر يوم 9 أبريل 2003، في ساحة الفردوس في وسط مدينة بغداد، عندما تم سحب تمثال شاهق للديكتاتور العراقي صدام حسين، بمساعدة ونش ومركبة أمريكية مصفحة من طراز M88 أرض.. ومن هذه اللحظة، تنطلق الصحيفة إلى الجزء التوثيقي الفعلي من الإصدار.
داعش.. نهاية كل شيء!
“العراق بعد الاحتلال لم يعد من جديد، كل شيء كان منهارًا، سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا وأمنيًا”، هكذا تقول الصحفية وهي تمهد للحظة الفاصلة التي أثرت على تاريخ المنطقة وتداعياتها، ظهور داعش، دولة العراق والشام. تقول الصحيفة إن دولة العراق بدأت كلجان شعبية ذات طبيعة إسلامية لمقاومة المحتل الأمريكي، لكن سرعان ما تشكلت هويته مع وصول عناصر من تنظيم القاعدة إلى العراق، ليتحول التنظيم إلى فرع للقاعدة في مواجهة مليشيات إيران الشيعية التي يبدو أنها نالت الرضا الأمريكي وتولت عرش الدولة برعاية المحتل.. لتتسارع الأحداث بدخول عناصر من تنظيم قاعدة العراق إلى سوريا، وتكون النتيجة أن خرجت للعالم النسخة الأكثر تطرفا للقاعدة، تنظيم “داعش”، والذي بدأ توسعهم حثيثًا حتى اللحظة الفارقة التي سيطروا فيها على الفلوجة، في يونيو 2014.
تنقل الصحيفة على لسان الشاب العراقي واكاظ حسن، أن اللحظة التي انتزعت فيهاعناصر داعش السيطرة على مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار، كانت هي بداية الانتشار للاستيلاء على المدن والبلدات المجاورة. وبحلول شهر يونيو، دخلت فرقة من مقاتلي داعش الضاحية الغربية لمدينة الموصل، أكبر مدن شمال العراق، على بعد 140 ميلاً فقط من الطريق السريع من تكريت. وبحلول التاسع من يونيو، كان الطريق الالتفافي للطريق السريع حول تكريت مسرحًا لتدافع محموم بآلاف الجنود العراقيين، الذين كان الكثير منهم قد انسحبوا، بزيهم العسكري،إلى بغداد على بعد 100 ميل إلى الجنوب. لتتقدم داعش بعد الموصل إلى بيجي، مدينة مصفاة النفط، على بعد 40 ميلاً إلى الشمال من تكريت، ثم في الحادي عشر من يونيو، دخلوا مدينة تكريت نفسها.
في تكريت، تماماً كما في الموصل وبيجي، لم يقدّم الجيش العراقي شيئاً تقريباً، حيث يبدو أن وحدات مختلفة تتنافس فقط على مدى السرعة التي يستطيعون بها الهروب ومقدار أسلحتهم التي يمكنهم تركها وراء العدو. لتكون حملة داعش في يونيو 2014 واحدة من أكثر المآثر العسكرية المذهلة في التاريخ الحديث، ففي أقل من أسبوع واحد، قامت قوة حرب عصابات مسلحة تسليحًا خفيفًا، بأقل من خمسة آلاف مقاتل، بتفريق جيش حديث ومجهز تجهيزا جيدا بما لا يقل عن 20 مرة من حجمه. واستولت داعش على آلاف من الأسلحة والمعدات العسكرية المتقدمة، والمراكز السكانية التي تسيطر عليها الآن والتي بلغ مجموع سكانها خمسة ملايين شخص.
وتقول الصحيفة إنه في ظل حكم رئيس الوزراء نوري كامل المالكي الذي استمر لثماني سنوات، أصبحت الطائفة الشيعية في العراق تهيمن على كل جانب من جوانب الحكومة الوطنية، بما في ذلك جيشها، مع معاملة طائفية سيئة للسنة. وبالنسبة للعديد من سكان المنطقة السنية -وهذا يشمل بيجي وتكريت- فإن هذه المعاملة القاسية أدت إلى ازدراء عميق لكل من الحكومة المركزية وجيشها، الذين اعتبروهما محتلين. بالطبع، كان هذا الجيش الذي يهيمن عليه الشيعة على وعي تام بازدراء السكان المحليين، ولم يكن يثق بهم بشدة، إلى حد أنه مع أول علامة على وجود مشكلة ينسحب الجيش أمام عدد قليل من الجهاديين السُنّة الذين يتعهدون بالانتقام.. وهنا تعمّق الشرخ المجتمعي بشكل لا يمكن الرجوع عنه مرة أخرى!
الأكراد.. القصة المنفردة
بعد هجوم يونيو 2014 المفصلي في تاريخ داعش، كان الأكراد يعرفون أنهم الهدف التالي، ولا سيما اليزيديون منهم، وهم أقلية دينية كردية تصفهم داعش بـ”عبدة الشيطان” وتعهدت بإبادتهم، وهو ما حدث فعلا، في أقصى الشمال الغربي من العراق وخارج الأراضي الرسمية لحكومة إقليم كردستان، في الأول من أغسطس 2014، حين هاجم مقاتلو داعش موقعًا متقدمًا لقوات البشمركة في بلدة زومار، الواقعة على بعد 10 أميال فقط من الطريق الأخير إلى سنجار، العاصمة الثقافية لليزيديين، وكالعادة، كانت الحكومة غائبة.
وبحسب الصحفية، ففي يوم 3 أغسطس 2014، وصل عناصر تنظيم داعش إلى سنجار،وبدأوا بتنفيذ عمليات إعدام جماعية، وهي مذبحة ستودي بحياة ما لا يقل عن 5000 يزيدي. وكانوا يجمعون أيضا الآلاف من الفتيات والنساء لاستخدامها كعبيد جنس.. ومنذ تلك اللحظة، أصبحت لداعش في أرض الأكراد الكلمة العليا، لكن هذا لم يستمر طويلاً.
تنقل الصحيفة عن الطبيب الكردي عازار ميرخان، قوله إن “الأكراد كانوا أحرص على التحرر من الجنود الأمريكيين المتاخمين لمناطقهم، ويؤكد أن ذلك لا يجب أن يثير الدهشة، لأن الأكراد –بحسب وصفه-“شعب ملتزم بشدة بإنشاء وطن”.ولذلك، فإن أكراد حكومة إقليم كردستان كانوا يجدون أنه من غير المقبول أن يحافظ داعش على سيطرته على أي من أراضيه؛ لذا فإن البيشمركة كانت على استعداد للمعاناة من خسائر أكبر لاستعادة الأرض الكردية بسرعة أكبر، وقد كانت عناصر داعش تعرف ذلك بشدة.
سرعان ما قررت داعش أن تباغت الأكراد، فتقدمت إلى أربيل، عاصمة إقليم كردستان، وقد كان أداء البيشمركة مهتزاً للغاية، مع انهيار كامل للجيش العراقي، واستفاد تنظيم داعش من ذلك وسيطر فعليًا على أربيل، وبدأ في حملة جديدة لإبادة اليزيديين.
الثورة المصرية الشهيدة
تعرضت الصحيفة للثورة المصرية في سياق نقلها لشهادة الدكتورةليلى سويف، الأستاذة الجامعية، وبالتحديد من صباحية يوم 28 مايو 2012، حين أعلنت لجنة الانتخابات الوطنية المصرية أسماء الرجلين اللذين سيتنافسان في جولة ثانية لتسمية أول رئيس منتخب ديمقراطيا في التاريخ المصري. كان المرشح الوحيد المؤكد للتقدم هو محمد مرسي، ممثل جماعة الإخوان المسلمين، الحزب الوحيد الذي توحدخلفه ما يكفي من الناخبين الإسلاميين لتشكيل كتلة تصويت ذات معنى. وضدهكان ذلك أحمد شفيق، رئيس الوزراء السابق بنظام حسني مبارك.
تحكي سويف كيف أن الكتل اليسارية والعلمانية وجدتْ نفسها تؤيد انتخاب رجل يدافع عن إعادة مصر إلى القيم الإسلامية، وهو ما سبَّب –بحسب قولها- الكثير من الذهول لأبناء تلك التيارات؛ لكن في جولة الإعادة في يونيو، نجح مرسي بنسبة 51.7 في المائة من الأصوات.
وفي خطاب تنصيبه في 30 يونيو، وعد مرسي أنه “في مصر الجديدة، سيكون الرئيس موظفا، خادما للشعب، وطالب الشعب بالاستعداد للعمل والبناء”. لكن الدولة العميقة كانت أكثر استعدادًا. فقبل أيام من تولي الرئيس الجديد السلطة، قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو المجلس العسكري، الذي حكم مصر منذ الإطاحة بالرئيس مبارك، بنقل معظم السلطات الرئاسية إلى الجيش. جاء ذلك بعد صدور قرار من المحكمة الدستورية العليا، قام بحل برلمان يسيطر عليه الإخوان المسلمون والأحزاب السياسية الإسلامية الأخرى. في اليوم الذي تولى فيه المنصب، آنذاك، كان مرسي بلا صلاحيات. بالكاد،كان الوجهَالصامت للديمقراطية التي دمرها الجيش بالفعل.
تقول الصحيفة إن مرسي حاول بقوة استعادة السلطة التي أُخذت من مكتبه. تجاهل أوامر المحكمة الدستورية العليا، وأمر بعودة البرلمان المنحل الذي يسيطر عليه الإسلاميون. والأكثر جرأة هو أنه استبعد القيادة العسكرية العليا، بما في ذلك وزير الدفاع القوي محمد حسين طنطاوي. وعيّن بدلا منه الجنرال عبد الفتاح السيسي.
تَعتبر سويف أن اللحظة الأهم في مسيرة مرسي القصيرة كانت في أكتوبر 2012، حين حاول مرسي توسيع صلاحيات الرئاسة بمرسوم، وهي خطوة أثارت قلق كل من الدولة العميقة والمعارضة العلمانية، التي تزايدت مخاوفها المتزايدة من الأسلمة المتزايدة، بحسب وصفها. لتنطلق جولة جديدة من الاحتجاجات في عدد من ميادين مصر.
تقول سويف إن هذا كان “الافتتاح الذي بدا أن الدولة العميقة تنتظره، فرصة إعادة فتح الانشقاق التقليدي الذي كان قائماً بين الإسلاميين والعلمانيين”.وتعلق الصحيفة: “لعقود من الزمن، كان الجنرالات المصريون قد أوقفوا الإخوان المسلمين، كأكبر تهديد للدولة العلمانية الحديثة، ووضعوا أنفسهم طبيعياً كأوصياء ضدهم، ولقد انهارت هذه الاستراتيجيةخلال أيام الثورة، مع تحول الإسلاميين والتقدميين على حد سواء ضد الجنرالات”.
وتنقل الصحيفة عن سويف قولها: “كان واضحا للغاية ما تفعله الدولة”. “أولاً، إفساد كل شيء يحاول مرسي فعله، حتى لا يتم إنجاز أي شيء، وليقول الناس: “إنه رئيس فاشل”. وثانيا، نشر المخاوف بشأنه. كان من السهل القيام بذلك، لأن الدعاية ضد الإخوان المسلمين قامت على الترويج بأنهم “إرهابيون”.
تقول الصحيفة إنه بحلول ربيع عام 2013، أصبحت مصر مستقطبة بسرعة بين مؤيدي الرئيس، وخصومه.. قبل أن ترتفع فجأة لافتات تطالب الجيش بالتدخل، وكان من بين المؤيدين لهذه اللافتات بعض كوادر ثورة يناير، وهو الأمر الذي تعلق عليه الصحيفة بقولها: “لم تكن هذه مجرد حالة فقدان الذاكرة الوطنية،بل إن أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في المجتمع المصري كان تقديسًا طويلًا لجيشه، وهو تقليد تم إرساؤه للطلاب المصريين من المدرسة الابتدائية”.
وتقول الصحفية: “في 30 يونيو 2013، في الذكرى الأولى لتدشين مرسي، جرت مظاهرات ضخمة في جميع أنحاء مصر، حيث طالب المتظاهرون بتنحّيه. فيما تجمّع أنصار مرسي في ميادين أخرى. وكانت كل مجموعة من المتظاهرين تهتف بمطالباتها كاملة دون نقصان، دون أن يُسمع صوت لطريق ثالث”.
تقول الصحيفة إنه “في هذا المنعطف الحرج، خرج وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، كموظف لطيف، موجهًا إنذارًا إلى الرجل الذي عيّنه، وأعطى مرسي 48 ساعة “لتلبية مطالب الشعب” أو أن الجيش سيتدخل لاستعادة النظام. ورفض الرئيس التهديد.
وفي كلمته، في 3 يوليو، قام السيسي بإطاحة الحكومة المصرية. كما ألغى الدستور، وألقى القبض على مرسي وغيره من قادة الإخوان المسلمين وأغلق أربع محطات تلفزيونية. وفي غضون أيام، أعلن عن تشكيل حكومة مؤقتة “انتقالية”، تتألف من ضباط عسكريين ومنظّمين في عهد مبارك، لكن جميع المصريين كانوا يعرفون أن السلطة الحقيقية الآن هي التي تقع على عاتق السيسي.
تقول الصحيفة إنه بعد تلك اللحظة “تم الكشف عن وجه النظام الجديد على أكمل وجه. حتى جاء يوم 14 أغسطس، حين انتقلت قوات الجيش والشرطة إلى ساحة رابعة في القاهرة لتفريق الآلاف من المصريين الذين كانوا قد خيموا هناك خلال الشهر السابق. ليقتل ما لا يقل عن 800 وربما أكثر من 1000 متظاهر في المذبحة التي تلت ذلك”.. وتقول الصحيفة إن ذلك اليوم كان مشهد النهاية في قصة الثورة المصرية.
سوريا.. الجرح الغائر
تقف الصحيفة مع الثورة السورية التي اعتبرت أنها أكثر المناطق العربية تشابكا وتعقيدا، حيث بدأت كثورة، وانتهت كحرب أهلية مروعة، وهو الوصف الذي ستستخدمه الصحيفة منذ الآن في الحديث عما يجري في سوريا.
وتقول الصحيفة إنه منذ الأيام الأولى لدخول الثورة السورية حيز التسليح والقتال المفتوح، كانت إحدى السمات الأكثر تفاؤلا بسرعة وقف إطلاق النار بين الطرفين، هي التحالفات المؤقتة التي غالباً ما يتم تشكيلها بين المسلحين الثوار ومليشيات النظام. تعتبر الصحيفة أن هذا النمط من الصفقات السرية ساهم في تأخير لجوء النظام إلى سياسة الأرض المحروقة، لأنبعض الميليشيات الموالية للأسد كانت دائما متداخلة مع قوات الثورة في المناطق نفسها.
لكن، بحسب الصحفية، فقد انتهت تلك الديناميكية في أوائل مايو 2013. وفي خطوة خاطفة هائلة، عاد الجيش السوري الحر إلى حي بابا عمرو المدمر، وتمت محاصرته وذبح عناصره الذين استسلموا لطوق النظام. ومنذ لحظة الافتراق تلك، بدأت قذائف مدفعية الجيش السوري تتساقط على الأحياء السكنية بشكل كامل.
لكن لحظة التحول الكبرى في تاريخ الثورة السورية، بحسب الصحيفة، كانت دخول القوات العسكرية الروسية إلى ميدان المعركة إلى جوار الأسد ومليشياته الشيعية، وهو الأمر الذي أدى إلى منح الأسد قبلة الحياة من جديد، مقابل تنازله كلية عن بلاده لتتحول إلى مأوى لتجارب السلاح الروسي وأنشطتها التخريبية، وهو الأمر الذي أفرز في النهاية تقدم مليشيات الأسد للسيطرة على الأرض المحروقة، لتصبح سوريا البلد الأكثر تصديرا للاجئين في العالم.
هل هناك أمل؟
تلخص الصحيفة رحلتها في المنطقة العربية بتردد كبير، فهي متفائلة ومتشائمة في الوقت نفسه.. متفائلة، لأن التاريخ يقول إن كل شيء يمكن أن يعود من جديد، مثلما حدث في ألمانيا النازية.. ومتشائمة، لأنه لا يوجد على الأرض ما يشير إلى فرصة للعودة من جديد، فالمنطقة العربية تدمرت كليًا، ولم يعد أمام شعوبها بصيص أمل سوى الإيمان بأن الغد يمكن أن يحمل لهم بعض نسائم الحرية.
للاطلاع على الملف كاملًا: هنا