أفردت دراسة صادرة عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات (مقره العاصمة اللبنانية بيروت)، من إعداد الباحثين ربيع الدنان وباسم القاسم وإشراف الدكتور محسن محمد صالح- التطورات الدستورية والعمليات الانتخابية التي شهدتها مصر في الفترة منذ 25 يناير 2011 وحتى نهاية 2015.
وجاءت الدراسة تحت عنوان “مصر بين عهدين: مرسي والسيسي – دراسة مقارنة”، في 6 أبواب رئيسية (تم عرضها في شكل حلقات متتابعة قبل جمعها في إصدار مطبوع صدرت طبعته الأولى بتاريخ 2016)، وتتناول الأوضاع السياسية والدستورية والأمنية والاقتصادية والإعلامية التي شهدتها مصر خلال عهدي الرئيسين.
الباب الأول حمل عنوان”التغيرات الدستورية والانتخابات“، وأظهرت فصوله الواقعة في 79 صفحة، أنه قد تمّ تعديل الدستور والاستفتاء عليه في ثلاث مناسبات، وتمّ إجراء انتخابات تشريعية في مناسبتين، وحكم البلاد ثلاثة رؤساء.
أما الباب الثاني فحمل عنوان “الأحزاب والقوى السياسية”، وأكد أن الحياة السياسية والدستورية لم تكن ممهدة بشكل جدي وميسر أمام الرئيس محمد مرسي عند تسلمه مقاليد الحكم؛ حيث واجه مرسي معارضين ومناهضين لحكمه، عارضوه انطلاقاً من دوافع سياسية، أو أيديولوجية، أو صراع نفوذ ومصالح، ولم تتح له فرصة معقولة ديموقراطياً لتنفيذ البرنامج الانتخابي الذي فاز على أساسه، وكان بعض هذه القوى المعارضة ظاهر والبعض الآخر كان مستتراً في بنى ما يُعرف بـ”الدولة العميقة“.
الباب الثالث حمل عنوان “الأداء الاقتصادي”، وأكد أن المشكلات الاقتصادية الكبيرة التي واجهها مرسي في بداية عهده، كان بعضها نتيجة السياسات الاقتصادية التي كانت سائدة خلال الفترة التي حكم فيها الرئيس مبارك، والبعض الآخر جاء بسبب الظروف السياسية والاقتصادية التي استجدت بعد ثورة 25 يناير، أو بسبب سلوك القوى والأطراف المحلية والإقليمية والدولية. على الرغم من ذلك، فقد أشارت المعطيات إلى أن الأوضاع الاقتصادية في عهد مرسي كانت أفضل منها في زمن السيسي.
أما الباب الرابع الذي حمل عنوان “إدارة الملف الأمني والقضائي”، فأكد أن جهاز الأمن والسلك القضائي عملا على إضعاف وتقويض سلطة الرئيس مرسي، في المقابل قاما بدعم السلطة التي انقلبت عليه. وقد تحولت الحرية غير المسؤولة في عهد مرسي، إلى فوضى واستغلت من أجل تنفيذ مخطط الانقلاب ودعم الثورة المضادة، في حين تميز عهد السيسي بعودة ممارسات الأجهزة الأمنية إلى سابق عهدها، كما شهد عهده حالات قتل واعتقال طالت آلاف المدنيين.
الباب الخامس الذي جاء بعنوان “الأداء الإعلامي”، ناقش تطور الأداء الإعلامي المصري منذ ثورة 25 يناير حتى نهاية سنة 2015..
أما الباب السادس الذي حمل عنوان ”السياسة الخارجية“، فناقش السياسة الخارجية المصرية خلال المفترة الممتدة ما بين 25 كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى نهاية 2015؛ حيث تناولت الأداء المصري تجاه القضية الفلسطينية، وتطوراتها، كما تحدثت عن العلاقة المصرية – الإسرائيلية، وناقشت السياسة الخارجية المصرية مع أبرز الدول العربية والإسلامية والدولية.
وتسلط مؤسسة وعي للبحث والتنمية الضوء على أبرز ما جاء في أبواب الدراسة الثرية، عبر السطور التالية:
(1) التغيرات الدستورية والانتخابات:
تشير الدراسة إلى أن الشعب المصري خاض، حتى تاريخ الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي في يوليو 2013، خمس عمليات ديموقراطية انتخابية، شُهد لها بالنزاهة والحيادية، حيث أُجريت تحت إشراف قضائي، وبمراقبة من مؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية.
وأظهرت جميع الاستحقاقات الانتخابية، التي تمّ معظمها في عهد المجلس العسكري، قوة التيار الإسلامي ومؤيديه، وعلى رأسهم الإخوان المسلمون، حيث قالت الصناديق “نعم” لتعديل الدستور في مناسبتين، وأعطت الأغلبية لهم في مجلسي الشعب والشورى، وتوجتها بفوز محمد مرسي بالرئاسة، وذلك بالرغم من الحملات الإعلامية المضادة، والدعاية المحرضة على الحركات الإسلامية ورموزها، والتي لم تتوقف مع الانقلاب على الشرعية، من خلال إبطال مجلس الشعب، وعزل الرئيس مرسي، وتعطيل الدستور.
وأظهرت الدراسة، أنه وبالرغم من المكاسب والنجاحات التي واكبت ثورة 25 يناير، فإن مسار الأحداث المصرية بعد عزل مرسي شهد أزمة حقيقية تعيشها البلاد، وبقي البلد خاضعاً للمؤسسة العسكرية، حيث رسّم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي سيطرته على مقاليد الحكم من خلال انتخابه رئيساً، في انتخابات ذكّرت العالم بالمشهد المصري قبل ثورة 25 يناير. وجعلت من النتائج التي وصل إليها تطور الأحداث أقل بكثير من طموحات الثوار، وآمالهم التي عقدوها على ثورة 25 يناير، وأقل بكثير من التضحيات التي قدّموها لإنجاحها، كما أنه لم يعد هناك ضمانات في حال فوز مرشح من خارج منظومة “الدولة العميقة”، ألا يتم الانقلاب عليه كما تمّ على الرئيس مرسي.
(2) الأحزاب والقوى السياسية
تقول الدراسة إن الرئيس مرسي اعتمد عند بداية حكمه على استراتيجية تتلخص في مسارين، المسار الأول، محاولة استمالة المؤسسة العسكرية التي كانت وما زالت تمسك بتلابيب الحكم في مصر، وتبنيه سياسة عدم الصدام المباشر معها؛ من أجل كسب المزيد من الوقت لتثبيت أركان حكمه وتفريغ الجهد الأكبر من أجل الإصلاح السياسي والإداري والقضائي للنظام.
أما المسار الثاني، فكان توجه مرسي نحو الأحزاب السياسية المعارضة والقوى الشبابية التي شاركت في ثورة 25 يناير، من أجل إيجاد أرضية وطنية مشتركة، قادرة على وضع خطة استنهاض وطنية شاملة، تؤسس لقيام نظام حكم ديموقراطي حقيقي، يلبي طموحات وأهداف ثورة 25 يناير، ويضع مصر على سُلّم التنمية البشرية والاقتصادية والسياسية لتحقيق دولة الرفاه والسيادة والحكم الرشيد.
وتضيف الدراسة أن المصالح والاعتبارات الحزبية الضيقة لعبت دوراً كبيراً في تنظيم العلاقة وسبل التعاون بين أحزاب المعارضة ومرسي؛ كما أن التباينات الكبيرة التي ميزت أغلب البرامج والرؤى التي كانت تحملها الأحزاب في مصر في تلك الفترة، أسهمت في إضعاف أي إمكانية لإيجاد أرضية خصبة للتوافق؛ ما أدى إلى وقوع الصدام في نهاية المطاف.
وتضيف، أن الاختلاف كان واضحاً في سياسة تعامل هذه الأحزاب وسلوكها مع كلا الرئيسين، ففي الوقت الذي عارضت فيه الرئيس مرسي في عدة مواقف وقرارات، نجدها تساند بقوة قرارات الرئيس السيسي في المواقف والقرارات نفسها، وظهر ذلك بوضوح من خلال الوقفة القوية ضدّ مرسي حينما أصدر الإعلان الدستوري في نهايات 2012، فيما غضت الطرف عن العديد من التشريعات التي سنها السيسي، والتي كرست سيطرته وسيطرة العسكر وتراجع الحالة الديموقراطية، كما وقفت الأحزاب وقفة المعارض لمرسي في تعامله مع أزمة سدّ النهضة فيما أشادت بحكمة السيسي في التعامل مع الأزمة، بالرغم من أن السيسي لم يكن أكثر وطنية أو تشدداً من مرسي. كما طالبت الأحزاب بتواجدها في حكومة هشام قنديل بينما لم يكن لها تمثيل في أيّ حكومة شكلها السيسي حتى كتابة سطور الدراسة.
وتبين الدراسة أن هذه القوى والأحزاب لم تحرك ساكناً عندما أصدر الرئيس السيسي العديد من التشريعات التي قيَّد من خلالها الحريات ووضع العديد من السلطات الإدارية والتنفيذية والتشريعية في يده؛ فتولى سلطة التشريع في غياب البرلمان تحت ستار ما يحق له من قوانين في الحالات الاستثنائية.
وتوضح الدراسة أنه على الرغم من انتهاج النظام في عهد السيسي سياسة الإقصاء والقمع في حقّ خصومه ومعارضيه، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، واستمرار رفعه شعار ”لا مصالحة مع الإخوان“، إلا أن المعارضة السياسية وعلى رأسها الإخوان استمرت في ممارسة الضغط المتصاعد على النظام، من خلال الشارع، في ظلّ عدم قدرة النظام على الوفاء بالتزاماته تجاه الشعب؛ فالأوضاع الاقتصادية، والأمنية، والسياسية، ازدادت سوءاً يوماً بعد يوم.
وختمت الدراسة هذا الباب بالتأكيد على أن الكثير من مكتسبات ثورة 25 يناير تبخر بعد انقلاب 3 يوليو؛ فالحريات أعيد تقييدها، والأحزاب بعضها زُج بقيادتها في السجون، وهُمّش البعض الآخر وحُجّم وأُقصي وتمّ استئصال القوى التي قادت المسار الديموقراطي، كما تمّ قمع فريق من المؤيدين، بالإضافة إلى عسكرة مفاصل الدولة، ومحاولة إنتاج معارضة جديدة مصطنعة. وبذلك دخلت البلاد في أزمات خطيرة أثرت على مكانتها ومستقبلها.
(3) الأداء الاقتصادي
تشير الدراسة في الباب الثالث إلى أنه منذ اليوم الأول لرئاسته، شنّ خصوم مرسي ومعارضيه حملة إعلامية منظمة ضدّ سياسته الاقتصادية، موظفين ملايين الدولارات لإنجاح هذه الحملة الإعلامية، والتي كان أهم مظاهرها؛ التقليل من إنجازاته الاقتصادية، واستغلال التعثر أو البطء الذي واكب تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية التي وعد بها.
أدت هذه الحملة المنظمة بالإضافة إلى وسائل القوة التي يملكها خصوم مرسي، من أطراف محلية كالمؤسسة العسكرية وباقي مؤسسات الدولة العميقة وفلول النظام السابق، وأطراف إقليمية ودولية، في نهاية المطاف إلى تهيئة الظروف لإنجاح انقلاب عسكري على مرسي، تحت غطاء “ثورة شعبية” عنوانها “تظاهرات مليونية”؛ تمّ تضخيمها ومضاعفة أرقام المشاركين فيها عبر توظيف وسائل الإعلام المختلفة.
وتبين الدراسة أن نقص الوقود وانقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار، كانت من الأزمات الأكثر حضوراً وتأثيراً في تأجيج غضب الشارع المصري ضدّ نظام الرئيس محمد مرسي، وتضيف أن عدداً من هذه الأزمات كان مفتعلاً ومسنوداً من جهات داخلية وخارجية، وأن انتهاء أزمة الوقود مباشرة بعد أيام من الانقلاب أكبر دلالة على ذلك. في حين استمرت أزمة الكهرباء بعد انقلاب 3 يوليو، وعاشت الحكومة المؤقتة مأزقاً صعباً، كما ارتفع سعر الكهرباء في مطلع عهد السيسي بنسبة 27.9%، بالرغم من أن دولاً خليجية أمدت الحكومة بمساعدات تشمل منتجات بترولية بقيمة أربعة مليارات دولار من السعودية والكويت والإمارات. كما استمر ارتفاع أسعار السلع في عهد منصور والسيسي.
وتضيف الدراسة أن الغريب في الأمر أن الأزمات، التي أطاحت بمرسي معظمها بقي موجوداً خلال عهد السيسي، لكن أدوات نظام مبارك الإعلامية أججتها في عهد مرسي، وقللت من شأنها في عهد السيسي.
وتخلص الدراسة إلى أن الانقلاب في مصر، لم يؤدِّ إلى انتشال مصر من أزمتها الاقتصادية، بل على العكس عمَّق أزمتها أكثر فأكثر بحسب ما أكدت المعطيات الاقتصادية، كما حَرَم الانقلاب على نتائج انتخابات سنة 2012، البلاد من إمكانية النهوض من خلال آلية ديموقراطية، تضمن تداول السلطة، وترسخ مبدأ المحاسبة والمساءلة، فباتت البلاد مرتهنة لفئة معينة تُسيّر مقدرات الدولة الاقتصادية وثرواتها القومية وفق مصالحها.
(4) الأداء الأمني والقضائي
تبيّن الدراسة في بابها الرابع أن مرسي سمح لمعارضيه بالتظاهر والنزول إلى الشارع، على الرغم من أن العديد من التظاهرات كانت تهدف إلى إحراج مرسي وإضعاف حكمه. كما أن “التظاهرات الفئوية” التي يقوم بها قطاع عمالي معين بهدف تحقيق مصالحه الخاصة، برزت بشكل كبير في عهد مرسي، وقد عمل أركان الدولة العميقة والمتضررون من حكم مرسي على إذكائها وتأجيجها، بالإضافة إلى تفاقم أزمتي الوقود والكهرباء، اللتين اتُخذتا كأحد أهم الذرائع لقلب الرأي العام على مرسي والانقلاب عليه.
ومن الوسائل التي لجأوا إليها إنشاء مجموعة تسمى “بلاك بلوك”، التي ظهرت في 24/1/2013 عشية الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، وقد حامت حول المجموعة شكوكٌ حول دورها وخلفيتها، وبرزت تساؤلات حول توقيت ظهور مثل هذه المجموعة التي قام أفرادها بتغطية وجوههم بالأقنعة لإخفاء هويتهم، خصوصاً أنه لم يكن هناك ضرورة لتشكيل مثل هذه المجموعات في ظلّ سيادة القانون، وحماية الحريات وحقّ التظاهر في عهد مرسي. وتضيف الدراسة، أن اختفاء هذه المجموعة بعد أيام من عزل مرسي، أثار الشبهات والريبة حولها، كأن الهدف من هذه المجموعة كان إحداث فوضى منظمة في البلاد لإضفاء صبغة عسكرية على هذه التحركات.
في المقابل كرست السلطات المصرية بعد الانقلاب، جلّ اهتمامها من أجل الحدّ من تنامي المظاهرات المعارضة للانقلاب ومنع تنظيمها، فأصدرت الحكومة قانون التظاهر الذي شدد العقوبات على كل من يتظاهر دون موافقة وزارة الداخلية، وتصدت بشكل عنيف لمظاهرات “جبهة صمود الثورة”، وحملة “لا للمحاكمات العسكرية”.
وتوضح الدراسة أنه مع تطبيق قانون التظاهر، عادت القبضة الأمنية تسيطر على الشوارع والميادين، كما عاد نظام “زوار الفجر” يلازمه الاختفاء القسري الذي تزايدت حدته، فيما انطلقت قوات الأمن لمواجهة المتظاهرين بالطريقة ذاتها التي كانت عليها وزارة الداخلية قبل 25 يناير. ووفق منظمة العفو الدولية في حزيران/ يونيو 2015، تُقدر أعداد المعتقلين في مصر بأكثر من 41 ألف شخص.
وتخلص الدراسة إلى أن الساحة المصرية شهدت بعد الإطاحة بمرسي، عودة سريعة وكثيفة لقوى الأمن والشرطة، في محاولة لإظهار عودة الاستقرار الأمني ونهاية الفلتان الأمني. على الرغم من ذلك، لم تخلُ مدن ومناطق الدولة المصرية من الاضطرابات الأمنية مصحوبة بحالة من الفلتان الأمني.
(5) الأداء الإعلامي
وتظهر الدراسة، في بابها الخامس، أن الصحف المملوكة للدولة حافظت على ولائها لنظام مبارك حتى قبل أيام قليلة من الإطاحة به، وأنها استمرت في خطابها السابق، مع فارق وحيد هو أنه تمّ استبدال المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمبارك. فالصحف نفسها التي مجّدت مبارك ومن ثمّ شعب مصر لفترة وجيزة جداً، سرعان ما بدأت تمجّد المجلس العسكري وزعيمه، في حين بقيت العقلية الاستبدادية مكانها كما عكستها وسائل الإعلام؛ وأصبح الجيش هو المنقذ، وأصبح كل مَن يتحدّث ضدّه أو يهاجمه مهدداً بالمحاكمات العسكرية.
وعلى الرغم من تولي محمد مرسي الرئاسة بأغلبية الأصوات، إلا أنه أصبح هدفاً مفضلاً للإعلام المحلي الذي أوسعه نقداً واستهدافاً، بل سخرية واستخفافاً، حيث تبارت في ذلك سلسلة من القنوات الخاصة الذائعة الصيت التي يملكها رجال أعمال يرتبطون بمبارك وعهده. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل إن وسائل الإعلام المملوكة للدولة من قنوات تلفزيون ومحطات إذاعة وصحف ومواقع إلكترونية، كثيراً ما شاركت بقدر أو بآخر في هذه الحملات تحت مظلة الحرية.
وتذكر الدراسة أن وسائل الإعلام المصري اعتمدت في الشائعات في عهد مرسي على ثلاث استراتيجيات رئيسية، هي: الطعن في شرعيته، والطعن في وطنيته ووطنية الإخوان، وفي تشبيهه بمبارك والإخوان بالحزب الوطني.
وتوضح الدراسة أن المشهد الإعلامي في مصر دخل مرحلة جديدة بالغة الدلالة والخطورة بعد عزل الرئيس مرسي، فقد تحول الإعلام بشكل واضح إلى أداة صريحة في الصراع السياسي بين السلطة الانتقالية الجديدة وبين الإخوان المسلمين وأنصارهم.
وقام الجيش المصري بإغلاق القنوات الإسلامية والمحسوبة على التيار الإسلامي في غضون ساعات من عزل مرسي، وفُرضت الرقابة على المؤسسات الإعلامية، وتعرضت مكاتب إعلامية أخرى للمداهمات. واتهمت السلطات المصرية وسائل الإعلام الأجنبية بتقديم تغطية منحازة.
كما تعمدت وسائل الإعلام المصرية المحسوبة على النظام الشحن والتعبئة ودقّ طبول الحرب مستخدمة كافة الأساليب، حيث تفننت في الكذب مثل الادعاء بوجود جثث أسفل منصة اعتصام رابعة العدوية الذي نظمه الرافضون لعزل مرسي، وهو الأمر الذي لم تثبت صحته، وذهبت بعض التحليلات إلى تأكيد “فبركة” تلك الصور وتزييفها، مروراً بالادعاء بوجود أسلحة ثقيلة مثل صواريخ الجراد والأسلحة الكيماوية، ووصولاً إلى الافتراء المتعلق بـ”جهاد النكاح”.
وخلصت الدراسة إلى أنه وبعد مرور نحو خمسة أعوام على ثورة 25 يناير؛فإن مصر ما تزال تعاني من وجود قطاع إعلامي سلطوي، وقيود على حرية التعبير. فالإعلام في مصر يتسم بدعمه للنظام. فعلى الرغم من استمرار الأزمات وتفشيها واتساعها خلال فترة السيسي، دافعت وسائل الإعلام هذه عن السيسي، ورأت بأن ما قام به إنجاز لا يتكرر، ويستحيل تحقيقه في أيّ عهد آخر. كما صورت وعود السيسي بشكل مبالغ فيه، وبنت آمالاً كبيرة على السيسي.
(6) السياسة الخارجية
وتظهر الدراسة، في بابها السادس والأخير، أن مؤسسة الرئاسة المصرية انفردت بتحديد السياسية الخارجية المصرية، وتوجهاتها العامة، بما يتناسب مع مصلحة نظام الحكم؛ حيث احتكرت الرئاسة العديد من الملفات التي تراها حيوية، وقد اختلفت طريقة واستراتيجية كل من الرئيس محمد مرسي والرئيس عبد الفتاح السياسي في التعامل مع إدارة ملف السياسة الخارجية.
وفيما حاول مرسي أن يقيم علاقات مع الدول الفاعلة تقوم على مبدأ الندية والتكافؤ، وتعود بالمنفعة والفائدة على مصر أولاً وعلى الدول المستهدفة ثانية؛فإن السيسي وظّف حالة الاستهداف والرفض وعدم التعاون التي اتبعتها الكثير من الدول، خصوصاً المتضررة، من صعود ”التيار الإسلامي“، مع النظام المصري في عهد مرسي- لتنفيذ مخطط الانقلاب بدعم واضح من هذه الدول.
وتشير الدراسة إلى أن طريقة تعامل الأنظمة في مصر مع القضية الفلسطينيةتنوعت ما بين داعم للقضية الفلسطينية، ومدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية، ومشرِّع مقاومته للاحتلال، وبين من يرى أن المقاومة لا تصبُّ في صالح مشروع الدولة الفلسطينية.
وتوضح الدراسة أن فوز مرسي شكّل نقطة تحول فارقة في العلاقة بين حماس والحكومة في غزة من جهة ومصر من جهة أخرى. فبعد أن كانت قناة الاتصال الوحيدة بين حماس ومصر تنحصر في جهاز المخابرات العامة، فإن قنوات الاتصال في عهد مرسي باتت تديرها المستويات السياسية العليا في الجانبين. وتوصلت الحكومة المصرية والحكومة الفلسطينية في غزة لاتفاقات بشأن قضايا حساسة، منها اتفاق تشكيل لجنة أمنية مشتركة لمراقبة الحدود وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الأمني.
وبعد عزل الرئيس مرسي خيّمت حالة من التوتر وعدم الثقة على العلاقة بين مصر وحماس. وشهدت هذه الفترة حملة تحريض كبيرة ضدّ قطاع غزة بشكل عام، وضدّ حماس بشكل خاص، شنتها أحزاب ووسائل إعلام وشخصيات مصرية متعددة.. وبدأ التغيير في سياسة السلطة الجديدة في مصر تجاه قطاع غزة يظهر بشكل ملحوظ بعد أيام قليلة من عزل الرئيس مرسي؛ وذلك من خلال ازدياد وتيرة هدم الأنفاق، وسياسة الغلق والفتح غير المنتظمة لمعبر رفح، والتي كان نظام مبارك ينتهجها؛ ليصل الإغلاق إلى ذروة خانقة في سنة 2015 وبما مجموعه 343 يوماً في السنة، حيث لم يفتح المعبر سوى 21 يوماً.
وفي ملف العلاقات الإسرائيلية المصرية، جاء في الدراسة أن”إسرائيل“ عملت، منذ اليوم الأول لتسلم مرسي الرئاسة، على إظهار أن العلاقة طبيعية بين البلدين، من خلال إرسال رسائل تهنئة للرئيس مرسي بمناسبة انتخابه، وبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، لكن رأى باحثون ومعلقون إسرائيليون أن العلاقات بين مصر و”إسرائيل“ خلال حكم مرسي كانت هشة ومتأزمة، بالرغم من محافظتها على معاهدة كامب ديفيد.
لكن هذا الحال اختلف بعد الانقلاب العسكري، حيث لم تُخفِ النُّخب السياسية والعسكرية والمثقفة في ”إسرائيل“ ارتياحها من الذي حدث في مصر. ومما لا شكّ فيه أن تحولاً قد طرأ على العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد الانقلاب، حيث جاء هذا التحول بفعل الاعتبارات التي تحكم كلاً من قادة الانقلاب والنخبة الحاكمة في تل أبيب.
ولم يكن من المفاجئ احتفاء الإسرائيليين بالانقلاب، حيث إن محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب رأت أن الانقلاب قد حسَّن بشكل كبير من البيئة الاستراتيجية لـ”إسرائيل“، مما دفع صناع القرار فيها إلى التحرك بشكل فاعل للمساعدة في دعم نظام السيسي، من خلال المساعدة في تأمين شرعية دولية له، عبر تحرك ديبلوماسي ودعائي نشط في أوروبا، والولايات المتحدة، والمحافل الدولية.
أما فيما يتعلق بملف العلاقات العربية والإسلامية والدولية، فقد اختلفت استراتيجية كل من مرسي والسيسي في التعامل مع الدول العربية والإسلامية والغربية. كما اختلفت وجهات النظر بين السلطات المصرية خلال عهدي مرسي والسيسي، بين مؤيد للثورات وحرية الشعوب، وبين داعم للثورات المضادة، تحت عنوان محاربة الإرهاب. وظهر ذلك واضحاً في تصريحات الرئيسين، ومواقفهما من تطور الأحداث.