“مذبحة الهرس”.. إصدار مؤسسة وعي حول مذبحة عسكر مصر ضد الأقباط (ماسبيرو 2011م)

0.00 $

أطلقت مؤسسة “وعي” للبحث والتنمية إصدارها الجديد الذي يحمل عنوان (مذبحة الهرس) والذي يتناول مذبحة عسكر مصر ضد الأقباط (ماسبيرو 2011م).. الملخص كامل

التصنيف:

مثّلت مذبحة ماسبيرو 2011 واحدًا من الأحداث المهمة والمؤلمة التي عاشتها الدولة المصرية بكل مكوناتها في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 على يد الثورة المضادة، وإن كانت ماسبيرو قد وقعت قبل الانقلاب الفعلي المباشر في 2013 إلا أن مؤشرات نتائج هذه المذبحة تبين أن الفاعل واحد في كل الجرائم والمذابح التي ارتُكبت قبل الانقلاب أو بعده، والطريقة واحدة، والدعاية كذلك واحدة، وأن تلك الجريمة كانت من الوسائل التحضيرية لخلق بيئة مواتية للانقلاب من خلال بث الفرقة وإيقاع الضغينة بين مكونات المجتمع المصري، والجديد هو ما استبان للباحثين من خلال تتبع تفاصيل الحدث مما يجعل من ماسبيرو قضية وطنية وليست قضية طائفية أو فئوية أو تآمرية كما حاول النظام العسكري -ممثلا في المجلس العسكري حينها- تصويرها.

إن تشخيص عقدة ماسبيرو –وغيرها من العقد- وتوصيفها موضوعيًا، من شأنه أن يمهد المجتمع المصري لحوار بنّاء وتفاوض اجتماعي وسياسي مثمر بين مكوناته، ويؤسس لمناخ يمكّن من الاتفاق على خريطة مستقبل حقيقية بين أبنائه بعيدًا عن الاتهامات الجزافية أو السياسية، فتكون الحقائق مطروحة بشكل موضوعي استقرائي وشفاف توضح مصدر الخطأ أو الخطيئة سواء في التعامل مع الحدث بشكل كلي أو في جزئية من جزئياته.

وحادثة ماسبيرو؛ هي مذبحة وفق التصنيف الدولي وهو ما أثبته هذا التوثيق بأدلة متنوعة، والعرف الدولي للمذبحة يعني وقوع قتل جماعي متعمد لمجموعة من الأشخاص ما بين خمسة إلى ستة أشخاص، ليس لديهم أي قوة مكافئة في الدفاع عن أنفسهم (انظر: مذبحة الحرس الجمهوري، أول توثيق علمي شامل، 2019، مؤسسة وعي للبحث والتنمية)، والقتلى هنا 31 شهيدا ينطبق عليهم ذلك التوصيف الأممي.

صورة من الأحداث تظهر عددًا من المتظاهرين الأقباط يشعلون النار في إحدى المدرعات ويلقون عليها بالحواجز المرورية الحديدية. (مصدر الصورة: موقع عربي / news B.B.C، 9 أكتوبر 2011)

هتاف الحرية لكل المصريين، والقمع أيضًا

لم تكن مذبحة ماسبيرو مفاجئة لمن يستشرف سلوك النظام الاستبدادي وتعاطي الأنظمة مع الشأن القبطي كما أوضح الباحثون في تمهيد الدراسة؛ فبعد اشتراك الأقباط بكل فئاتهم الدينية والعلمانية -وبخاصة الشباب- في ثورة 25 يناير جنبا إلى جنب مع إخوانهم من عامة المصريين المسلمين بكل فئاتهم الدينية والعلمانية -بخاصة الشباب أيضا-، وشهد ميدان التحرير في الثمانية عشر يوما للثورة المصرية مشاهد رائعة من الوحدة الوطنية واندماج الأحلام المصرية في حلم واحد، هو خلاص مصر من الحكم الديكتاتوري – العسكري وأن المظالم واقعة على كل المصريين، وأن البلطجة والاستبداد يقوم على رعايتها وتغذيتها فسدة من المسلمين والأقباط معا، وأن عامة الشعب -أقباطا ومسلمين- لديهم شعور وطني واحد بإرادة التغيير وطلب العدالة لكل الشعب دون تفريق.

كانت البيئة السياسية التي وقعت فيها المذبحة بيئة حياة سياسية ناشئة وعفوية وضعيفة وطموحات شعبية عالية ومشروعة، وأحزاب سياسية لا زالت تتنسم الحرية وأخرى في طور التشكيل، ومجتمع دولي محكوم بالمصالح التي قد تأخذ الثورة المصرية قدرا منها لصالح الشعب، ودول إقليمية في حالة فزع وخوف من ثورة قد يهب نسيمها في بلدانهم، أو قد تحرر الإرادة السياسية مصرًا وشعبًا من التبعية.. ومجلس عسكري كان يتربص بمبارك الذي أراد توريث ابنه فإذا به –أي المجلس العسكري- يحتوي ثورة الشعب ضده كي يحل محله، وقد تنازل مبارك للمجلس وسلمه مفاتيح السلطة.

في تأويل العنوان “مذبحة الهرس”

إنها مذبحة الهرس الجماعي.. لقد تضمن مبحث التقرير الطبي حول إصابات الضحايا في الباب الثاني من هذا العمل التوثيقي سبعة جداول بيانات، صُنفت فيها إصابات 31 ضحية -قضوا في هذا الحدث الأليم- لبيان سبب الوفاة، وجاء القتل بالهرس ودهس المدرعات والرضوض هو الأعلى، حيث بلغت نسبة القتل بالهرس والرضوض 58% من الضحايا، منهم 35% بالهرس، 23% بالرضوض، وهو ما يخالف كل التوقعات، فالمتوقع هو القتل بالطلقات النارية (مثلت نسبته 25% فقط) وهذه الوسيلة –أي الهرس والدهس- هي وسيلة نادرة في القتل الجماعي لم تكن هي الغالبة في جميع مذابح الحكم العسكري السابقة واللاحقة لانقلاب 2013،  ما دعا المؤلفين إلى تسميتها “مذبحة الهرس” باصطلاح الأطباء، وهي صبغة نادرة لهذه المذبحة، بالإضافة إلى ما نسبته 16% من الضحايا الذين لم يكتب عنهم تقرير حقيقي في الطب الشرعي يوضح سبب الوفاة جراء الضغوط التي مارستها السلطة على أسر الضحايا والطب العدلي واستعانت فيها ببعض رجال الدين المسيحي من أتباع السلطة. جاء في التحليل الطبي للإصابات بهذه الدراسة: “وكأن الضحايا في مقتلة الهرس والرضوض وقعت عليهم كتل ضخمة من الخراسانات والكتل الحديدية”، وهو ما نلحظه في الكوارث وانهيارات العمارات والكباري، ويبدو أن الحرص على تقليل الطلق الناري لكونه هو محل التحقيقات والإدانة قد جلب شيئا جديدا وبشعا ليس معهودا في فض المظاهرات أو الاعتصامات، وجاءت الكسور المشتركة أعلى نسبة يليها هرس الأطراف ثم تكسير الضلوع والعمود الفقري.

صورة لفيفيان مجدي تمسك بيد خطيبها مايكل مسعد أحد ضحايا المذبحة وبجواره تظهر جثث قتلى آخرين. (مصدر الصورة: موقع الأقباط متّحدون، 10 أكتوبر 2011)

ملاحظة: قمنا بتأطير الصورة لإخفاء بعض التشوهات في القتلى جراء الدهس

ما الجديد في توثيق “وعي” لمذبحة ماسبيرو 2011؟

في هذا التوثيق الجديد المفصَّل والشامل الذي قامت به مؤسسة وعي للبحث والتنمية لثورة شعب مصر، قدمت المؤسسة هذا الدليل التوثيقي الشامل لمذبحة ماسبيرو أكتوبر 2011م.

وقد تميز هذا العمل عن غيره مما سبق من إصدارات حول ماسبيرو أولاً بتقديم تاريخي موجز لسرد علاقة الأقباط بالمسلمين، وعلاقة الكنيسة بالسلطة في مصر، وأين تقع عقدة ماسبيرو من هذه العلاقات المتشابكة، وثانيًا بإيجاد توثيق علمي شامل للحدث يطمئن إليه الباحثون والجهات المهتمة في المعلومات والحقائق في ظل كثرة التأويلات والإشاعات والأكاذيب وطمس الحقائق أو شراء الذمم مع اقتران ذلك بفقدان العدالة، واحتمالية وقوع الشك والريبة بين فئات المجتمع أو تبادل الاتهامات فيما بينها ومن خلالها يفلت المجرم الحقيقي من العقاب ويحدث تكرار للجريمة؛ ونحن هنا لا نتحدث عن جريمة  فردية؛ بل جريمة سياسية قابلة للتكرار من المنظومة الحاكمة كلما اقتضت ضرورة بقائها ذلك.

إنها سردية بُنيت على أسس علمية وموضوعية في سبيل استجلاء الحقيقة، اشتملت على مقدمات تاريخية واصطلاحية، وهي توثيق علمي شامل للحدث لا يكتفي بسرد الواقعة وفق طريقة واحدة، بل يرويها من خلال الوثائق، ووقائع تداول القضية في المحكمة، ومن خلال تتبع مقاطع الفيديو والصور الأرشيفية، ومن خلال فاعليات تشييع جنائز الضحايا والنظر في سير الشهداء، ومن خلال قوائم المعتقلين وشهادات الشهود ومنهم أسر الشهداء، وأخبار الصحف المصرية والإقليمية والدولية، وإصدارات منظمات حقوق الإنسان ولجان تقصي الحقائق، بل وتوثيقها من خلال الأعمال الفنية والأدبية ومناسبات التأبين السنوي؛ مما يجعل هذا العمل فريدا من نوعه وشاملا، ويستطيع القارئ والباحث أن يجد فيه بغيته للتتبع أو التحقق أو الاستكشاف، ويمكنه بسهوله التفريق بين الحقائق والإشاعات وفك الإشكاليات التي حاولت السلطة الاستبدادية جر الشعب إليها؛ لنسيان الحقائق أو تشويهها أو الالتفاف عليها.

منهجية العمل

أُنجز هذا العمل التوثيقي عبر سلسلة من الإجراءات المنهجية تضمنت جمع المادة العلمية من مصادرها المختلفة وترتيبها وتصنيفها وتبويبها ومن ثم البدء في كتابتها بشكل نهائي وبيان ذلك كما يلي:

  1. عمل مقدمة تاريخية مختصرة جدا لسرد علاقة الأقباط والكنيسة والسلطة منذ الفتح الإسلامي، ثم التركيز على العصر الحديث وصولا لعصر محمد علي وانقلاب يوليو 1952، وفترات السادات ومبارك، ثم ثورة 25 يناير 2011م، وفترة المجلس العسكري حيث وقوع المذبحة.
  2. تجميع الجهود السابقة عن مذبحة ماسبيرو وعمل وصف مختصر يبين معلومات أهم الدراسات السابقة، ونتائجها والجهات القائمة عليها ومنظورها في رواية الحدث.
  3. كتابة سردية مختصرة للواقعة من النتائج الكلية التي توصل إليها الباحثون، ورأى الفريق البدء بها؛ لكونها خلاصة تثير القارئ وتدفعه لمواصلة التحقق الذي هو مهمة الأبواب والفصول التالية.
  4. توثيق الشهداء والمصابين والمعتقلين واستخلاص مؤشرات إحصائية بالسن والمهنة والوظيفة والسكن، وكتابة نماذج من سير الشهداء.
  5. إجراء دراسة تحليلية لنوعية الإصابات والجروح والكسور من خلال فريق طبي متخصص، وإعداد تقرير دقيق وموافق للمعايير الطبية الدولية، يتضمن التحليل الإحصائي المقارن بين الإصابة والسلاح المستخدم ونتيجة الإصابة ومعامل التكرار.
  6. جمع عينة معتبرة من تغطية الإعلام المصاحبة للمذبحة، ثم تصنيفها، ووصفها، وتلخيصها، وكتابتها في خلاصة مكثفة مع الإبقاء على أصول هذه المواد وحفظها.
  7. جمع ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية ثم الوصف والتحليل والترتيب، والحفظ.
  8. توثيق مئات الصور والفيديوهات وعمل أرشيف لحفظها بشكل علمي وبيان دلالاتها الإجمالية وتصنيفها وترقيمها وفقا لمعايير حفظ البيانات في الأوعية الحديثة وتحليلها، ووضعها في سياق الواقعة، وعمل ملخص لأرشيف الصور والفيديوهات، وهذا التلخيص سيكون وسيلة لاستدعاء ذلك المخزون لمن يرغب، من خلال ارتباطات تشعبية مع المشروع المقترح لبناء موسوعة كاملة عن المذبحة.
  9. جمع الأعمال الفنية والأدبية التي أبدعها الجمهور بعد المذبحة وعند حلول ذكراها المتجددة سنويًا، وإعداد تلخيص لها توجد من خلاله روابط تشعبية لاستدعائها عند الحاجة.
  10. إعداد الفهارس التفصيلية بالأبواب والفصول ومباحث الفصول، وترقيم الصور والأشكال التوضيحية والجداول والقوائم والفيديوهات والنماذج والنسب الإحصائية وصولا لكشافات الدراسة بما ورد فيها من أسماء أشخاص وأماكن ومعارف ومصطلحات وتعبيرات أيقونية أو رمزية أو غير ذلك.
  11. كتابة النتائج النهائية للدراسة والتوصيات اللازمة لإخراج العمل ونشره.

محتويات الدراسة:

الدراسة تقع في قرابة 400 صفحة من القطع المتوسط، وجاءت في ثلاثة أبواب، ومتوسط ثلاثة فصول لكل باب، وتضمن الفصل عدة مباحث، والدراسة مزودة بالصور والجداول الإحصائية والأشكال التوضيحية والفهارس التفصيلية، واتبعت الدراسة منهجا محددًا في التقديم وبيان المفاهيم والمصطلحات والجمع والتوثيق وفق خطة علمية مماثلة لما تم في توثيق مؤسسة وعي لـمذبحة الحرس الجمهوري 2013.

عالج الباب الأول مدخلين وسردًا كليًا للمذبحة مستخلَصًا من نتائج هذه الدراسة؛ أما المدخل الأول فقدّم تمهيدًا معرفيًا عامًا للقارئ حول المسألة القبطية في مصر والتوظيف السياسي لها من السلطة في الأنظمة المختلفة وتراكمات ذلك منذ عقود، وقد بدأ بعرض لمحات سريعة شديدة الاختصار للمراحل الأولى من هذه العلاقة بعد الفتح الإسلامي لمصر، مع زيادة تعريف تلك العلاقة كلما اقتربنا من ثورة 25 يناير وصولا لفترة حكم المجلس العسكري. أما المدخل الثاني، فهو بمثابة تمهيد خاص يضع القارئ في المناخ الذي سبق وقوع المذبحة يبدأ من حيث انتهت جهود الآخرين ويعرض نموذجًا لتوثيق شامل أصدرته مؤسسة حرية الفكر والتعبير بعنوان: “مذبحة ماسبيرو: قتل على أساس الهوية” تقرير سارة رمضان وآخرين وتحرير تامر موافي. أما السرد فهو خلاصة جميع الأبواب والتوثيقات المختلفة، وهو حكْي القصة بشكل مكثف وتحفيز القارئ على قراءة التفاصيل والتوثيقات ويشمل توضيح المفاهيم والمصطلحات، لتنوير القارئ ومساعدته على القراءة والاستكشاف، وقد ساق المؤلفون السرد الزمني للوصول إلى ماسبيرو تحت عنوان: الطريق إلى ماسبيرو.

الباب الثاني، وهو خاص بالتوثيق، وقد اشتمل على قوائم الضحايا من شهداء ومصابين ومعتقلين وخصص لذلك الفصلَ الأول، فعرض لعدد 22 قائمة مرجعية وردت بها أسماء الضحايا عرضا وصفيا وتاريخ ظهورها ومصادرها، ثم تلا ذلك عملية دمج القوائم وفرز التكرار والتحقيق للوصول للعدد النهائي في قائمة موحَّدة للشهداء ببيانات دقيقة حول أسمائهم وألقابهم وأماكن سكنهم..  إلى آخره. ويتبع ذلك التحليل الإحصائي للسن والوظيفة ومكان الإقامة، ثم نماذج من سير الضحايا، ويلي ذلك مبحث عن المصابين الذين بلغ عددهم 339 مصابا حسب الإحصاء الرسمي، وترجّح لدى الفريق البحثي أن العدد أكبر من ذلك بكثير، وذلك لتخوف المصابين من كتابة أسمائهم في سجل المظاهرات وألا يتعرضوا لملاحقات أمنية، وكذلك المعتقلين وبلغ عددهم 24 معتقلا، وأردف المؤلفون ذلك بعرض لملف القضية التي نُظرت في المحاكم ووقائعها.

أما الفصل الثاني فتناول التقرير الطبي بتحليل إصابات الضحايا، فبيّن أهمية وجود التقرير الطبي ومصدره وتبسيط قراءته والظروف المحيطة بالتقارير الجزئية عن الضحايا والتقرير هنا هو تقرير كلي عن المذبحة ثم القراءة التحليلية لنتائج التقرير.

والفصل الثالث عرض لقراءة أرشيف الفيديوهات والصور الخاصة بالحدث، وقد شملت القراءة دراسة وتوصيف ما يقرب من خمسمائة صورة جُمعت من أكثر من خمسين مصدرًا، ومثَّلت لفئات متعددة من موضوعات الحدث؛ فئة منها لمسيرات ووقفات واحتجاجات قام بها الأقباط قبل المذبحة وعددها 16 صورة، وفئة أخرى لأحداث المذبحة وما جرى بها من دهس للمتظاهرين بالمدرعات وقتل بإطلاق النار في المليان عددها 135 صورة، ومجموعة أخرى من الصور استعرضت ردود الفعل عقب المذبحة مباشرة وتجمعات الأهالي أمام المستشفى القبطي وأمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وتشييع جنازة الضحايا وردود الفعل من بعض الشخصيات العامة وعددها 47 صورة، ثم بعد ذلك الفئة الأخيرة وهي ردود الفعل المتأخرة مع إحياء الذكرى وما يتكشف من تفاصيل حول المذبحة وعددها 278 صورة، ويقوم هذا التوثيق على تقديم عينات من هذه الصور تمثل الفئات المختلفة، أما جميع صور المذبحة التي جمعتها الدراسة فجري تصنيفها وحفظها ضمن الموسوعة الشاملة للحدث. وعلى نفس المنوال جرى توثيق الفيديو حيث جمعت الدراسة عشرات الفيديوهات وفق تصنيف علمي يضع كلمات مفتاحية ويعطي معلومات عن مدة الفيديو وموضوعه ومصدره وكوده في أرشيف مؤسسة وعي حول المذبحة، وبما يمكن من الرجوع إليه واستدعائه بسهولة.

والفصل الرابع عرض لتوثيق شهادات الشهود، وتناول الفصل فئات الشهود، ونوعية الشهادة، وتمحيصها وتقدير مصداقيتها في إطار الحقائق، والتفريق بين الشهادات والمشاهدات وفي إطار الظروف الأمنية التي خضع لها الشهود، وقد تضمنت: شهادات بعض المشاركين في المظاهرة، شهادات غير المشاركين في المظاهرات، مشاهدين لأكثر وقائع حدث المذبحة، مشاهدين لحالات محددة، شهادات بعض النشطاء، شهادات بعض الجنود والضباط من قوات الجيش والشرطة، شهادات بعض العاملين في القنوات الفضائية بمبنى ماسبيرو، شهادات المصابين من المتظاهرين أو من قوات الجيش والشرطة، شهادات أهالي الضحايا مثل فيفيان مجدي، خطيبة مايكل مسعد أحد القتلى في الأحداث، أو وائل صابر، شقيق أيمن صابر وهو أحد القتلى في الأحداث أيضا، أو من أصدقاء ورفقاء الضحايا في المظاهرة، إضافة إلى بعض الشهادات التي وردت في تحقيقات قضية أحداث ماسبيرو..

وقد جرى جمع الشهادات الخاصة بكل مرحلة من مراحل الأحداث حتى لو كانت متناقضة لأن ذلك يعطي مجالا أوسع لتصور المَشاهد بشكل أكبر.

والفصل الخامس عرض لتوثيق الحدث من خلال ما رصده من معالجات الصحف المحلية والإقليمية والدولية، فبيّن اتجاهات تلك الصحف والعلاقات بينها في سياق الأحداث وفي تصنيفها وتوظيفها سياسيًا واجتماعيًا واستنبط منها بعض الدلالات الموحية بوجود رابط بين مادتها ومضمونها على مستوى الصحف المحلية أو الإقليمية أو الدولية كما وُجدت أيضًا اختلافات، ووجد أن السياق الذي عبرت عنه تلك الصحف في هذه المذبحة يتشابه إلى حد كبير مع سياق التعامل مع مذبحة الحرس الجمهوري، من شيطنة فئة المتظاهرين –وهم الأقباط في حالة ماسبيرو- واتهامهم بأنهم ضد الجيش وضد الوطن وضد الإسلام. وقد جُمعت عينات التغطية الإعلامية للمذبحة من الصحف الحكومية والحزبية والخاصة وبعض الصحف الإقليمية والدولية، وتمت أرشفتها والاحتفاظ بها في إطار الموسوعة الشاملة للحدث مع إمكانية إتاحتها للباحثين.

الباب الثالث ويعالج ردود الأفعال ويتكون من ثلاثة فصول: الأول ردود الأفعال السياسية الداخلية والخارجية، والثاني عرض لتقارير وبيانات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وجاء الفصل الأخير ليعالج الأعمال الفنية الأدبية والشعبية العفوية التي عبّرت عن الحدث سواء بعد وقوعه مباشرة أو عند إحياء ذكراه بتجدد الأعوام حتى كتابة هذا التوثيق.

مسيرة جنائزية لتأبين ضحايا ماسبيرو في 11 نوفمبر 2011. (مصدر الصورة: المصري اليوم، 11 نوفمبر 2011)

مسيرة لنساء وفتيات قبطيات تأبينا لضحايا المذبحة في الذكرى الأولى لها، ارتدين فيها الملابس البيضاء ورفعن صلبانًا عليها صور شخصية للضحايا. (مصدر الصورة: موقع رصد، 9 أكتوبر 2014)

وقفة لعشرات الأقباط في دوران شبرا في الذكرى الثالثة من مذبحة ماسبيرو رفع المشاركون فيها لافتة كتب عليها “افتكروا شهداء ماسبيروا” ولافتة أخرى عليها صور لمينا دانيال وصور للرئيس مرسي أثناء تكريمه لطنطاوي، رئيس المجلس العسكري حينها. (مصدر الصورة: موقع وطني، 10 أكتوبر 2014)

سيَر ضحايا الحدث مادة إخبار

كما هي منهجية مؤسسة وعي في توثيق الحوادث الاجتماعية المهمة؛ فقد اختارت هذه الدراسة نماذج متنوعة من الضحايا لكتابة السير، ليس لأنهم يتفضلون على بقية الأبرار، بل لأن ظروف قتلهم عبّرت عن حالات متنوعة توضح فداحة الجريمة وقسوتها وهمجيتها.. فقدمت الدراسة نموذجاً من الشباب الأقباط ما بين 20 و37 عاما والعجيب أن منهم شبابا بلغوا سن السابعة والثلاثين (مخائيل توفيق جندي)، والتاسعة والثلاثين (أيمن صابر بشاي) ولم يتمكنوا من الزواج! وهم من الفقراء ومن الموظفين، وبعض كبار السن ممن بلغوا الستين لديهم أسر فقيرة وأبناؤهم من الضعفاء مثل (مسعد مهنا)، ونموذج (مايكل مسعد) الذي جرّوه وكتموا أنفاسه وقال عبارة الحياة، قبل أن يقولها جورج فلويد “دعوني أتنفس أنا أموت” ولم يتركوه، قدمت الدراسة أيضًا نماذج سير لمن قتلوه هرسا ودهسا بالدبابة، ومن رموه بالرصاص الحي، ومن منعوه العلاج والدواء وظل ينزف حتى الموت، مثلما فعلوا مع غيرهم، وهناك نموذج للشاب الثائر في ميدان التحرير مينا دانيال، الذي كان مع صديقه المسلم يؤلف الأغاني ويتعانقان من أجل العيش الكريم والحرية خلال أيام ثورة يناير 2011، وكان في مجموعة شباب العدالة والحرية التي جمعت مسلمين ومسيحيين في ميادين الثورة المصرية، وهناك نموذج سيرة للشاب المسيحي (صبحي جمال نظيم) الذي قتلوه وكانت له صور أرشيفية كلها حياة وأمل ومحبة مع قوات الجيش في بدايات الثورة، تأثرا بما كان يظنه الجميع من أن العسكر حموا الثورة!، قبل أن يتآمر عليها المستبدون والفسدة وينقلبوا عليها ويحولوا كل فرح بها إلى مأتم وكل سعيد بها إلى شهيد..

إنها نماذج متشابهة من المصريين تجدهم في شهداء ماسبيرو، وشهداء الأندية الرياضية وشهداء التحرير ومحمد محمود وشهداء الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة والنهضة، يمثلون مصر من مدنها وقراها وفئاتها الفقيرة والمعدمة من كل ربوعها، وهذه النماذج كاشفة لكل المجتمع في طبيعة صراعه مع السلطة الاستبدادية الفاسدة المرتشية، التي خانت الثورة وانقلبت على الإرادة الشعبية، وكانت كل مذبحة حلقة من حلقات الانقلاب الذي أعدت له منذ يومها الأول.

وفي الختام

ختامًا؛ فإن مؤسسة وعي إذ تواصل عملها في دراسة وقائع وأحداث منطقة الشرق الأوسط في بدايات الألفية الثالثة ضمن محور التوثيق والتأريخ- فإنها تلتزم برسالتها في معالجة الظواهر الاجتماعية والأحداث المعاصرة وفق دراسة منهجية، وتضع مع ذلك في أولوياتها القيم الإنسانية والحقوق والحريات، وفي مقدمتها الحق في الحياة والحق في التعبير، واللذان تم إهدارهما بل وسحقهما خلال العدوان الهمجي الذي مارسته سلطة المجلس العسكري بحق أقباط مصر، وفق ما بينته نتائج الدراسة، والتي نرجو أن تكون متاحةً للجمهور قريبًا بإذن الله.

زر الذهاب إلى الأعلى