المثقفون والأدباء بين مطرقة السلطة وسندان الثورة

0.00 $

نبحر في بقية المقالات مستعرضين لمواقف مثقفي مصر وأدبائها من السلطة وذلك في التاريخ الحديث والمعاصر في الحقبة الملكية ثم فترة الحكم الناصرية، وما بعدها، من خلال قراءة علاقتهم مع السلطة الحاكمة.. الملخص كامل

التصنيف:

لا يمكن دراسة موقف الأدباء في مصر من ثورة يناير بدون مناقشة أمرين، كليهما متصل ببعضهما، الأول ينظر في واجب الأديب تجاه المجتمع، وعلاقته بالسلطة، وأبعاد هذه العلاقة، ومحدداتها، والمناخ الاجتماعي والسياسي، وما فيه من حريات. فالأديب ليس شخصا عاديا، وليس موظفا في دائرة حكومية، ينفذ التعليمات الصادرة إليه، بغض النظر عن كينونتها، وإنما هو شخص اتخذ من الإبداع سبيلا لتوصيل أفكار عليا، وتحقيق غايات مثلى، فهو قدوة في مواقفه، مرشد في إبداعه، مؤتمن على ما يكتبه، فلا مكانة لأديب يرفع شعارات في كتاباته، ويكون هو أول المضحين بها، الناكرين لما فيها.

والأمر الثاني يتصل بعلاقة الأدباء في مصر بالسلطة الحاكمة، في العصر الحديث، سواء في الحقبة الملكية أو الحقبة الناصرية، وصولا إلى الحقبة المباركية. فكل هذه المواقف التي رأيناها من الأدباء في ثورة يناير وما بعدها من أحداث، كانت محصلة لتراكم تاريخي من علاقة السلطة بالأدباء. ذلك أن الثورة قامت على ما هو قائم بالفعل من أوضاع متكلسة فاسدة، أصابت أوجه الحياة في مصر كلها، بما فيها قطاع الثقافة والأدب والأدباء. وكان المتغير الذي رأيناه واضحا، أن كثيرا من الأدباء ركبوا موجة الثورة، وامتزجوا بجميع المتظاهرين في ميدان التحرير، وحبّروا المقالات، وأبدعوا الأشعار والأغاني والروايات، حتى إذا جاءت ساعة التمحيص، والمتمثلة في الخيار الديمقراطي، فإنهم استعادوا الميراث الخفي، وبانت الأذرع الحقيقية، وتماهوا مع ما هو مطلوب منهم، وإن ارتدَوا مسوح الثورية، وأعلنوا التمسك بالحرية، وكانوا في الواقع يمارسون الدور الذي اعتادوا عليه في الأنظمة الشمولية والدكتاتورية من قبل.

وفي سبيل ذلك، تأتي هذه السلسلة من المقالات لتناقش علاقة المبدع بصفة عامة بالسلطة وحدودها ومبادئها، وما يجب عليه نحوها.

ومن ثم نبحر في بقية المقالات مستعرضين لمواقف مثقفي مصر وأدبائها من السلطة وذلك في التاريخ الحديث والمعاصر في الحقبة الملكية ثم فترة الحكم الناصرية، وما بعدها، من خلال قراءة علاقتهم مع السلطة الحاكمة، وكيف تكونت علاقة قوامها المصلحة، وشعارها الترابط، ووسائلها الاستفادة المتبادلة، كما سنتعرض إلى موقف اتحاد الكتاب في مصر، قبل وأثناء وبعد ثورة يناير، وصولا إلى الانقلاب العسكري وما بعده.

ستكون منهجية المقالات معتمدة على المنهج التاريخي التحليلي المقارن، مع التحليل والنقاش وضرب الأمثلة. ونبتغي في كل ذلك وضع النقاط على الحروف بشأن موقف الكثير من المثقفين الذين روجوا لشعارات الحريات والديمقراطية في كتاباتهم، وهم أول من كفر بها إما سرا في علاقتهم بالسلطة، أو علانية في مواقفهم بعد ثورة يناير والانقلاب على الديمقراطية.

إننا نأمل أن تكون هذه المقالات سبيلا لدراسات وبحوث أخرى، تسلط الضوء على الإشكالية المعقدة في علاقة المبدعين بالسلطة، فلا يمكن فهم الكثير من مواقف المبدع إلا في ضوء هذه العلاقة، ولكي تتضح الصورة من المثقفين والأدباء، لابد من عدم الاكتفاء بما يبثونه من الشعارات ولا الأفكار في كتاباتهم ولكن النظر والتمعن في مواقفهم وتقلباتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى