شخصيات

[:ar]ستيفن هوكينغ.. القعيد الذي طار في الفضاء[:en]The departure of the scientific icon Stephen Hawking[:]

[:ar]
في الأسبوع الأول من عام 1942، كانت البشرية مع موعد ميلاد شخصية سوف تصبح محورية في فهمها عن العالم بعد عدة سنوات، صرخات الطفل ستيفن ويليام هوكنغ أخذت في الارتفاع من شرفة منزل في أكسفورد بإنجلترا؛ فيما بدا وأن الطفل يحاول بكل جهد أن يلفت أنظار العالم إلى أنه لا هدوء بعد ميلاده.. فالضجيج قد بدأ.

لم تسر طفولته على النحو المثالي أبدا، فأسرته تركت لندن إبان الحرب العالمية الثانية وانتقلت إلى تلك المدينة هرباً من غارات الطائرات الألمانية البومية، ليدرس هناك، ويبدأ رحلة متشابكة أثرت البشرية وألهمت أجيالها.

اهتمَّ هوكنغ بموضوعي الزمن والكون، اللذين بدأ منذ نعومة أظافره يتساءل عن كنهيهما. تلميذاً، تطلع إلى دراسة الرياضيات، بينما تمنى والده أن يصبح طبيباً. أما أمه، فلم تفكر بمسألة خياراته بسبب انهماكها في العمل السياسي، ضمن الحزب الشيوعي البريطاني.

في النهاية، لم يدرس هوكنغ لا الرياضيات (أمنيته) ولا الطب (أمنية والده)، بل درس الفيزياء في جامعة أكسفورد، التي لم تكن تضم فرع رياضيات وقتها. وحصل على بكالوريوس في العلوم الطبيعية بسهولةٍ حسده عليها زملاؤه ممن ثابروا وسهروا ولم ينالوا الشهادة. فهو لم يجتهد سوى ما مجموعه بالكاد 1000 ساعة خلال سنوات الدراسة الثلاث، مثلما اعترف لاحقاً.

ثم سجل في “معهد الفلك” في جامعة كامبردج لتحضير الدكتوراه. وشكل العام 1963 فترة حافلة بالأخبار له، منها سارة ومنها محزنة. ففي حفل نهاية السنة، التقى الشابة جين وايلد، طالبة الأدب البرتغالي، واقترن بها لاحقاً، فأنجبا 3 أولاد. هكذا بدأت السنة وردية اللون، بألوان مرح الشباب الزاهية.

لكن، في الشهر التالي من السنة نفسها، تمّ تشخيص إصابة هوكنغ، في سن 21، بمرض التصلُّب الجانبي، بمضاعفات الضمور العضلي، المسمى “متلازمة لُو غيريغ” و”متلازمة شاركو”، الذي يفضي إلى تدمير الخلايا العصبية المُحرِّكة والشيخوخة المبكرة، ثم الموت السريع في 95% من الحالات. تبين أن هوكنغ من بين الـ5% “المحظوظين”، ممن يسلمون من تلك النهاية الحزينة.

لم يمنع الداء الشاب ستيفن من إنهاء الدكتوراه في سن 24، والاستغراق في التفكير ووضع نظريات معقدة، ونشر مقالات علمية ذاع صيتها عالمياً، وتأليف كتب شغفت بها أجيال، أشهرها “الوجيز في قصة الزمن”. كما لم ينهه وضعه الصحي عن تعميق المعرفة بأسرار الجاذبية الأرضية ونشوء المادة وكيفية بدء الكون والمجرات، وتخيل الفرضيات حولها.

وبالتزامن مع احتداد مرضه، تزايدت شهرته وارتفع مقامه بين الأوساط العلمية العالمية. بدأ يفقد تدريجياً القدرة على تحريك أطرافه. فصار يتنقل على كرسي متحرك. لكنه كان يزداد إصراراً على السعي إلى إيجاد حلول لألغاز فيزيائية حيَّرت العلماء عقوداً، لاسيما العلاقة بين “النسبية العامة” ومبدأ الـ”لاحتمية”.

وإذ اهتم هوكنغ بالفيزياء النظرية بشكل لافت، فلأن إعاقته لا تسمح بإجراء تجارب عملية أو ممارسة التدريس. في المقابل، أتاح نبوغه الغور في أعمق المتاهات الفكرية. وبسبب وضعه، تحولت جين وايلد الصبورة إلى زوجة وممرضة في آن. غيابها الاستثنائي جعله يدرك أنها حقاً “نصفه الآخر”، النصف غير المشلول. إذ كابد في تدبير أموره بنفسه حين اضطرت إلى المكوث في لندن لإنهاء أطروحتها. وبعض الأمور، التي تبدو ضئيلة في عيني شخص سليم، تتخذ أبعاد “المأساة” لمن حُرم من العافية.

مثلاً، أصبح مجرد وصول هوكنغ إلى الجامعة معضلة، وهي تبعد من منزله بضع مئات من الأمتار. لذا، بادرت جامعة كامبردج إلى تأجير بيت جميل بحديقة للزوجين هوكنغ داخل حرم الجامعة. ما شكل استثناءً فريداً في تاريخ المؤسسة العلمية العريقة.

ومع مطلع سنوات 1980، لم تعد جين تقوى على تسيير شؤون المنزل، ومتابعة أبحاثها والاهتمام بالأولاد وبزوجها. فاستعانا بطلاب من الجامعة لمساعدتهما في ذلك، مقابل سكن مجاني وأيضاً عون ستيفن القيّم لهم في إنجاز أبحاثهم وتحضير امتحاناتهم. رغم ذلك، اتفق ستيفن وجين على الطلاق في العام 1989، عقب عِشرة 26 سنة. وفي العام 1995، تزوج هوكنغ ممرضته إيلين ماسون. فكانت عِشرة على نقيض سابقتها: جين زوجة أصبحت ممرضة، وإيلين ممرضة أصبحت زوجة.

وإضافة إلى رصانته كعالم، امتلك هوكنغ رصانة أخلاقية بالالتزام بمواقف نبيلة تجاه قضايا عادلة. فمثلاً، في العام 2009، تميز بموقفه المستهجن للعدوان الإسرائيلي على غزة. وفي العام 2013، امتعضت منه مجدداً بعض الأوساط الغربية عدما قرر مقاطعة إسرائيل أكاديمياً، وناشد أقرانه أن يحذوا حذوه، ورفض المشاركة في مؤتمر علمي دولي عقد في تل أبيب.

ولا يندر أن نشاهد مسلسلات خيال علمي تضمُّ شخصياتها عالِماً عبقرياً، إنما معوق جسدياً، يتنقل على كرسي متحرك. يلجأ إليه أبطال المسلسل لحل معضلاتهم العلمية، فيتحفهم باستنتاجاته السديدة. تلك الأدوار الخيالية مستلهمة من شخص هوكنغ.

وعن 76 عاما، رحل الفيزيائي الشهير ستيفن هوكنغ عن العالم بعدما حقق شعبية نادرة، طالت حتى الشباب الذين يتركز اهتمامهم عموما على أشياء لا تمت إلى العِلم بصلة.[:en]

coming soon
[:]
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى