تحليل إخباري

[:ar]الليرة والدولار.. معركة النفس الطويل[:en]Usa VS Turkey[:]

استيقظت تركيا صباح يوم العاشر من أغسطس الماضي، على سلسلة عقوبات اقتصادية أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتضمن رفع رسوم استيراد الصلب والألومنيوم التركية، بنسبة 50 و20 بالمائة، بعد أيام من فرض عقوبات أخرى على وزيري الداخلية والعدل التركيين، وذلك ردًا على رفض أنقرة الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برونسون الذي يخضع للإقامة الجبرية في تركيا.

العقوبات الأمريكية ضد تركيا تأتي ضمن سياق أكبر، وهو حرب اقتصادية يشنها ترامب على خصوم الولايات المتحدة البارزين.. ففي السابع من الشهر نفسه، أعلن ترامب عن فرض حزمة جديدة من العقوبات ضد إيران، التي تقضي بإنهاء المعاملات المالية وحظر استيراد المواد الخام، وبعض المنتجات الصناعية، كما أعلن أيضا أنه في الـ 22 من أغسطس، ستدخل جملة جديدة من العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا حيز التنفيذ.

وفور إعلان ترامب عن عقوباته، توقع خبراء اقتصاديون أن تؤثر تلك العقوبات سلبًا على المناخ الاقتصادي لهذه الدول الثلاث، خاصة أنها أثارت ردود فعل مشابهة تقريبا من قبل قادة الدول الثلاث، وأدت إلى هبوط مفاجيء للعملات المحلية وانهيار جزئي للبورصات الثلاث.

ردود الأفعال الأولية

وفي أول رد رسمي على قرارات ترامب، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشعب التركي للاستعداد لمعركة وطنية ضد أعدائهم في المجال الاقتصادي، بعد انخفاض الليرة المحلية.

أما الكرملين الروسي، فقد اعتبر الحزمة القادمة من العقوبات المناهضة لروسيا غير قانونية، وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأكثر حدة، حيث علق قائلا: “ستندم الولايات المتحدة على ذلك”، إلا أنه لم يحدد ما يقصده من ذلك على وجه التهديد.

الرد التركي

إجرائيًا، كانت تركيا الأكثر حزمًا في ردها الاقتصادي على العقوبات الأمريكية، فلقيت دعوة أردوغان صدى واسعا واستجابة من المواطنين الذين عملوا على فك الودائع وبيع الأصول الثابتة لحلحلة العملة، فضلا عن دعوات واسعة للاستغناء عن المصنوعات الأمريكية لصالح أخرى محلية أو عالمية.

ثم جاء قرار أردوغان بفرض حزمة من العقوبات على الصادرات الأمريكية بواقع 140% على الكحوليات و120% على السيارات و60% على التبغ الوارد من الولايات المتحدة، معتمدا بذلك مبدأ المعاملة بالمثل.

قرارات أردوغان أثمرت سريعا، حيث عاودت العملة المحلية (الليرة) الصعود جزئيًا مع نهاية الأسبوع الأول للتحركات، كما تعافت البورصة بعد يومين من الهبوط المتسارع لتسجل ثباتا عند منحنى التعاملات.

حشد الأنصار

ولكن، يبدو أن ما فات من المعركة لم يكن سوى الجولة الأولى، فسرعان ما تكشفت تحركات إقليمية لحلفاء الجانبين، كان أبرزها إعلان قطر دعم الاقتصاد التركي بـ15 مليار دولار في صورة استثمارات جديدة وودائع وضمانات، وذلك خلال زيارة أمير قطر إلى أنقرة، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تركيا وانهيار سعر الليرة مقابل الدولار الأمريكي.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية لولوة راشد الخاطر، عبر حسابها على تويتر، إنه “لا شكّ أن في استقرار تركيا الشقيقة وأمنها الاقتصادي والسياسي استقرارًا وأمنًا للمنطقة برمتها”. وأضافت أن “قطر التي تأسست على مبادئ الإسلام الحنيف وقيم الشهامة العربية، لا تزال على نهجها الصادق فلا تخذل الأشقاء ولا تجحدهم وقفاتهم معها بل تردّ الإحسان بأحسن منه”.

أما على الجانب الآخر، فقد كشفت صحف مصرية، عن إبرام صفقة بين الرياض والقاهرة لمحاربة المصالح التركية في المنطقة العربية، وذلك بعد اجتماع، عُقد الأربعاء 15 أغسطس الجاري، بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، في مدينة نيوم السعودية.

وتحت عنوان “اتفاق مصري سعودي ضد تركيا”، كتبت صحيفة فيتو المصرية: “الزيارة حملت تفاهمات وتقارب بين الشقيقين يهدف إلى إعادة إحياء المشروع العربي في الإقليم وتحجيم المشاريع الأخرى، التي وجدت الفرصة السانحة لاختراق جسد الأمة، خلال الأعوام الماضية”.

المستقبل المضطرب

التوترات في العلاقات الأمريكية التركية قائمة منذ عهد إدارة أوباما، لكن الأخير فضل عدم جر تلك العلاقات إلى صراع مفتوح، بينما لا يتردد ترامب الآن في خوض الحرب مع أردوغان الذي أعلن رفضه الإذعان للبيت الأبيض، بسلسلة عقوبات مشتركة لكل من تركيا وروسيا وإيران.

الخبير البارز والنائب الأول لرئيس مركز التقنيات السياسية في موسكو، أليكسي ماكاركين، علق لصحيفة “نيوز. ري” الروسية، على تصريحات ترامب بقوله إن “التزامن النسبي للعقوبات ضد روسيا وإيران وتركيا يتأثر بالعديد من العوامل. ومن الواضح أن ترامب لا يفهم قيمة حلفائه، ويرغب في المضي قدما دون النظر إلى المخاطر المحتملة لقراراته، وهذا يتعارض مع السياسة التي انتهجها باراك أوباما”.

أما مدير مركز تحليل النزاعات في الشرق الأوسط بمعهد الولايات المتحدة وكندا، التابع لأكاديمية العلوم الروسية، المستشرق ألكسندر شوميلين، فيعتقد أن تزامن العقوبات ضد طهران وموسكو وأنقرة هو موقف ظاهري ظرفي أكثر مما هو موقف متعمد.

وأكد شوميلين، أن “العقوبات الأمريكية تضع كلا من روسيا وتركيا وإيران في مركب واحد، مما يحتم على الدول الثلاث التعاون مع بعضها البعض، لكنني لا أتوقع نشوء أي تقارب قوي فيما بينها”.

وحسب هذا الخبير “تكمن المشكلة في أنه لكل طرف من الأطراف الثلاثة أهداف ونوايا مختلفة، فمثلا لن تفضل تركيا البقاء في نفس المركب مع روسيا وإيران، فيما ستختار إيران مزيد التقرب من روسيا. ومن ناحيتها، لا يزعج روسيا البقاء في نفس المركب مع كل من تركيا وإيران”.

ويعتقد شوميلين أن موسكو ستحاول استغلال التناقضات بين أنقرة والغرب، ولكن من الناحية الاستراتيجية من المستحيل ضمان تحالف طويل الأمد مع تركيا، وإنما يمكنهما الاستفادة من بعضهما البعض في الوقت الحالي”.

أما الخبير وعضو مجلس الشؤون الدولية الروسي ونادي فالداي الدولي، ماكسيم سواشكوف، فقد أكد أنه لا يمكن اعتبار فرض العقوبات ضد روسيا وتركيا وإيران في الوقت نفسه محض صدفة، وإنما هناك نوايا مبيتة. مشيرًا إلى أن “هذه العقوبات هي دليل على الاتجاه الذي تنتهجه الولايات المتحدة مع أولئك الذين تعتبرهم خصوما لها، أو حلفاء انحرفوا عن الطريق”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى